الفصل العاشر
جلست لجانب ريتاج التي اتخذت النوم مهربا لها متخبطة بأفكارها التي تشدها و تسقطها بدوائر الحيرة و الضياع و الضعف ...
_ هل يعقل أن تتزوج يا زياد بأخرى ... ؟؟ لقد دفعتك الى الأمر بيدي ... كيف سأتحمل أمراً كهذا ؟؟ أجن لمجرد معرفتي بتواجدك مع اخرى خلال عملك .... اشياء كثيرة ماتت بداخلي و لكن شعور الحب و الغيرة ما زالا يتقدان بداخلي كنار البراكين الهائجة ....يالله ماذا سأفعل ؟؟ .... أهدأي يا دلال ... أهدأي ... انت تقومين بالتصرف الصحيح ... لا تضعفي الآن ... أتركيه ....قد تعود البسمة لتزين شفتيه ... قد يجد الحب و يراه بدلاً من رؤيته لأشباحه في وجهك الذي انطفئ نوره ... اسمحي له بأن يصبح أباً لأطفال ينادونه بـ بابا ...
وضعت يدها المرتجفه على فمها كما لو كانت تحاول منع أفكارها من الاستمرار بالتدفق .... و من دون وعي نزلت دموعها ساخنة تكوي وجهها
_ دلال .. هل أنت بخير ؟؟
مسحت دموعها سريعاً بظاهر كفها و هي تقول:
_ لقد استيقظتي ... انا بخير لا تقلقي ..... كيف اصبحت .....هل زال الألم ؟؟
_ دلال!!!
_ ريتاج حبيبتي ... لم أحضر هنا لأزيد من همومك
_ لقد أصبحت أفضل
_ حمداً لله .. حمداً لله
_ ألم يتصل زياد ؟؟
_ لا ... لا بد أنه غاضب الآن .... أظنه ذهب الى الشعبة ليغرق نفسه بالعمل.
ارتفع صوت رنين هاتف ريتاج .. طالعت اسم المتصل ..القت الهاتف بعيداً
_ لما لم تردي ؟؟
_ لا أريد التحدث معهم
_ معهم ؟؟
_ المنظمة الحقوقية التي أعمل معها
_ لماذا ...؟؟
_ لقد اكتفيت ..... لقد خسرت فراس بسبب عملي و قبله خسر رجل و ثلاث أطفال حياتهم لإيقافي ... و النتيجة أضعف ما تكون ..
_ متأكده انك لا تعنين ما تقولين
_ صدقيني أنا واعية و واعية جداً ... سأتوقف ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاد زياد سيارته بسرعة و بحنكة و بدقة متجاوزاً أماكن الأزمات و الاختنقات المرورية... أراد الوصول سريعاً الى ياسمين ... دائماً شعر بحاجتها للحماية من كل شخص حولها و من نفسها حتى... مما دفعه للتورط معها أكثر و أكثر .... كل مرة .. .... يريدها فقط أن تكون بخير ... ليس أكثر
عيناها تنطقان بحزنٍ يدمي القلب ... صوتها دائم الانكسار ... كما هي حبيبته دلال
وصل الى العنوان ... أسرع بالصعود الى الشقة .... ما هذا الانقباض الذي يضغط على قلبه !!! ... لم يكن يوماً متوتراً هكذا عند اقدامه على أي مهمة ... لكن هذه ليست مهمة انها ياسمين...... يجب أن ينقذها .... لن يفشل هذه المرة كما فعل قبل عام ... عندما فقد نور حياته و نبض مستقبله ... لا لن يحدث
طرق على الباب أكثر من مرة لكن لا جواب .. أعاد الكرة .... أرهف السمع لما يدور بالداخل لكن لا جواب ... لا صوت ... أخرج مسدسه .... وضع كاتم الصوت و صوب على القفل....أطلق النار ... دخل الشقة سريعاً ليبحث بكل أرجائها لكن ...لا أثر لها .... لقد اختفت
جاء صوت رجل يركض خلفه قائلاً:
_ ما الذي تفعله يا رجل هل جننت ؟؟
_ من انت؟؟
_ انت من يجدر به التعريف عن نفسه
قال زياد بنفاذ صبر :
_ انا من الشرطة ...و انت؟
قال الرجل باضطراب:
_ انا حارس المبنى
_ اين صاحب الشقة؟.؟
_ لقد خرج منذ نصف ساعة تقريباً
_ الى اين؟؟
_ لا أعلم
_ هل كان وحيداً ؟؟
ارتجف وجه الحارس قليلاً ... و هو أمر لم يفوته زياد..اقترب من الرجل و هو بصوب اليه نظرات اقوى من الرصاص
_ تكلم
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة و هو يهرب بعينيه من سيل النيران الموجه اليه ..أمسك زياد به من قميصه ليجبره على النظر اليه و هو يقول:
_ تكلم .... لا تجبرني على التصرف معك بعنف.
_ زوجته السابقة ... السيدة ياسمين .... لقد ..لقد كان يحملها و هي فاقدة للوعي
_ ما الذي حدث معها
_ لا أعلم ..أقسم بالله .... أقسم بالله
تركه زياد و خرج مسرعاً و هو يحدث حيدر هاتفياً
_ حيدر أريدك أن تحدد موقع حازم الجابر ... احصل على رقمه و اعرف مكانه من خلال الأقمار الصناعية
_ ما الذي تقوم به زياد
_ حيدر .. الان
_ حسناً ..حسناً ...انتظر
دقائق الانتظار مرت على زياد كساعات طويلة تحرق صدره ....
_ ما الذي يحدث معك يا ياسمين بأي ورطة تغرقين نفسك .؟؟ ما كان عليك الذهاب اليه وحيدة ....غبية
_ زياد إنه في شارع البخاري ..
_ البخاري ؟؟ إنه يتجه ناحية المطار الخاص .شكرا لك
_ زياد أبلغ الشرطة المحلية ..لا تورط نفـ ...
نظر حيدر الى هاتفه بحنق عندما ادرك أن زياد أغلق الخط قال بذهول:
_ لقد ابتليت بالعمل مع المجانين .. يجب أن أبلغه بهذا يا الهي
دخل الى مكتب زياد اغلق الباب .. أخرج هاتفاً آخر ... و طلب رقماً و انتظر
_ ما الأمر ؟؟ لما تتصل بي ... هل نسيت الإجراءات التي نتبعها
_ لا لم أنسى ايها الشبح العظيم و لكن إن لم أخبرك بهذا الأمر سوف تقيم الدنيا و تقعدها على رأسي
_ تكلم يا حيدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت جمانة الباب لسلام و عينيها متورمة من كثرة البكاء ....
_ جمانة.... ما الامر ؟؟
اشارت جمانة لإحدى الغرف الداخلية و هي تحاول السيطرة على ارتجافها ...
دخلت سلام الى الغرفة لتجد نورا على السرير تإن من شدة الألم تجاهد لالتقاط أنفاسها.... شعرها التصق بوجها ممزوجاً بالدم ... الكدمات تغطي جسدها الذي تمزقت عنه الثياب ...تتأرجح بين عالم اليقظة و اللاوعي
تسمرت سلام مكانها .... هل يعقل أن تكون هذه نورا ؟؟ نورا بسمة الحياة ... من كانت تملئ المنزل بالضحكات ... اصبحت تمثل صورة الألم و القهر ..
اقتربت منها ببطئ كما لو كانت تخشى ايذائها بخطواتها .. جلست الى جانبها ... أرادت ان تزيح خصل شعرها الاشقر المصطبغ بلون الدم .. لكنها جفلت و حاولت الإبتعاد
_ نورا حبيبتي ... اهدأي ... أنا سلام .. أختك سلام
حاولت نورا أن تفتح عينيها المغطيتين بالكدمات...قالت بصوت ضعيف:
_ سلام .. أنا اسفة ..أسفة
_ لا .. لا ... لا يهم هذا الآن فقط استرخي قليلاً
انخرطت نورا بنوبة من البكاء الذي يقطع نياط القلب...
_ جمانة .. معتصم من فعل هذا ؟؟
قالت جمانة من وسط دموعها:
_ بالكاد ابعدته عنها كان ... لقد .. أوشك على القيام بقتلها وهو يكيل لها اللكمات و الركلات و الصفعات .... لم أره هكذا طوال حياتي .. كان كالوحوش .. يريد أن يعلم سبب هروبها و يريد أن يعرف مكان تواجدها خلال العام الماضي.. لقد خرج من المنزل كالإعصار الهائج .... الحمد لله اني تركت الاطفال عند أمي
_ هل أخبرته بشيء.
_ لا ... لقد التزمت الصمت حتى انها لم تصرخ عليه و هو .. و هو
عادت جمانة لتغرق بحالة البكاء و هي ترتجف بشدة ... أغمضت سلام عينيها بقوة و هي تحاول السيطرة على اضطرابها ,, لم تتمكن من منع دموعها من الإنسكاب و هي تطالع وجه نورا
_ جمانة..يجب أن نقوم بنقلها الى المشفى
_ لا .. سوف يقومون باعتقال معتصم و سوف تصبح الفضيحة على كل لسان و لابد أن كل شخص سوف يتكفل بتلفيق قصة عما حدث و سببه ...بالكاد اقنعنا الناس بان نورا سافرت الى الخارج لإكمال دراستها
تنهدت سلام بحرقة و ألم و هي تقول :
_ حسناً ... أحضري علبة الاسعاف و ماء دافئ و بعض المناشف و ملابس تناسب نورا.
بدأت سلام و جمانة بتنظيف وجه نورا التي استكانت قليلاً ... كما قامت سلام بتضميد جراحها و وضع المرهم على جروحها و الكدمات ..و ساعدتها على ارتداء الملابس الجديدة ...
و في النهاية ساعدتها لتتخذ موضع النوم ...جلست سلام بجانبها و هي تقول:
_ و الان ما العمل مع هذا المجنون ؟؟ .. كيف سنبرر هرب نورا .. .... اي حجة سوف تقنعه..؟؟
_ لا أعلم ..حقاً لا أعلم.
جاء صوت نورا ضعيفاً و هي تقول:
_ أخبريه بالحقيقة.
وقفت سلام جزعة و هي تقول:
_ اياك .. اياك و إخباره .. سوف يقوم بقتلك.
_ اي شئ سيكون أرحم من هذا العذاب.
اقتربت سلام منها و هي تضع يدها على رأسها:
_ نورا !!! أتوسل اليك لا أريد أن أخسرك مجدداً لقد كانت السنة الماضية سوداء ..سوف تحل الأمور لا تقلقي .. لكن أرجوك لا تفتحي موضوع حاتم أمامه.
_ سلام .. أنا لا استحق الشفقة مهما حدث معي ...فلا شيء سيكفر عن ذنبي
_ توقفي ... توقفي بالله عليك .. لا تكوني انانية ... سوف تلقين بأخيك الى السجن.
_ ماذا؟؟
جاء صوت فتح الباب قاطعاً للحديث .. نظرت الفتيات الى بعضهن بذعر
قالت سلام سريعاً:
_ جمانة أغلقي الباب عليكما و لا تفتحي له مهما كلف الثمن.
خرجت سلام سريعاً لتواجه ذلك الجبل الهائج و المتفجر بحمم الغضب
_ أين هي تلك السـ
_ توقف .. انها أختك
_ لا .. لم تعد كذلك
_بل هي كذلك ... لقد أوشكت على قتلها
_ و سوف أفعل فور معرفتي سبب هروبها
_ معتصم .. لا تنسى أنك أب لثلاث اطفال ..
قال بنفاذ صبر كما لو أنه لا يسمعها:
_ أين هي ؟؟
_ ما الذي تريده منها .؟؟
_ سأخذها الى الطبيب ليقوم بفحصها .. أريد أن أتأكد بأنها لم تهدر شرفنا بالكامل
نظرت سلام اليه غير مصدقة ... لم تتصور يوماً هذا التفكير الضيق من اخيها معتصم ..
_ لا بد أنك جننت .. كيف تفكر بهكذا أمر
_ انا لن أناقش الأمر معك ..سوف أخذها الأن شائت أم أبت
_معتصم!!!
_ هل هي بهذه الغرفة ؟؟
أسرع محاولاً خلع الباب بقوة غضبه ..... حتى كاد أن ينجح
_ سأقوم بذلك
_ ماذا ؟؟
_ سأقوم بفحصها من أجلك .... لقد عملت بقسم النسائية لفترة طويلة ..
_ و ما أدرني بأنك لن تغطي عليها
_ لن أفعل .. لن أفعل
نظر اليها بطرف عينه .. توجه الى منضدة ..حمل القران الكريم ....
_ أقسمي
_ معتصم!!!
_ افعلي .. أو سوف أقوم بإخدها الى المشفى
وضعت سلام يدها على المصحف باصابع مرتجفة و أقسمت على قول الحقيقية و هي تبكي بشدة
_ أكرهك يا معتصم .. لن أسامحك على هذا أبداً .. لن أغفر لك
دخلت سلام الى الغرفة لتجد نورا تبكي بحضن جمانة و هي ترتجف بشدة
_ أقسم لك بأنني لم أرتكب أي خطأ .. أنا لم أفعل شيئاً مما يتخيله معتصم
_ اعلم أعلم يا صغيرتي
أخرجت سلام من علبة الاسعاف قفاز طبي .. و ارتده ... قالت نورا و هي تنظر بذعر لسلام
_ ما الذي ...
_ لن أكذب عليه لقد أقسمت
_ لا أرجوك
_ اصمتي يا نورا ... انت من وضعنا بهذا الموقف المخزي
بعد بضع دقائق خرجت سلام لمعتصم و هي تقول بغضب :
_ اطمئن شرفك لم يهدر ....
_ هل قالت شيئا عن سبب هروبها
_ اعطها فرصة لتفق من صدمة وحشيتك
_ سلام .. لا تتحديني الان ..
_ يجب أن تعود نورا الى المنزل
_ لا
_ هل ستبقيها حبيسة عندك
_ تماماً
_ يبدو انك فقدت عقلك
_ ادخلي اليها ... أريد أن أعرف كل شئ....
_ معتصم !!!
_ الآن يا سلام الآن ... لن أحتمل أكثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
كلمات سامر تردد صداها في ذهنها بقوة .... حمزة لم يكن بوعيه ليلتها !!!.. يعاني الكوابيس منذ ذلك الحين !!!.. هو لم يسافر هرباً مما حدث !! .. لقد ذهب ليحضر جنازة اخيه!!! ... سأفقد عقلي
تركت سريرها الذي شعرت بأنه مغطى بالاشواك المشتعلة ... تقلبت طوال الليل على ناره... اقتربت من باب غرفتها .. فتحته قليلاً لتسترق النظر.... كان ممداً على الأريكة ممسكاً بجهاز تحكم التلفاز يقلب بين القنوات .... جلست أماني أرضاً ... تريد انتظار لحظة نومه .... تريد معرفة سر الكابوس الذي يراوده ... هل يحلم بتلك الليلة ... مرت ساعات الليل وهو يحارب النوم .... أصبح يكرهه ... ففي اللحظة التي يغافله فيها ...يهاجمه ذلك الكابوس و ينهش روحه بأظافره المميتة ... لم يعرف معنى النوم الهاديء منذ عشر سنوات .....
غفت و هي تنتظر .. لكن الأمر طال .... تسللت خيوط الفجر الأولى لتداعب وجهها ....شعرت بعظام جسدها تصرخ ألماً بسبب وضع جلوسها .... سمعت صوت همهمة غير مفهومة .. اقتربت من الباب سريعاً... كان حمزة يردد كلمات لم تفهمها .. جسده يرتجف رغم نومه .... وقفت لتقترب منه ... كان العرق يتصبب من وجهه بارداً .... و هو يشد على كامل جسده ... شعرت به يتشنج .... يصك على اسنانه حتى كادت أن تتكسر .... لم تفهم من كلماته المتقطعه شئ ...
_ لا ... لا ... أماني .. لا ....انا .. هي ... لم ...أماني ... دموعك .. لا تبكي ..أماني دموعك تقتلني
حاولت أماني أن تكتم شهقتها التي كادت أن تشق حلقها من قوتها .. وضعت يديها على فمها و هي تحاول تمالك نفسها ... لا تبكي أماني دموعك تقتلني .... نفس الكلمات .. نفسها ...
عادت لتطلع الى وجهه المشدود المتعرق ... أخذ يعض شفته بقوة حتى بدأت الدماء تسيل ... اقتربت منه سريعاً و هي تهز جسده قائلة بخوف
_ حمزة استيقظ ... استيقظ أرجوك ....حمزة
فتح عينيه بقوة و هو يتنفس سريعاً ..شعر بقلبه يكاد ينفجر من قوة نبضه المجنون ... للحظات أخذ يتطلع حوله ...رأى أماني تجلس على الارض تذرف الدموع غزيرة ... نهض سريعاً ليجلس أمامها قائلاً:
_ ما الأمر... هل أنتِ بخير ؟؟
هزت رأسها بقوة و هي تقول بصوت مختنق باكي :
_ لا ... لست بخير ... منذ عشرة أعوام فقدت هذا الشعور
_ أماني ..!!! أنا لا أفهمك
_ بماذا كنت تحلم ؟؟
_ماذا ؟؟
_ الآن .... ما هو الكابوس الذي يراودك منذ عشر أعوام ؟؟
_ سامر أخبركِ ؟؟
_ أرجوك أخبرني .؟؟
_ ما الأمر أماني ... ما الذي يحدث معك ؟؟
_ حمزة منذ عشر سنوات جئت الى منزلي ... اليوم الذي مات به أخوك معاذ
عندها اختفى اللون من وجه حمزة ... زاغ بصره ...ارتسم الذعر في عينيه...عاد قلبه لنبضه المجنون لتلحق به انفاسه ...وضع يده على جبهته ليضغط بقوة ..كما لو كان يحاول اخراج بعض الصور من ذهنه ...
_ يالله ... لقد جئت لشقتك ليلتها .. لم يكن الأمر مجرد كابوس ... كان واقعاً ....
_ أرجوك أخبرني ما الذي تذكره عن تلك الليلة
_ لا شئ ...صور مشوشة لا معنى لها ... لكن... كنت تبكين...تبكين بقوة ....... و صراخك ترددين لا يا حمزة .... لا ابتعد ... أنا أكرهك .... هذا ما أذكره .. أو ما ظننته كابوساً يتردد بجنون ..أخبريني أماني ما الذي حدث ليلتها أتوسل اليك أخبريني ...
نظرت اليه أماني من وسط دموعها ..أحاطت نفسها بذراعيها كما لو كانت تحمي نفسها من الماضي .... أغمضت عينيها لتسترجع صوراً جاهدت لتدفنها
ليلتها كانت وحيدة في المنزل ... تحاول جاهدة انهاء دروسها ... في حينها كانت قد بلغت للتو السابعة عشر ... .. كانت بين كل صفحة تقلبها من كتابها تسترق النظر لصورة فارسها الجميل ... أجفلتها أصوات جرس الباب في هذا الوقت المتأخر ...اقتربت نحو الباب على اطراف اصابعها ... نظرت من خلال العين السحرية ... انه حمزة و فتاة لا تعرفها
فتحت الباب سريعاً و ياليتها لم تفعل ...
_ حمزة ما الذي تفعله هنا؟؟
دخل الى المنزل دون اي كلمة ليلقي بجسده على اقرب مقعد صادفه و انضمت اليه تلك الفتاة الغريبة و هي تضحك بميوعه ... كانت ترتدي بنطال جينز يرسم تفاصيل جسدها و قميص لا يقل فحشاً عنه .. التصقت به و وضعت يدها على صدره بطريقة اثارت النيران بصدر أماني
_ حمزة ما الأمر من هذه ؟؟
لم يرد أو ينظر اليها ..قال الفتاة الغريبة
_ أنت أماني ؟؟
نظرت اليها أماني بتقزز و هي تقول :
_ انا أماني و انت ؟؟
_ كنت أتمنى أن أكون أماني .. لم يتوقف عن ترديد اسمك
عندها انحنت و اقتربت من وجهه لتطبع على شفتيه قبلة طويلة ... لتقف بعدها و هي تلوح مودعه
_ سأرحل الآن أتمنى أن التقيك بوقت قريب .. كانت ليلة رائعة لن انساها أبداً حبيبي
خرجت تاركة أماني تتقلب في حمم الغيرة و القرف مما حدث ..نظرت الى حمزة بغضب
_ هل جننت ؟؟ ما بالك ؟؟ كيف تحضر فتاة ساقطة الى منزلي ؟؟ كيف تجرأ على التصرف بهذه الطريقة .... ما بالك تلتزم الصمت تكلم ايها الأحمق
طرف حمزة بعينيه عددت مرات ... استوى بجلسته و هو يتطلع الى أماني
_ أماني .... ؟؟ أنت هنا ؟؟؟
_ انا هنا!!! لقد فقدت عقلك لا محال
وضع يديه على رأسه محاولاً التماسك
_ لما تصرخين ؟؟؟
_ لما أصرخ !!!! أحضرت فتاة من الشارع الى منزلي في منتصف الليل .. تتصرف بغرابة ... أنا لا أفهم ما يحصل معك .... تتصرف ببلاهة .... و لكن أرجوك أخرج من منزلي ..انت تعلم أن سامر مسافر
نظر اليها بعد فهم ....شعر بدوار يجتاح رأسه لتعاود الصورة الغريبة تتقافز امامه بجنون
_ أماني حبيبتي .. أماني زوجتي ....زوجتي
اقتربت منه أماني ببطء وهي تنظر الى وجهه
_ انت تهذي ما بالك أنت تخيفني
عندها أمسك يدها ليشدها اليه لتسقط على صدره ..طوقها بقوة بين ذراعيه و هو يستنشق رائحة شعرها ...حلولت أماني النهوض و لكنه كان يشدها اليه اكثر و اكثر _ حمزة اتركني .... لقد جننت حتماً ..اتركني
بدأ بتمرير شفتيه على رقبتها و وجهها و هي تزداد مقاومة و شراسة
_حمزة افق ...افق بالله عليم ما الذي تفعله ..؟؟
عندها قامت أماني باطباق اسنانها على صدره مما جعله يتوقف و يرخي يديه عنها .. اسرعت بالوقوف و الهرب و هي تصرخ باكية تجاهد لالتقاط انفاسها:
_ أخرج يا حمزة أخرج من هنا و لا تعد أبدا
نهض حمزة ينظر اليها مستغربا
_أماني أنت تبكين ..ما الذي حدث ..؟؟
_ تسألني عما حدث ؟؟؟
اقترب منها و هي تتراجع حتى التصقت بالحائط تشهق بالبكاء
_ أماني دموعك...ارجوك توقفي ...دموعك تقتلني
_ أخرج بالله عليك ... أخرج
_ اماني!!! أنا أحبك
_ و أنا أكرهك ... أكرهك
قام حمزة بالاطباق على ذراعيها بقوة و هو يقول
_ لا .. لا تقولي ذلك
_ أتركني .. أبتعد ... أبتعد
_ أحبك ..أحبك
رفعت أماني يدها لتصفعه على وجهه مما جعله يرتد الى الخلف
انهارت قدما أماني و ضمت قدميها الى صدرها و هي ترتجف و تبكي
_ اخرج الآن
عندها خرج حمزة متعثراً من الشقة تاركاً اياها تعاني من الانهيار و الخوف و الخذلان
كان حمزة ينظر اليها غير مصدق ... كان يمكن ان تسمع صوت دقات القلوب المضطربة ... و صوت الانفاس التي تجاهد للخروج و الدخول
اما هي فكانت تضم قدميها الى صدرها و هي تبكي كما كانت في تلك الليلة...نفس الصورة ارتسمت أمام حمزة ببشاعة واقعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
جاهدت ياسمين لفتح عينيها .. لكنها لم تستطع . .. لم تتمكن من الحركة ...حاولت رفع يديها لم تستطع .... حركت رأسها لعلها تستعيد قوتها ... جائها صوت شعرت به بعيداً جداً :
_ لا تتحركي سيزول مفعول المهدئ بعد قليل
عاد عالم الظلام يسحبها ..لم تستطع المقاومة .. اخذت تغرق شيئاً فشيء...جائها صوتٌ اخر من بعيد ..
_ كوني قوية ياسمين ... انت صاحبة الحق و صاحب الحق لا يخاف ... لا يضعف
عادت كلمات زياد تطرق عقلها ..لتستعيد حواسها دفعة واحدة ..فتحت عينيها لترى حازم يقود سيارته و هي تجلس الى جانبه
_ الى أين يا حازم ؟؟
_ أهدأي ... سنذهب الى المطار الخاص
_ ماذا ؟؟ لما ..؟؟
_ لنهرب من هذه البلاد و تعقيداتها ... لنعيش سوياً أنا و انت و يزن بعيداً عن كل هذا
_ لقد فقدت عقلك !!!
_ ماذا ؟؟
_ لن يحدث هذا .. لن يحدث ...لن أعيش معك كغانية
_ لا .. لقد أسئتي فهمي ... أعلم أن ما فعلته في الشقه هو أمر ...
_ مقرف ..
_ أجل ... أعلم .. و أنا آسف ...سوف نتزوج
_ زواج؟؟
_ أجل و لكن بعقد عرفي
_ حازم أريد أن أنزل من هنا توقف
حاولت ان تفتح الباب و لكنه كان مؤمناً .
_ ياسمين عليك أن تعلمي في حال تزوجتك فسوف يقوم ابي بايذائك ... اذا رحلنا و تزوجنا بورقة تجمعنا لن يعلم و سنعيش معاً للأبد
كانت ياسمين تنظر اليه غير مصدقة ..لما يستمر بترخيصها أكثر و أكثر ...كيف يقرر سير حياتها بهذه الطريقة
_ لا
_ياسمين!!
_ لا أريد أن أكون زوجتك ... لقد اكتفيت منك و من قسوتك و جبروتك . و ابني سوف أستعيده ... شئت أم أبيت
ضحك بطريقة ساخرة و هو يقول :
_ لو كان بامكانك استعادته لفعلتي منذ زمن ياسميني الصغيرة
_ انت وغدٌ قذر يا حازم ..
ضغط على فرامل السيارة بقوة ارتد بها جسد ياسمين .. اصطدم راسها و نزف ...
أمسك بها من شعرها و قربها اليه و هو يقول بصوتٍ اعادها لأيام الضرب و الذل و المهانة
_ يبدو أنك بحاجة لشئ يذكرك بحازم
عندها اطبق على شفتيها ليذيقها قبلته الدموية .. حاولت جاهدة أن تسحب نفسها و لكن كيف يمكن ان توقف وحشاً هائج ..توقف ليلتقط أنفاسه و هو يفترسها بنظراته .. ترك شعرها بقسوة و أخذ يضرب المقود بيده كالمجنون صارخاً
_ لما تصرين على اغضابي دائماً ...لما لا تتعقلين و تلتزمين بما أطلبه منك
نظرت اليه بعينين تحملان قوة لم يعهدها منها سابقاً ... و قالت بصوتٍ يسكنه غضب السنيين
_ طوال السنوات الماضية كنت كالخاتم باصبعك ... تحملت جنونك و غضبك و قلة ثقتك ..... أهنتني مراراً و تكراراً ..طعنتي بشرفي و حرمتني من ابني .. و أوشكت على قتلي .. لقد طفح الكيل .. لم تعد زوجي و لا سلطة لك علي ... لن ارحل معك الى اي مكان .. دعني أرحل من هنا افتح هذا الباب اللعين
تسمر حازم بمكانه و هو يستمع لكلماتها... ياسمينته تمردت .. لكن لا .. لن يسمح لها بأن تفلت من بين يديه ... لن يسكت ليجدها زوجة رجلٍ أخر .. تقافزت شياطين الدنيا أمامه بجنون عند هذه الفكرة .. ياسمين زوجة رجل اخر
_ اصمتي .. سوف تأتين معي
_ لا
عاد ليقود السيارة متجاهلاً إعتراضتها .. عندها قامت ياسمين بامساك المقود لتجعله ينحرف عن الطريق .. دفعها بعيداً عنه و هو يصرخ :
_ عودي الى صوابك
قالت و هي توجه له لكمات على صدره و كتفه :
_ توقف .. أريد أن أنزل .. أوقف السيارة ايها الحقير
عندها مد يده الى لشعرها ليشدها الى الخلف متجاهلاً صرخات الألم التي انفلتت منها ....
_ توقفي .. سوف نموت بسببك
لكنها لم تستكن .. عندها قام بلكمها على فكها لتسقط فاقدة للوعي ...
وصل الى المطار ... قام بحملها و وضعها على أحد المقاعد الفخمة بالطائرة الخاصة الصغيرة ... تلمس مكان لكمته .... صرخ بالمضيفة
_ أحضري بعضاً من الثلج بسرعة
_أحمق يا حازم..أنت غبي و أحمق
وضع الثلج على كدمتها .. بدات تستعيد وعيها و هي تتألم .. عندما أدركت ما حدث ..أبعدت يد حازم عنها و هي تضغط بسبابتها و ابهامها على راسها
_ ياسمين ..... أنا آسف ... لم أقصد أن أفعل ما فعلت .. انا أحبك
نظرت اليه و هي تفكر بأن القوة و محاولة مقاومته بهذه الطريقة لن تجدي نفعاً ..
_ أعلم .. اعلم ذلك
_حقا؟؟ هل سامحتني على سترحلين معي
_ حسناً ... لنرحل
عندها قام بضمها اليه بقوة و هو يقول :
_ ياسمين سأعوضك عن كل شى اعدك ..أعدك
_ حسناً .... حسناً
ابتعد عنها و هو يقول :
_ سأذهب لأتحدث مع الطيار الآن ... يجب أن يكون أخذ الأذن بالاقلاع ... سأعود سريعاً
هزت رأسها موافقة ... تطلعت الى باب الطائرة المفتوح .. كانت المضيفة ترتب المقاعد المجاورة لها ... وقفت و هي تطلع الى غرفة القيادة حيث ذهب حازم
اسرعت بالخروج من الطائرة و هي تجري...وصل صوت المضيفة و هي تصرخ:
_سيد حازم لقد هربت السيدة
حاولت ان تسرع أكثر ..لكن وقع خطواته كان يقترب أكثر و أكثر .. يد اطبقت على ذراعها لتسحبها بقوة
انتهى
أنت تقرأ
رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان
Romanceمن كان يعلم ان ايقاف يوم طيران واحد واحد فقط يسبب حادثة اختطاف الطائرة الفرنسية وعلى متنها ٢٠٠ راكب ومن ضمنهم السفير الفرنسى قد تؤدى الى اختلاف حاضر ومستقبل ابطالنا وحتى نظرتهم للماضى بصورة لم يتصورها احدهم تاهت خططهم وضاعت تصوراتهم تشابكت خطوط اقد...