الفصل التاسع

308 3 0
                                    

الفصل التاسع
اقترب منها أكثر .... شعرت بأنفاسه الحارة تلفح وجهها .. ازداد صوت بكائها ارتفاعاً و هي تستسلم للمساته و قبلاته الحارة ...لم يبالي ببكائها و آهاتها و صوت أنفاسها المتقطع ... اغلقت عينيها بقوة تحاول السيطرة على ارتجافها ... صورة يزن احتلت تفكيرها و قلبها ... أما هو فكان غارقاً بدوامة من المشاعر و الشوق الذي يعصف بقلبه منذ عام ... لم تغب عن باله و عن تفكيره ....كان في بعض الاحيان يقف بسيارته قريباً من منزلها .... يراقب دخولها و خروجها .... الحزن الذي رسم ظلاله على وجهها يقتله كل يوم ببطء .....كم تمنى أن يسرع اليها ضارباً بكل شئ عرض الحائط .... اقترب من شفتيها المطبقتين بقوة و هو يحرك يديه على جسدها بتملك ... أخذ يغرق في بحور شعرها الغجري ....يشم رائحتها التي دوخته... لكنها كانت تغرق بشعور الذنب....
لم تحتمل ياسمين أكثر ..اختار عقلها الغياب الى عالم اللاوعي و هي تقول بضعف :
_ توقف .... أرجوك
شعر بجسدها ينهار بين يديه ...رفعها ليلصقها بصدره .... نظر الى وجهها الشاحب و هو يقول :
_ لم استمر بتعذيبك صغيرتي !... كم أتمنى أن أمنحك السعادة بدلاً مما أفعل
دخل بها الى غرفة النوم و وضعها على السرير بهدوء ..أزاح خصل شعرها التي التصقت بوجهها المغطى بالدمع ...
جلس على طرف السرير و هو يتأملها ....عادت ذكرياته لتلك الليلة المشؤومة ..لا يستطيع تفسير سبب فقدانه لأعصابه أمامها .. تسكنه شياطين الدنيا عندما يتعلق الأمر بياسمينته ... ذلك الوغد قصي أحسن اللعب على هذا الوتر .... هي لم تخفي عنه أمر علاقتها به ... أخبرته كل شئ و ياليتها لم تفعل .... كم يشعر بالغيرة لأن هناك من سكن قلبها قبله ... بعدما غادر المنزل بأيام .. عاد للبلاد بعدما أيقن بأن الصورة مزيفة .....لم يكن عملاً متقناً اساساً .... تزيف رخيص ... أراد العودة اليها للاعتذار حتى لو اضطر للتوسل و الرجاء ... قبل خروجه جاء والده مع رجل من كبار الحزب الذي ينتمي اليه ... أخبره انه تم اختياره كممثلٍ عنهم لخوض الانتخابات القادمة ...شعر وقتها بالسعادة و الفخر .... أراد الاسراع الى ياسمين و اخبارها ... أوقفه والده
_ أجننت ؟؟ لولا انفصالك عن ابنة عاصم لما تم اختيارك
_ ماذا ؟؟
_ حازم ....افهم ما سأقوله جيداً .... بزواجك من ياسمين قام الحزب بتنحيتك عن اي عمل كبير بسبب عمل ابيها كمعارض للدولة و نحن من الحزب الحاكم ...إن عدت اليها سوف تعود للزواية المظلمة ... و من ثم عليك الزواج من ابنة رئيس الحزب كما قلت لك سابقاً
_ و ياسمين يا أبي ...إنها أم ابني و حبيبتي
_ سوف تدمر نفسك
_ لا أبالي ... سوف أذهب اليها ... لن يمنحني العمل السياسي السعادة
_ افعل يا حازم و سوف تشهد ياسمين أكبر حملة لتشويه صورتها في الصحف و المجلات
_ ابي !!!
_ تذكر الصورة ..... لازلت أحتفظ بها و ليس من الصعب علي أن اقنع أكبر صحف البلاد بنشرها و رش البهارات على الخبر حتى تصبح ياسمين أكبر فاجرة بالبلاد
_ أبي اياك .. انت تعبث بأعراض الناس و بعرضي !!
_ اعتبر الأمر كما تشاء و لكن لن أسمح لك بتدمير مستقبلك السياسي مرة ثانية
_ أنت من أرسل الصورة ؟؟ أنت !!
_ لا لم أفعل و لكن كنت افكر بطريقة لابعد ابنة عاصم عنك ..لكن جائني الامر على طبق من فضة
ارتفع صوت هاتف ياسمين من الغرفة المجاورة .... مخرجاً اياه من دوائر الماضي التي احاطت به ... تجاهله و هو يحدق بمحبوبته ... كم يشتاق اليها و لحضنها الدافئ ... استمر الهاتف بالرنين .. زفر بغضب و خرج الى غرفة الاستقبال ...فتح حقيبتها ليخرج هاتفها .... 7 مكالمات فائتة .... سعاد و والدها و العمل ... يبدو ان الجميع يبحث عنها ...أراد إعادة هاتفها الى مكانه ....رسالة واردة من سعاد وصلتها ... فتحها لتقع عيناه على أمر أثار جنونه أكثر من أي مرة
" لا تعودي الى المنزل حتى أخبرك ... أبي ومعه ذلك الوغد بانتظارك مع المأذون الشرعي لإجبارك على الزواج منه "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان زياد ينظر بغضب للرسالة التي تركتها دلال كلمات قليلة و لكنها كانت كفيلة بتفجير براكين الغضب بداخله
" حبيبي زياد
سأرحل حتى تجد سعادتك ...ارجوك ....
و عندها فقط ساعود لاكون جزء من حياتك ....
حبيبتك دلال"
بنظرة واحدة للخادمة اخبرته عن مكان تواجدها في منزل ريتاج
لم يحتمل البقاء في المنزل ...توجه الى الشعبة .... لم يجد مكانا اخر ليذهب اليه ..... ليس لديه اي اصدقاء .. يفني عمره بخدمة وطنه ...
كانت افكاره تصرعه بجنون... ما الذي تفعلينه يا دلال ... الم تعلمي بأن قلبي خلق لأنثى واحده ... أنثى أختارها من بين كل النساء .... لو تعلمين مقدار عشقي و غرامي لما تجرأتي على طلبك المجنون ..... لعلمتِ بأنك وحدك تملئين حياتي ... دخل الى مكتبه ..لحق به حيدر و هو يقول مندهشاً :
_ ما الذي تفعله هنا ..؟؟ لقد عدت من السفر للتو
_ دلال ..تركت المنزل لترغمني على الزواج
_ أفهم منك الآن أنك ستنفجر غضباً
_ اطلب من ياسمين أن تحضر
_ ماذا ..؟؟
_ما بالك ..؟؟ أريد أن أرى الى اين وصلت بموضوع التصنت
_ سوف أخبرك بكل شئ يتعلق بهذا الموضوع
_ما الأمر ؟؟
_ يا الهي ساعدني .....لقد أخذت إجازة ساعية و لم تعد الى الآن
_ منذ متى يفترض بها العودة ؟
_ منذ ثلاث ساعات مضت
_ هل اتصلت بها
_حاولت السكرتيرة ذلك ...في البداية لم ترد و تحول وضع هاتفها الى المغلق
_ ليست من النوع الذي يهمل عمله
_ أعلم ذلك ... لهذا لم أشئ أن تعلم
_ اتصل بمنزلها
_ لقد فعلت و تحدثت الى أختها .. انها لا تعلم شئ عن مكانها
_ هناك أمر غير طبيعي
دخلت مديرة مكتب زياد و هي تقول :
_ والد ياسمين بالخارج و أختها يسألون عنها سيدي
قال حيدر :
_ سأتحدث اليه
_ لا ...أنا سأفعل أدخليه
أسرع والد ياسمين بالدخول وسعاد خلفه...كانت نظراته حادة ممزوجة بالغضب القاسي ... أما سعاد كانت تمشي خلفه و التوتر يكسو ملامحها ..لم تتوقف عن فرك يديها ببعضهما .... كم تشبه ياسمين ولكنها أكبر عمرا .....
_ اهلا بك سيد عاصم
_ أشكرك لاستقبالي سيادة العقيد زياد
_ يبدو أنك تعرفني
_ أنت فخرٌ للوطن ... ابن العميد طارق
_ و انت أيضاً سيدي ..... سعيد بلقائك... هل أستطيع مساعدتك ؟؟
_ ابنتي ياسمين ... أحاول الاتصال بها ...لكن لا أستطيع الوصول اليها
_ لقد أرسلتها بمهمة قد تحتاج الى وقت طويل حتى الغد ....و أظن أن المكان الذي تتواجد به خارج نطاق التغطية
_ و ما هذا المكان؟؟
_ سيدي ..أعذرني لا يمكن أن أبوح بذلك ..بسبب طبيعة عملنا
_ أقدر هذا .. لكن اليوم سوف نعلن خطبتها ..يجب أن تتواجد بالمنزل
كان زياد ينتقي كلماته بدقة ... بناءً على رد فعل سعاد و ملامح وجهها
_ خطوبة ؟؟
_ نعم
_ و هل تعلم ياسمين بذلك ؟؟
_ عفواً ...؟؟
_ سيدي لقد طلبت من السيدة ياسمين أن تحدد موعداً لألتقي بك ...أرغب أن أتقدم لخطبتها من حضرتك و هي لم تمانع
_ لم تخبرني بشئ
_ لقد اتفقنا على هذا اليوم
كانت أعين سعاد و حيدر تتسعان من الدهشة .... أما والدها كان يحدق بوجه زياد ....ليبتسم بعدها بخفوت
_ يشرفني أن يكون بطل مثلك زوج لابنتي
_ الشرف لي سيدي
_ بانتظار حضورك ... سوف أتركك لعملك ...أتمنى أن تخبر ياسمين بحضوري
كانت عيون سعاد متعلقة بزياد ...تريد أن تصرخ بشئ ما... لم يفوت زياد اشارتها الواضحة
خرج عاصم من المكتب و سعاد خلفه ...تركت حقيبتها تسقط ارضاً ... هم حيدر بالتقاطها ...
_ لا تفعل ....
تجمدت يده تحت وقع كلمات زياد الحازمة
_ هل جننت يا زياد .. مالذي قمت به لتوك
دخلت سعاد سريعاً الى المكتب ...همت بقول شئ....لكنها نظرت الى حيدر
_ ايها المقدم ارجوك اتركنا وحدنا
خرج حيدر من المكتب مغتاضاً
_ اخبريني
_ياسمين ذهبت لتقابل زوجها السابق منذ وقت طويل اخشى ان يقوم بايذائها
_ اين ؟؟
_ في بيتهما السابق قبل انفصالهما
_ كيف تفعل أمراً كهذا ؟؟
_ انه يساومها على ابنها
_ ماذا؟؟
_ ارجوك ساعدها ...انه مجنون ... لم يتوانى بالسابق عن ضربها حتى كادت أن تفقد حياتها باخر مرة
_ العنوان ارجوكِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينيها ببطء ...شعرت بقليل من التشوش في أفكارها .... نظرت الى جانبها .... إنه ليس موجوداً .... كيف سمحت لنفسها بالانهيار أمامه ..... دائماً يسقط قناع القوة الذي تدعيه أمامه
نزلت عن الفراش اقتربت من الباب .... سمعت صوت اخيها سامر و حمزة يتحدثان
_ الحمد لله على وجودك أخي
غيرت ملابسها بسرعة و خرجت لتلاقي اخيها ....
_ صباح الخير
نهض سامر وحمزة سريعاً لدى دخولها
_ أماني حبيبتي لقد أخبرني حمزة بما حدث معك أمس
_ أنا بخير الآن.. لا تقلق
_ جيد ....جيد ... قد تحدث اشياء لا يتصورها عاقل
كان حمزة ينظر اليها بقلق شديد ... هربت بنظراتها منه ... وجود أخيها كان مرساتها للنجاة من مواجهته و لكن ....
_ لقد نسيت هاتفي بالسيارة ....سوف أذهب لإحضاره
أسرعت أماني الى المطبخ عند خروج اخيها ... لحق بها حمزة ... وقف مستنداً على الباب قائلاً :
_ هل أنت بخير ..... حقاً ؟؟
_ أجل .... أنا بخير ...
_ حسناً .. سوف أذهب لإحضار الإفطار من الخارج لا تتعبي نفسك ... لم أفهم الى الان سبب صرفك للخادمة
_ لست بحاجه لوجود خادمة
_ كما تشائين
تشاغلت برفع الصحون و وضعها دون هدف ..شعرت به يقترب .... أحاط خصرها بيده و قربها اليه حتى التصق ظهرها بصدره ...طبع قبله عميقة على رقبتها ...همس قرب أذنها :
_ لقد خفت عليك كثيراً بالأمس ...لم تتوقفي عن البكاء حتى بعد نومك
قالت بصوت خافت :
_ اسفه
_ لا ..لا تعتذري....أريدك أن تكوني بخير
أغلقت عينها ... أراحت راسها على صدره ..... سبحت بافكارها الخاصة
_ كم أشعر بدفئ حضنك يا حمزة ... كم أتمنى أن أقضي عمري بين ذراعيك يا حلمي الجميل .. و لكن لا يمكن أن أغفر لك ما فعلته و تجاهلته كما لو لم يكن ... لو أنك اعتذرت أو بررت ما حدث ....ربما ...ربما لتصرفت معك بطريقة مختلفة .... تحولت من حلم جميل لكابوس فظيع
سحبت نفسها من بين ذراعيه لتعاود رفع و انزال الصحون بدون معنى .... ابتعد عنها و هو يقول :
_ أريد منكِ أن تتحدثي لسامر بموضوع زواجه ... انه لا يستمع الي .... لا يجوز أن يبقى وحيداً بهذه الطريقة
_ طبعاً سأفعل
_ سأذهب الآن
هزت راسها بنعم
عندما سمعت صوت اغلاقه الباب وضعت يدها على جبينها مغلقه لعينيها
_ و ماذا بعد يا أماني .....ما العمل الان؟؟
سمعت صوت سامر يناديها ..أسرعت اليه ..اشار اليها بالجلوس الى جانبه
_ صغيرتي .... هل أنت بخير حقاً ؟؟
_ توقف عن القلق ... أنا بخير .... يجب أن نتحدث بموضوع آخر
_ ما الأمر ....؟؟
_ الزواج ...
_ اه ...لا بد أن حمزة قد حرضك علي
_ ربما ... و لكنه محق ... انت تكبر بالعمر ... دون أن يكون لك شريكة في حياتك
_ سوف أفكر بالأمر عندما أطمئن عليك
_ لقد تزوجت من الرجل الذي اخترته انت ...
_ أعلم ... و لكن أنا لست بأعمى لأرى أن أميرتي الصغيرة تعيسة .. و هذا يجعلني أشعر بالذنب لاجبارك على هذا الزواج رغم خطأك
خفضت أماني عينيها خجلاً من ذكره الموضوع ...
_ أخي أرجوك
_ حبيبتي أنا لا أقصد لومك أو احراجك .... لكن أريد أن أراك سعيدة .... انت و حمزة ... انتما أغلى ما لدي بهذه الحياة ...
_ لا تقلق أخي سأكون بخير .... لكن أحتاج لقليلاً من الوقت
_ أتمنى ذلك .. صدقيني ..لن تجدي شخصاً أفضل منه .. لن انساه عندما وقف بباب منزلنا وهو لم يتجاوز الخامسة عشر ربيعاً من عمره قائلاً بأنه ابن عمي جلال ... و أنه يرغب بالسكن في بلادنا بدلاً من أمريكا .. ترك أهله ليعيش مع رجل غريب لم يحدثه طوال عمره.... عندما سألته عن السبب قال بأنه يضيع روحه في تلك البلاد ... و أنه غير راضي عن النهج الذي تسلكه عائلته من حياة غربية فاسدة ... في البداية ظننت أنه لن يصمد أكثر من شهر ... و لكنه أراد أن يكون رجلاً شرقياً مسلماً بامتياز... شاب عبقري بطريقة عجيبة ... يحسن قراءة الامور و الاشخاص
_ لم أفهم .... كيف ذلك ؟؟
_ يمكن أن يقرأ أفكارك ... حركة السوق الاقتصادية .... الاوضاع السياسية ..... يتوقع أمراً قد يبدو مستحيلاً و لكنه بعد فترة يحدث فعلاً ... في بعض الاحيان أظن أنه ساحر
_ أنت تصوره على أنه ملاك
_ بالطبع لا .... له أخطائه .... لن أنسى تلك الليلة التي وجدته فيها نائماً أمام مدخل عمارتنا
_ ماذا ؟؟
_ أجل أعتقد ان ذلك حدث منذ عشر سنوات تقريباً ... إنها قصه قديمة ..انسي الأمر
_ أخبرني .... أرجوك
_ لما كل هذا الاصرار ؟
قالت ممسكة بيده بقوة :
_ سامر ... تكلم ....أرجوك
نظر الى عينيها بخوفٍ حذر .. شكوك الماضي عادت لتخترق صدره بقوة .. قال ببطء وهو يحاول قراءة تفاصيل وجهها:
_ يومها عندما توفي أخوه معاذ بسبب جرعة زائدة من المخدرات ... لم نخبرك بهذا الأمر خشينا عليك لصغر سنك وقتها ... أنا كنت مسافراً لليلة واحدة ... بقيت وحيدة في المنزل .. وصل الخبر الى حمزة و كان في حالة سيئة للغاية ...أحد أصدقائه قام بدس مهديء له في شرابه او بالاحرى كما يبدو أنها كانت نوعاً من الحبوب التي تسبب الهلوسة و غياباً للعقل ... إنه لا يذكر شيئا عما حدث تلك الليلة .... شئ واحد يظن أنه حدث ....يقول بأنه سمعك تبكين و تصرخين باسمه ...أخبرني بذلك عندما أيقظته بصعوبة و هو نائم أمام مدخل عمارة منزلنا ... أسفل الدرج .... بالكاد لمحته ... عندها اسرعت الى المنزل .. كنت تتصرفين بشكل طبيعي للغاية .... كنت تحضرين نفسك للذهاب الى المدرسة ..ظننت أنه كان يتخيل بسبب تلك الحبوب .. تذكرين تلك الليلة التي سافر بعدها الى امريكا ليحضر عزاء اخيه معاذ
كانت أماني تستمع اليه وقلبها يخفق بجنون .... هل يعقل أنه لا يذكر ما حدث بتلك الليلة؟؟؟ .. هل كان غائباً عن وعيه ؟؟ .... هو لم يسافر وقتها ليهرب من المواجهة كما ظنت طوال تلك السنوات ...
جفلت عندما وضع سامر يده على كتفها و هو يواجه نظراتها
_ هل قام حمزة بشئ تلك الليلة ؟؟ ..... هل قام بإيذائك أماني
طرفت عدت مرات بأهدابها تحاول السيطرة على الموقف .... قالت متلعثمة :
_ ماذا ؟؟ لا .... لا ...أنا ...لم أره تلك الليلة
_ أماني أخبريني الحقيقة
_ أنا أخبرك بالحقيقة
_ و ما سبب توترك ؟؟؟
_ أه ... لا بد أنه تأثير يوم أمس
_ أماني ...!
_ توقف سامر
قال سامر و هو يدلك جبينه بقوة :
_ في بعض الاحيان أظن أن سوءً قد وقع فعلاً بسبب الكابوس الذي يكاد لا يفارقه لكنك لم تتكلمي
_ أي كابوس ؟؟
_إنه يرفض إخباري ... لكني أسمعه ينادي باسمك دائماً ... لينتهي الأمر باستيقاظه غارقاً بعرقه و نبض قلبه يخفق بجنون
_ ماذا ؟؟
_ أماني للمرة الأخيرة .... هل قام حمزة بإيذائك ؟؟
_ أخبرتك بأنه لم يفعل.. توقف أرجوك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادت لترتب الثياب في أماكنها و هي تتخبط في أفكارها ... حتى جاء صوت من الخلف جعل قلبها يتوقف عن الخفقان
_ نورا
نظرت اليه و الرعب يسكنها ...قالت بتلعثم :
_ انننت ...م مماذا
قبض على ذراعها بقوة و عيناه تشتعلان بنيران تهدد بحرق كل من حوله
_ لما هربت من المنزل ايتها الغبية ؟؟
_ أرجوك يا معتصم اتركني
اقتربت جمانة الشاحبة منه و هي تقول :
_ أرجوك لا تتسبب بفضيحة
ترك يدها ليمسك بشعرها و هو يصرخ :
_ تكلمي قبل ان اقوم بقتلك ايتها الحقيرة
جاءت لكمة أمجد قوية لتسقط معتصم أرضاً مع نورا التي يقبض على شعرها .. مد أمجد يده ليسحبها خلفه
_ ايها المجنون مالذي تفعله...
وقف معتصم و الغضب يصرخ من كل خلايا جسده
_ لا تتدخل ...ابتعد عنها
قالت نورا و هي ترتعش :
_ أمجد انه أخي ... أرجوك ابتعد .. لا تتدخل
_ و ان كان أخاك ليس له الحق بضربك هكذا
جاء صوت أم أمجد و هي تقترب
_ سمعت ما قالته الفتاة هو أخوها لا تدخل بينهما و انت ايها السيد يمكنك ان تصفي حسابك معها بعيداً من هنا ... نورا ابنتي ... لمحلنا سمعة حسنة ... و حادث كهذا قد يبعد الناس . أرجوكم اخرجوا جميعاً
_ أمي !!!!
جذب معتصم نورا من خلف أمجد بقوة و خرج من المحل دون اي كلمة ... دفعها داخل السيارة تحت أنظار أمجد الذي كان يحترق من الداخل ... يبدو انه سيفقدها للأبد
كانت رحلة السيارة طويلة ... ظنت نورا أن أحداً لن يصل اليها في البلدة البعيدة و لكنها مخطئة , لم تعلم ان أهل جمانة يقطنون في هذه البلدة الصغيرة
كانت تبكي بصوتٍ مكتوم .... معتصم يكاد يفتت المقود بين يديه .. كان صوت انفاسها يستفزه ... صرخ و هو يقول :
_ اخرسي ..... لا أريد أن أسمع صوتاً لك
وضعت يدها على فمها تحاول كتم صوت أنفاسها غير ان دموعها كانت تحفر خديها بقوة .... اي مصير ينتظرها .... كيف ستبرر غيابها كل هذه المدة ... يبدو ان القدر يستمر بمعاقبتها لما فعلت بأختها الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
_ أحسنتم ... يجب أن يستمر الوضع على هذا الحال .... أريد ان أعرف تفاصيل المهمة الأخيرة التي دارت بروسيا ...أجل ... أعلم ... احرص على أن لا نكتشف مرة اخرى..... جيد
أغلق حمزة هاتفه و هو يزفر بارتياح
_ و أخيراً عدنا للسكة الصحيحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
خرجت سلام من المشفى بعد أن عملت لنوبتين متتاليتن تعوض عن غياب أماني التي اعتذرت عن الحضور ...خرجت من البوابة و هي تدلك جبينها بسبابتها ... كم تشعر بالارهاق و التعب ... تتمنى أن تأخذ حماماً طويلاً و من ثم تريد أن تنااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
رأته واقفاً بجسده الضخم متكئاً على سيارته الفاخرة ... بعنفوان رجولي مخيف ... عاقداً ساعديه على صدره العريض .... بابتسامة ساحرة لكن مرعبة ... تناقض غريب ... كان يصوب اليها نظراته بعينين ساحرتيين لا يمكنها الجزم ..... هل هي عيون خضراء ام زرقاء ؟؟؟ ... كل ما تعلمه انها ضاعت للحظات و هي تحدق به ....
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تشيح بنظراته عنه مكملة طريقها ..... لم تظن للحظه بأنه ينتظرها ... تفاجأت عينها بصدره يسد طريقها .... لتغرقها رائحة عطره الاخاذ ...رفعت عينيها ناحيته .... كان يحدق بها بطريقة غريبة ...طريقة لم تعهدها او تعرفها ... شعرت بجسدها يحترق ... اطرفت باهدابها مراراً حتى تمنع سيطرته عليها
_ سيد قصي ... هل .....
_ قصي
_ ماذا ؟؟
قال ببطء متعمد :
_ ناديني ... قصي .. قصي فقط
_ هل استطيع مساعدتك ؟؟ هل تحتاج لشئ ما
_ أحتاج لاشياء كثيرة
شعرت بمقصده خلف كلماته المتوراية الجريئة
_ عن اذنك يجب ان اعود الى المنزل
عاد ليسد الطريق عليها و هو يقول :
_ تناولي العشاء معي
_ ماذا ؟؟
_ انت مدينة لي
_ اتبتزني سيد قصي ؟؟
_ ان كان ذلك يعني موافقتك فسميه بما شئتي حوريتي
_ سلام
_ عفواً
_ اسمي سلام لست حوريتك
_ حسناً يا حوريتي سلام ... أرجوك سوف نذهب لمطعم قريب من هنا
_ ارجوك أن تبتعد عن طريقي
قام بالاقتراب منها أكثر و هو يحدق بعينيها
_ سلام ... أرجوك وافقي ... قولي نعم
شعرت بالاضطراب الشديد ..... حاولت أن تقطع هذا التواصل الغريب بين العيون لم تستطع .... هزت راسها بنعم ..رغم ان عقلها يصرخ بلا
لحقت به و هي تقود سيارتها بعد ان رفضت مرافقته بسيارته .... توقف أمام مطعم فخم للغاية .. نظرت اليه بذهول .... لم تتصور انها ستدخل مكاناً كهذا في حياتها .....
نزلت خلفه و هي تقول مسرعة :
_ سيد قصي .... انا لا أرتدي ملابس مناسبة لهذا المكان ... هلا اخترت مكاناً آخر ؟
نظر اليها و هي ترتدي تنورة واسعة مع قميص يغطي منحيات جسدها الرقيق .... بإغواء يكاد يطيح بعقله
_ صدقيني انت تبدين أجمل من أي واحدة في الداخل ... هيا
بقيت واقفة في مكانها و التوتر يتسارع داخلها
ابتسم قصي بحنان بالغ .... أمسك بكفها لتسير خلفه تحاول اللحاق بخطواته الواسعة ... متجاهلة الكهرباء التي تسري بيدها .... اسرع مدير المطعم باتجاه قصي و هو يرحب به
_ اهلا بك سيد قصي ..... أتمنى أن تكون بخير
_ شكرا لك .. أريد طاوله لاثنين
نظر المدير لسلام مندهشاً و هو يطالعها من الاعلى للاسفل .... شعرت بالحرج الشديد من هذا الموقف ... حاولت الاختفاء خلف قصي
_ تفضلا من هنا
جلست سلام و هي تحاول تجاهل النظرات التي صوبت اليها من جميع المتواجدين في المطعم .. قصي كان يبتسم لرؤيتها بهذا الوضع ..... كان يتأمل رقتها و نعومتها و عينيها التي غرق بزرقتهما منذ عام ... و افكاره تجتاحه
كم تخيلت هذه اللحظات هو و هي أخيراً .... هل ستكونين حلمي الجميل الذي تحقق اخيراً .. هل ستحيين قلبي الذي قتل منذ طفولتي .... هل ستكونين الجنة التي كنت ابحث عنها منذ سنوات ... سلام أرجوك كوني مرساة نجاتي من حياتي المظلمة ...
_ سلام
جفلت من سماع صوته الأجش يناديها و هي غارقة بالحرج
_ نعم
_ تجاهليهم .. انهم أناس لا يهتمون الا بالقشور و المظاهر ...صدقيني انت أروعهن و الاجمل بينهن
_ ارجوك انا لا أشعر بالراحة هنا ...... دعنا نغادر
_ حوريتي انظري الي
¬ تطلعت الى عينيه ...اسرها فوراً و بقوة
_ لا يوجد أحدٌ هنا سوانا نحن ... اتفقنا ...؟؟
عادت لتهز راسها بنعم بينما عقلها يصرخ باريد الخروج من هنا
لا تعلم كيف مر الوقت عليهما و هو يحدثها و ياسرها بلطفه ... نسيت كل شئ حولها ... كانت تبتسم بسعادة حقيقية نستها منذ تلك الليلة ...
ارتفع صوت هاتف قصي نظر الى المتصل و قال وهو يزفر
_ اعذريني يجب ان ارد على هذه المكالمة
ابتسمت له برقة جعلت نبض قلبه يزداد .... نظرت سلام الى مسرح المطعم الخالي ... حدقت بالكمان ... تذكرت نورا في تلك اللحظة ... كانت سلام تحب هذه الاداة ....حتى أنها أشترت كمانها الأول بعد أول راتب استلمته ...ارادت ان تدرب نفسها ....لكن نورا عندما راته رجتها أن تأخذه .... وافقت سلام فوراً ... لكنها تفاجأت بعد فترة به ملقى في زاوية مهملة بأوتاره المتقطعة ... يبدو ان نورا قد ملت سريعا كما عادتها ...
_ تحبين الكمان ؟
احمر وجهها خجلاً .... كم مر عليها من الوقت و هي تحدق بذاك الكمان !!!
_ نــن .. نعم
ابتسم لها ..وقف و هو يخلع سترته ليضعها على مقعده ...توجه الى المسرح ليحمل الكمان .... وضعه على كتفه ... تعلقت جميع الانظار به ... أما هو فقد تعلقت نظراته بسلام التي اتسعت عيناها بدهشة من تصرفه ....
بدأ يعزف على أوتار الكمان بصوتٍ عذب ... ضرب أوتار قلب سلام معها .... توقف الجميع عن الكلام ليذوبوا في مقطوعة تعزف باحساس عالي ... كان يتحرك مع انغامه الساحره أسراً الروح
استمر بعزف اللحانه كما لو كان يعلن بهذه المقطوعه تملكه لتلك الساحره ..... لم يتوقف عن النظر لعينيها و هي لم تتمكن من أن تقطع ذلك التواصل الغريب
وضعت سلام يدها على قلبها تحثه على الهدوء .... أي جنون تحدثني فيه يا قلبي الجريح .. اهدء فهو لازال غريب ..... اي جنون ؟؟ أي جنون .... قصي ... اسمك أصبح يعني الجنون
استيقظت من صوت افكاره على صوت التصفيق الذي ملئ المكان .... عاد ليقترب منها بصورة تكاد تكون ملكية ... اي سحر تملك و اي جاذبية !
_ ما رايك ؟؟
_ رائع
_ انا أم المقطوعة ؟؟
شعرت بالنار تشتعل بوجهها ... أخذت تنظر الى الاطباق أمامها ... و ضحكة قصى تلعب على قلبها
_ أعتذر عن احراجك .. سأعلمك يوماً ان تعزفي على الكمان .. اعدك
ابتسمت له بهدوء... هذه المرة علا صوت هاتفها نظرت الى الساعة ... هي تجلس معه منذ اربع ساعات .... كيف لم تشعر بمرور الوقت هكذا ...؟؟
_ عن اذنك ... يجب أن أرد ... اهلا جمانة .... ماذا ..؟؟ حقاً .. ؟؟ عادت .... يالهي .!! سوف أحضر حالاً !! الى اللقاء
نهضت و هي تجمع اغراضها سريعاً ... قائلة :
_ اعتذر منك .. يجب أن أرحل ... شكرا على الدعوة
همت بالرحيل سريعاً ... لكنه أمسك بكفها و هو يقف أمامها
_ هل انت بخير ؟.؟ تحتاجين لمساعدة ؟؟
_ لا ... انه أمر عائلي و خاص .. لا تقلق
_ سوف أراك قريباً .. صحيح ؟؟
نظرت اليه ... أجابته بابتسامة مضطربة و اسرعت بالرحيل ... قال كما لو كان يهمس لها :
_ اذهبي حوريتي ..قريباً ستكونين أنت أمري الخاص و العائلي

انتهى





رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن