الفصل الخامس عشر
انقباض عنيف يعتصر قلبها ... ألم رافقها منذ سنوات طويلة ... لكنها تشعر به مضاعفاً ... لقد طال غيابه هذه المرة ... لم يتحدث معها سوا مرتين او ثلاثة .... ما الذي يحدث معه ؟؟ .... كانت نظراتها معلقة بباب المنزل منذ الصباح تشعر بأنه سوف يحضر ... لكن حضوره سيكون مختلفاً ...
ما إن سمعت صوت المفتاح يدار حتى أسرعت لأبنها الغالي... شهقت من هيئته المزرية .... المياه تغمره تماماً... خصل شعره تغطي عينيه و تلتصق بوجهه تعلن انكسار نفسه و روحه... الكدمات و الجروح تملئ وجهه ... يرتجف جسده كما لو أن تياراً كهربائياً يسري فيه ...صدره يعلو و يهبط بسرعة جنونية
شهقت ضاربة صدرها بذعر :
_ ما الذي يحدث معك بني ؟؟؟
_ أمي ...
اختل توازنه ... اتكأ على كتفها و هو يحاول جاهداً عدم الانهيار ....
_ يا حبيب قلبي ... ما الذي حدث ؟؟ تعال..تعال لتغير ثيابك و نداوي جراحك
نظر اليها بعينين تصرخان بألم و هو يقول:
_ جراحي ؟؟؟ جراحي يا أمي لن تندمل أبداً ... خسرت ترياقي ... ليزداد نزف قلبي بصورة لا نهائية
_ قصى ما بالك يا ملاكي الغالي؟!!
انفلتت منه ضحكة ملتاعة و هو يقول:
_ ملاك ؟؟ .... أمي ... أنا الشيطان ... لكنه شيطان القيت عليه لعنة ... ليشعر بكل خطيئة ارتكبها في حياته دفعة واحدة
_ توقف عن هذا الكلام الغريب تغيب كل هذه المدة لتعود بهذا الكلام المجنون ... و الهيئة المزرية .... تعال معي لغرفتك
لم يعد قصى هو من يقف أمامها الان ...الرجل الواثق المعتز بنفسه حد الغرور... انه ذلك الطفل الذي كان يستجدي اللقمة على باب المطعم .... نفس العيون الحزينة و الذابلة .... كم يبدو ضائعاً ..... ساعدته على تغيير ملابسه .... وضعته في سريره ... أحكمت الغطاء حوله لكنه لم يتوقف عن الإرتعاش ...
_أشعر بالبرد أمي
_ يا قلب امك
أحضرت غطاءً اخر ...
_ أشعر بالبرد
أحضرت غطاءاً ثاني
_ البرد يا أمي يقتلني ... يتسلل الى روحي
_ بني .... أرجوك أن تهدأ .... ما الذي يحدث معك
_ البرد ... البرد ...
_ قصي !!!! ... رحمتك بالله
حاولت أن تبث الدفئ بجسده و هي تدلك كتفيه و ذراعيه ... بعد أكثر من ساعة استكان جسده ليغرق بنومٍ عذبه بصوره القاسية ..... سلام ... دلال ... سلام ... دلال ... دلال ...دلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ سأموت ..... سأموت ..أخرج من هنا أرجوك أتوسل اليك
_ أرجوكِ أن تهدأي
_ اخرج زياد ..... أخرج
_عليكِ أن تهدأي
_ لا ... لا ....أخرج بالله عليك
اقترب منها ... مرر يديه من اسفل ذراعيها ليلتصق ظهرها بصدره القوي .. أرخت رأسها على كتفه ... بدأت السكينة تحتل نفسها رويداً رويداً على وقع ضربات قلبه .... الأمن .... الهدوء ...
_ سيكون كل شيء على ما يرام اهدأي ياسمين ... سوف تمر هذه المحنة بسلام ... أعدك
ارتفع صوت هاتف ياسمين .... حرر يداً واحدة و أبقى على الثانية
_ نعم ... في الطابق الثالث .... أسرع
ابتعد ببطئ عن ياسمين و هو يقول :
_ لقد حضر حازم ... سوف ننتهي قريباً لا تقلقي
وقف زياد على باب الغرفة و هو يبحث بعينيه عن حازم ... ما ان راه حتى ناداه ليسرع الثاني الى حيث يقف... دخل زياد و هو يقرب صندوق المعدات من ياسمين قائلاً :
_ لقد وصل .... لا أريد أن تضطربي بحضوره ...أنا موجود معك هنا
دخل حازم الغرفة سريعاً و هو يقول:
_ ياسمين ... أنت بخير ؟؟؟
هزت رأسها ببطء دون أن تنظر اليه
اقترب منها ليلقي نظرة على الجهاز في يدها ...لامس جسده ياسمين التي ردت بارتجافة جعلته يسرع بالإبتعاد و هو يقول:
_ أرجوك أن تهدأي حبيبتي لن أؤذيكِ
_ ارتجافي ليس خوفاً منك و توقف عن منادتي بحبيبتي
_ اتجدين ان الوقت مناسب لاستفزازي !!!!
أغلقت عينها لتبعد تفكيرها عنه رغم قربه و سطوته عليها
تناول حازم المفك من يدي زياد
_ لنرفع الغطاء
بدأ الإثنان بالعمل معاً و بتناسق .... لتنكشف امامهما متاهة من الأسلاك ... دقق الإثنين بها و هما يحاصران ياسمين من الطرفين ... كيف يمكن أن لا ترتجف من هكذا موقف .؟؟
نظر الرجلان لبعضهما بتفاهم واضح .. هناك قنبلة ثانية ...مرتبطة بالأولى ... انطلق الإثنان في رحلة للبحث عنها .... لم تتجرأ ياسمين على سؤالهما عما يحدث
مرت الدقائق بطيئة ... التزم الجميع الصمت ... صوت القلوب يخفق بجنون و الأنفاس مضطربة تعلن عن الخطر .... شعرت ياسمين بجسدها يرتعش ... لم تعد قادرة على التحمل ... تشعر بأن الجهاز يزن أطناناً ... سيسقط من بين يديها ... حاولت كتم انفاسها و شهقاتها ... لكنها وصلت لنقطة الانهيار:
_ لا أستطيع... لا أستطيع .. أخرجا الآن ... لن اتحمل أكثر سيسقط ...سيسقط
اقترب حازم سريعاً منها ..بينما أسرع زياد ببحثه
_ لا حبيبتي ... ستكونين بخير ... لا تقلقي ...
_ لا ..لا ... جسدي يخذلني ... أشعر بالدوار .. و الجهاز إنه ثقيل ... ثقيل للغاية
_ ياسمين ....اسمعيني ... لن يحدث لك شيء ستخرجين من هنا سالمة ... أعدك ..ثقي بي
قالت و صدرها يعلو ويهبط سريعاً:
_ لا .... لا ....أشعر بالموت .... انه قريب للغاية
قال حازم بصوتٍ مبحوح لا يخلو من الإرتجاف :
_ لا .... لا ... اسمعيني جيداً ... سوف نخرج من هذه الورطة و سوف تعيشين سنين طويلة
هزت رأسها بقوة رافضة و دموعها تغلبها
شعر بقلبه يتمزق على حالها ... تمنى ان يحمل القنبلة بين يديه لتبقى هي سالمة .... كره نفسه لعجزه و على طبعه و تصرفاته ... في كل مرة يقسم أن تكون الأخيرة ... و لكنه لا يفهم سر هذا الجنون الذي يطبق عليه عندما يتعلق الأمر بها ... يحبها يقسم بالله انه يحبها ... و لا تمر ليلة دون ان ينظر لصورتها المعلقة بغرفة يزن ... حتى يغفو ليفتح عينيه عليها
_ يامن ...
نظرت اليه بعدم فهم
_ أتعلمين ان أول كلمة نطقها يزن هي يامن
قالت و قد بدأت أنفاسها المتسارعة بالتباطؤ
_ يامن ؟؟؟
_ إنه يقصد أن يقول ياسمين ... إنه يعرفك اخبرته عنك ...
_ إنه يعرفني ؟؟؟
_ أجل ..يعرفك جيداً ... و يحبك كثيراً ... ينام و هو ينظر لصورتك المعلقة على حائط غرفته
_ حقاً ؟؟
_ أجل أنت الأميرة ياسمين بطلة حكايته المفضلة ...
قالت و هي تبتسم من وسط دموعها:
_ و ماذا أيضاً ..؟؟ ما الذي يحبه ؟؟
_ يحب التسلق على الأثاث كثيراً... هو لا يهدأ ... يعشق السيارات ...في اي لحظه اتوقع أن يطلب سيارته الخاصة
كان زياد يستمع لكلامه معها و هو يقسم في كل لحظة أن يعيد طفلها مهما كلفه الأمر ...
وقع بصره على القنبلة الثانية بدأ العمل عليها دون أن يعلن عن ذلك حتى لا تضطرب ياسمين أكثر ... عزل نفسه عن كل شئ يحيط به ... أصبح كل ما يجمعه في هذه الدنيا هذه الدائرة الكهربائية التي صممت لتقتل و تفتك بأرواح الأبرياء ...عمل على فكها بسرعة و حرفية اكتسبها من خبرته الطويلة رغم صغر سنه ... قص أخر سلك ... تنفس الصعداء قلب القنبلة ليجد شعار منظمة أكس قابعاً هناك يهزء به ... لقد دخلوا بيته مرة ... و الآن اقتحموا شعبته ... أي اخفاق يستمر بضربه ... ما الخطأ الذي يرتكبه .... نفض هذه الأفكار ليسرع الى ياسمين وحازم الذي كان مستمراً بسرد القصص عن يزن .... كانت ياسمين تستمع اليه و هي مغمضة العينين ... تتخيل حركات يزن و ضحكاته ...
وضع زياد يده على كتف ياسمين وهو يقول:
_ لقد اقتربنا من الخلاص ياسمين... لكن الآن كل شئ يتوقف على ثباتك و صمودك ...
هزت رأسها بالموافقة و هي تحاول السسيطرة على كل خلايا جسدها .... أخذت نفساً عميقاً و أغلقت عينيها و هي تلهج بالدعاء
_ سنقص السلكين في وقت واحد يا حازم ...بثبات وقوة
قال حازم متهكماً:
_ أعلم .... لست بحاجة لدروسك سيدي العقيد
أجابه بإلقاء القاطع نحوه بقوة ...وقف الإثنان كلاً على طرف ... شعرت ياسمين بجسديهما الضخمين يلتصقان بها ... إنها بين فكي مصيدة تكاد تطبق عليها... كتمت أنفاسها .....لكن عندما بدأ زياد بالعد ...شعرت بالرعب يسيطر عليها من جديد ليرتجف جسدها و الجهاز بين يديها
_ ياسمين ... عليك ان تهدأي ثقي بي و بحازم ... سوف ننتهي ... هي لحظة واحدة و ننتهي ... عليك ان تسيطري على نفسك ... عليك ان تقرري انك تتحكمين في هذا الوضع كما سوف تتحكمين بكل حياتك بعد هذه اللحظة ...
فكرت بأنه يهذي من الحمى التي اصابته و لكن حازم فهم كل كلمة قالها ...يحاول ان يستغل الموقف لتتخذ موقفاً منه هو ...
_ اسمعيني سوف تقومين انت بالعد...انت سوف تقررين لحظة القطع و انتهاء الأمر ... نحن على استعداد لانتظارك كل الوقت الذي تريدنه... انت من سوف يكون بيدها الحسم
قالت بصوت مرتجف لا يخلو من قوة:
_ حسناً ... لننتهي الآن .... هيا ...
عاود الرجلين الاقتراب منها .. أصبح الثلاثة يتنفسون بنفس الايقاع .... العيون مثبتة على الجهاز ... أغلقت ياسمين عينيها .....
_1....2...
صرخت بالرقم ثلاثة .. و مع صراخها قطعا السلك ..ليحل الصمت المخيف بعدها .... فتحت ياسمين عينيها و هي تلهث قائلة:
_ لقد انتهينا ....انتهينا
وضع زياد يده على كتفها و هو يقول :
_ لقد انتهى الأمر
سحبت كفيها ناحية صدرها ..تاركة الجهاز ليسقط .... التقطه زياد بحركة سريعة .... لتظهر له العلامة اكس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
استيقظت أماني على الروائح الزكية التي تملئ المنزل ... فتحت باب غرفتها بهدوء ... استرقت النظر الى حمزة الذي يقرأ من كتاب الطبخ أمامه .... من يرى وجهه و هو يقلب صفحات الكتاب يظن انه بصدد حل معادلة رياضية معقدة للغاية ... كتمت ضحكتها و هي ترى حاله ... أرادت ان تقترب منه و تفاجئه ... لكن ما رأته على طاولة غرفة المعيشة جعلها تتوقف ... علبة كبيرة ملفوفة بشريط هدايا ليلكي ...
اقتربت من الصندوق ببطء و هي تسترق النظر الى حمزة الغارق بالعمل .... عضت طرف شفتها و هي تحاول رفع الغطاء بهدوء كطفلٍ صغير يحاول استراق النظر لهدية مولده قبل موعد الاحتفال .... شهقت بقوة عندما شعرت بيدي حمزة تطبقان على خصرها رافعاً قدميها عن الأرض ... قال هامساً قرب أذنها:
_ لا يصح استراق النظر الى اشياء لا تخصك
شعرت بالدماء تحرق خديها خجلاً ... خاصة بعد بركان المشاعر الذي انفجر بالأمس قبل ذهابها للعمل ... حاولت الخلاص من ذراعيه ..لكنها استكانت بعد مقاومتها المتخاذلة ... لتشعر بأنفاسه الساخنة تلفح عنقها ... تسارع نبض قلبها لحدٍ لم تعرفه قبلاً ...
_ اشتقت لكِ طفلتي
_ حمزة
_ لو تعلمين كم كان صعباً علي تركك نائمة في غرفتك و نيران الشوق تحرقني على هذه الأريكة القاسية
_ حمزة أرجوك!!!
_ لا ... لقد نفذ صبري
قالت و هي تجاهد لكتم ضحتها:
_ الطعام يحترق يا حمزة
تركها و أسرع الى المطبخ و هو يشتم حظه ... لم تتمالك أماني نفسها و هي تغرق بالضحك ... خرج حمزة من المطبخ و هو يهز رأسه بأسى ... حاولت التوقف عن الضحك لكنها لم تستطع خاصة مع تعبيرات وجهه البائسة ...
نظر اليها بغضب مصطنع :
_ اضحكي يا أماني ... لعلمك سوف نتناول هذا الطعام على حاله شئت أم أبيتِ
حاولت تمالك نفسها لكنها لم تستطع دمعت عيناها و تشنجت معدتها من شدة الضحك ...حاول كتم ابتسامته لكنه لم يستطع ... هكذا يحب أن يراها ...عذبته نظرة الإتهام و العتاب التي حاصرته بها طوال السنوات الماضية ... لقد أخطأ بحقها و استحق العقاب ... و أي عقاب أصعب من كره الحبيب .. لقد مزقت قلبه و حطمته في كل مرة كان يلتقيها ... و لكن هذا لم يمنعه من تعمد اللقاء بها في كل فرصة سانحة ... هي هوائه الذي يتنفسه ليستمر بحياته ....
توقفت عن الضحك و هي تنظر الى حمزة الذي يحدق بها من بعيد .... مسحت دموعها و هي تخفض رأسها خجلة منه و من نظراته التي تصبح أكثر عمقاً و ملامسة للقلب ... اقترب منها ... جلس الى جانبها قائلاً:
_ اياكِ أن تحرميني من رؤية عينيك بعد الآن ... أريد الإرتواء من عطش السنين... لن يكفيني عمري و اضعافه حتى أكتفي منك
رفعت عينها لتنظر الى من ملك قلبها يوماً ... و في غمرة الأيام ظنت أنها تحررت منه ... و لكنه الآن يعلن ملكيته لقلبها و روحها بسطوته و قوة حبه لها ...
تجمعت الدموع بعينيها سريعاً ... احتوى وجهها بين يديه و هو يقول:
_ اتبكين أماني !... أخبريني ما الذي يحزنك يا حبة العين ؟؟؟
قالت مبتسمة بصورة هزت قلبه و كيانه :
_ انها دموع مختلفة هذه المرة يا حمزة .. هذه دموع السعادة ... قلبي عاد الى مكانه الآمن و الدافيء بعد عذاب دام سنين ... روحي تشعر بالإنطلاق نحو مستقبل و حياة أرسم طريقها معك أنت ... فارسي ... و ...
أبعدت عينيها عن مسار عينيه .... أخفضت رأسها تاركة خصل شعرها تتناثر على وجهها كما قلبها الذي تبعثر في محراب عشق قديم جديد
رفع خصل شعرها بأصابعه طابعاً قبلة طالت على خدها المبلل بالدموع ... ليذوق طعماً اشتهاه لسنوات
_ قوليها... بالله عليك قوليها يا من ملكت القلب
عادت لتغرق في عينيه المتوسلة لكلمة تبرد نار صدره المستعرة ... القت برأسها على كتفه لتتمسك بقميصه و هي تجود بدموعها
_ أحبك ... أحبك يا قدري ... أحبك يا حلم الطفولة و أمل المستقبل
... أحبك عدد أنفاسي و خفقات قلبي ...أحبك حمزة
ضمها الى صدره بقوة ... التصقت به أكثر ... أغمض عينيه على وقع كلماتها ...و هو يطلق نفساً حبسه في صدره منذ أن تزوجها ... اخيراً نطقت بها حلم عمره و امنية حياته ... هي له و هو لها ... منذ ان رأها بثياب المدرسة علم ان قدره اعاده لأرض بلاده ليجد وطنه بين يديها وفي قلبها
غابا عن العالم متعانقين بهدوء لم يعرفاه قبلاً ... أخيراً عواصف الشك و عذاب الضمير استكانت على صوت نبض القلوب الهائمة في بحور العشق
أخيراً قال حمزة:
_ ألن تفتحي هديتك ؟؟؟
ابتعدت عنه و هي تقول بدلال أذاب قلبه:
_ أحضرت لي هدية ...
_ و لمن غيرك ..؟؟
ضحكت برقة و هي تنقض على العلبة الكبيرة تفك شرائطها
صوت جرس الباب أغضبه ... نهضت أماني لتفتح الباب
لكنه أحاطه خصرها و هو يقول:
_ أرجوك لا تفتحي الباب ...دع القادم يذهب
_ قد يكون سامر ..!!
تركها و هو يقول:
_ حظي !!!
أسرعت اماني لتفتح الباب و هي تبتسم بسعادة و لكن لما رأت القادم تحولت ابتسامتها لغضب أعمى يوشك على الانفجار
_ عفواً هل السيد حمزة موجود .. أنت أماني ..صحيح ؟؟؟
قالت و هي تجاهد لكبح مشاعرها الثائرة:
_ و انتِ ؟؟
_ أنا رولا ... أعمل لدى السيد حمزة
_ تعملين ؟؟
_ اجل ... هل هو موجود ؟؟
جاء حمزة ليقول من خلف اماني
_ اهلا رولا أدخلي
دخلت رولا و هي تتجاوز اماني
_ اعتذر عن حضوري المفاجيء ..
_ هل كل شئ على ما يرام ؟؟
اخذت رولا نفساً عميقاً و هي تقول:
_ زوجي يرفض المال الذي اقترضته منك
_ لماذا .؟؟
_ يقول انه لا يقبل شفقة أحد
_ يفضل دخول السجن ؟؟
بدأت رولا بالإرتجاف و البكاء
_ حاولت اقناعه.. رجوته ... و لكنه يصر على رأيه ... أرجوك ان تتحدث إليه ... أتوسل إليك
_ لا ... لا تقلقي سوف أتي معك يجب أن يتعقل ذاك الأحمق ... سأغير ملابسي
كانت أماني تراقب المشهد بجمود ... حمزة كذب عليها ... قال أنه لا يعرف هوية المرأة التي رافقته لمنزلها قبل سنوات و هي الآن تعمل معه ... لم تنقطع علاقتهما طوال السنوات الماضية ... و لا بد أنه يكذب بخصوص عدم تذكره لفعلته قبل سنوات ...لقد كان يتسلى بها و بمشاعرها
كانت هذه الأفكار تعصف بعقلها بجنون و ألم ..
_ اماني .... أنا آسفة إن كان حضوري قد أزعجك ... لكن ما حدث قبل سنوات كان خطئاً كبير ... أرجو أن تسامحيني
اشاحت أماني بنظرها عنها و هي تعقد ساعديها
_ سوف أنتظر حمزة في الأسفل عن اذنك ... أعتذر منك مرة ثانية
خرجت لتأخذ معها أمل الحب الذي أوشكت براعمه على التفتح ... أغلقت الباب خلفها و هي تغلق على فرحة بدأت تنشر شذاها
لا تعلم كم مر عليها من وقت واقفة مكانها ... تحاول جمع حطام قلبها ...
أخرجها صوت حمزة من الدوامة التي تسحبها ...
_ أماني تبدين شاحبة
نظرت اليه بألم و حزن جرح قلبه
_ أماني ... هل انت بخير ما بالك؟؟
شدت أماني على قبضتها حتى انغرست أظافرها بلحم كفها
_ انت أكبر كاذب صادفته بحياتي
لمع الغضب بعينيه منذراً باقتراب الخطر ..قال و هو يشد على اسنانه محاولاً السيطرة على آخر ذرة صبر يملكها:
_ أماني .. انتبهي الى كلامك
_ انت كاذب يا حمزة ممثل بارع ...كدت أصدق تمثلية الحب السخيفة التي تلعبها علي
_ توقفي
تحول حديثها لصراخ
_ لا .. لن أفعل ... لن أسمح لك بتحطيمي مره ثانية
_ لقد جننتِ
_ طلقني
ارتد حمزة للخلف و هو ينظر مصعوقاً ...كيف تحولت نظرة الحب و الهيام ... للكره و الحقد من جديد في لحظة واحدة
_ اصمتي
_ طلقني ...ان كنت تملك ذرة من رجولة طلقني
قبض على كتفيها بقوة و هو يهزها
_ أماني ... أياكِ أن تتلفظي بأي كلمة .... لقد استنفذت صبري
قالت و هي تنظر اليه بتحدٍ واضح:
_ طلقني أيها الوغد الحقير الكاذب
لا يعلم كيف صفعها لحظتها ... شعر بألمها يضرب قلبه ... صورة أصابعه على خدها أرسلت مئات الأسهم لروحه
ارتجف جسدها ... شعرت بأنها تخسر روحها و قلبها من جديد ....تحجرت الدموع بعينيها
أراد أن يقترب منها ليطلب الغفران ... لكنها طعنته برجولته و كرامته لسبب لا يفهمه أو يعقله ... لن يتحمل اتهامات جديدة .... لكن ما سمعه منها جعل قلبه ينفطر لنصفين
_ انت ... أنت ... قلت أنك لا تذكر تلك الليلة ...لا تذكر تلك الفتاة المنحطة ... صدقتك و تركت مشاعري لتقودني على درب حبك من جديد ... لكنها جاءت الى هنا ..أنت تعرفها ..تعرفها ولازلت على علاقة معها ... وتعطيها المال ...تلك المنحطة عادت لتدخل بيتي من جديد ... و صدى فعلتك يتردد من جديد
أنت تقرأ
رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان
Romanceمن كان يعلم ان ايقاف يوم طيران واحد واحد فقط يسبب حادثة اختطاف الطائرة الفرنسية وعلى متنها ٢٠٠ راكب ومن ضمنهم السفير الفرنسى قد تؤدى الى اختلاف حاضر ومستقبل ابطالنا وحتى نظرتهم للماضى بصورة لم يتصورها احدهم تاهت خططهم وضاعت تصوراتهم تشابكت خطوط اقد...