الفصل الحادى عشر

237 6 0
                                    


الفصل الحادي عشر
نظر حمزة اليها غير مصدق ... يمكنك ان تسمع صوت دق القلوب المضطربة ... و صوت الانفاس المختنقة
ضمت قدميها الى صدرها ... تبكي كما كانت في تلك الليلة ...نفس الصورة ارتسمت أمام حمزة ببشاعة واقعها
_ لقد فعلت كل هذا بك ... لما .... لماذا لم تخبري سامر ؟؟
نظرت اليه من وسط دموعها و هي تهز كتفيها :
_ و لما أخبره ؟؟
نهض حمزة ليذرع الغرفة بفوضوية تعبر عن توتره و غضبه
_ ليقوم بطردي أو ضربي .. ليقتلني حتى
قالت أماني بصوت اكتسحه الغضب :
_ حقاً !!! و يخيب ظنه بذلك الشاب الذي احتواه كابناً له .. ؟؟ لا يمكن أن أتصور المه و ندمه وقتها ..لم استطع فعل ذلك به .... دفنت ما حدث بتلك الليلة و تظاهرت بأنه لم يكن ... ان ما حدث تلك اللية لم يحدث لي لقد حدث لفتاة اخرى ..او انه مجرد مشهد سينمائي من فلم مرعب ...
كان صدر حمزة يعلو و يهبط بقوة ..مرر يده بين خصل شعره يحاول السيطرة على نفسه .. لكن كان الأمر أكبر من صبره و هدوءه .. أخذ يضرب الحائط بقبضته بجنون و هو يصرخ :
_ لقد ارتكبت جريمة بحقك ... و فوق هذا حاصرتك بتواجدي الدائم حولك ... و ختمت الأمر بزواجي منك مكرهة
تكومت أماني على نفسها و هي تصرخ :
_ توقف يا حمزة توقف ... أرجوك
لكنه لم يسمعها واصل لكم الحائط يعاقب نفسه بالألم ....
_ أحمق .. كم كنت احمقاً و غبي
رأت أماني بقع الدم التي بدأت بالتشكل على الحائط .. صرخت بفزع:
_ حمزة ... لا ... توقف .. توقف
لا جواب .. جنون مطبق سيطر عليه .... الرعب كسى قلبها .. كيف يمكن أن توقفه ؟؟؟... اقتربت منه و بدون تردد ... القت بجسدها على ظهره .. و أحاطت صدره بيديها وهي تقول باكية :
_ توقف .. أتوسل اليك
شعر بكهرباء ناعمة تسري بجسده أنزل يده ليضعهاعلى كف أماني التي استقرت على قلبه المضطرب.. ليسمع همسها الباكي و هي تقول :
_ لم تكن بوعيك .. لم تكن انت تلك الليلة ... ذاك رجل ولد لليلة واحدة ومات ... كان يجب أن أواجهك ... لاختلف الوضع بدلاً من هذا العذاب الذي استمر سنين طويلة .... لم تكن بوعيك ..
قال حمزة بصوته الأجش و هو يسحب أماني لتواجهه :
_ أماني ... صدقيني .. أنا لا أذكر شيئاً مما حدث بتلك اللية .. حتى تلك الفتاة لا أعلم من هي و كيف التقيت بها ....أنا آسف يا أماني .. لقد أخطأت بحقك كثيراً .. و أنا مستعد لأي قرار تتخذينه
نظرت اليه بعدم فهم
_ ما الذي تقصده بالقرار ؟؟؟
قال و هو يبتعد عنها قابضاً على كفه :
_ ان أردتِ حريتك فهي لك يا أماني لن أجبرك على العيش معي و قد ..
_ توقف ..لا تكمل
_ أماني ... أرجوك !!!
_ أجبني على سؤال واحد فقط ....
_ ماذا ..؟؟
_ هل كان سبب اصرارك على الزواج مني هو ظنك بأنك اقترفت ذنباً معي .. أردت أن تصحح خطأ لم تعلم إن كنت ارتكبته أم لم ترتكبه ؟
اقترب منها مسرعاً و هو يحيط وجهها بكفيه ..محدقاً بعينيها
_ بالطبع لا .. أحببتك منذ التقيتك طفلة و عشقتك مراهقة و سلمت قلبي لك امرأة ... أحبك و اكره نفسي لإيذائك ..
_ حمزة .. أنا ... لا أريد الابتعاد عنك ... أريدك الى جانبي
جاء صوتها عذباً جميلاً ... ذاب في أعماقه ليقترب من شفتيها ببطء و هو ينظر لعينيها ... ليرتشف منها شهداً اشتاق اليه بجنون ... و لأول مرة تستسلم له بالكامل .. ذابت معه ... لأول مرة تستشعر الهيام بلمساته ....
توقف الزمان .... و اختفى العالم من حولهما ... غارقين في بحور العشق اللذيذ ... توقف حمزة لينظر الى وجهها اراد أن يتأكد بأنها راضية ... راى حمرة اكتسحت بشرتها .. هكذا كانت تتورد لدى لقائه قبل تلك الليلة ... عيناها تلمعان
أمسكت كفه و هي تنظر الى اصابته
_ يجب أن تعالج يدك .. سأحضر علبة الاسعاف
منعها من الذهاب و هو يحيطها بذراعيه القويتين و هو يقول :
_ كل الجروح اليوم شفيت ....تعلمين.... أشعر بالنعاس ...... أريد ان أنام دون الخوف من أي كوابيس تهاجمني ......
ابتسمت له برقة وهي تقول :
_ ستنام مرتاحاً .. و سأحرسك من أي كابوس قد يقترب منك
هم بتقبيلها لكنها ابتعدت وهي تقول :
_ يجب أن نداوي جرح يدك في البداية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت سلام لتجد معتصم يذرع غرفة المعيشة ذهاباً و اياباً بعصبية و همجية يكاد يفتت الارض من تحته .. نظر اليها بعينين خاويتين فقدت بريق الحياة
_ هل اخبرتك ؟؟
_ أجل
_ و ...
_ لقد ..استدانت المال من شخصٍ ما ..مبلغ كبير للغاية ... و بسبب الفوائد المتراكمة .... خشيت من ان تعرف انت و والدي بعد تهديد الدائن لها بالحضور ....عملت طوال الفترة الماضية حتى تسدد ما عليها
_ تردين مني تصديق هكذا أمر ؟؟
_ ليس لدي كلام آخر
عقد ساعديه على صدره و هو يقول :
_ حسناً لنقل أني صدقت هذا الهذر ... ما حاجتها للمال .. لم يقصر ابي معها و انا و انت كنا نعطيها على حساب نفسينا .......
_ ارادت أن تشتري سيارة ...
_ سلام ... انت تكذبين علي
_ اياك و اتهامي بالكذب ... تعلم أن نورا قد تفعل اي شئ لتحصل على ما تريد.... لقد ربيناها على هذا ... تذكر انها كانت تطالب بسيارة خاصة بها و أننا رفضنا وقتها ...
_ رائع ..حقاً رائع ... و أين السيارة ؟.؟؟
_ لم تشترها لقد سُرق المال منها
صرخ بصوتاً اخترق قلوب نساء المنزل
_ سرق ؟؟
_ أجل سرق منها
_ حسناً سوف اتظاهر بتصديقك .. من هو هذا الدائن .؟؟
_ انه أمجد الرجل الذي تشاجرت معه في المحل .. لقد وظفها لتسد دينها
_ اه ... حقاً .... سأذهب لتصفية الحساب معه اذا
_ انتظر ... انه في طريقه الى هنا اتصلت به منذ ساعه
_ تحدثت اليه تلك الوقحة ؟؟
_ انا طلبت منها ذلك ليأتي و يخبرك بكل شئ .... أعلم أنك لن تصدقني بسهولة ..فالشك قد سكنك و سيطر عليك
_ اريد هاتفها الآن
_ لماذا ؟؟
_ احضري هاتفها اللعين ...بالكاد أمنع نفسي من الدخول و تهشيم راسها
_ سأفعل .. سأفعل
دخلت سلام و هي تغلق الباب ورائها و هي تخرج انفاسها التي كتمتها . .. كانت نورا منكمشة على نفسها بين احضان جمانة
_ نورا اعطني هاتفك ... من الجيد انني استخدمت هاتفي للتراسل مع أمجد
_ لا يعجبني توريط أمجد بكل هذا
_ ليس لدينا اي خيار ... لو كان لديكِ حل اخر أخبريني به ارجوك
_ قد يقوم معتصم بايذائه
حل الصمت بين الفتيات ثقيلاً ... جاء صوت معتصم المرعب و هو ينادي سلام يسالها عن الهاتف ... اسرعت اليه و هي توصي جمانة باوصاد الباب
اخذ الهاتف من يدها يبحث عن دليل ادانة... على جريمة يريد أن يعاقبها عليها مهما كانت ...في النهاية يأس من بحثه ليلقي بالهاتف باتجاه الحائط ليتحطم ..تحت انظار سلام التي تحاول استجماع ما بقي لديها من قوة
جاء صوت جرس الباب معلناً وصول امجد ...أسرعت سلام لتفتح ... أوقفها معتصم بنظرة واحدة منه ... نظرة جعلتها تتجمد مكانها
فتح الباب ليلتقي الرجلان بنظرات تكاد تكون أقوى من الرصاص ...
_ هل تسمح ؟؟
قطع أمجد الصمت .. تحرك معتصم من أمام الباب و هو يشير بيده الى الداخل ..
_ تفضل اجلس
_ شكرا ..
_ سيد معتصم .. أظنك علمت ...
_ كم المبلغ ؟؟
_عفواً؟؟
_ أخبرني بكم تدين نورا لك
_ أنا لم أتي هنا من أجل المال
_ حقاً .. ؟؟ جئت لتدافع عنها كما فعلت بالمحل
_ هي لم ترتكب اي خطأ
_ هروبها من المنزل ليس بخطأ ؟؟
_ لم أعلم بهروبها .. و لكن الانسة نورا ...
_ انا لا أطلب منك الدفاع عنها.. اريد أن أعرف المبلغ الذي تريده منها و لننتهي
_ لا أريد شيئاً منها لقد وفت المبلغ الذي عليها من خلال عملها
_ عملها!!! حسب ما فهمته هي تدين لك بالكثير
_ لقد سامحتها سيد معتصم
وقف معتصم غاضباً .. هائجاً .... و هو يقول :
_ سامحتها؟؟ لا بد انها قدمت لك خدمة تنسيك أموالك كلها
_ أخي أرجوك ...
_ لا تتدخلي سلام التزمي الصمت
اشتعل الغضب بعيني أمجد الذي وقف بدوره قابضاً على كفه بقوة مانعاً نفسه من التصرف بطريقة لا تحمد عقباها
_ لا أصدق أنك تتحدث عن شقيقتك بهذه الطريقة ... أقسم لك انها لم ترتكب اي ذنب طوال فترة عملها معي و أمي
تراشق الرجلان النظرات ..قطعه أمجد قائلاً:
_ أريد الزواج بنورا ..
صدرت شهقة من سلام حاولت قدر الإمكان إخمادها... هما لم يتفقا على هذا ..
نظر اليه معتصم بعدم فهم
_ تريد الزواج من نورا ؟؟
_ أجل ..أكثر من أي شيء ... و لا أظن أن رجلاً يقبل بامرأة منحلة لتكون أماً لأبنائه
ظهرت علامات التفكير على وجه معتصم .... أما نورا التي اتكأت على كتف جمانة واقفة خلف الباب تستمع لهذا الحديث .... لم تصدق ما سمعته .. زواج ؟؟؟ لقد جن حتماً .... كيف سوف تتصرف الآن .. إن أراد الزواج منها فعليها أن تخبره بالسبب الحقيقي لهروبها ... إنها لا تستحق رجلاً كأمجد هو يستحق فتاة أكثر براءة و طهراً
جاء صوت معتصم الحازم مسبباً ارتعاشاً بأوصالها الضعيفة
_ قبل الحديث عن أي زواج .. يجب أن تسترد نقودك .... أخبرني بالمبلغ أولاً
_ أخبرتك بأنها
_ سيد أمجد أرجوك ..لن أقبل أن تكون أختي مدينة لأي أحد و خاصة من رجل يطلبها للزواج
زفر أمجد بعدم ارتياح و هو يقول :
_ الفان
_أرجوك سيد أمجد ... الحقيقة
_ حسناً خمسة الاف .. رضيت الآن؟
نظر اليه معتصم محاولاً استشفاف الحقيقة .. لم يرى بعينيه سوى الحزم
_ حسناً انتظر هنا سأكتب لك شيك
نادى على جمانة التي لحقت به سريعاً الى غرفة النوم .....
_ أين دفتر الشيكات ؟؟
قالت و هي تناوله الدفتر
_ معتصم .. انت لا تملك هذا المبلغ
_ سأتدبر أمري
_ كيف ...ماذا اذا صرف الشيك و وجده بلا رصيد يغطي المبلغ
_ البنوك اقفلت الآن و غداً صباحاً سوف أودع المبلغ
_ من اين ؟؟
_ هذا عملي ... لا تتدخلي جمانة
في الخارج كانت سلام تحدق بأمجد غير مصدقة عرضه المفاجئ ... قالت بهمسٍ غاضب
_ لما اقحمت موضوع الزواج بالأمر
_ لأن أخاك مجنون و قد يؤذيها
_ و هل تجد ان موضوع الزواج مزحة ؟؟
_ لا ..طبعا لا ... انا ... أحبها
_ حب ..؟؟
_ و هل يوجد رجل عاقل يقبل مواجهة ذاك البركان الثائر الا اذا كان عاشقاً...؟؟
_ أمجد!!!!
_ أريد أن أراها
_ لقد فقدت عقلك
_ هل هي بخير ؟؟
_ انت تحبها حقاً
اجابها بابتسامه بلهاء ... انتقلت عدواها لسلام ... لكن سريعاً ما اختفت بحضور معتصم الذي مد اليه الشيك
أمسكه أمجد بتردد و هو يطالع وجه معتصم و قال :
_ و الزواج ؟؟
_ أعطني وقتاً للتفكير ...
_ طبعاً و هذه بطاقة تحمل اسمي و ارقامي و عنواني
خرج أمجد من المنزل ... لينهار معتصم على أقرب مقعد و هو يدفن وجهه بين كفيه .. نظرت سلام اليه باشفاق ...جلست الى جانبه و وضعت يدهاعلى كتفه ..... نظر اليها ... هالها الحزن الذي اطل من عينيه و هو يقول بصوتاً مسحوق :
_ ان ما حدث مع نورا خطئنا جميعاً لقد اسرفنا يتدليلها حتى فسدت .. سمحنا لها بارتكاب الاخطاء حتى تمادت ...
_ أعلم .. و لكنها قد تغيرت اشعر بذلك
_ تغيرت !!!
_ معتصم أرجوك اسمح لي بأن أصطحبها للمنزل
_ انسي الأمر ... لن تخرج من هذا المنزل
_ و لكن ..
_ دون و لكن ..و لا تخبري والدي بشيءٍ الآن دعينا نرتب الأمور ...و حتى ...
_ تختفي الكدمات و الجروح عن وجهها
_ تستحق ما حدث لها
_ لا تكن قاسياً ..
_ قاسياً ؟؟ عام كامل و الخيالات تأخذني و تعيدني .. لم أذق طعم الراحة و هي مختفية ......انها أختى الصغرى
_ معتصم ....
_ انسي الأمر يجب ان أجد طريقة لأتدبر المبلغ الذي كتبته في الشيك
_ كم تحتاج ؟؟
_ لا علاقه لك بهذا الأمر
_ ارجوك دعني اساعدك
_ لا .. لا تقلقي .. اهتمي بها جيداً فقط
_ معتصم .. هل ستوافق على الزواج ؟؟
_ لا أعلم يجب أن أسال عنه و أعرف أصله و فصله ... شخص يدين الناس بفوائد .... ليس جديراً بالثقة ... و ما زلت لم أفهم بعد كيف تعرفت به نورا و تجرأت على طلب المال منه ..
_ صديقة لها ... طلبت المال من أمجد و أوصلته لنورا ... لم يتعرفا وجهاً لوجه الا بعد ان تاخرت بالسداد
فكرت سلام بأن الكذب يصبح اسهل و اسهل ... لا تعلم من اين جائتها الجرأة لترسم كل هذه الاحداث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأول مره تدخل مكتبه الصغير في المنزل ... كان يقضي وقتاً طويلاً في عمله هنا ... في كل ركن تتجسد صورته أمامها ... وضعت يدها على بطنها ..كما لو كانت تبث لجنينها قصصاً عن والده الغائب ...
جلست على مقعد المكتب ... مررت اصابعها على أوراقه التي لازلت متناثره .... و على ادراجه نصف المفتوحه .. حاولت لسنوات طويله أن تجعله مرتباً في عمله و لكنه كان يقول بأنه لا يحسن العمل الا من وسط الفوضى المرتبه التي لن تفهمها يوماً ..لن تنسى وجهه عندما عاد يوماً ليجدها نظمت أوراقه و ملفاته ... شعرت به تائهاً لا يعلم ماذا يفعل .... غابت عنه لأقل من ساعه لتجده قد قلب المكتب راساً على عقب ....
تذكرت اليوم الذي اشترى فيه المكتب يتبهى و يتفاخر بالصفقه التى ابرمها مع البائع و انه قد أشتراه بثمن ببخس بالنسبه لقيمته ... و كان كالطفل الصغير و هو يعرض عليها الدرج السري الملحق بالمكتب قال أنه سيضع فيه أغلى ما يملك
فتحته بالطريقه التي علمها أياها .. لم تجد سوى دفتر صغير و صوره ... صوره لها من رحلتهما الأخيره الى فرنسا ...كتب عليها من الخلف " حب حياتي و أغلى ما في الوجود "
حاولت تمالك دموعها و لكن ... ما رأته بالدفتر الصغير جعل دموعها تتحجر ...حروف و أرقام غير مفهومه ... من أول صفحه لأخرها .. تبدو كالشيفره ...و ما خطى على اخر صفحه أكد ظنونها
" شيفره رقم 6 "
" ريتاج .. أن وجدت هذا الدفتر و قد حدث لي شئ..اتصلي بهذا الرقم "9453547673"
شعرت بقلبها ينتفض من مكانه و هي تهمس
_ ما الذي ورط نفسك فيه يا فراس .؟ ... ما الذي فعلته ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تدعو الله بحياتها كما فعلت بهذه الليلة التي تبدو لها بلا نهاية ..... تدعو بكل قلبها أن تعود ياسمين سالمه .... اختها الصغرى التي ربتها بعد وفاة ولدتهما ... هي ابنتها قبل أن تكون اختها ... أوقفت حياتها و مستقبلها ..... لتكون بجانبها ... تخلت عن حب حياتها لتكون الى جانب صغيرتها حتى تجد هي شريك الدرب و موطن الأمان و الاستقرار ... و لكنها بدل ذلك تسقط بمطب تلو الأخرى ... متى سوف تعرفين الراحه صغيرتي ... حتى أرتاح معك .... متى سيعود صغيرنا يزن لننعم بالهدوء .....اه يا ياسمين يا جرحي الذي لا يبرء
بكت كما لم تفعل يوماً ... لم تبكي بهذا القدر يوم وفاة أمها ....لم تبكي وهي تتجرع قسوة والدها الذي يضيق النطاق عليها و على ياسمين ..لم تضعف يوماً .... كانت صخره ثابته في وجهه العواصف التي تضربهما من كل حد و صوب ..... هي الوحيدة التي وقفت بوجه حازم الذي اذاق أختها المرو العلقم ... و لولا تمسك ياسمين به لكانت خلصتها من براثنه وقتها ... لكن اليوم تقف عاجزه ..لا تعلم مكانها ... تشعر بأنها تخسرها مع كل دقيقه تمر
فتحت كتاباً تضعه الى جانبها دائماً .... لتتوقف على اسطر تم تحديدها بقلماً خطاط ...
أي شيء في العيد أهدي إليكِ؟...يا ملاكي وكل شيء لديكِ
أسواراً؟ أم دملجاً من نضارٍ...لا أحب القيود في معصميكِ
أم خموراً؟ وليس في الأرض خمر...كالذي تسكبين من عينيكِ
أم ورداً؟ وليس أجمل عندي...كالذي قد نشقت من خديكِ
أم عقيقاً كمهجتي يتلظى...والعقيق الثمين في شفتيك
ليس عندي شيء أعز من الروح...وروحي مرهونة بين يديكِ
ايليا ابو ماضي
اه يا قلبي المحطم ... كيف ظننت أن الحياه ببعده ستصبح اسهل ...... كم أحتاجك الى جانبي .... ما من شئ يسكن ألمي و جروحي ...... أربد أن أختبئ بين ظلوعك ... هل تذكر سعاد ؟؟؟ أم أنك الأن أصبحت مع اخرى ... تربى ابنائك منها ..... لا بد أنك أعظ الأباء ..في قلبك حنان يرق له الجبل ... لو أنك هنا الأن ... لكنت بكيت على كتفك حتى يخفى الألم .... لكنت قلت لي بأن ياسمين ستعود .. أجل ستعود سالمه .... لن أخسرها .... كم أحتاجك ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
وقفت و هي تتطلع الى غرفة القيادة حيث ذهب حازم
اسرعت بالخروج من الطائرة .. .وصلها صوت المضيفة و هي تصرخ :
_ سيد حازم لقد هربت السيدة
حاولت ان تسرع أكثر ..لكن وقع خطواته كان يقترب أكثر و أكثر ... يد اطبقت على ذراعها لتسحبها
أخذت تضرب بجنون و هي تصرخ :
_ ابتعد ... اتركني ...
_ ياسمين اهدأي ... ستكونين بخير
تجمدت حواسها عندما تعرفت على صاحب الصوت
_ قصي ...ما الذي تفعله هنا !!!
_ تمالكي اعصابك لن اسمح له بالاقتراب منك
جاء صوت حازم هادراً .. سحب قصي ياسمين لتقف خلف جسده الضخم ......
_ ياسمين .. عودي الآن سوف ....
قطع حديثه عندما راى وجه غريمه تحت ضوء خيوط الشمس الأولى واقفاً بشموخ واضعاً يديه بجيوبه ينظر اليه باستخفاف ...
_ أنت ؟؟
_ كيف حالك يا حازم ؟؟
_ ايها الوغد .. ياسمين تعالي .... ابتعدي عنه
التصقت ياسمين بظهره ..تحاول الاختباء من نظراته المجنونة و صوته الهادر
_ ياسمين ... هل عدت اليه ؟
فتحت ياسمين عينيها بقوة و هي تصرخ من خلف قصي :
_ انت أكبر أحمق رأيته في حياتي
قال قصي و هو يرسم ابتسامة ساخرة على وجهه :
_ حقاً أنت أكبر أحمق في العالم ...
_ أغلق فمك .. انت السبب في كل ما يحدث
_ لست السبب في اي شئ ..خيالك المريض يوهمك بخيالات مريضة
_ انت أيها الحقير ابتعد عنها و الا ..
_و إلا ماذا ؟؟
اسرع حازم بجسده الضخم نحو قصي مكوراً كفه ليسدد لكمة الى وجهه ..تجنبها بسهولة و هو يبعد ياسمين التي وقفت ترتجف مكانها
زاد غضب حازم و هو يرتطم بالهواء .... عاد ليسدد لكمة اخرى .. كان قصي خائفاً من أن تضعفه اصابته .... لكن يبدو أنه لن يستطيع تجنب اللكمات فقط ... عليه ان يهاجمه
اشتبك الاثنان في دوامة من اللكمات و التي كان النصيب الأكبر منها لحازم حتى قام بتسديد لكمة اصابت كتف قصي المصاب مما جعله يتألم بشدة .. حاول مداراة الأمر قدر الأمكان .. لكن حازم التقط الأمر فأعاد تسديد لكماته على كتفه المصاب
و من ثم سددها على فكه ليسقط أرضاً ....
كره ضعفه الذي لم يعتده و خاص امام حازم و ياسمين ..... اسرع حازم ليجلس فوقه و هو يكيل اللكمات مفرغاً غضباً طال في داخله و هو يصرخ
_ انت السبب ..انت السبب .. لولا فعلتك لما وصلنا لهذا الحال أيها الحقير الوغد
استجمع قصي قوته ليمسك بيده التي تكيل لها اللكمات... و بيده الأخر أمسكه من قميصه ليرفعه و يدفعه مستعيناً بقدميه من فوقه
وقف الاثنين سريعاً ليحافظ قصي على ابتسامته الساخره قائلاً
_ انت لا تستحقها
قال حازم و هو يطلق ضحكة ساخره
_ ما الأمر لا تحتمل فكرت انها اخترتني و تركتك ايها الوضيع
عندها انقضى قصي عليه كأسد غاضب ... ليهجم عليه بكامل جسده ... ..ليسقط الاثنين على الارض ...
فور سقوطهما ... سدد حازم ركله الى كتف قصي المصاب مما جعل يرتدد الى الخلف كاتماً صوت المه ... اسرع حازم ليعاود الجلوس على صدر قصي ممسكاً راسه رافعاً اياه ... ليصدمه بالارض الاسفلتيه ...
كانت ياسمين منهارة على الارض تبكي أمام هذا العراك الوحشي .. شعرت بقلبها يتمزق ... الألم يشتد في كل لحظة ... وضعت يديها على رأسها و اغلقت عينيها باكية منتحبة و هي تصرخ بصوتٍ لم تعلم أنها تمتلكه :
_توقفا ... توقفا ... مجانين .... توقفا ...
تجمدت يد حازم في الهواء و هو ينظر للحال التي وصلت اليها ياسمين ..نهض مسرعاً تاركاً قصى أرضاً مترنحاً بين الوعي و اللاوعي ..ليقترب منها و هو يقول :
_ ياسمين .. اهدأي
_ لا تقترب .. لا تقترب ... أكرهك .. أكرهك ...كما لم أفعل بحياتي
_ لا تكرري تلك الكلمة
_ أكرهك ... أكرهك
أمسكها من كتفيها و هو يصرخ :
_ توقفي ..توقفي
كانت ياسمين منفصلة عن العالم و هي تردد هذه الكلمة لم تعلم انها زادت من شراسة وحش هائج ...حاول قصي النهوض بسرعة وهو ويراقب يد حازم الهائج ترتفع لضرب ياسمين
تفاجأ حازم بجسده يرتفع و يلقى بعيداً عن ياسمين ليأتيه صوت غاضب
_ اياك أن تضربها ايها الوغد
انحنى نحو ياسمين التي لازالت تنتحب و تبكي و تردد أكرهك أكرهك وضع يده على كتفها و هو يهزها
_ياسمين ... أنت بخير الآن... ياسمين
استكانت على وقع هذا الصوت ..رفعت عينيها نحوه قائلة :
_ زياد .. انت هنا ...نفس العيون
قال و هو يتجاهل كلماتها التي ظنها بسبب غياب وعيها :
_ أجل لا تقلقي ..
نظر الى وجهها المزرق من أثر الضرب .. اشتعل بصدره غضب الدنيا .... ساعد ياسمين على النهوض ... و أراد التوجه الى حازم و هو يقول :
_ سأقتله
أمسكت ياسمين بيده و هي تقول باكية:
_ لا تورط نفسك معه أرجوك
_ ياسمين ...!!!
جاء صوت حازم غاضباً و هو يتوجه ناحية زياد الذي وقف بمواجهته مصوباً له نظرات التحدي و الترحيب بالعراك
وقف قصي يراقب الموقف بمتعه مجنونه و هو يهمس لنفسه :
_ لم اتصور هذا الاجتماع يوماً .... تُحسن ياسمين اختيار اعدائي
_ ابتعد عنها ..لا تتدخل بيني و بين زوجتي
_ السابقة .. زوجتك السابقة سيد حازم
_ ابتعد الآن
_ اسمعني جيداً ... سوف اطلب منك هذه الأمر لمرة واحدة فقط ... ابتعد عن ياسمين... لا تتعرض لها .. لا تحدثها ... و لا تتدخل بشؤون حياتها
_ و سأقول لك و للمرة الاخيرة لا تحشر نفسك بيننا .. تعالي ياسمين الآن
التصقت ياسمين بزياد اكثر و هي تشيح بنظراتها عنه .. هم بمد يده لسحبها
_ ياسمين سوف ....
_ توقف عندك ... لن احذرك مرة ثانية .... ياسمين منذ اليوم مخطوبتي و سوف نتزوج
تقافزت الشياطين امام حازم ...هم بتوجيه ضربته .... زياد كان ينتظر هذا الهجوم ليلقنه درساً .. أفرغ غضبه بضربة واحدة على فكه جعلته يرتد للخلف ألحقها بتوجيه ضربه الى معدته بواسطة ركبته.. و ليختمها بضربه براسه على جبهته ليسقط أرضاً غائباً عن الوعي
ابتسم قصي بسخرية و هو يقول لنفسه :
_خطيبتك ؟؟تلك الفتاة سوف تقضي علي
اقترب قصى من ياسمين واضعاً يده على كتفه المصاب ... سمع زياد يقول لها :
_ هل انت بخير .. هل أصبتِ ؟؟
_انا بخير ... بخير ..
لكنها مع اخر كلماتها انهارت لتغرق في غيبوبة ..... أحاطها زياد بيديه .. ليحملها بين ذراعيه ..
_ حضرة العقيد
_اهلا سيد قصي .. أشكر لك مساعدتك
_ لم أقدم الكثير للاسف .. هل هي بخير ؟؟
_ اتمنى ذلك ... لكنك تبدو مصاباً ..كتفك و هناك جروح في وجهك
_لا تقلق ... اصابة كتفي قديمة ..
_ و الجرح الذي على جبهتك ؟؟
_ عفوا ً؟!
_ الجرح على جبهتك لا يبدو من معركة اليوم
_ صحيح .. لقد سقطت منذ ايام و تعرضت للاصابة في كتفي و جبهتي
_ اترغب بأن اوصلك للمشفى ؟؟
_ لا سأكون بخير
افترق الغريمين ... لكن شعور قصي بالغضب يتصاعد
_ تستمر بارتكاب الاخطاء يا قصي .. تمالك نفسك .... يجب أن تحقق انتقامك من زياد .. ابن ذلك الوغد
عاد سيل ذكرياته التي تغذي انتقامه أكثر و أكثر
في يوم تقبل العزاء في والده بالتبني ... السفير الدبلوماسي الشهير ... كانت كلماتهم تصله كالسيف من كل حد و صوب .... ما كان عليه تبنيه .... لقد ورث ذلك اللقيط كل ما يملكه ... انه اكثر الناس حظاً ... لو لم يكن السفير يمتلك الجنسيه الأمريكيه لبقي ذلك الفتى مجرد ابن شوراع ولم يحصل على اسمه قانوناً
أكثر الناس حظاً !!!! .. الأوغاد لا يعرفون شيئاً ... لا يعرفون كم عانيت و تعذبت في حياتي ..لا يهتمون الا بالمظاهر الخادعة
وقف الى جانب أمه يصارع افكاره .. جاء صوت رجلٍ اجش يقدم التعازي لها.... رفع بصره ناحيته ..
_ اشكرلك حضورك سيد العميد .. ذلك يعني لي الكثير
_ كان رجلاً يستحق الاحترام
_ أجل هذا صحيح
كان يستمع لكلماته لكنه لم يسمعها على حقيقتها ...... كان صدى الماضي يتردد في ذهنه ما قاله لأمه يوم انتحارها هو ما يلح عليه :
" اسمعيني جيدا ...... ذلك الصبي لن أعترف به كابن لي و انت تعلمين بأني قادر على مسحك عن وجه الارض ... كل شهر سأرسل لك مبلغاً من المال لتنفق عليه وعلى نفسك و احذرك ان اتصلت بي فأنا لن ارحمك ...سأقتلك "
لم يكن لأحد أن يحزر ان نيران الحقد تشتعل و ما زادها ذلك الفتى الذي يقف الى جانبه
زياد ... ابن العميد العظيم ...جميع المتواجدين يسلمون عليه كما يفعلون مع والده ... الجميع يتوقعون له مستقبلاً باهراً كوالده العظيم .... جميعهم يتهامسون عن كونه محظوظاً لانه والده
كيف يمكن لهذا ان يكون .... نفس الاب ّ!!!!... هما إخوة... لكن ذاك الزياد يقف فخوراً بوالده ... بينما هو يتمنى ان يصبح غير مرئي ... يريد الاختباء وراء قناع ..هو لقيط .... هذه حقيقته .... لما حرم من نعمة الام و الاب.؟.. أي ذنب ارتكبه ليعاقب بهذه الطريقه؟ .. باي حق و اين العدل ؟
جاء صوت امه تناديه :
_ قصي حبيبي ... لما لا تصطحب زياد الى الخارج .. ابتعد قليلاً عن هذه الأجواء
_ بالطبع أماه
مشى الى جانب اخيه بصمت .... لكن اصوات قلبه تزداد صراخاً و اضطراباً و كرهاً .... الف فكرة خطرت له ... و لكن الفكرة الاساسية كانت " انه من السهل انهاء حياة انسان اخر و لقد فعلها من قبل .."
قال قصي قاطعاً الصمت :
_ لا بد أنك فخور بوالدك .؟؟
_ نعم بالطبع انه رائع
_ حقاً ....؟؟
_ أجل هو أنبل و أشجع الرجال
_ طبعاً ... هو كذلك
_ و والدك كان رجلاً مميزاً و رائعاً كما سمعت
صدرت منه ضحكة صغيرة ساخرة تحمل سماً زعافاً
_ اسمعني يا ...زياد ... المظاهر تخدع....
_ لا أفهمك !
_ سوف تفهم و بالطريقة الصعبة
نظر اليه زياد بعدم فهم ..لكنه قرر تجاهله و أخذ يتأمل القصر المهيب على رأس قمة جبل محاط بمناظر خلابة... رائحة الاشجار و الازهار تملئ المكان ......
سمع صوت ابيه يناديه و هو يقف على المنحدر ... خلف سيارة جيب كبيرة ملوحاً له
_ بالاذن سوف نرحل كما يبدو .. رحم الله والدك
اجابه بايماءة بسيطة و هو يمشي خلفه ... اقترب ليسمع زياد يحدث والده قائلاً :
_ و الآن هل سنذهب الى مدينة الألعاب؟
_ بالطبع لقد وعدتك .. لكن انتظر رباط حذائك مفكوك
انحى ليشد عقدة حذائه و هو يقول :
_ ابي ... عمري احدى عشر عاماً ..استطيع القيام بذلك
_ ستبقى صغيري الى الابد
كان قصي يستمع لهذه الكلمات ليموت اخر مكانٍ للانسانية في صدره ... الانتقام فقط الانتقام .....
توجه الى السيارة الجيب و هو يستمع لصوت ضحكاتهما ... أنزل قابض المكابح ... لتبدأ رحلتها بالهبوط متسارعة باتجاه زياد و طارق ..... صرخ زياد ابي السيارة .....دفع طارق ابنه بعيداً ليسقط هو امام السيارة التي اصطدمت به و سحبته معها نحو الاسفل وسط صوت صراخ زياد و ابتسامة قصي الماكرة

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن