الفصل الثامن

268 6 0
                                    

الفصل الثامن
لم يكد يبتعد عن موقع السجن ... حتى تفاجئ بانزور خلفه واضعاً المسدس قرب رأسه ..... و ممسكا أصابع كفه عكس اتجاه زر التفجير بحركة سريعه يحسده عليها أقوى السحرة و لاعبي الخفة ...
_ لا تأتي بأي حركة
_ زياد ....لا أصدق .....أنت أخيراً .... لقد طال الغياب
_ لقد عرفتني فوراً... مثير للاعجاب
_ لا يمكن أن أنسى صوتك أبداً
_ صوتي...؟؟؟ إذاً ...هذ ليس اللقاء الأول لنا وجهاً لوجه
_ تعني من قناع لقناع
_ دعنا نحرر يدك من زر التفجير لنتحدث قليلاً هناك حساب يجب تصفيته
_ لا تقلق منه عزيزي ... انه مزيف لا يوجد متفجرات حول السجن
لم يرد عليه زياد و هو ينتزع الجهاز ... نظر اليه .... انه لا يكذب .. هذا ليس بجهاز تفجير حقيقي
قال الشبح و هو لازال يقود المروحيه متجاهلاً المسدس المصوب الى رأسه
_ عليك القلق من الجهاز المزروع بكعب حذائي
ضرب بقدمه سريعاً ... صدر صوت فرقعة عالية
_ ما الذي فعلته ؟!
_ ستعرف بعد قليل
_تكلم .. أنا أمنع نفسي عن قتلك بصعوبة
_ لو كنت مكانك لقتلت نفسي سريعا
_ قد بتجاه خط طول 30 و خط عرض 49
_ أمرك كابتن
زاد زياد من ضغط المسدس على رأسه و هو يحث نفسه على الهدوء ...هذا هو الرجل الذي اخترق بيته و اعتدى على زوجته و قتل طفله .....يريد أن يقتله .... كل خلايا جسده تحثه على ذلك ... يده تدعوه للضغط على الزناد ... و لكن ...
ارتفع صوت جهاز اتصالات المروحية المحلقة و باللغة الروسية
_ قيادة سجن سيبيريا تنادي المروحية 3
قال الشبح :
_ أظن أنهم يحملون أخبار تخصني
رفع زياد جهاز الاتصال و هو يزيد من الضغط على رأس الشبح أكثر و أكثر
_ العقيد زياد يتحدث
_ أيها العقيد أنا الكولنيل دنيال .. أخشى أنني أحمل أنباء سيئة لقد قتل انزور ... يبدو أن الوغد قام بزرع قنبلة في زنزانته ... و قد سقط معه مجندان... كما تم العثور على جثة فلاديمير
كانت ابتسامة الشبح تزداد اتساعاً و مكراً ... كان يحفظ بروتوكول السجن عن ظهر قلب ....
المبنى الثالث مخصص للمجرمين العتاة ... يضم خمس زنزانات فقط و 50 حارس... لا يخرج السجين من زنزانته الا في ثلاث حالات : الذهاب الى المحكمة تحت حراسة مشددة .... أخذه الى قاعة الاعدام ... او في حال موته بعد فحصه من طبيب مختص ....يتم ادخال الطعام عبر فتحة بالسقف المرتفع .... ممنوع الحديث اليهم .... و في حال خرج احدهم من الزنزانة ...يتم اعادته اليها حال زوال السبب ...
الشبح لا يقدم على خطوه الى بعد دراستها .... خشي ان لا يتمكن من قتله بالمسدس ... ثبت قنبلة صغيرة لا يتعدى حجمها قبضة الكف أسفل سريره حال دخوله ... لا يمكن أن يترك أي شئ للصدفة ... حتى و إن قتله كان يجب أن يمسح أي أثر خلفه ... و لا يوجد طريقة أفضل من نسف المكان للتغطية ...
لازال زياد يتخبط بمشاعره ...يود نسف رأسه ... لكن يجب أن يقدمه للمحاكمة .... يجب أن يحصل على المعلومات التي تساعده على اسقاط المنظمة اكس ... قاتل طفله وسارق بهجة حياته و روحه تحت فوهة مسدسه ... حاول منع نفسه من الانخراط معه بشكل شخصي حتى يأمن وجوده تحت الحراسة المشددة ... انها المرة الأولى التي تتدخل مشاعره بعمله
_ الن تسألني أي شئ ؟؟ .. تطاردني منذ خمس سنوات ... و تلتزم الصمت
_ لا تقلق صدقني لن أرحمك
_ هيا .. انت تجعل الوضع مملاً ... توقعت ان يكون لقائنا مشحوناً بالعواطف ... هيا يا رجل لقد دفعت زوجتك الحامل عن الدرج
عندها قام زياد بضربه على جبهته بكعب المسدس مما أدى الى جرحه
_ أتمنى أن تكون سعيداً الآن ..
قال و هو يتحسس موضع الاصابة :
_ ليس تماماً كنت أتمنى أن ننخرط بقتال و عراك بالايدي
_ التزم الصمت
_ لقد افسدت متعتي سيادة المقدم يا ابن العميد المحترم
عندها قام بلف المقود بدرجة 180 مما أدى الى اختلال توازنها بشكل مخيف سقط زياد و اصطدم بقوة بأرض المروحية .. أما الشبح فقد فك حزام الامان و التقط حقيبه المظلية عن الارض و ارتداها و فتح باب الطائرة بجزء من الثانية .. رفع زياد مسدسه و اطلاق النار بنفس اللحظة التي قفز فيها ليفتح المظلة ....اسرع ليسيطر على المروحية و هو يردد
_ كان لا بد لي من قتله ... كان يجدر بي اطلاق النار منذ اللحظة التي رايته فيها ذلك الوغد
اتصل مع ادارة السجن للابلاغ عن هربه و لتطويق المنطقة ..... كان الغضب يسيطر عليه لقد هزمة ... قتل انزور و هرب من بين يديه ... كان زياد يحدق بالبطاقة التي تركها الشبح على المقعد المجاور ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
نظرت أماني الى ساعتها ..نصف ساعة و تعود الى المنزل و ترتاح ... تذكرت أن حمزة سيكون هناك ... يبدو أن أيام الراحة قد رحلت دون رجعة ... و خاصة بعد الموقف الاخير الذي حدث بينهما ... تحاول جاهده تجنبه و هو لم يحاول الاقتراب منها ثانية
جائها صوت كبير الأطباء يناديها ....تمنت أن تهرب لا بد أنه سيكلفها بعمل إضافي
_بما تأمر دكتور محسن ؟
_ تعالي معي بسرعة
مشت ورائه و هي تتسائل عن سر شحوبه و اضطرابه
_ أماني لقد جائتنا حالة لفتاة تبلغ من العمر 16 عاماً ...لقد ...لقد تعرضت للاغتصاب
شعرت أماني بقلبها يتفطر ... لم تتمكن من الرد
_ أحتاج منك القيام بالاجراءات الطبية لاثبات الحالة ...لا أريد أن تتعامل معها ممرضة رعناء تؤذيها أكثر ..سيكون الطبيب النفسي معك
_ سأفعل لا تقلق
دخلت أماني لتجد فتاة طرية العود تحدق بالفراغ ... كدمات و خدوش و جروح تملئ جسدها ... حاولت التحدث اليها ... لكنها كانت منفصلة عن الواقع ... بدأت باجراءات الفحص ... و أخذ العينات ... حاولت الفتاة أن تقاوم ... و لكن ضعفها منعها ... حاولت أن تهدئها ... لكنها لا تسمعها ... بدأت تهذي بكلمات غير مفهومة .. جعلت قلب أماني ينزف
لا تعلم كم مر عليها من الوقت ...عادت الى المنزل تحمل هم الفتاة المسكينة ... كيف سوف تستمر بحياتها ؟؟؟ من هذا الوغد الذي تجرأ على فتاة صغيرة ...؟؟؟دخلت الى المنزل ... أرادت أن تلقي بنفسها على سريرها لتبكي ... و تنام و تهرب من هذا العالم
جاء صوت حمزة حاد كالسيف ... لقد نسيت أمره
_ أماني ... أين كنت ..؟؟
أرادت أن تقول بأن هذا ليس من شأنك ... لا تتدخل بحياتي ... لكن لا جلد لديها ... كانت على وشك الانهيار
_ في المشفى
_ لقد انتهى دوام عملك منذ ثلاث ساعات
_ ثلاث ساعات؟؟ لم أشعر بالوقت
قبض على ذراعها و هو يصرخ :
_ أتسخرين مني ؟؟
_ لا
_ أين كنت يا أماني ؟؟
_ أخبرتك
_ أماني ... أنت تثيرين حنقي و غضبي ... كدت أموت من القلق عليك ... لما لم تردي على هاتفك ؟؟؟ لقد اتصلت بك أكثر من عشر مرات
_ لم أنتبه يا حمزة
أمسك بكتفيها و أخذ يهزها بقوة
_ ما خطبك تتحدثين كالمخمورة ؟؟؟
_ توقف
_ لن أفعل
عندها انهارت كل دفاعتها ... تركت نفسها لتنهار أمامه ... كم تكره هذا ....لما تستمر بالبكاء بوجوده ...
_ أماني ... أرجوك أخبريني ما الذي حدث ..؟؟ أكاد أموت خوفاً هنا... هل قام أحدهم بإيذائك ؟؟
هزت رأسها نافية
أمسك بوجهها و هو يمسح دموعها المنهمره .. و مسح على شعرها و هو يقول بصوت هادىء :
_ أماني !!! ما الأمر؟!!
عندها أخذت تخبره عن الفتاة الصغيرة دون أن تتمكن من السيطرة على دموعها .... أخذت ترتجف بشدة ... ضمها الى صدره ... لم تقاومه أو تعترض ... كانت بحاجة لشعور الأمان الذي منحها اياه
_ اهدئي يا صغيرتي ... كان الله في عونها
_ ما الحياة التي ستعيشها ... كيف سوف تستمر ؟!!
_ أماني !!
_ أشعر بالتعب الشديد.. أريد أن أنام
اصطحبها حمزة الى الغرفة .. ساعدها على خلع حذائها ... وضعها بسريرها كطفلة صغيرة ... أراد الانصراف ... لكنها أمسكت يده و هي تقول:
_ أرجوك ابقى هنا حتى أنام ...
جلس الى جانبها بصمت ...لم تترك يده ... راقبها و هي تغرق بالنوم و الدموع تبلل وجهها حتى بعد نومها ... أسند رأسه و هو يطلق تنهيدة حارة
_ ارحميني من دموعك أماني لقد تعب القلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
فتحت عينيها ببطئ ... تطلعت الى الوسادة الفارغة بجانبها ....نهضت سريعاً تبحث عنه في أرجاء المنزل ... لم تجده ....أصوات التحطم عادت لتطرق اذنيها .....حرارة دمائه على صدرها ... عيناه تفقدان بريقهما ... انهارت قدماها على الارض ... و ضعت يديها على رأسها بين خصل شعرها و هي تحاول استعادت قدرتها على التنفس .... دموعها كوت وجهها .... ليتحول الأمر الى صراخ و عويل ..... تنادي باسمه و لكنه لا يجيب ....
فتحت سلمى باب الشقة و هي تحمل أكياس التبضع ... لتصدم بحال ريتاج ... ألقت كل ما بيدها و أسرعت اليها لتحتضنها بين يديها
_ ريتاج ... حبيبتي ..... أرجوك أن تهدأي .... لا تنسي .. انت حامل
لم تزدها كلماتها الا الماً و حزناً ... استمرت بالبكاء و هي تنادي باسمه
_ فراس يا سلمى ..... فراس لقد رحل....تركني وحيدة....
_ ريتاج....
_ بسببي أنا قد مات ..... قتله ... أنا من كان يجب أن تموت و ليس هو
_ لا تتحدثي بهذه الطريقة انه قضاء الله
_ كيف سأعيش من دونه ... اه يا سلمى ... اه .... أشعر بروحي تنتزع مني في كل دقيقة ... الألم .... إنه لا يتوقف .. لا يتوقف
دخلت ريتاج بنوبة جديدة من البكاء و سلمى لا تجد الكلمات المناسبة لتبث الهدوء بنفسها .... فجأة وضعت ريتاج يدها على بطنها و هي تتألم
_ ريتاج .. هل أنت بخير؟
_ الألم لقد عاد ...
_ لن ينصلح الحال بهذه الطريقة يجب أن تهدأي ....سوف تفقدين طفلك بهذه الطريقة
أحاطت بطنها كما لو كانت تحمي جنينها ...
_ لا أنه طفل فراس
_ سيكون عليك تمالك أعصابك من أجلك و الطفل
عادت ريتاج لمنفذها حتى تهرب من واقعها ... لتعاود اللقاء مع من تملك قلبها في عالم يمكن أن يحدث فيه اي شئ..... طرقات تعالت على الباب مما اعادها لأرض الواقع البشع ... أسرعت سلمى لتفتح الباب
كانت دلال ممسكة بيد خادمتها التي تساعدها بتلمس طريقها ... و هي تحمل حقيبة سفر ... وضعتها أرضاً و انصرفت
اقتربت دلال من ريتاج لتقوم بضمها بحنان بالغ للغاية و هي تسألها عن حالها
_ كيف حالك الان عزيزتي ؟؟
_ الحمد لله ... الحمد لله ... ما قصة الحقيبة ؟؟
_ اذا كنت تقبلين بي ضيفة فسأكون ممتنه لك
_ ضيفة ؟؟ .... أظن أن زياد سيعود اليوم من رحلته
_ صحيح
_ دلال !!!
_ ما الأمر دعي سلمى تذهب لزوجها و طفلها إنها هنا منذ أسبوع و سأبقى الى جانبك
_ دلال ...... أنت تحاولين الضغط على زياد ليتزوج بأخرى ....لن تفهمي معنى ان تفقدي زوجك و حبيبك ...لا ترتكب هذا الخطأ الفظيع
_ لقد حذرته
_ الأمور لا تدار بهذه الطريقة
_ مع عناد زياد لا يوجد طريقة ... يجب أن تحسم الأمور
_ يا الهي ...!! أنت مجنونة و ستجلبين التعاسة لنفسك
_ و لكن زياد سيسعد
_ و ما أدركِ .. إنه يحبك أنتِ
_ أعلم أنه يحبني و أنا لم أشكك بهذا الحب ولكن لا يمكن أن أحبه بالمقابل كامرأة طبيعية عندما يتعرف على أخرى سيتذكر معنى الحب من جديد
_ صديقني يا دلال .. زياد لا يطلب المزيد ...حبك أنت يكفيه ..... كما أنت ...
_ و أنا لا أقبل بحب ممزوج بالشفقة
_ شفقة !!!
_ أجل الشفقة ... و الشعور بالذنب
_ أنت واهمة .. و مجنونة .... عليك أن تقدرِ كل لحظة تجمعكما معاً ... لا أن تخرجيه من حياتك ليعيش مع ثانية
_ على زياد الزواج أو سأبقى خارج حياته ...... للأبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
كانت ياسمين تقود سيارتها باتجاه شقتها القديمة ... الشقة التي شهدت على حبها لحازم و قسوته بالمقابل و ضربها ... لم تتخيل في حياتها أن تكون من النساء المعنفات اللواتي يسكتنَ على الظلم و القهر ...
في اليوم الذي اتصلت بحازم لم تتوقع ما قاله و لم تصدقه .. بكل هدوء أخبرها بأنه سيغادر في رحلة عمل و يعود بعد أسبوع و عند عودته سيتصل بها لتلتقيه للتحدث بأمور يزن ... توقعت منه الصراخ و الحرب و الايذاء ... لكن هناك شئ غريب لا تفهمه و اصراره على اللقاء بها في شقتهما القديمة ... لماذا؟؟ تشعر بالغباء للانصياع لرغبته هذه ... أنها تتمسك بأي خيط قد يجمعها بيزن
وصلت الى الشقة ... نظرت الى مرآة السيارة .... لم تكن تريد التأكد من جمالها و حسنها ... كانت تريد التأكد من أنها تملك الشجاعة الكافية لما هي مقدمة عليه ....
بخطوات مضطربة و قلب مرتعش تقدمت نحو الباب ... أخذت نفساً عميقاً ... و بطرقات مترددة أعلنت بدأ المواجهة
فتح الباب لها ... كان يقف بشموخه و ثقته التي تصل الى حد الغرور ... وسامة و رجولة تفرض نفسها .... عبقري اقتصادي و سياسي ...
_ تفضلي ...
دخلت و هي تهرب بنظرتها منه ... صوت إطباق الباب أوقف أنفاسها للحظة ....
_ مازلت جميلة كما كنت دائماً
_ أين يزن .؟
_ تريدين التحدث بالموضوع مباشرة ألن تسأليني عن حالي ...؟؟
_ أين يزن يا حازم ؟؟
_ انه في أفضل حال لا تقلقي
_ أريد ابني
_ لن تحصلي عليه
_ إنه ابني أنا
_ أعلم صغيرتي و لكن لا يمكن أن أسمح لك بتنشئته
_ لا تكن قاسياً هكذا
_ لقد خنتني
_ أنا واثقة بأنك تعلم علم اليقين بأن تلك الصورة مزيفة
ابتسامة ساخرة رسمها على وجهه و هو يضع يديه بجيبه و هو ينظر الى ياسمين التي تحاول التماسك و عدم فقدان رباطة جأشها ولكنه يرى الضعف و اليأس بعينيها .. كم تمنى أن يهرع اليها و يضمها لصدره ليخبرها بأن كل شئ سيكون بخير ... سوف يعيد يزن لأحضانها .. بأنه يتمنى أن تسامحه و تقبل العودة اليه و لكن كانت هناك حسابات اخرى ... اقترب منها ببطئ و هو يقول لها بصوته الأجش :
_ اشتقت لك ياسمين
هزت ياسمين رأسها بقوة و هي تقول :
_ لما أحضرتني الى هنا إن كنت ترفض فكرة عودة يزن الي ؟
_ يمكن ان أسمح لك بمقابلته من وقت لأخر
_ ماذا ؟.؟
_ زيارات بأوقات معينة ..يمكنه قضاء بضع ليالي معك عندما أكون في البلاد
_ حقاً ؟!!
_ و لكن ....
ارتدت الى الخلف من كلمته ... امتنعت عن التنفس
_في كل مرة عليك أن تدفعي الثمن
قالت بتوجس و الخوف بدأ يسيطر على صوتها :
_ الثمن ؟؟
_ طبعاً حبيبتي .... قبل كل لقاء عليك أن تسلمي نفسك لي ... حتى أرتوي منك .. يجب أن أطفئ النيران التي تستعر بداخلي .... اشتاق اليك
_ هل فقدت عقلك ؟؟
_ لا .... فقدت قلبي معك صغيرتي
عندها انهارت كل القوة التي حاولت التظاهر بها لتحتل الدموع عينيها
_ لا أستطيع يا حازم أرجوك أريد يزن ....قلبي يحترق عليه كل يوم
_ هذه ياسمين التي أعرفها.. ضعيفة هشة
_حازم!!
اقترب منها أكثر و أكثر حتى بدأت تشعر بأنفاسه تلفح وجهها .. ازداد صوت بكائها ارتفاعاً و هي تستسلم للمساته و قبلاته الحارة ...لم يبالي ببكائها و صوت أنفاسها المتقطع ... و هو يحيط جسدها بتملك و ..... حب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
_ كيف تشعر الآن ؟
_ بخير لكن الألم لا يرحم و أظن أن الطبيب الروسي لم يحسن معالجة الاصابة
_ أتريد أن أحضر لك طبيباً
_ لا ... لا داعي
_ كان لقائك مع زياد مفاجئة حقيقية
_ أجل
_ لكنك هزمته
_ لا يمكن اعتبارها هزيمة كاملة ... لقد كان مسدسه مطبقاً على رأسي ... لم يقترب مني شخص لهذه الدرجة من قبل
_ لا تقلق لم يرى وجهك الحقيقي
_ شخص كزياد ليس بحاجة ليرى وجهي الحقيقي ليستنتج بعض المعلومات
_ هل تحدثت اليه باللغة العربية ؟؟
_ لا .... كان حديثنا باللغة الروسية
_ لا تقلق و اهتم بالجرح لا تريده أن يلتهب ...أنت أفضل رجالنا ..لم أرك قلقاً هكذا من قبل....قد يعلمك هذا الامر أن تكون حريصاً أكثر
خرج من عنده تاركاً اياه متخبطاً بدوامة من القلق ..لأول مرة يشعر باهتزاز ثقته بنفسه ....
قد يبدوا الشبح واثقاً من نفسه حد الغرور ... لكن عند أنتهاء كل عملية تسحبه ذاكرته الى اليوم الذي ايقن فيه ان القتل أمر سهل ... سهل للغاية
كان قد بلغ الخامس عشر من عمره ... غمرته تلك السيدة المحسنة بفيض من الحنان ... حتى كاد أن ينسى ماضيه ... لكن زوجها لم يتوانى عن تذكيره بأنه التقطه من الشارع ... و انه نادم أشد الندم على منحه اسمه تحت ضغط زوجته ... لم تمر ليله عليهما الا وقام بتوبيخ زوجته .... و اهانتها ... يعود مخموراً الى المنزل ... و أحيانا يحضر النساء لغرفة نومه ... كانت تأتي لتنام بجانبه و هي تبكي و ترتجف ... أصبح يرى وجه والده بجسد هذا الرجل ... كم كرهه .. كيف يتجرء على إيذاء أمه هكذا ... لن أسمح له ....يجب أن يتوقف
عاد في ليله مخمورا لدرجة أنه كان يملئ الدنيا صراخاً ... كانت امه خارج المنزل و الخدم في غرفهم .. لم يجرء أحد على الخروج ... وقف على شرفة قصره الكبير ... تقدم منه لم يكن يشعر بالخوف ... فشعوره به قتل داخله منذ زمن ....
_ انت أيه اللقيط ... ممم اذ ... أين هي ..تلك الغبببيه
_ لا تتحدث عنها بهذه الطريقه
_ لقد أصبببح لك ليييييييي ..لسان
_ و انت لسانك بحاجة للقطع
_ سوووف تعووود الى الشارع
عندها أقترب من حافة السور المنخفض ..أختل توازنه حتى تعثر وسقط ... تشبث الفتى بيده و هو يصرخ
_ تمسك بيدي ...
أخذ يضحك بصورة هستيريه ...
_ الفتى الوضيع ...يننننقذ حيييياتي
عندها التمعت عيون الفتى ... ماذا لو ....
عندها ترك يده ليسقط .... ما أسهل أن تسلب من الأنسان حياته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاد الالم يسيطر عليه من جديد ...كانت سقطته من الطائرة مؤلمة ..ارتطم بغصن شجرة اثناء هبوطه بالمظلة ما ادى الى انخلاع كتفه و تمزق الاربطة المحيطة به .... حاول النوم و لكن كانت وتيرة الألم ترتفع ...
توجه الى أقرب مشفى ... لم يرد أن يحضر طبيباً الى شقته ... ولم تكن اصابته صعبة التبرير
_ تقول أنك كنت تمارس رياضة القفز المظلي في روما
_ نعم
_ الأمر يتطلب شجاعة بالغة
_ أنا معتاد على هذه الأمور
_ من الواضح أنك رياضي .... بنيتك قوية .....سوف نقوم بتصوير موضع الاصابة أخشى أن العظم قد تضرر نتيجة السقطة
_ كما تشاء
_ سوف أطلب من الممرضة مساعدتك هل تستطيع السير أم تريد كرسيا متحركا؟
_ سأمشي
_ انتظر هنا قليلاً ستكون الممرضة معك بعد قليل
حاول الاسترخاء قليلاً على سرير المشفى و هو يفكر بمواجهته الاخيرة مع زياد ....يراجع كل كلمة دارت بينهما ... طرقات ناعمة تعالت على باب غرفته لتدخل هي .... اعتدل من وضعية نومه
_ السيد قصي .؟؟
بدأت تتكلم أمامه و تشرح له ما يريدون القيام به .... لكنه لم يسمع... كان يحدق بها .... هي أمامه .... لقد تخيل هذه اللحظة طويلاً ... حوريته الحسناء المجنونة .... لن يتركها هذه المرة و إن كانت متزوجة .... لم يتوقف عن التفكير بها طوال العام الماضي ... لم يعد يرغب بالنساء كما كان قبلاً ....تخلى عن الكثير من الفرص التي لم يكن ليفوتها قبلاً ... يريدها وحدها ... حوريته
شعرت سلام بالاضطراب من نظراته الجريئة... تشعر بأنها التقت به من قبل .... عيناه تخترق روحها و تلمس قلبها
_ سيد قصى هل سمعتني يجب أن تغير ثيابك .... القسم العلوي فقط .. و ترتدي هذا الزي من أجل الصورة .. هل تحتاج الى مساعدة؟؟
_ ماذا؟؟
_ هل أنت بخير ؟؟
_ الآن أصبحت بخير
_ سيد قصي أرجوك لا وقت لنضيعه اذا سمحت ..هل يمكنك تغيير ملابسك أم أنك بحاجة الى المساعدة ؟؟
_ مساعدة ؟؟ أجل أنا بحاجة الى المساعدة
اقتربت سلام منه و أخذت تساعده على خلع قميصه و هي متوترة من وقاحة نظراته فكرت بالخروج و طلب المساعدة ....لكن قد يصفون الأمر بقلة الاحتراف ....كان يستنشق رائحتها ....... ليطفئ نيران الشوق التي تعصف بداخله ... و لكن ذلك زاد من اشتعالها .. عطرها نفسه ... لم تغيره .. كان يستمتع بقربها منه و ملامستها .... شعر بارتجافها و توترها ...
أخيراً انتهت ...همت بالابتعاد عنه ... لكنه قبض على ذراعها و هو يحدق ببحور عينيها الزرقاء
_ سيد قصي اترك يدي !
_ ابنة البحر .. حوريتي
_ ماذا ؟؟
_ هل مازلت تهوين السباحة بمنتصف الليل
_ أنت ؟؟
أجابها بابتسامة صغيرة و هو يترك يدها
شعرت سلام بالتوتر البالغ من هذا اللقاء ... لولا هذا الشخص لكانت الآن ميتة ... قالت و هي تفرك كفيها و تهرب من نظراته :
_ لم يتسنى لي شكرك وقتها كان الوضع صعبا قليلاً اعذرني و شكرا لك على مساعدتك
قال و هو يقف أمامها :
_ لا .. شكراً لك لأنك دخلتي حياتي و كما قلت لك ليلتها لن أتمكن كل يوم من منع فتاة من الإنتحار ... هل أنت بخير الآن ؟؟
_ أجل .. أنا بخير
_ و زوجك ؟؟
راى عينيها تغرقان بحزن لمس قلبه الذي ظنه استحال لحجر
_ لقد انفصلنا منذ مدة
_ أنا آسف
_ لا ..لا تأسف .. كان يجب أن يحدث هذا الامر و الان لنذهب لغرفة التصوير
تبعها و هو يشعر بسعادة لم يعرفها قبلاً بحياته ... حوريته أمامه و هي حرة من أي ارتباط ....أخذ عقله يرسم الخطط لاستمالتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
_ أخبرتني أمي أنك ستتركين العمل هنا
_ أجل
_ لماذا ؟؟
_ و ما همك أنت ..؟؟
_ نورا!!
_ أرجوك ابتعد عن طريقي الأن
_ لن أفعل
_ أمجد أرجوك .... علي أن أنجز عملي قبل موعد الإقفال
أمسك بذراعها ليعيد مواجهتها وهو يقول :
_ أعلم أني قسوت عليك بكلامي و لكن ..
_ سوف أريحك مني و من سلوكي المنفر
_ نورا ..كنت غاضباً للغاية في ذلك اليوم
_ لا يهمني .... يجب أن أرحل من هنا .. لم أعد أحتمل نظراتك الاتهامية
_ اتهامية ؟؟ اسمعيني يا نورا أشعر بالخوف عليك أنت فتاة فاتنة تعيش بالعالم وحيدة ... عليك أن تحذري
نادت أم أمجد على ابنها و هي تطلب منه ترك نورا و شأنها حتى تنهي عملها ..
_ هذا الحديث لم ينتهي بعد سوف انتظرك اليوم بعد الاقفال
رحل دون أن يعطي نورا فرصة للرد ... عادت لترتب الثياب في أماكنها و هي تتخبط في أفكارها ... حتى جاء صوت من الخلف ... صوت جعل قلبها يتوقف عن الخفقان ... كم تتمنى الموت في هذه اللحظة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
_ لقد اقتربت منه كثيراً
_ لكنه لازال حراً طليقاً .. لا أصدق أني سمحت لمشاعري الشخصية بالثأثير على عملي ... لقد فقدت تركيزي بشكلٍ كبير هذه المرة
_ من الطبيعي أن يكون الأمر شخصي لقد ...
_ أعلم ما فعله
_ هل حصلت على أي معلومة من خلال لقائك معه
_ أمران اثنين أصبحت متأكداً منهما
_ أخبرني زياد
_ هو يعرفني ... و يعرفني جيداً ..و يعرف والدي
_ ماذا؟؟
_ و هو عربي من بلدنا
_ ماذا ... كيف عرفت هل تحدث باللغة العربية ؟؟
_ جملة واحدة و أراهنك أنه نفسه لم ينتبه
_ و ما الذي قاله باللغة العربية ؟؟
_ لقد افسدت متعتي سيادة المقدم يا ابن العميد المحترم
_ هل أنت متأكد
_ لو سمعت صوته عندما قال هذه العبارة يا حيدر ... إنه يريد الثأر مني شخصياً و يبدو أن لوالدي حساباً معه
ساد الصمت بين الرجلين طويلاً باقي الطريق من المطار الى منزل زياد ....
نزل من السيارة و شوقه يقوده الى محبوبته ... كان أسبوعاً طويلاً و صعباً ... كم يتوق لوضع رأسه على حجرها لينسى العالم و ما فيه ...يرتوي من حنانها .. يهمس لها بحبه و عشقه
دخل الى المنزل و هو يناديها .... لكنه لم يسمع منها جواباً ... بدأ بالبحث عنها في أرجاء المنزل ... اقتربت الخادمة المرتجفة منه و هي تمد اليه ظرفاً ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج حمزة من غرفة أماني بهدوء لم يشئ أن تستيقظ ... أغلق الباب بهدوء ليبتعد قليلاً و هو يرد على هاتفه الذي اهتز بالوضع الصامت
_ ما الأخبار ؟؟... ذلك ليس بعذر... يجب أن نستعيد قدرتنا على التجسس ... يجب أن نعلم فحوى اتصالات الشعبة .... لا يمكن لفتاة واحدة أن تمنعنا من اختراق الاتصالات .. اسمعني ..لقد قطعنا شوطاً كبيراً ..... ليس الوقت مناسباً للانهيار...استعد السيطرة على الوضع ...
ــــــــــــــــــــــــــــ

 

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن