الفصل الخامس

366 6 0
                                    


الفصل الخامس
دخلت ياسمين مبنى الرئاسة و الغضب يشتعل بداخلها ... وصلت لمكتب قصي الفخم بعد أن تجاوزت الإجراءات الأمنية ... وقفت أمام السكرتيرة التي سبقتها بالحديث قائلة :
_ السيد قصي بانتظارك
دخلت لمكتبه و شياطين الدنيا تتقافز أمامها ... كان يعمل على حاسوبه و أصابعه تضرب المفاتيح بسرعة
_ متى ستتوقف عن أعمالك القذرة ؟!.... الى متى سوف تستمر بملاحقتي؟! ... لقد خسرت زوجي و ابني بسبب غرورك و أنانيتك
رفع يده عن لوحة المفاتيح لينظر اليها بتملك ... كم سحره جمالها ...سحر الشرق يتجلى بصورة وجهها ... عينان سوداوان تطلقان تعاويذ السحر و الجمال ... بشرة سمراء يتمنى أن يتملكها ... فم ممتليء حد الإغواء ... شعر ينافس الليل بسواده طويل ينادي وجهه ليغرس روحه فيه ... قامة طويلة و جسد يجعل أكبر الشعراء عاجزين عن وصف رقته و فتنته الطاغية
_ توقف عن النظر الي بهذه الطريقه الوقحة يا قصي
قال و هو يقف ليدور حول مكتبه واقفاً بجسده الرشيق بمواجهتها ... وضع يديه بجيبه ... رسم ابتسامه ساخره على شفتيه و هو يقول :
_ لقد حذرتك ... كان يجب أن تتركيه ... أنتِ لم تحبيه يوماً
_ لقد أحببته حقاً ..أيها الوغد ... و لكنك كنت تستمر بتنغيص حياتي بسبب أفعالك و مطاردتك ... و بالنهاية ترسل لحازم صورة مزورة ... عمل حقير من شخص أناني لا يفكر الا بنفسه ... لقد رحل مع ابني الذي يبلغ العام من عمره فقط
_ إنه يضربك ياسمين ... لا يجب أن تبقي معه
_ و ما أدراك أنت بأمرٍ كهذا ؟؟
أطبق بيديه على ذراعيها و قال غاضباً :
_ وجهك ... جسدك ... أثار الضرب لا تفارقك
_ بسببك و بسبب أفعالك التي لا تنتهي
_ حازم شخص عنيف بطبعه ما كان يجب أن ترتبطي به منذ البداية و صدقيني لست السبب دائماً بضربه لك كنت أريد أن أعجل بانفصالك عنه حتى ترتاحي من شروره
_ ابني يا قصي ... ابني ... لقد أخذ يزن ... بسببك خسرت ابني ...
_ ياسمين ... عودي الي و سوف أعيد لك ابنك ... لقد جمع بيننا حبٌ عظيم
_ حب أنت دمرته ... أردت أن أكون لك كل شئ في الحياة و لكن لم ترد أن أكون زوجة لك بسبب اسم عائلتي الذي لن يدعم مسيرتك السياسية .... أنا لن أكون خليلتك يا قصي ... أنا أخاف الله ... أتفهم ؟؟
_ ياسمين !!!
قالت و هي تبعد يديه عنها تاركة المجال لدموعها :
_ أرجوك ... أتوسل إليك ..ابتعد عن طريقي ... لو تزوجت برجل غير حازم لتركتني أعيش حياتي بسلام .... و لكن العداء و المنافسة الحمقاء التي بينكما على مناصب سياسية و اقتصادية لا دخل لي بها هي التي جعلتك تفعل كل هذا لا تدخل الحب بيننا و لا تستعمله كعذر ... أنت لا تحبني لكنك تحب نفسك فقط
خرجت من المكتب بقلب مكسور ... شيعها بنظره ...لم يحاول منعها ... لا ينكر أن جمالها و فتنتها الطاغية هي ما لفت نظره في البداية ... كانت تعمل في الرئاسة ... لمحها في قسم العمليات الالكترونية ... عبقرية بأعمال الحاسوب ... تبتكر برامج فذة ... لن ينسى اليوم الذي حاول به بعض القراصنة الالكترونيين اختارق موقع البنك المركزي ... و سرقة احتياطي الدولة كاملاً ...في الوقت الذي عجز فيه رؤسائها و كبار الموظفين عن حل المشكلة ... هي من تمكنت من بناء جدار حماية عبقري دمر خطتهم و أنقذ البلاد من انهيار اقتصادي محقق
لكن لا يعلم كيف دخل حازم حياتها ... كيف سرق قلبها ... كانت له ... أحبته ... و عشقها ... لكن و في كل مره كانت تفتح موضوع الزواج كان يتهرب ... والدها كان من أكبر رجال المعارضة في البلاد ... كان ارتباطه بها سيدمر مستقبله السياسي بأكمله ... تركته ... تقبل الأمر ... و لكن عندما علم بأمر استقالتها ... ارتباطها بحازم ... منافسه بعالم الاقتصاد و السياسة ... شعر بالهزيمة ... لا يمكن أن يسمح له بسرقة ياسمينته منه ...تصرف بتهور ... لاحقها ...راسلها ... زرع الشك بقلب زوجها ... و هو الآن يسجل انتصاره عليه ...يشعر بالراحة أخيراً ... و لكن لا يمكن أن يرتبط بياسمين ... لم يتغير الوضع و هناك حورية ثانية لا تفارق عقله و قلبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
أحاط خصرها بيديه و هو يقول :
_ الخروج ليس كالدخول يا حلوة ... أنت زوجتي و سوف آخذ حقي منك ..
صفعته على وجهه ... و من ثم حاولت الهروب من بين يديه ... لكنه زاد إطباقه عليها و هو يتكلم بجنون :
_ ستدفعين ثمن هذه الصفعة غالياً يا سلام ...
_ حاتم اتركني ... لا تلمسني ....
مرر شفتيه على وجهها و رقبتها و صدرها ... متجاهلاً ضرباتها على صدره ...
_ أنت زوجتي ... أنت لي يا سلام
شعرت بالرعب يغزو اطرافها ... جسدها يرفض قربه .. لقد لمس أختها ... لا يمكن أن تصبح زوجته ... تشعر بنفور من هذه الفكرة
حاولت دفعه بعيداً عنها ... لكن الخمر أذهب عقله و خلقه ... تحولت صرخات الغضب الى توسل ...
_ اتـركني ...أرجوك ... لا أريد ... لا أريد
تجاهل ندائاتها ... استمر بهجومه و انتهاكه لجسدها ... القى بها على أرض غرفة المعيشة .. ضمت قدميها لصدرها باكية
_ توقف أنت مخمور ...أرجوك
قال و هو يفك أزرار منامته :
_ أنت زوجتي أنا لا أرتكب أي خطأ بحقك كنت مخمورا أم لا
عاد ليطبق بجسده على جسدها أرضاً ...غرز يديه بشعرها ليستنشقه و هي تشهق بالبكاء ...حاولت دفعه عنها و لكن لم تستطع مقاومته ... حركت يديها على الأرض.. اصدمت بزجاجة خمر ملقاة على الأرض ...التقطتها و بكل قوة تملكها ضربته على رأسه ... سقط عليها مغشياً عليه ... أبعدت جسده بصعوبة ... نظرت إليه برعب واضعة يدها على فمها :
_ لقد قتلته .. قتلته
أفزعتها حركة جسده و صوت الأنين الذي صدر منه ... بدأ برفع جسده ... عندها خرجت سلام مسرعة....أما هو جلس و هو يضع يده على رأسه...بقع خفيفه من الدم صبغت يده ....
_أحمق .. أحمق في كل مره تزيد الأمر سوءً ....لكن لن أترككِ يا سلام ... لن أتركك ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
دخلت أماني الى منزلها الجديد بخطوات مرتجفة ... سبقها حمزة الى الداخل يحمل حقائبها ... كان المنزل أنيقاً و عصرياً كما تحب ... طغى اللون الليلكي على كل شيء ... اللون الذي تعشق ويغلب على غرفتها و ملابسها ... هل الأمر مجرد صدفه ... أم أن حمزة انتبه لعشقها لهذا اللون؟! ...
خرج حمزة من أحد الغرف و هو يقول :
_ هذه غرفة نومك حقائبك بالداخل ... ستصل الخادمة غداً .... و السائق أيضاً
_ لماذا ..؟؟
_ لم أفهمك
_ بالأمس قمت بصدك و ابعادك و اليوم لم أرحمك من لساني و انت تقف الى جانبي
_ أنت زوجتي ... لست عدوتي
_ و لكنك عدوي
_ أماني أرجوك
_ لا تتوقع أن أكون يكن هذاالزواج طبيعياً
_ لهذا تركتك بالأمس و سوف أعطيك مهلة لعام كامل لتستوعبي أنك زوجتي أنا
_ تريد تملك جسدي هذا ما يهمك
_ طبعاً لا ... من أين جئت بهذه الفكره الحمقاء
_ لن تكوني لرجل آخر يا أماني هذا الجسد الرشيق المثير الذي يأسرني سيكون ملكي أنا فقط .. كلماتك هذه لن أنساها ... أشعرتني بأني سلعة ..سلعة رخيصة ... تزوجتني و أنت تعلم أني لا أريدك
أغلق حمزة عينيه ... أخذ نفساً عميقاً ... كان الغضب يغلي داخله
_ أماني ... كنت غاضباً منك ... لم أحتمل رؤية رجل يمسك بهذه الطريقة ... و لست نادماً على زواجي بك ... بعد عام سأعود لنبدأ حياتنا معاً .. عام واحد يا أماني ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
بعد عام ......
أحاط دخان سيجارته وجهه الذكوري الأسمر القوي و هو يحدق بسماء الليل الصافية و القمر الفضي ، لطالما أحب الوقوف أمام نافذة مكتبه في المنزل ليتأمل السماء ، سحب نفساً ثانياً و أطلقه مع تنهيداته الحاره ، نظر الى عقب سيجارته بعينيه الحزينتين و هو ينفخ دخانه :
_ منذ متى و أنت رفيقتي و أنيسة وحدتي ، لم يعد لي من صديق غيرك أبث له همومي و أفكاري
طرقات ناعمة ضربت باب ، شعر بها تضرب قلبه ليخفق بقوة ، فتحت الباب و دخلت و هي تناديه :
_ زياد ..أ أنت هنا ؟؟؟
قال دون أن يتحرك من مكانه :
_ أجل حبيبتي أنا هنا
_ هلا توقفت عن حرق سجائرك ؟؟ ستقتل نفسك ...
_ لم اعد أستطيع الإبتعاد عنها
تقدمت الى الأمام لتصدم قدمها بالطاولة الموضوعة في وسط المكتب ، آهات ألم انطلقت منها ، ذعر و اقترب سريعاً و هو يقول :
_ يا إلهي ، أنا آسف نسيت أن أعيدها لمكانها ، هل أنت بخير؟!
قالت و هي تجلس على الكرسي ...
_ لا تقلق، أنا بخير ، لما تجلس بالظلام ؟؟
_ ماذا ؟؟
_ قلت لم تجلس بالظلام ، أنر الأضواء
استجاب لطلبها ليراها تجلس هناك كملاك نزل من السماء ... ترتدي ثوباً قطنياً قصيراً بلا أكمام ، أزرق اللون يماثل لون عينيها الواسعتين ، ببشرتها البيضاء العاجية ، يحيط بوجهها شعرها الأسود القصير بابتسامة ناعمة ساحرة تُظهر أنوثتها الصارخة
اقترب منها و تنبه للجرح الصغير الذي حدث نتيجة اصطدامها بالطاولة ،انحنى ليفحص الجرح وهو يقول :
_بسبب اهمالي تأذيتي ، سأحضر لاصقاً طبياً
أمسكت كفه ليعاود انحنائه أمامها ، أمسكت وجهه الرجولي الخشن بيديها الرقيقتين و أخذت تتلمس كل خلاياه ، أغمض زياد عينيه مستمتعاً بلمساتها الرقيقة ,
أمسك بكفها ليقبلها قبلة طويلة رقيقة ناعمة ، قال بصوته الأجش القوي بحنان غامر:
_ دلال ، أحبك ... و كل الشكر لك
_على ما تشكرني ؟؟
قال وهو يداعب خصلات شعرها القصير :
_ لطلبك مني إضائة الأنوار ... حتى أرى وجهك الملائكي الرائع
ابتسمت بحب ملأ كيانه ، وعادت لتتلمس وجهه
_ كم أتمنى أن أرى وجهك و لو لمرة واحدة لقد اشتاق لرؤيته
أطل حزن الدنيا من عينيه ، وقف و هو يجذب جسدها الصغير ناحية صدره العريض ليضمها إليه بقوة :
_ لو كان باستطاعتي لمنحتك عيني و عشت بنور حبك للأبد
_ما كنت قبلت بهذا ، فأنا أرى نفسي بعينيك
زاد من قوة احتضانها ، تمنى لو أمكنه أن يضمها داخل جسده حتى يتحدا و لا يفترقا للأبد , قال وهو يهمس لها بحب :
_ أحبك دلال ..أحبك
_ و أنا أحبك زياد و أعشقك و أتمنى أن أسعدك بدلاُ من أكون سبباً لحزنك و قتل نفسك بتلك السجائر اللعينة
تطلع إلى عينيها اللتان ترقرقتا بالدموع ، مسحها بباطن كفه و من ثم أمسك وجهها ليغرقها بقبلة طويلة بث فيها شوقه و حبه ،أحاط خصرها الصغير بيديه القويتين و قال:
_ لطالما كنت مصدر سعادتي يا دلال ...يكفيني وجودك بقربي ، لا شيء آخر يهمني بالدنيا
امتلئت عيناها بالدموع من جديد ، عاد ليضمها إلى قلبه و هو يمسح بكفه على شعرها الحريري :
_ ما بك حبيبتي تبدين أكثر حزناً ؟
التزمت الصمت و هي تخبئ و جهها في صدره الواسع
_ إنها أمي .. أليس كذلك ؟؟ لقد جائت و زارتك اليوم
هزت رأسها موافقة على كلامه ... نظرة غضب أطلت من عينيه ، ابتعد قليلاً عنها حتى لا تحرقها نيران صدره المشتعلة ، مرر يديه بخصلات شعره الأسود حتى كاد أن يقتلعها:
_ كم مرة أخبرتها أن تتوقف عن ذكر هذا الموضوع ، يبدو أني سأمنعها من زيارتك أثناء غيابي
_لا ، لا تفعل لا أريد أن ثتير غضبها ، فهي أمك و من ثم...
_ من ثم ماذا ؟؟
_ انها على حق ، بجب أن تتزوج حتى تنجب أطفالاً يحملون اسمك
زاد اشتعال النيران في صدره ، شد على كفيه حتى ابيضتا ، أي جنون هذا ، هو يتزوح امرأة غير أميرته و مليكته ، اقترب منها و أمسكها من كتفيها، قال وهو يهزها بعنف :
_ أنت يا دلال ... أنت من تقول أن علي أن أتزوج ؟؟؟
قالت دون أن تحاول إيقاف سيل الدموع الذي تحرر من عينيها واضعة يديها على صدره الذي اتخذته مسكناً لها طوال السنين الماضية
_ أجل يا زياد أنا من أقول هذا ...من حقك أن يكون لك زوجة تنجب لك أطفالاً ، تخدمك دون أن تتعثر الاف المرات في اليوم
قال و ذهول الدنيا يغلف صوته :
_ دلال أنا أحبك أنت و لن أتحمل فكرة زواجي من أي امرأة
_زياد لأني أحبك أرجوك أن توافق والدتك على العروس التي اختارتها لك ، صدقني لن يقل مقدار حبي لك أبداً ، سأدعو لك بالسعادة دائماً و زوجتك الجديدة ستكون أختاً لي و أولادك منها سيكونون أولادي
قال وهو يضمها لصدره من جديد :
_ اصمتي أرجوكِ ، أنت تقتلينني بكلماتك
_ من حقك أن تكون لديك امرأة كاملة ... و ليس طيفاً من الماضي أو بقايا امراة
زاد من قوة احتضانه لها و هو يقول:
_ دلال .. توقفي ، أنت حبيبتي و امرأتي
_ زياد لن أرتاح الا إن قبلت الزواج بأخرى ...
_ لا
_ زياد ... لا تدع احساسك بالذنب يوقف حياتك
قال و هو يبتعد عنها بتوتر:
_ انا السبب بما حدث لك يا دلال ... الطفل و قدرتك على الانجاب و بصرك ... كله بسبب ذلك الوغد و معركتي معه ... و لكن ذلك ليس سبب رفضي الارتباط باخرى ... السبب أنني أحبك أنت فقط ...
_ زياد أرجوك إن كنت تحبني بصدق إقبل الأمر ...تزوج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
_ أيتها الرئيسة ... لقد قمت بما طلبته مني
_ كم مره قلت لك أن لا تنادي بالرئيسة
_ و لكنك الرئيسة
_ سلام ...أرجوك .. اجلسي و تناولي طعامك قبل انتهاء فترة الاستراحة
_ ألم تتناولي طعامك منذ قليل ؟
_ هل وضعك أحدهم مراقبة على ما اتناوله؟
_ متى سيعود حمزة و سامر ؟؟
_ غداً
_ و هل تظنين أن حمزة سيتركك لحال سبيلك إن استمريتي بزيادة وزنك بهذه الطريقه؟
_ كل ما يهمه جسدي النحيل و الرشيق و سوف أحرمه منه.. بانتظاره مفاجأة رهيبة
_ أنت تأذين نفسك قبل ايذائه ... ارى انك اصبحتي اكثر جمالاً
_ لا أريده أن يقترب مني
_ يا الهي الحديث معك عقيم ...
_ جيد أنك أعترفتي بالأمر ....أخبريني ما أخبار صديقتك التي تبحث عن ابنها؟
_ تقصدين ياسمين لا أخبار جديدة عنها ... انه يتنقل بين الدول و معه يزن
سوف تجن المسكينة ...
_ كان الله في عونها .. . هل قبلت العمل مع الشركة الكبيرة التي اخبرتني عنها؟
_ لا ... المجنونة لقد عرضوا عليها راتباً كبيراً و لكنها فضلت العمل لدى شرطة الانتربول .... تظن أنها قد تحصل على أي معلومة عن حازم استناداً على قاعدة البيانات الكبيرة التي يملكونها
_ يا الهي !!...شرطة الانتربول يبدو الأمر مثيراً
_ انها لا تتحدث عن الأمر كثيراً , يجب أن تحافظ على سرية العمل ... لقد وقعت على تعهد يتعلق بهذا الأمر
ارتفع رنين هاتف سلام ... تجمدت ملامحها عند رؤية الاسم الذي لمع على الشاشة ... قالت أماني بقلق:
_ حاتم؟؟
_ لا ... المحامي ..اليوم موعد النطق بالحكم في قضية طلاقي من حاتم
بأصابع مرتجفة ضغطت على زر الرد
_ مرحباً .... حقاً ... شكراً لك ...سوف أفعل ... شكراً
ألقت الهاتف ... و غطت وجهها و هي تجاهد لالتقاط أنفاسها .... قالت أماني قلقة:
_سلام, ما الأمر ...؟؟ أرجوك أخبريني .. ما الأمر ..؟؟؟
_ لقد حصلت على الطلاق .... لقد تحررت منه أخيراً
_ حبيبتي هل أنت بخير؟؟
_ لا أعلم ... حقاً لا أعلم ... من المفترض أن أشعر بالراحة و لكن ... لا أدري أشعر ... ب.. ألم ... ألم شديد ينغرس بقلبي
_ من الطبيعي أن تنتابك هذه المشاعر المتناقضة
ساد الصمت بينهما ... سرحت كل منهما بأفكارها ...حتى جاءت احدى الممرضات مضطربة ....قالت بتوتر لتقطع الهدوء القاتل بينهما :
_ أيتها الرئيسة لدينا مشكلة بغرفة العمليات
_ الدكتور مؤيد مرة ثانية ؟؟؟
_ أجل ... إنه يرفض إدارة هديل لغرفة عملياته يريدك أن تحضري أنت
وقفت أماني غاضبة و متجهة لغرفة العمليات و هي تقول:
_ يبدو أنه لن يضيع فرصة دون أن يثير غضبي
_ لا تغضبي عزيزتي
_ سلام عودي الى المنزل و ارتاحي ..سأتولى أمر القيام بمهماتك
_ شكرا يا أماني ..لقد فقدت القدرة على التركيز
دخلت أماني لغرفة العمليات بعد أن أتمت إجراءات التعقيم
كان مؤيد يراجع بعض التقاريير الطبية و الصور الاشعاعية و هديل تقف جانباً حابسة دموعها
_ دكتور مؤيد هل لديك مشكلة مع عمل هديل؟
قال دون أن يرفع نظره عن الاوراق:
_ لا ... و لكن أريدك أنت
_ ليس لدي وقت للتصرف حسب هواك ... هديل ممرضة مميزة و متمرسة و لن تجد أفضل منها لإدارة غرفة العمليات
_ قلت ... أريدك أنت
_ أنت تضيع الوقت ...أظنك تعلم أن غرفة العمليات محجوزة بعد ثلاث ساعات و أنت تأخر عمليتك بسبب تصرف طفولي
نظر اليها بعيون غاضبة تتوعد و تهدد
_ أيتها الممرضة... لا تتحدثي الي بهذه الطريقة
_ أنت الذي تجبرني على هذا حضرة الطبيب
_ أنت من يضيع الوقت الآن .. و ما الذي يشغلك الآن؟؟ هل هناك شطيرة ستهرب منك ...؟؟
صدمت أماني من كلماته الجارحة .. نظرت الى الأرض تحاول لملمة مشاعرها المحطمة ... انها لا تأكل كثيرا لرغبة في طعام أو لشراهة .. تريد أن تعاقب حمزة على زواجه بها ... لا تريده أن يحصل على جسدها كما تمنى .... تريد أن تحطم جسدها .... قد يبدو هذا الكلام غير منطقي للكثير و لكن لها فهو عين العقل و المنطق ... لكن أن يكون مؤيد هو من يجرحها ...من يؤذيها بكلامه منذ أن تزوجت ... هذا ما لم تتوقعه ... هل يعقل أن يكون قادراً على تسديد أقسى الكلمات الى قلبها بعد كلمات الحب و العشق الذي أغرقها به ... هل هذه حقيقته ؟؟؟
_ دكتور مؤيد سأحضر هناء لتدير غرفة العمليات ...
خرجت دون أن تسمع رده .. حبست دموع الألم التي تسكنها ... و هو بقي صامتاً يشتم نفسه على استمراره بإيذائها ... إنه يعلم أنها تزوجت مجبرة ... لكنها لم تقاوم .... استسلمت و هذا ما يقتله و يعذبه ... قام بخطبة طبيبة تعمل بنفس المشفى فقط ليغيظها ...... لايستطيع أن يراها دون أن يذيقها من الألم الذي يشعر به ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
_ و هل تظنين أنه سيقفز فرحاً عند طلبك الزواج من أخرى ؟؟
_ طبعاً لا ... و لكن يجب أن يوافق من أجله و من أجل أمه
_ و أنت ؟؟
_ أنا ؟؟؟
_ نعم أنت هل ستجلسين في منزلك سعيدة بينما يتواجد زياد مع امرأه أخرى ؟
_ أرجوك ... الأمر لا يتعلق بسعادتي ... بل بسعادة زياد
_ أنت حمقاء
_ ريتاج !!!
_ لن يكون سعيداً الا معك
_ إنه ليس بسعيد... الحزن أصبح رفيقه ... يحمل هموم العالم على كتفيه
_ تعرفين أن حربه المستمره مع الشبح و منظمة "x " لا تترك له مجالاً للراحة
_ كانت معركته معهم مشتعلة قبل الحادثة ... لكن ... كان بمجرد عودته الى المنزل يجعل العالم ينحصر بيننا فقط ... لكن الآن هو فقط حزين و مهموم طوال الوقت
_ دلال ... !!!
_ انسي الأمر أخبريني الى أين سوف تسافرين غداً ...؟؟
_ لبيروت ...سوف ألتقي مع إحدى الأسرى المحرريين المبعديين
_ كان الله في عونك , لا تعرفين مدى سعادتي بصداقتك و وقوفك الى جانبي و زياد بعد الحادثة
_ زوجك أنقذ حياتي يا دلال مهما فعلت لن أسد الدين الذي في رقبتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
_ المنظمة متوقفة عن العمل منذ حادثة الطائرة و الشبح هدأ منذ ذلك الحين ... لا شئ جديد يمكن أن يساعدنا على التقدم ... هلا توقفت عن إضاعة وقتك بالغوص في الملفات القديمة و ركزت على العمل الذي بين يديك
_ أنا لم أقصر بعملي يا حيدر ... أطالع هذه الملفات في أوقات الاستراحة و القبض عليه من مهامي
_ انا لم أقل أنك قد قصرت ... و أعلم أنك قمت بالكثير من الأعمال العظيمة في العام الأخير و لكنك تهدر طاقتك في البحث عن سراب
_ حيدر لقد حان موعد الاستراحة و جميع الموظفين في غرفة الاستراحة
_ فهمت ...أنت تطردني من هنا سأذهب
خرج و ترك زياد يصارع الملفات التي أمامه ... يجب أن يعثر على طرف الخيط , فقط طرف الخير
في المكتب المجاور كانت ياسمين تغرق نفسها بالعمل ... كانت الطريقة الوحيدة التي تخرجها من حالة اليأس و الحزن و الحيرة ... كم تشتاق لضمه الى صدرها ... رائحته ... يديه الناعمتين ... لصوته ... كم كرهت حازم ... سلبها أغلى ما تملك ... يزن قلبها و روحها ... و حتى نظرة والدها المحبة قد سلبها منها ... يحاول أن يزوجها من أي رجل يطرق الباب حتى يغسل عاره ... بنظره قد كانت زوجة خائنة ... لم يصدقها ... لاتريد الارتباط بأي رجل ... بين والدها القاسي و حازم العنيف الغيور و قصي الأناني ... فقدت ثقتها بالرجال
تركت دموعها تغسل وجهها ... ظنت أن الجميع قد خرج في وقت الاستراحة ... ارتفع صوت بكائها اليائس ... زرعت وجهها بين كفيها ... لن يتوقف الألم ... لن ترى يزن ..صغيرها و سر الحياة في قلبها
لم تعلم أن هناك عينين تراقبان بكائها المؤلم ... شخص يعلم معنى فقدان الابن ... زياد سمع بقصة ياسمين من حيدر ... تعاطف معها ... لم يتحدث معها بشكل مباشر يوماً ... لكن صرخات ألمها تخترق قلبه ... كان يراها تجلس وحيدة بعد خروج الموظفين للاستراحة ... تفرغ أحزانها و ألمها ... لتعاود عملها المبهر المتقن ...تمنى أن يواسيها و لكن جرحه يجعل هذه المهمة صعبة عليه ... عاد ليجلس على مكتبه..أغلق عينيه ... دمعة وحيدة هربت منه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
_ أخيراً سنعود الى العمل
_ نعم لقد وصلت أوامر مهمتك الجديدة
_ أخبرني بسرعة
_ اهدأ أيها الشبح ... هذه المهمة خطرة ... و إن نجحت بتحقيقها سوف تصبح أسطورة
_ أنا أسطورة يا صديقي و لكن لا أمانع أن أقدم تأكيداً جديداً للعالم
_ مغرور
_ انزور كابشوك
_ انزور كابشوك؟؟ لقد ألقي القبض عليه منذ فترة و هو الآن في أحد سجون سيبيريا في روسيا
_ تماماً
_ حكم بالمؤبد.. لن يخرج أبداً
_ هذا صحيح
_ لا أفهم لما يريدون تصفيته ما دام في السجن ؟؟
_ يبدو أنه و بعد صدور الحكم المؤبد بحقه يهدد بفضح معلومات عن عملاء كان يعمل لديهم في حال لم يتم تحريره و هو يمتلك معلومات خطيرة للغاية قد تدمرهم
_ انزور كابشوك..قاتل محترف من الدرجة الأولى ... و طبعاً زياد طارق هو من قام بالقبض عليه و تسليمه للسلطات الروسية حتى يحاكم ... لا بد أن تصفيته ستثير حنقه
_ لما تكرهه لهذا الحد ؟؟
_ انها قصة طويلة ..قد تعلم بها يوماً .............بعد مقتلي
رحل و تركه وحيداً .... أغلق عينيه ليعود بذكرياته بعيداً عن كل ما يحيط به ...عاد للطفل الذي بلغ عامه السادس للتو ...كانت أمه دائماً تغلق عليه باب غرفته و تطلب منه الجلوس بصمت حتى يرحل ضيوفها ...... كل يوم رجال يأتون و يرحلون .... و في النهاية تعود اليه لتضمه و هي تبكي ... دائماً تبكي ... يحاول ان يمسح دموعها و لكنها كانت تغرق أكثر و أكثر .... يسألها دائماً من هؤلاء .... لما يقمون أحيانا بالصراخ .... لما تسمحين لهم بالدخول أن كانوا يبكونك... الاجابة الوحيدة التي تملكها هي الدموع ... الدموع فقط ... حتى جاء ذلك اليوم الذي ماتت فيه كل معاني الطفولة و حتى الأنسانية
كانت أول تباشير الصباح قد بدأت ... نائم في احضان أمه الباكية .. علت طرقات مخيفة على باب المنزل ...أسرعت أمه الى الباب تفتحه و هي تهس لصغيرها بأن يبقى بالغرفة و لا يغادرها
هذه المره لم يطعها اسرع ليسترق النظرات من الشق الصغير في الباب .... كانت نساء المبنى السكني المتهتك يقفنا و وجههن تنذر بالشر
_ أخبرناك سابقاً بأنه يجب ان تغادري هذه الشقة قبل أن نقوم بتصرف لن يعجبك
_ ارجوكن أن ترحلن الأن أبني بالداخل و لا أريده ان يسمع هذا الحديث
_ أبن الخطيئة ذاك يستحق القتل معك و الحرق
ابتلعت ريقها و تركت عينيها تبحثان عن كرامتها المبعثرة ارضاً .. ما الذي يمكنها قوله ... هو ابنها من دون زواج من دون عقد ...ابن لحظة ضعف و اغواء... تكررت هذه الكلمة على أذنيه كثيرا " أبن الخطيئة " ... لم يفهم معنى هذه الكلمة ..... يسأل أمه فتجيبه كما تعودت ...بالدموع .... استيقظ من أفكاره على صوت صراخ أمه .... أخذن يضربنها بوحشية حتى سقطت أرضاً .... يركلنها أينما أتفق... دمائها غطت الأرض .. لأول مره يغادرالغرفة مخالفاً أوامر أمه و هو يصرخ
_ أبتعدن عنها ... سوف أقوم بقتل كل واحد منكن
_ أخرس يا ابن المنحله العاهرة
لا يعلم من لكمه و لكنه هرب من واقعه المرعب ...ليستيقظ على أمراً أشد مراره .... سمع صوت أمه و هي تقول
_ أنه أبنك يجب ان تتحمل المسؤولية
_ هل علي أن أصدق بأن ذلك الطفل أبني
_ ما الذي تقصده ؟؟
_ لست ذات سمعه جيده
_ انت الذي دفع بي لذلك المستنقع .... انت الذي أغويتني و ان طفله بالسادسه عشر
_ اصمتي الأن
_ لن أصمت حضرت العميد ... لن أصمت... لقد أكتفيت منك ... بسببك و بسبب سذاجتي صدقت كلمات الحب و الوعود التي كنت تهمس لي بها داخل مكتبك .. صدقت بأن الفتاة الفقيرة التي تنظف مكتبك لتنفق على أمها المريضة جعلت العميد طارق يحبها دون أي مجهود... كم كنت حمقاء .... أعود لأجدك رحلت بعد ترقيتك..قطعت كل طرق الاتصال اليك ... تركتني اغرق ببحور الفقر و الرذيلة مع طفلاً لا ذنب له بالحياة سووى أنك أنت والده و أنا أمه ... أنت السبب يا طارق ...
كان العميد طارق واقفاً أمام عاصفة غضبها ....عاجزاً عن الرد .... هي وصمة العار بماضيه .... و لم يكن يعلم أنه ابتلي بأبن منها ... لا يعلم كيف فقد رابطة جأشه أمام الفتاة رائعة الجمال ذات الستة عشر ربيعاً ... لا يعلم كيف انقاد خلف هواه و هو من كان يتوقع له الوصول الى أعلى المراتب بسلك الأمن ....
يومها جاء الى المكتب باكراً لينهي أعماله ..رأها تمسح زجاج شباك مكتبه .. متمسكه باطاره و الهواء يعبث بشعرها و ثوبها ... كانت تشبة الملاك ...أخذ يتأملها و هي غافلة عنه .. لا يعلم كم مره عليه من الوقت واقفاً مسحوراً بها ...في اللحظة التي راته فيه اضطربت و تعثرت حتى كادت ان تسقط اسرع اليها لتسقط بين ذراعيه و من يومها لم يرحم جهلها و سذاجتها و طفولتها .. اغتال عذريتها و طهرها و نقائها ....كان ينسى معها حقيقة ارتباطه باخرى ... حتى تمت في يوم ترقيته .. وصلت معلومة علاقته لرئيسه الذي حذره من أن أمراً كهذا كفيل بتدمير مستقبله .. غادر و لم يخبرها ... تركها دون أن يعلم أي مصير رسمه لها
اليوم يقف أمامها بوجهها الدامي الغاضب ..... هو من تسبب لها بكل هذا الألم و لكن لن يستطيع أن يصحح أخطائه .... لو كشف أمره فسينهار عالمه و تشوه صورته و صورة ابنه زياد ... لا يمكن أن يسمح لهذا الامر بالظهور الى السطح
_ اسمعيني جيدا ...... ذلك الصبي لن أعترف به ابناً لي و انت تعلمين بأني قادر على مسحك عن وجه الارض ... كل شهر سأرسل لك مبلغاً من المال لتنفق عليه وعلى نفسك و احذرك ان اتصلت بي فأنا لن ارحمك ...سأقتلك
نظرة واحده استرقها لوجه والده ... واحده فقط ولكن صورته انطبعت بذهنه كنقش على الحجر .... اسمه و اسم ابنه .....خرج ليتركها باكية منهاره على الارض .... توجهت الى المطبخ مرتجفه يائسة و هي تحمل سكين المطبخ ..... لتقطع نبض الحياة عن جسدها

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن