الفصل الرابع والعشرون

230 5 0
                                    


الفصل الرابع و العشرون
كلما ظن انه وجدها أخيراً و أن عواصف قلبهِ ستهدأ و بأنه سيصل معها لبر الأمان .... تفاجئه صواعق و أمواج متلاطمة تسقطهُ و تسحبه نحو القاع حيث الظلام و الإختناق ... هل أقترف خطئاً عندما سمح لقلبه بالخفقان !! .... ألم يكن من الأسهل عليهما أن يلجم مشاعره كما أعتاد طوال حياته ...
منذ أن تعرض والده لذلك الحادث و أصبحت روحه حبيسة جسده الميت .... أصبح هو رجل المنزل ....لم يترك نفسه للحزن ..لم يبكي رغم حداثة سنه ... أراد أن يكون كما أراد والده دوماً ... لم يلتفت لما يجذب الشباب في عمره.. تجاهل ملذات الحياة و انغمس بالحياة العسكرية ليصبح محترفاً من الدرجة الأولى ... كما كان والده ... لكن ما يفعل و قد وجد ان مثله الأعلى مشوه ..صورة مخادعة تخفي الحقيقة السوداء خلف قناع الشرف و التضحية
لكن هي فقط تمكنت من اقتحام حياته برقتها و نعومتها ... جعلت قلبه يخفق باسمها ليلاً نهاراً ... لقد حاول أن يبتعد .... أن يقتل تلك الأحاسيس الغريبة ... لكنه على قدر رفضه لمشاعر الحب و العشق .... كان يبحث عن ذلك الدفء و العذوبة التي أفتقدها بحياته القاسية .... وكانت هي ....دلال
يقود سيارته نحو المطار يسابق الزمن ... في هذا اليوم بالذات و قد قرر إنهاء القطيعة و هو يحمل لها حلاً قد يرضيها .... فقلبه قد ذاب شوقاً و حباً و عشقاً ... عادت ذكريات يومٍ عاشهُ معها ... يبدو حلماً جميل يطرق أبواب وعيهِ ... ليعود نزف جرحٍ حاول دفنه عميقاً كما اعتاد .... ليس هناك وقت للألم في حياته ... لا يسمح لهُ بالشعور و الأحساس
_ زياد ....زياد استيقظ ..هيا أيها الكسول
شد الغطاء على رأسه و هو يقول بكسل :
_ أريد أن أنام .... إنها عطلتي الأولى منذ أشهر
سحبت الغطاء عن رأسه و هي تقول متوسلة :
_ زياااااااااااااااااد .. هيا انهض .... يجب أن تأتي معي
زفر بضيق و هو يعود لسحب الغطاء :
_ إلى أين ..؟؟ أريد أن أناااااااااااااااام
جلست بجانبه على السرير.... أزاحت الغطاء عن وجهه ... انحنت تطبع على شفتيه قبلة طويلة و ناعمة...تداعب خصل شعره بعذوبة ... فتح عينيه ليغرق في بحور عينيها الزرقاء الصافية .... قال بصوته الناعس :
_ هذا شيء يستحق الإستيقاظ من أجلهِ
أراد سحبها لصدره لكنها نهضت سريعاً و هي تضحك بشقاوة :
_ و الآن بما انك أستيقظت انهض بسرعة و بدل ملابسك سنخرج لسوق البلدة
جلس سريعاً .... يرمقها بنظراته المتوعدة ..
_ أيتها المخادعة ... عودي إلى هنا
فتحت باب غرفة باب النوم و هي تلوح مودعة قائلة بغنج و دلال :
_ سأنتظرك في الأسفل ...سيدي الوسيم
أغلقت الباب لتتركه يضحك على طفلته المدللـة ... تحصل على كل ما تريده منه و بأسهل الطرق ...
في سوق البلدة مشى معها ... تتمسك بذراعه ... لا تتوقف عن الإبتسام ... تميل برأسها على كتفه ....
_زياد .... أنا سعيدة للغاية ... هذا اليوم من أروع الأيام في حياتي
_ ظننت أن يوم زفافنا هو أكثر أيامك سعادة
قالت و هي تتمسك بذراعه أكثر :
_ لقد تفوق هذا اليوم عليه
نظر إليها زياد و هو يبتسم لرؤيتها تحلق بجانبه كفراشة زاهية الألوان :
_ ما الأمر دلال ..؟؟ ما الذي حصل معكِ اليوم
قالت و هي تطلق تنهيدة ناعمة :
_ زوجي حبيبي معي ..أعشقه و يعشقني و من الحب الصادق كل يوم يسقني ... و اليوم ... إكتمل حبنا ليزداد جمالاً و تألقاً
وقف زياد و هو يدير دلال لتواجهه بابتسامتها العذبة و الدموع تلمع بعينيها :
_ما الأمر دلال ؟؟ أنا لا أفهمك
شهقت و هي تضع يدها على فمها :
_ السيد العقيد لم يكتشف الأمر بعد
ضحكت و هي تمسك كفه و تتوجه لإحدى المحالات و هي تقول :
_ لقد وصلنا ... لطالما سرت بجانب هذا المحل و تمنيت أن أدخله
نظر زياد إلى الواجهة الزجاجية .... ملابس رضع لا يتجاوز حجمها كفه ... مهد صغير ينام فيه أرنب محشو ... و أحذية صغيرة طولها أصغر من إبهامه ...
_ دلال ...أنا لا قصد الإساءة إليكِ ..ولكن هذه الثياب لا تناسبك
ضربت كتفهِ و دخلت إلى المحل ... تبعها و هو يناديها :
_دلال !!!
وقفت أمام مهد نيروزي اللون و هي تقول حالمة :
_ يناسب كلا الجنسين
_دلال ..ما الذي يحدث هنا ؟؟
اقتربت منه و دموعها زينت ابتسامتها الناعمة ...وضعت يدها على صدره :
_ زياد .... أين ذكاؤك و نباهتك !!...
نظر زياد حوله و هو يضع يده على كفها المستقرة على صدره.... نظر لعينيها اللامعة كصفيحة بحر هاديء .... همس لها بصوت مرتجف :
_ حامل !!! أنتِ حامل ؟؟
هزرت رأسها بنعم و دموعها تزيد من انسكابها الجميل .... لم يصدق الأمر .... مرر أصابعه بشعره و ابتسامة حمقاء ترتسم على شفتيه ....
ضمها لصدره سريعاً و من حسن حظه ان المحل كان خالياً في هذا الوقت المبكر ... قالت دلال بحنان :
_سأحمل قطعة منك داخلي حبيبي .... سنرزق بطفل يتوج حياتنا ...
_ شكراً لك دلال ... شكرا لدخولك حياتي الباردة الرمادية .... ملئتني دفئاً و لونتي أيامي
ضحكت دلال و هي تبتعد عنه تمسح دموعها و هي تقول :
_ و الآن ما رأيك بهذا المهد ؟؟؟
قال زياد و هو يحاول نفض الإنفعالات و المشاعر عنه :
_ لا .... سوف أصنع مهد أبني بيدي ..
قالت دلال محتجة :
_ ابن .؟؟
ضحك زياد و هو يضمها لصدره :
_ ابن أو بنت ...المهم أنه طفلنا ... أنا و أنتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل المطار و بعين ثاقبة التقطها تجلس على إحدى المقاعد أمام بوابة المسافرين إلى الولايات المتحدة .... كانت تتمسك بعصاها البيضاء .... منذ متى تستعمل العصى .. ألم يكن هو سندها و متكئها !!! متى تخلت عنه !!!
حتى في شهور الفراق السابقة كان يأخد مكان سائقها كلما استطاع .. يوصلها حيث تريد دون أن تعلم .... ينتظرها حتى تنتهي ... يحاول اسكات أنين أشواقه و عشقه الجريح ... يعلم بأنها تشعر بوجوده و لكنها تختار الصمت كما هو ... و الآن استبدلته بعصى !!!
اقترب منها ... كانت الدموع لا تزال رطبة على خديها .... أطلق نفساً ساخناً على ألمها و حزنها .... جلس إلى جانبها و هو ينظر أمامه .... التفتت إليه و هي تتنشق عطره بشوق... قالت بصوت مختنق :
_ زياد .... انت هنا ؟؟
أغمض عينيه و هو يحاول ضبط إيقاع قلبه المتسارع ....
_ ما الذي تفعلينه هنا دلال ؟؟
أشاحت بوجهها بعيداً و هي تحاول التظاهر بالحزم :
_ سوف أذهب عند أخي " مجد " في الولايات المتحدة
شبك زياد كفيه محاولاً التسلح بالهدوء :
_ و أنا يا دلال ... ليس لي أي مكان في حياتك ؟؟ ... تسافرين دون إخباري أو التشاور معي
_ أنت الذي اخترت مقاطعتي و عقابي
قال بصوت يفيض حناناً جعل قلبها يخفق سريعاً :
_ دلال .... أنا لم أقصد عقابك بالإبتعاد عنكِ
أغمضت عينيها و هي تضغط على جبهتها بسبابتها :
_ أعلم زياد .. أردت أن أفكر بحياتي و نفسي و مستقبلي بعيداً عنك ...أحفظك أكثر من نفسك
_ إن كنت تحفظيني ما كنت اخترتي الرحيل عني دلال ... كنت اقتربتي أكثر و حطمت تلك الحواجز التي رفعتها بيننا
أخذ صدرها يعلو و يهبط سريعاً و هي تشد على عصاها بقوة :
_ زياد ... أنا ...أنا لا أستطيع الإستمرار هكذا نحن نجرح بعضنا بشدة
نظر إليها و ناقوس الخطر يدق بقلبه:
_ ماالذي تقصدينه بهذا الكلام ؟؟
ابتلعت ريقها و حسمت قرارها قائلة بصوت مرتجف:
_ أريد الطلاق
شعر زياد بالنار تشتعل في صدره .... كما لو أنه تلقى رصاصة في صدره اخترقت قلبه و فجرته لأشلاء محترقة... شعر بالضباب يحيطه من كل جانب .... فرك كفيه بعصبية و هو يشد على أسنانه حتى كاد أن يكسر أضراسه ... نهض و هو يمسك ذراع دلال يسحبها خلفه ..لم يلتفت لاحتجاجها و هي تناديه متوسلة أن يتوقف
وصل لغرفة أمن المطار ... أمره الضابط المسؤول بأن يترك الغرفة ... استجاب الضابط سريعاً دون نقاش فهو العقيد زياد لا يمكن تجاهل اوامره ...
حرر ذراع دلال التي أحاطت نفسها تجاهد كبح جماح دموعها ....وقف زياد أمامها و هو يقول ببرود :
_ ما الذي تفعلينه دلال ؟؟ تردين قتل كل شيء بيننا !!
أغاظها بروده في هكذا موقف ... قالت بقوة و هي ترفع رأسها بشموخ :
_ أريد الطلاق زياد لم اعد أطيق الحياة معك
ارتجفت من قوة كفيه اللتانِ أطبقتا على ذراعيها و صوته المرعب اخترق حصون دفعاتها :
_ لقد جننت حتماً ... فقدت عقلك دلال ... كيف تفكرين بأمر كهذا ؟؟
اشتعل الغضب داخلها أكثر حاولت سحب نفسها من بين ذراعيه و هي تقول مهتاجة :
_ أكرهك زياد .... اكرهك ... لم اعد أحتملك ... أنت السبب ... أنت المذنب بكل شيء ... بسببك فقدت طفلي و بصري و نفسي .... أكرهك و لا أريدك ..
صرخ في وجهها والدماء تكاد تتفجر من رأسه :
_ دلاااااااااااال .... اصمتي ....اصمتي
صرخت بدورها و هي تضرب صدره بقوة باكية :
_ لا ..لا... لاااااااااااااا ... حاولت إقناع نفسي بأن لا ذنب لك بما حدث معي و لكن كنت مخطئة .. يكفيك تحطيماً لحياتي .... لم يعد في قلبي متسعاً لجروح قسوتك و أنانيتك .... أكرهك على قدر ما أحببتك .... طلقنيييييييي
حرر ذراعيها يتراجع كما الملسوع .... لا يصدق أن هذه الكلمات تخرج من فم محبوبته ... إلتزم الصمت أمام هيجانها عسى أن تهدأ و تتراجع عن كلماتها واضعاً يده على صدره ... يشعر بألم قاتل يذبحه ببطء ... لكنها بدلاً من هذا عادت تصرخ:
_إن لم تطلقني الآن زياد سوف أوكل محامياً ليرفع قضية خلع لأتخلص منك و من حياتك البائسة ..إن كنت رجلاً ....
_ أنت طالق يا دلال ...طالق
قاطعها بحزم قائلاً تلك الكلمة ببرود قتله ... لينقطع العهد الذي جمعهما .... أطلقت دلال نفساً مرتاحاً و هي تقول لاهثة :
_ شكراً لك ..
_ ابتسم زياد بألم و هو يقول :
_شكراً!!! اتمنى أن تجدي سعادتك بعيداً عني
فتح باب الغرفة بهدوء ... بقي واقفاً لدقائق غير قادر على الحراك .... جلست دلال منهارة على أحد المقاعد ... سمع صوت شهقات بكاءها و نحيبها و هي تغطي فمها تنادى اسمه بشجن و ألم ...التفت زياد يراقب انهيارها بصمت ..تمنى أن يسرع إليها ..يضمها .. يغرقها بحبه ...يحملها إلى منزلهما .. و لكنها تكرهه الآن!!! أصبح شخصاً ثقيلاً على حياتها
ارتفع صوت الإعلان في المطار ينادي ركاب رحلة الولايات المتحدة .. نهضت دلال تلمس طريقها متعثرة ..تمسح عينيها و أنفها .... أسرع إليها مقلداً صوت ضابط الأمن :
_ سوف أوصلك للبوابة سيدتي
هززت رأسها موافقة ... تمسكت بذراعه تتنشق ذرات عطره للمرة الأخيرة .... لا يمكن أن تخطيء حبيبها و لو كان بين ألف رجل ... بكل خطوة سكين تطعن صدريهما ... وداع صامت يقتلهما ...دموع حبيسة ... قلوب تحتضر لفراق قد أزف ... روحان تتصارعان للرحيل ...
وصل إلى البوابة طلب من المضيفة مساعداتها ... تركته و ابتعدت دون أن تلتفت ..سوف تضعف إن لم تسرع بالرحيل ... دخلت الطائرة و رحلت ... فقط رحلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسرعت لقسم الإستعلامات في المطار تسأل عن رقم بوابة المغادرين للولايات المتحدة ... ركضت حيث أشارت موظفة الإستقبال .. بحثت عنها بين الوجوه الكثيرة .... لم تجدها .. نظرت للوحة الإلكترونية المعلقة ... طائرة الولايات المتحدة .... غادرت ... لقد تأخرت ... لا بد أن الأمر سيكسر قلب زياد .. لن يحتمل بعدها ....وضعت يدها على رأسها تحاول منعه من الإنفجار
أرادت المغادرة و العودة لمقر الشركة ... لكنها رأته هناك ..يجلس منحني الظهر ...شارداً غير واعٍ لمن حوله ... وضعت يدها على صدرها تمنع قلبها من الإنفلات ... لقد غادرت المجنونة تركته حقاً ...لقد دمرته ...
تقدمت نحوه و تلك المكالمة الغريبة تترد في ذهنها
كانت في مكتبها تدرس طلبات العملاء ... شعرت بالإحباط لعدم و جود طلب مقدم باسم ناجي القاسم .... تمنت أن يبدأ العمل في تلك المهمة بدلاً من القلق و التوتر و الإنتظار الذي يسيطر عليها ... ارتفع صوت هاتفها المحمول باتصال من رقم غير محفوظ لديها :
_ مرحباً ...
جاءها صوت أنثوي متررد بنبرته :
_ عذراً على الإزعاج ... أنتِ ياسمين ؟؟
_ نعم تفضلي ....كيف يمكن أن أساعدك ؟
_ أنا ....أنا دلال
قالت ياسمين و هي تضرب لوحة المفاتيح مسندة الهاتف على كتفها :
_ دلال؟؟
_دلال زوجة زياد
تجمدت أصابعها كما كل خلايا جسدها .... أسرعت تمسك الهاتف قبل سقوطه ...قالت بصوت خافت :
_ أهلاً ... دددد ...دلال
ساد الصمت المزعج بين طرفي الخط ... أمسكت ياسمين القلم تخربش على ورقة بيضاء أمامها تفرغ توترها ....بعد دقيقة طويلة سمعت دلال تتنهد قائلة :
_ ياسمين .... أريد أن أطلب منك أمراً
ردت ياسمين سريعاً :
_بالطبع
_سامحيني
_ أسامحك ؟؟
_ بسببي تعرضت لذلك الحادث و كدت ....
قاطعتها ياسمين و هي تقول :
_ أرجوكِ انسي الأمر ... انتهى .. لا ذنب لك بكل ما حدث
علمت دلال أن زياد لم يخبر ياسمين بأمر التمثلية السخيفة ....قالت و هي تلتقط دموعها :
_ اعتني به ياسمين ...
_ماذا ؟؟
علمت ياسمين أن دلال تبكي بصمت :
_ اعتني بهِ ...أرجوكِ ..حياته صعبة للغاية ... يحتاج للعناية و الحب و الحنان حتى يحقق التوازن في نفسه ...
شعرت ياسمين بنفسها تائهة و غير قادرة على فهم كلماتها ...سألتها و قد أدركت أن هناك امراً غير طبيعي ....
_ لما تطلبين مني أمراً كهذا ؟؟ ما الذي سيحدث معكِ ؟؟
_ سوف أرحل عن البلاد لفترة غير محددة إلى الولايات المتحدة ....
_ هل أخبرت زياد ؟؟
ضحكت دلال بمرارة :
_ لا تقلقي في أي لحظة سوف يصل إلى هنا ... تعلمين بأن جواسيسه يحيطون بي؟
قالت ياسمين و هي تعتصر القلم بيديها :
_ما الذي تفعلينه دلال ؟؟
_ سوف أبتعد قليلاً فقط ....
خرجت الكلمات من ياسمين كنصل سكين حاد يشق صدرها
_ زياد يحتاجك دلال هو يحبك كثيراً لا تتركيه الآن ...ليس الآن
جاءها صوت دلال ضائعاً :
_ يحبني!!
شعرت ياسمين بالغضب منها .... كيف تشكك بحب زياد و هي من يتحمل عذاب بعد قلبه وروحه عنها .... تسمعه ينادي اسمها بنومه يختلس النظر لصورتها
_ زياد لا يحب غيركِ أنتِ
لا تعلم لما تفوهت بهذه الكلمات الجارحة لأنوثتها و كبريائها ... تخبر ضرتها بأن رجلنا لا يحبني بل يحبك أنتِ !!!
_ ما الذي تقولينه ....؟؟
قالت ياسمين وهي تتوقف عن خربشاتها و قد وجدت نفسها و بدون وعي قد رسمت اسم زياد .... رمت القلم و هي تدلك جبينها بقوة توازن الأمر... تعلم بأن الحياة بينها و بين زياد لن تستمر مهما حاولت .... هو لا يرى سواها ... دلال فقط
_ دلال أرجوكِ عودي لمنزلك و أصلحي الأمر معه ... بُعدك سيزيد من تعقيد الأمور .... صدقيني زياد يمر بمرحلة صعبة في حياته و بعدك سيزيد من هذا التعقيد
_ أنت موجودة و سوف تهتمين به
وقفت ياسمين تضرب المكتب أمامها لتصرخ باكية و قد زاد الموقف من ألمها و جروحها :
_ أنا لا شيء بالنسبة له ...لا شيء .. لست سوى عبء يثقل كاهله ... يريد حمايتي و الحفاظ على سلامتي ...فقط .... ليس أكثر .. إنه لا يراني كزوجة و حبيبة .... هو لا يرى غيرك أنتِ
جاءها رد دلال جامداً و بارداً
_ انتِ تكذبين
_ و لما أكذب بأمر كهذا أنا أخبرك بأن الرجل الذي أعشقه لم يقترب مني... هو لم يلمسني كما لو كنت امرأة غريبة عنه مصابة بمرض معدي
ساد الصمت بينهما و ياسمين تذرف دموعها صامتة .. ما كان يجب أن تقول كل هذا .... لقد قتلت أنوثتها و أزهقت كبريائه من أجله ....تخشى عليه من ابتعاد دلال .... لن تسمح لدلال بالمغادرة و ترك زياد و هو وسط دوامة خطيرة ... و إن كان على حساب كرامتها وقلبها
_ياسمين .... لا تقلقي ... سوف يكون لكِ بالكامل ...سوف أغادر بعد قليل و لكن دون رجعة ... اهتمي بزياد ... أحبيهِ كما يستحق
أغلقت دلال الخط وياسمين تنظر للهاتف غير مصدقة ... يكون لكِ بالكامل ... ما الذي ستفعله تلك المجنونة ؟؟... اعادت ضرب رقم هاتف دلال مرة تلو المرة و لكنها لم تجب .. حملت أغراضها و أسرعت إلى المطار لتوقفها و إن أضطرت سوف تقيدها .... من اجل زياد فقط .. من أجله هو فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جلست إلى جانب زياد الذي اخفى وجهه بين كفيه ... وضعت يدها على كتفه دون ان تجد بين الكلمات ما يسعفه ...رفع رأسه ينظر إليها و عيناه تنطقان بحزن ثقيل .... دموع تلمع فوق حدقتيهِ تأبى الإنكسار... بكت عنه و هي تهمس له :
_ لما سمحت لها بالرحيل ؟؟
أغلق عينيه بقوة و هو يدلك رقبته :
_ هي من اختارت الفراق
قالت ياسمين وهي تمسك كفه بعطف :
_ لا تقلق سوف تعود .. أنت و هي لكما قدر واحد
سحب كفه رافضاً عطفها و شفقتها قائلاً :
_ لقد انتهى الأمر .... لقد ... طلقتها
شهقت ياسمين و هي تضم يدها إلى صدرها :
_ ماذا ؟؟ لما فعلت أمراً كهذا ؟؟
_ هي من اختارت
_ و أنت وافقتها ؟؟ كان عليك أن تراعي وضعها و تتحمل كلماتها مهما كانت
التزم الصمت و هو يقف بتثاقل و الألم يحفر في ملامح وجهه ... دس كفيه بجيبه يسير نحو بوابة الخروج بمشيه ثابتة لا تفضح إرتجاف روحه و قلبه.... يشعر بالبرد يجمد أطرافه ... و الألم يحبس انفاسه .... سارت ياسمين إلى جانبه غير قادرة على لجم دموعها ... وصل إلى سيارته ..ألقى المفاتيح لياسمين التي تلقتها و هي تراقبه يدور حول السيارة ليقف أمام باب الراكب ...أسرعت تجلس في مقعد السائق ....استقر إلى جانبها يلقي بثقله على المقعد كما لو أن الوقوف أنهكه ....أدارت المحرك و انطلقت غير قادرة على سؤاله عن الوجة التي يريدها .... غطى زياد عينيه بذراعه مسنداً رأسه ....التفتت ياسمين إليه بعد فترة و قد رأت تلك الدمعة الخائنة تنحدر على خده الخشن .... مسحها بحزم و قوة مانعاً الأخريات من التمرد عليه ....
عادت تنظر امامها عاجزة عن مواساته .... و دمعته تحرقها ....
علا صوت هاتفهِ شعر به كمدفع يضرب دماغه المنهك ... أراد إطفائه .... لكن الرقم الذي ظهر كان من الخارج .... رد بصوت أجش مختنق :
_ نعم ... من ؟؟ ... سامر ؟؟
استوى بجلسته و قد عاد الحزم و الهدوء لملامحه المتعبة :
_ اهدأ .... أرجوك أنا لا أفهم شيئاً .... حسناً .. حسناً ... لا تقلق سأعثر عليه و أتصل بك .... في أمان الله
قالت ياسمين بقلق :
_ ما الأمر هل حدث مكروه لسعاد ؟؟
أجاب زياد سريعاً و هو يضرب رقماً :
_ لا .. لكن حمزة تعرض لحادث
زاد شحوب ياسمين و هي تلهج بالدعاء و الاستغفار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن