الفصل السابع

248 5 5
                                    

الفصل السابع
** الوداع **
قد يكون جميلاً ... و قد يكون حزيناً ... قد يكون للقاء قريب ... أو قد يكون الأخير ... قد يكون مؤلم...قاتل ... قاسي و لكنه ممزوج بكل الحب
فتحت ريتاج عينيها ... لا تعلم ... هل هي بالدنيا أم أنها بمرحلة انتقال للعالم الآخر ... ببطئ بدأت تستعيد حواسها ... أصوات كثيرة تحيط بها ... كانت الكلمات مبهمة ... غير واضحة ...شعرت بأنفاسه على صدرها ...وبسائل دافئ حرق قلبها... عندها استعادت الأحداث الأخيرة ... سيارة الجيب... انحرافها عن الطريق ... سيارة الشحن ... فراس يلقي بجسده عليها ...طفلها
الأصوات أصبحت واضحة :
_ أين سيارة الإسعاف ؟؟؟... يجب أن نخرجهما من هنا ...السيارة مدمرة لا يمكن فتح الأبواب ...الإطفاء بسرعة يجب أن يقوموا بنشر أبواب السيارة .....الرحمة لهما يالله
تسارعت أنفاسها ...جن القلب... الخوف سكنها ... بصوت فزع خافت
_ فراس ... أجبني ...أرجوك ... فراس ... فراس
تحرك جسده بضعف ... الدماء تغطي وجهه ...قال بصوتاً لاهث متقطع...
_ ريتاج ... أنننـ ... أنت بخير ؟؟
_ أجل ... أجل... أنت ... أنت؟؟
_ سأكون بخير ... حبيبتي
_ أشعر بالخوف فراس ... أشعر بأن الموت يحيط بنا
بصوت احتله الهدوء و السكينة و لم يغادره الضعف قال فراس :
_ ريتاج ... أثق بأن الله... سيمد بعمرك... لازالت لديك مهمة ... مهمة عظيمة ... لكن الموت ... لقد حان أجلي ... البرد يغزو أطرافي ... يبدو أن الله قد اختارني لأذهب اليه
_ لا لا ... فراس سوف تبقي معي أنا أحتاجك
_ ريتاج .. أحبك ...
قالت ريتاج وهي تذرف دموعها :
_ فراس.. توقف ... سوف تبقى معي... فراس... أنا أحمل طفلنا بين أحشائي....أنا حامل
_ حامل...أنت حامل ... ريــييتاج ... حدثيه عني ... أشعر بأنه صبي
_ ستبقى يا فراس... أتسمعني..... ستعرفه و يعرفك
_جهاد ..
_ ماذا ؟؟
_اسمه جهاد
_ فراس!!!
_ لا تخافي ... لقد زال الألم ... الراحة هي كل ما أشعر به الآن....لست خائفاً .. أنا حزين لفراقك و جهاد
علمت ريتاج بأنه يحتضر.... الموت يرسم ظلاله عليه ... حاولت التماسك ... أحاطت بيدها عنقه ليرتاح رأسه على صدرها ... حاولت التحرك ...قدمها عالقة تحت المقود ...
_ أحبك فراس ...أعشقك
_ أحبك أنت ... أحبك كما أنت
_ اسفه .... أنا اسفه ....أنا السبب
_ لا لست السبب ... لا تفكري بهذه الطريقة
لحظات من الصمت المسكون برائحة الموت ... شعرت به يشهق .... و أنفاسه تضطرب
_ ريتاج ... ال اه ..الش..... الشهادة
قالت لتعاود دموعها عويلها و انتحابها :
_ لا اله الا الله ...
_ لا ... أه ...أه ..اله ..اخ ..الا ... الله... الله
شعرت بثقل جسده عليها ...سكنت أنفاسه ...ابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيه .... لم يحتمل عقل ريتاج و قلبها الفراق ... لعالم اللاوعي انسلت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ذلك الطفل هو يزن ... لقد تعب القلب من الغياب ... شعرت بأنفاسها تتسارع و بقلبها يخفق بجنون ... و بدون تفكير أسرعت لتقطع الشارع... لم تنتبه للحافلة الضخمة التي تنهش الطريق بسرعة ....
جاءت يد زياد تدفعها بعيداً عن الطريق .... لتسقط بين يديه و هي تصرخ
_يزن ...أتركني .... يزن ... انه أبني
تركها بعدما تأكد من خلو الشارع من السيارات .... لحق بها .... أخذت تنظر يميناً و يساراً ... لقد رحلا .... لقد فقدته ثانية ... وضعت يديها على رأسها ... أنفاسها تتسارع بجنون .... تذرف دموع القهر و اليأس ... كل الامها نطقت بهذه اللحظة و هي تنادي باسمه
وقف زياد أمامها عاجزاً ... ما الذي يمكن قوله لأم مكلومة ؟؟؟
بدأ الناس بالتجمهر حولها ...أحاط كتفها بيده يحثها على السير .... دخل الى مبنى الشعبة ... و من ثم الى مكتبه ... خشي أن يعود الموظفون ليروها بهذه الحالة ....
ساعدها على الجلوس و تركها تعيش حزنها .. أكثر شيئاً يقف زياد أمامه عاجزاً ... الدموع ... نقطة ضعف غريبة على رجل مثله... لو يعلم أعدائه بذلك لحاربوه بالدموع بدلاً من الرصاص
جلس أمامها ... قال لها : لا تبكي... لم تسمعه ...هي في عالم مظلم تغرق وحيدة
احتضن يديها المرتجفة و هو يقول :
_ياسمين .... لا تبكي
عندها نظرت اليه ..لمساته أعادتها لواقعها و وعيها.... نظرت الى عينيه ... خضراء ... زرقاء ... لا يمكن أن تحزر ... ابتسم لها بطريقه حانية ... لم تتصورها من رجل قاسي و حازم مثله
_ لا تبكي ... ستكون الأمور بخير
لا تعلم لما صدقته .. هزت رأسها بالموافقة سحبت يديها سريعاً ... أخذت تمسح دموعها ...
_ هاتفي ؟؟
_ لقد حطمته ....
_ نعم ... صحيح
وقفت لتخرج و هي تردد :
_ يجب أن أكلمه
_ انتظري
أخرج هاتفه من جيبه و قال لها :
_ استعملي هاتفي
أسرعت لتمسك به ... بدأت بضرب الرقم
_ ياسمين ...
رفعت عينيها اليه ...
_ تحدثي معه بهدوء لا تشعريه بغضبك و حزنك ... كوني قوية ياسمين ... انت صاحبة الحق و صاحب الحق لا يخاق ... لا يضعف
خرج من الغرفة و أغلق الباب خلفه ... أي سحر تمتلكه عيناه .... كلماته تحركها كما لو كانت دمية مربوطة بخيط ...
أخذت نفساً عميقاً و طلبت رقمه ... لن يهرب منها هذه المرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت أماني تتقلب بسريرها تفكر بسلام و حالها ... مواجهتها مع حاتم كانت مرعبه ... لا تظن أن حاتم سيتركها و شأنها أبداً ..... نظرت الى الساعه لتجد أنها تصارع النوم منذ ثلاث ساعات ... لولا المجنون الذي ينام بالخارج لشاهدت التلفاز قليلا بدلا من مراقبة سقف الغرفة .... شعرت بالعطش ..مشت على اطراف اصابعها و فتحت الباب قليلاً ... تأكدت بأنه نائم ... مشت باتجاه المطبخ و هي ترتدي منامتها القطنية القصيرة عارية الاكتاف... و المزينه بصور بونه بو ... ملئت الكأس و همت بالخروج .... و على باب المطبخ تعثرت و سقط الكوب من يدها محدثاً دوياً كصوت القنابل ..... قفز حمزة و اسرع ناحية المطبخ قائلاً
_ هل أنت بخير ؟؟؟ هل تأذيتي ؟؟؟
قالت و هي تجمع القطع الزجاية المتناثرة
_ انا بخير اذهب الى النوم
دخل الى المطبخ ليحضر المكنسة و بدأ بمساعدتها .. زفرت بضيق من تواجده القريب منها و قفت و داست بقدمها العارية على قطعة زجاج ... صرخة مكتومة انطلقت منها و هي تستند على الجدار .... اسرع حمزة اليها و هو يقول
_ لما تسيرين حافية
_ خشيت أن إيقظك
قال و هو يحملها بين يديه متجاهلاً إعتراضها ....وضعها على الاريكه برفق و رفع ساقها على الطاولة التي تتوسط غرفة الجلوس و اسرع ليجلب صندوق الطوارئ ... أخرج قطعة الزجاج العالقة بقدمها و مسح الجرح بالمطهر ... و لفه بشاش طبي... كل هذا و أماني تتجنب النظر المباشر اليه كاتمه انفاسها
جلس الى جانبها تاركاً مسافه صغيرة
_ هل تألمك ؟؟
_ لا ...أنا بخير
_ متأكدة ؟؟
قالت و هي تقف على قدم واحده
_ شكرا على مساعدتك سأذهب الى النوم
تفاجئة به يسحبها من يدها لتسقط على ركبتيه .. بين احضانه .... أحمر وجهها و اضطربة نبضات قلبها ..... تسارعت انفاسها .. كانت تحدق به محاولة استيعاب مكانها
_ تبدين رائعة بهذه المنامة ..... الا تظنين انها مخصصه للاطفال
حاولت النهوض .... و لكن مع اطباقه عليها و اصابتها لم تتمكن من ذلك
_ اتركني حمزة ارجوك أنت الذي يتصرف كالأطفال
_ لو تصبرين قليلاً لأريتك فعل الكبار
_ حمزة !!!! أتركني الأن
غرز اصابعه بشعرها المسدول و مال عليها ليرتوي من شفتيها .... و هو يمرر يده على وجهها و كتفيها العاريتين .... شعرت أماني بنفسها تستسلم لها لكن صورة من الماضي تلح عليها بالعودة كلما رأته .. كلما أقترب منها ..... صورة لا تستطيع انتزاعها من راسها... ما حدث منذ عشر سنوات لا يمكن أن تنساه .. عندما كانت فتاة طرية العود ... تعشق ابن عمها دون أن يعلم .... انهارت صورة فارس الأحلام تلك الليلة .. مشاعر الحب و العشق البريء استحالة لكره و حقد و نفور .... دموعها بدأت بالانهمار ... أخذت تدفعه بعيداً عنها بضعف ..
شعر بطعم دموعها ...... توقف و هو يبتلع ريقه ... نظر الى عينيها المملوئه بالدموع ... أغلق عينيه بقوة و هو يسند جبينه على جبينها وهو يقول بصوت مبحوح و مجروح
_ أماني .. أرحمي قلبي من دموعك ... توقفي عن تعذيبِي .... كل مره أحاول فيها التقرب منك خطوة تبتعدين عشر
قالت و هي تنهض بصعوبة متكئه على كتفه ...
_ صدقني يا حمزة هذا الزوج لن يصلح أو يستمر
وقف حمزة ليمسكها من كتفها و يوجهها
_ لقد جننتي حتماً
_ أنا أسفة ... لا يمكن أن أقبل فكرت زواجي منك لو بعد مئة عام
_ أماني !!!
_ أرجوك أتركني ... أتركني يا حمزة
أبتعد عنها و جلس واضعاً رأسه بين يديه متألماً .. تغرس السهام في قلبه كل مره .... لكنه لن يستسلم .. سوف تكون له بارادتها .... هي حبيبته و لن يتنازل عنها مهما كان طريقه معها طويل
دخلت الى غرفتها .....و جعلت وسادتها ملقى لدموعها ... و هي تقول لنفسها
_ لو أنك لم تفعل ما فعلت تلك الليلة لكنت بجانبك الان أسعد نساء الأرض .... أحببتك يافعه و ظننت أن أكرهك و لكن كنت مخطئة ..... قربك أشعل النار من تحت الرماد .... ما زلت أحبك و لكن لا يمكن ان أكون لك .. لا أستطيع ....ليس بعد تلك الليلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
أعلن النوم تمرده على سلام ... صوت حاتم لازال يطرق أذنها ... قلبها لا يهدأ ... هل سوف يستمر بملاحقتها بجنونه و مجونه ... ؟؟ ظنت أنه و بطلاقها سوف تغلق بابه و تنتهي منه ... لكن لقد كانت مخطئة للغاية
نظرت الى السرير الفارغ بجوارها ... لقد مر عام على اختفائها دون أثر ...أختها الصغرى المدللة ... التي كانت تملئ البيت بمرحها وضحكتها ...كانت طلباتها أوامر ... تفعل ما تشاء دون اعتراض من أحد .... كم تختلف عنها و عن أخيها معتصم ... بالحزم و الشدة نشئا وهي بالدلال تربت... ترى الى أين ذهبتي يا نورا ؟؟ عودي ...حتى و إن كنت غاضبة منك ...قد أسامحك يوماً ما ... عودي ...
دموعها غسلت وجهها ... لم تستطع التوقف ... قلبها يحدثها أن نورا تغرق بخطر محدق ...
كانت نورا تغلق المحل بعد أن انتصف الليل ... تركتها صاحبته وحيدة لتعود الى منزلها ... ارتاحت بالعمل معها ... سيدة لطيفة مراعية لها ... منحتها بعضاً من مشاعر الأمومة التي افتقدتها
أرادت الخروج ... تفاجأت بيد شاب تدفعها الى الداخل ..سقطت أرضاً و هي تشهق ... صوب مسدسه ناحيتها و هو يصرخ :
_ أين المال ؟؟؟
قالت و هي ترتجف رعباً :
_ لا ... لا يوجد
_ لا تكذبي أيتها الساقطة... تكلمي
_ أقسم لك ... لقد أخذت صاحبة المحل كل المال ...
اقترب منها ليمسكها من شعرها و يرفعها اليه ...
_ أريد المال الآن
_ حقيبتي فيها مبلغ من المال
_ كم ؟؟
_ 50
ألقاها أرضاً ... و هي تضع يدها على رأسها متألمة
_ خمسون ... قمت بكل هذا لأحصل على خمسون فقط
نظر الى نورا المنكمشة على الأرض ... بتنورتها القصيرة التي تكشف عن قدميها العاجيتين الطويلتين.... و قميصها الضيق الذي يبرز معالم أنوثتها الصارخة ....
قال و هو يرسم ابتسامة ماكرة شريرة مغلقاً باب المحل :
_ لن أخرج من هنا خاسرا يا جميلة ...
تضاعف اضطرابها ... وقفت لتركض الى الغرفة الداخلية لتغلق الباب ورائها .... لكنه سبقها وركل الباب ..ليقبض عليها و يمزق قميصها مهاجماً اياها بوحشية ... أطبق بيده على فمها مانعاً اياها من الصراخ .... بدأ بانتهاك حرمة جسدها كان كان كل ما تفكر فيه بأنها تستحق ما يحدث معها
حاولت المقاومة ولكن عبثاً ... ثبتها بثقل جسده ... أغلقت عينيها عسى أن ينتهى عذابها سريعاً .... فجأة شعرت بثقله يرتفع و بصوت صراخٍ يحتد ... كان أمجد ابن صاحبة المحل ... يلكمه و يركله ... يضربه على وجهه غاضباً ثائراً ... جلست سريعاً تحاول ستر نفسها ... لكن عبثاً ... و بالنهاية ألقى به خارج المحل
عاد الى نورا المرتجفة و المنكمشة ... تناول قميصاً و بنطالاً ... و بغضب رما بهما أمامها
_ سأنتظرك خارجاً
بعدما غيرت ثيابها و هي تلهث لالتقاط أنفاسها ... خرجت لتجده يقف متكئاً على الباب الخارجي يلتهم سجائره ... اقتربت منه
_ أمجد .. لقد أراد سرقت المحل ...هذا كان هدفه في...
_ اصمتي نورا ... .اصمتي
_ أنا لم أرتكب أي خطأ
صوب اليها نظراته الحارقة و قال وهو يقترب منها مزمجراً :
_ كل من يراكِ بطريقة لباسك و كلامك سيقتنص أي فرصة لنهش لحمك
نظرت اليه و الصدمة تملئها ...
_ أنا !!!
_ نورا أنت تثيرين جنوني ... امتنعت عن ذكر هذا الأمر خوفاً على مشاعرك ... حاولت تجاهل نظرات الرجال التي تأكلك ... لكن ما حصل اليوم سيتكرر ان لم تغيري من نفسك
شعرت بكلماته تخترق قلبها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
بعد ثلاث أيام ....
في سبيريا
وصل الى قمة الجبل المكسو بالثلوج و هو يلعن أصحاب المهمة لاختيارهم أشد أيام السنة برودة لتنفيذ مهمة تصفية اندرو ... تطلع نحو الاسفل نحو مسافة 1000 متر ابتسم بمكر و هو يقول :
_ لو طلبوا مني القيام بهذه المهمة بالمجان لوافقت فقط لأفسد عملك يا زياد و لو تعلم أن خطتي تعتمد على ما فعلته بحادثة المطار ...
قطع جملته و ابتسامته تتسع أكثر و أكثر
ابتدأ رحلة الهبوط الى السجن القابع وسط الصحراء الثلجية ...و هو يتطلع الى بوصلته ....
هنا مكان اللقاء ... يجب أن يكون هنا خلال خمس دقائق مدد جسده على الأرض الغارقة بالثلوج مرتدياً الأبيض .... ان أردت أن تكون مكشوفاً فعليك اختيار صحراء سيبيريا المتجمدة.... فكر بأن أنهيار ثلجي واحد كفيل بطمر السجن .... قنبلة واحدة كفيلة بذلك .... رفع بصره ليجد أنه قد جاء أخيراً .. وقف
_ ما هذا التنكر ... أنت تخيفني يا رجل ... تبدو نسخه مطابقة لي .....
_ هل تأكدت أنه بزنزانته ؟؟
_ بالطبع......أتعلم انه لا داعي لتختبئ هكذا ... لا الحراسة أو أي مخلوق عاقل يصل الى هذه البقعة دون استعمال المروحية ... حتى الأن لا أفهم كيف وصلت سيراً على الأقدام
أجابه بنفاذ صبر :
_ الاحتياط واجب و ستفعل ذات الشئ حتى عودتي
_ كما تشاء ما دمت ستدفع المال الذي اتفقنا عليه
_ لقد تم تحويله الى البنك منذ الصباح
_ اعلم و الا لما رايتني هنا ... هل أنت بحاجة لأعيد لك المعلومات المتعلقة بالمكان و الطرقات
_ لا
عندها سحب الشبح مسدسه المزود بكاتم الصوت ليطلق النار باتجاه قلبه دون أن يطرف له جفن ببرود كبرود الجليد .........
انهار أرضاً ... تجمدت الدماء سريعاً
خلع المعطف الأبيض الذي كان يرتديه .....غطى جسده به ... مشى باتجاه السجن ......بدأت البوابة العملاقة بالظهور ... عاود النظر الى البوصلة ...هذا هو المكان ...ساعة و تنتهي نوبة حراسته و يدخل الى السجن ...
عادت ذاكرته الى يومٍ بعيد ... يوم يتمنى أن يفارقه ... أمه تقطع شرايين يديها امامه .... غرقت بالدماء الدافئة ... كان طفلاً .... بلغ الستة أعوام منذ أيام ... اقترب منها ....حاول ايقاظها ... لم تستيقظ لقد ماتت ...رحلت .... لماذا فعلتِ أمراً كهذا أمي ؟؟لما تركتيني وحيداً ؟؟؟ لن ينسى احساسه بالدماء الدافئة و هي تغطي يده .... لا يعلم كم مر عليه من الوقت وهو نائم على صدرها ... ساعات ... أيام لا يعلم ... كله بسبب ذلك الرجل الذي تركها تتخبط في وكر الفقر .. مع ابن غير شرعي بنظر الناس ... لا يملك شهادة ميلاد .... لن ينسى الأيام التي قضاها بعدما تم انتزاعه عن صدر أمه من قبل الجيران الذين اشتموا رائحة الجثة المتعفنة ...يسير بالشوارع هائم على وجهه .. يستجدي اللقمة ... تعرض للضرب و الاهانات و الانتهاكات ... لقد مات الطفل بداخله ... كره الناس و الحياة ... لولا ذلك الرجل المحسن و زوجته .... لما كان على قيد الحياة....... يوم ممطر ... وقف أمام مطعم فخم للغاية .... يتسول الطعام ... كان الزوجين واقفين معا وهي غارقة بدموعها... اقترب ليطلب المساعدة... تفاجأ باليد التي تسحبه و تلقيه على أرض الرصيف ... اصطدم رأسه ... استيقظ بمكان مختلف ... سرير دافئ ... توقف عند هذه الفكرة ... انه نائم على سرير بمكان مغلق ... وقعت عيناه عليها... إنها نفس تلك المرأة الباكية...اقتربت منه وأخذت تمسح على شعره بحنان كان قد نسيه ...
_ هل أنت بخير ؟؟ هل يؤلمك رأسك ؟؟
تحسس رأسه و وجد أن ضمادة تحيط به ... أمسكت بيده و هي تقول :
_ لا تلمسها ... أخبرني أين هم أهلك ؟
هز رأسه و هو يقول :
_ لا يوجد أحد ... أنا وحدي
_ يا للطفل المسكين ....
أطرقت برأسها أرضاً كما لو أنها تصارع أفكارها و في النهاية أمسكت يديه .... و هي تقول دامعة :
_ اليوم فقدت الأمل بأن أحصل على طفل جميل مثلك ... و أنت فقدت أهلك .. ما رأيك أن نجتمع معاً لنشكل عائلة صغيرة ؟؟؟
_ هل ستبقين معي ؟؟
_ بالطبع
_ و هل سأنام على السرير
قالت و هي تضمه اليها :
_ نعم صغيري سوف أجهز لك غرفة رائعة ....أجمل غرفة في هذا الكون و أكبر سرير ...و الأن أخبرني ما اسمك؟؟
جاء صوت حارس السجن يقطع أفكاره
_ لقد انتهت نوبتك فلاديمير .... يمكنك أن تذهب الى الداخل لتنعم بالدفئ .. آه الأغبياء ... يجعلوننا نقف لنتجمد هنا و من الإستحالة أن يصل عاقلٌ الى هنا دون طائرة أو مروحية
_ الشيوعيون الحمقى
_ ههههه ... لا تدع أحد يسمعك يا رفيق
_ حظاً موفقاً
بدأ يسير بخطوات واثقة نحو أسوار السجن ليجتاز البوابة الحديدة التي فتحها أحد الحراس ... دخل الى الغرفة الجانبية ...خلع قفازه السميك ضغط بابهامه بلطف على اللوحة الالكترونية للتعرف على البصمات .. لم يمكن لأحدهم ملاحظة القفاز الرقيق الشفاف الذي يغطي يده و الموصوم ببصمة الحارس على شريحه الكترونيه مصنوعه من الالياف الزجاجية اللينه ... فتحت الابواب بدون عناء ... تجاوز الساحات ...... هي كما وصفها .... لو أراد الوصول لزنزانة انزور عليه أن يجتاز ثلاث مباني ليدخل الى المبنى الرابع .. الجزء الشرقي ............. الطابق الرابع ... الزنزانة الخامس عشر ....
دخل المبنى دون عناء تبادل أحاديث موجزة مع بعض الحراس ... ذاكرته الصورية تساعده على تذكر أي وجه .. لقد زوده بكتاب يحتوي على صور طاقم الحراس ..حفظ وجوههم و أسمائهم ... استجوب فلاديمر عن علاقته مع كل واحد منهم ... ليس للفشل مكان عنده .. يجب أن يصل الى هدفه و يخرج من هنا خلال خمس دقائق فقط ... هذه الزنزانة السابعة ... الثامنة
أسرع بخطواته .. استوقفه صوت شخص شديد اللهجة ... نظر اليه تعرف عليه فوراً أنه قائد كتيبة الحراس ..
_ أنت ما الذي تفعله هنا ؟؟
_ أجاب بصوتٍ واثق و بصوت مطابق لصوت فلاديمير:
_ كنت أبحث عنك سيدي الكولنيل
_ ما الأمر ؟؟
_ أردت أن أعرف قراركم بشأن طلب الاجازة الذي تقدمت به البارحة
_ أعتذر منك يا فلادي ولكن ينقصنا الجنود بهذه الفترة .......... أجل أمر إجازتك لشهر أو اثنين
_ كما تريد سيدي
_ انصرف
عاود الشبح مسيره و هو يبتسم من تحت القناع .... و أخيراً وصل الى زنزانة انزور
باستخدام البصمة التي على القفاز الشفاف الرقيق
فتح البوابة .. دخل اليه .... ليجده نائماً ... اقترب منه ببطئ و هو يخرج مسدسه المزود بكاتم الصوت ....و هو يفكر بأن الأمر كان سهلاً أكثر من اللازم ...انحنى اسفل السرير ليثبت شيئاً أسفله بخفة ساحر .....رفع السلاح ... هم باطلاق النار على رأسه بمنطقة قاتلة ........
_ قف مكانك
سحب انزور و أحاط عنقه و هو يلتفت ليجد كتيبة كاملة تحاصره .... قال قائد الكتيبة ..
_ لقد كدت ان تخدعني أيها الشبح كنا بانتظارك منذ أيام
_ حقاً لو كنت أعلم بأنك مشتاق لرؤيتي لقدمت باكراً
_ أتركه و سلم نفسك بهدوء
_ دعني أعبر و الا قمت بقتله
_ أتظن أني أهتم بحياة مجرمٍ سابق
_ لا ... ولكنك تهتم بحياتك و باقي جنودك
_ ما الذي تقصده .؟؟
رفع كفه التي ترتدي القفاز السميك الذي لم يخلعه ... ليزيح بأصبعه قطعه قماشية ليظهر من أسفله زرٌ أحمر صغير
تراجع الجميع خطوة واحدة للخلف ... قال قائد الكتيبة
_ ما هذا.؟؟
_ تحت القفاز و أسفل هذا الزر تحديداً يوجد جهاز تحكم بعشر قنابل مزروعة حول السجن لك أن تعلم ما الذي سوف تفعله العشر قنابل بالثلوج المحيط بنا .... لك أن تتخيل حجم الانهيار الثلجي الذي سوف يحدث
ضغط الكولنيل على أسنانه غاضباً ... و هو ينظر الى كفه المرفوعة بحركة مسرحية
_ ما الذي تريده الآن ؟؟؟
_ حسناً .. المروحية
_ لا يوجد أي مروحيات
_ لا تكذب سيدي الكولنيل. ... أعلم بأنه يوجد ثلاث مروحيات بالساحة الخلفية
_ لا يمكن أن أسلمك أياً منها
_ إذاً لن يكون لدي خيار الا أن أقوم بضغط الزر
_ لا ..لا ..توقف سأنفذ لك طلبك ... تراجعوا
_ تذكر أن كبس الزر يحتاج الى جزء من الثانية .. حتى لو أطلقت النار على رأسي فقد أقوم بضغط على الزر .... لا تريد أن تجازف حضرة الكولنيل
_ لن يحدث و لكن أترك انزور
_ لا .سيأتي معي ..... لقد جئت فقط لأجل اصطحابه و من ثم سيحميني جسده من أي رصاصة غادرة
تحرك الشبح و هم يبتعدون عن طريقه دون أن يقوموا بخفض السلاح ..... استمروا برقصتهم الغريبة .... هو يسير خطوة و هم يلحقونه بحذر و بتناغم
وصلوا الى ساحة المروحيات ......اقترب من أبعدها صعد و هو يؤدي التحية لهم بيده و يلقى بورقة اللعب التي تحمل صورة القناع
طلب من الطيار الخروج ... أسرع هارباً ...
ثبت يد أنزور بواسطة أغلال كان يحملها و قيده بقضيب معدني داخل الطائرة ... استلم دفة القيادة و هو يقول :
_ تبدو هادئاً للغاية يا انزور
بقي انزور مطرق الرأس ..... صامتاً
قال الشبح بينما بدأت المروحية ترتفع بالسماء تحت أنظار حراس السجن
_ يبدو أن الخوف أخرس لسانك ... ما كان يجب أن تخون عملائك حتى لو كانت حياتك رهينة بذلك
عاود الشبح تفكيره و هو يكرر بنفسه أن الأمر كان سهلاً أكثر من الازم ..... هناك أمر مريب بكل ما حدث
لم يكد يبتعد عن موقع السجن ... حتى تفاجئ بانزور خلفه واضعاً المسدس قرب رأسه ..... و ممسكا أصابع كفه عكس اتجاه زر التفجير ...
_ لا تأتي بأي حركة أيها الشبح
_ زياد !!!
_ لقد عرفتني فوراً
_ لا يمكن أن أنسى صوتك أبداً
_ أخيرا حدث لقائنا وجهاً لوجه
_ تعني من قناع لقناع
_ دعنا نحرر يدك من زر التفجير لنتحدث قليلاً هناك حساب يجب تصفيته
_ لا تقلق منه عزيزي ... انه مزيف لا يوجد متفجرات حول السجن
لم يرد عليه زياد و هو ينتزع الجهاز ... نظر اليه .... انه لا يكذب .. هذا ليس بجهاز تفجير حقيقي
قال الشبح و هو لازال يقود المروحيه متجاهلاً المسدس المصوب الى راسه
_ عليك القلق على الجهاز المزروع بكعب حذائي
ضرب بقدمه سريعاً ... صدر صوت فرقعه عاليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

    
نكمل الفصول بكرة باذن الله الرواية لكاتبة زهرة نيسان

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن