الفصل السادس
كما تعود دائماً في كل صباح و قبل استيقاظها يتأمل وجهها ..... لقد اصبح الحزن سمه من سماته ... كم يشتاق الى مرحها و عبثها الطفولي ... معها ينسى العالم و شروره ... اللحظات القليلة التي كان يقضيها معها تجعله على يقين بان الخير و الجمال موجود رغم الظلم و الظلام ... و لكن الأن لا يرى سوى صورة الشبح و ما فعله بمحبوبته و مليكته ..... لقد سلبه واحة حبه و سكينته ... راى الدموع التي تجمعت في طرف عينيها وضع يده على وجهها و هو يقول:
_ دلال ؟؟ ما الأمر حبيبتي ؟؟
انسكبت الدموع الحبيسة في عينيها ... الدموع التي حاربتها منذ أن اتخذت قرارها
_ دلال .. ما الأمر ؟؟ ما المشكلة
_ أنت ...
_ ماذا ؟؟
_ أنت مشكلتي زياد
_ دلال !!!
_ لقد اتخذت قراراً و أرجو أن تحترمه
استوى في جلسته على طرف السرير ...التزم الصمت ... لقد شعر بما هو قادم ... وقفت بمواجهته و هي تقول
_ زياد ... إما أن تتزوج من ثانية و إما سوف اغادر حياتك ...
وقف و أطبق بيديه على كتفيها و هو يقول بصوت غاضب :
_ لقد جننتي حتماً
قالت و هي تتلمس طريقها مبتعدة عنه :
_ لا ... هذا هو العقل و المنطق ... من الجنون أن تربط مصيرك بي
_ أخبرتك ألف مرة بأنني ...
_ أعلم ...تحبني و لا تريد الارتباط بأخرى ...
_ دلال ... لقد سئمت تكرار هذا الموضوع
_ زياد أخبرتك ..إما أن تتزوج او سوف اغادر حياتك نهائياً
اقترب منها و هو يقول :
_ ليس زياد من يتم تهديده بهذه الطريقة
_ أنا لا أهددك و لكن أخبرك بواقع الحال حضرت العقيد
ابتلع زياد ريقه بصعوبة و بلل شفتيه بتوتر ... هو من يرتجف الناس أمامه يعجز عن الوقوف أمام محبوبته
_ دلال هل تكرهين وجودي بقربك ... تريدين ابعادي عن حياتك ؟؟؟ تريدين ربط مصيري باخرى
_ زياد!!!
_ اريدك أن تحاربي.... لا أن تستسلمي
_ احارب ؟؟ لا يوجد شئ لأحارب من أجله ... حياتي أنطفئت يا زياد ... لا يمكن أن أكون طبيعيه ..فقدت بصري ... لا استطيع القيام بالاعمال المنزلية و لا استطيع العوده لمهنتي القديمة ... و لا يمكن ان انجب لك طفلا يحمل اسمك .... ماذا بقي لي لأحارب من أجله ...؟؟
أزاح خصل شعرها القصيرة عن وجهها الغارق بالدموع ... ليطبع قبله طويله على خدها ... ضمها الى صدره بقوة و هو يقول :
_ حاربي من أجلي يا دلال من أجل حبيبك زياد
_ زياد .. أنا متعبه ... متعبه للغاية
_ أعلم حبيبتي ... اعلم ..... أشعر بحزنك .... و هو يقتلني كل يوم ببطء ... و لكن أنا أحاول أن اتماسك من أجلك ... اعلم بأن السعادة تنتظرونا خلف الباب لنفتحه لها
_ زياد أرجوك ... أرجوك
_ دلال توقفي أرجوك يجب أن أذهب الى العمل .... لا أريد أن أسمع كلمة واحده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
تمسكت بمعطفه.... فكر بأنها تبدو كطفلة صغيرة ... شعرها الأحمر المموج ... عينيها الزرقاء ... بقع النمش على طرف خديها ...
_ كريستين ... أخبرتك بأني قادم ليوم واحد فقط
_ لكن لم يرتوي قلبي منك بعد
_ أرجوكِ سوف تفوتني الطائرة
_ قصي .. هل سوف تحب كرستين يوماً ؟؟؟
_ طبعاً قصي يحب كرستين
_ لا .. لا ...قصي يحب قضاء الوقت مع كريستين ... يحب الحديث لكريستين ... يحب النوم على صدر كريستين ...لكن لا يحب قلب و روح كريستين
ضحك و هو يضمها لصدره ... طبع قبله على جبينها و مسح الدموع التي فرت من عينيها
_ لقد حذرتك بأني كالطير لا يمكن أن أبقى في مكان واحد
_ لكن أحبك قصى
_ أخبرتك إن وجدت الحب الحقيقي ... اذهبي اليه ... لا تنتظريني
_ صدقني إن تزوجت يوماً و رأيتك أمامي لسوف أركض إليك دون تردد
_ مجنونة ...
_ هل وقعت بالحب يوماً ؟؟
_ مرة واحدة فقط ... و قد كان حباً خاسراً
_ حوريتك ؟؟
_ ماذا ؟؟
_ لقد ناديتني و نحن بالفراش بحوريتي
_ لم أنتبه صدقيني ... أعتذر منك كريستين
_ هل هو اسم من تحب ؟؟
_ لا ...ليس باسم إنه لقب
_ لقب ؟؟؟
_ انسي الأمر عزيزتي يجب أن أرحل .. الى لقاءٍ قريب
__ الى اللقاء حبيبي قصي ... الى اللقاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ حضرة العقيد اتصال من الجنرال "بوشكن " من روسيا ....لقد جهزنا غرفة الإتصالات
_ سأحضر حالاً
تذكر زياد المره الأخيرة التي التقى بها مع الجنرال ... كانت حين سلم " انزور كابشوك " للسلطات الروسية بعد معركة طاحنة انتهت بأسره ... دخل الى غرفة الإتصالات بعد أن خرج الجميع منها وقف امام الشاشة الكبيرة التي غطت حائطا كاملا
_ حضرة الجنرال ... لقد مر وقت طويل
_ ثلاث أعوام كاملة حضرة العقيد ... كيف أصبحت زوجتك ؟؟
_ بخير سيدي ... لمن أدين بشرف الحديث معك حضرة الجنرال
_ انزور كابشوك .. يطلب رؤيتك قبل موعد المحاكمة التي سوف يشهد فيها ضد العملاء الذين عمل لصالحهم
_ و ما حاجته لرؤيتي ... ؟؟
_ يظن بأنه مستهدف ... هناك من يسعى لتصفيته
_ لا أظن أن هناك من يستطيع اقتحام سجون سيبيريا
_ معك حق ... و لكن وصلتنا معلومة أن المهمة أنيطت ب....
اقتحمت ياسمين قاعة الإتصالات تحت دهشة الرجلين ... دخل ورائها الضباط يعتذرون عما حدث و حاولوا اخراج ياسمين لكنها قالت سريعاً
_ حضرة العقيد هناك شئ يجب أن تعلمه قبل استمرار الاجتماع
صوب زياد نظرة نارية لياسمين و الضباط الذين يحيطون بها ... جميع القلوب ارتجفت رعباً ... لكن ياسمين واجهت نظراته بإصرار على موقفها
_ الجميع ... الى الخارج
تحركوا الى الخارج سريعا ...باستثنائها ... وقفت مكانها ... نظر اليها ... كانت عيناها تصرخان بأمرٍ ما ... تنهد و هو يقول للجنرال بالروسية :
_ حضرة الجنرال هل تسمح لي بالقليل من الوقت يبدو أن هناك أمراً طارئ
_ لا بأس ... لو اقتحمت هذه الفاتنة المغرية مكتبي . لتجاهلت الجميع ..
قال زياد بصوتٍ غاضبٍ حازم:
_ حضرة الجنرال ... نحن لا نتحدث عن نسائنا بهذه الطريقة
_ لا تغضب ... لكنها جميلة
_ جنرال
التزم الصمت و على شفتيه ابتسامه خبيثة ... توجه زياد لياسمين و أمسكها من ذراعها ليسحبها خارجاً أقفل باب غرفة المؤتمرات ... دفعها أمامه و هو يقول :
_ هل أنت مجنونة ؟؟ كيف تجرؤين على اقتحام اجتماع هام بهذه الطريقة الهمجية ... من الأفضل أن ....
قاطعته بصوت واثق و حازم :
_ اتصالات الوحدة مراقبة
حدق بها غير مصدق
_ ماذا ؟؟
_ الاتصالات مراقبة و قد تتبعت بداية الأمر ... الاتصالات كلها مراقبه منذ ستة أشهر بشكلاً متقطع
_ كيف عرفتي ؟؟
_ طلب مني رئيس الشعبة التقنية ... إصلاح خلل بأحد برامج الإتصالات ... عندما نظرت الى الشاشة الرئيسة و التي كان من الممنوع علي الاطلاع عليها قبلاً ... ظهرت بعض الأرقام الشاذة ... إنها تدل على أن الاتصالات مراقبة
نظر زياد الى رئيس الشعبة الذي كان وجهه شاحباً
_ هل ما تقوله هذه الفتاة صحيح ؟؟
هز رئيس الشعبة رأسه بنعم
_ و كيف لم تكتشف الأمر قبلاً
التزم الصمت و لم يعقب بشيء ... زاد غضب زياد بعينيه مما أرهب الجميع ...صرخ :
_ تكلم
_ لقد لاحظت الأرقام من قبل و لكن لم أعرها اهتماماً ظننت أنها مجرد شذوذ بالبرنامج و هذا قد يحدث بالعادة
_ شذوذ ... تسمي مراقبة اتصالاتنا بشذوذ ...هذا يفسر الكثير من الاخفقات التي حدثت بالآونة الأخيرة ... لقد كنا مكشوفين ... تباً وما العمل الآن كيف يمكن أن أكمل الاتصال مع الجنرال هل أخبره بأن اتصالاتنا مراقبة ..... هذا ما ينقصني الأن ؟؟
تدخلت ياسمين و هي تقول :
_ سوف أقوم بتأمين المكالمة الحالية و لكن البرنامج بحاجة لإصلاحات جوهرية ... ما سأقوم به هو حل وقتي فقط
_ حسناً ... أسرعي و أنت حسابك و موظفيك سيكون عسيراً للغاية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
_ نورا ؟؟
_ ما الأمر ؟؟
_ الطاولة السابعة بحاجة لمن يخدمها ... أسرعي
_ حسناً سأفعل
كانت نورا تلعن نفسها في كل لحظة تقضيها في العمل بهذا المطعم القذر و مديره الوغد ... و لكنها تستحق هذا العقاب ... لا شئ يمكن أن يسدد ثمن الخطيئة التي ارتكبتها بحق أختها و بحق نفسها و عائلتها ...
وضعت طلبات احدى الطاولات ... شباب منحلين اخلاقياً لا يتوقفون عن المعاكسات و محاولات اللمس الوقحة ... همت بالانصراف لولا أن قام أحدهم بامساك يدها و هو يقول
_ الى أين يا حلوة؟ ... لما لا تجلسين معنا قليلاً ... نحن بحاجة للتحلية
قالت و هي تسحب يدها:
_ هناك عمل يجب إنجازه .. عن إذنك
عندما أولتهم ظهرها قام بسحبها لتسقط على ركبتيه وسط ضحكه و أصدقائه ... نهضت سريعاً و قامت بتوجيه صفعة أخرجت فيها جام غضبها الجامح ...
وقف الشاب ليرد الصفعة لها لولا يد امتدت لتمنعه ... ليتحول الأمر لاشتباك بين الشابين ... و انتهى الأمر بطرد نورا على يد مديرها الوغد .. اعتبرها قد بالغت برد فعلها !!!!... غادرت و هي تبكي و تكرر لقد استحققت ما حدث ...
كانت تمشي تحت الأمطار التي تتساقط بغزارة مجنونة ... امتزجت دموعها معحبات المطر ... جاء صوت من خلفها يناديها
_ يا انسة ... يا انسة
التفتت بغضب ..ظنت انه الشاب الوقح .. لكنه كان الاخر الذي دافع عنها ... رفع المظلة التي كان يحملها فوق رأس نورا ... كدمة سوداء غطت عينه ...
_ يا الهي انا آسفة ... لتوريطك معي
_ لا أرجوك لا تعتذري لقد قمت بواجبي
_ شكرا لك
_ ذلك المدير وغد و قد ظلمك
_ ربما كان من الأفضل أن أترك العمل بمطعمه قبلاً
_ هل تحتاجين الى عمل
_ طبعاً أحتاج للعمل و هذا ما أجبرني على البقاء في ذلك الوكر
_ يمكنني أن أقوم بمساعدتك
_ كيف ؟ ...
_ أمي تمتلك محلاً لبيع الملابس و بحاجة لموظفة ... يمكنني أن أطلب منها توظيفك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
_ هل أنت واثق من الخطة التي وضعتها ؟؟
_بالطبع لم يبقى شيء الا وقد غطيناه
_ لن يكون الأمر سهلا
_ و الفضل لعملائك المحترمين الذين أرسلوا يهددون انزور كابشوك و بذلك قد نبه سبيريا بأكملها لتكون على استعداد لاستقبالي
_ هل أنت خائف ؟؟
_ لست خائفاً و لكن أكره انعدام الاحتراف بالعمل
_ اسمعني عليك أن تكون حذراً هذا العمل الأول للمنظمة بعد توقفها لعام كامل ... اسم منظمتنا يعتمد على هذه العملية
_ و لهذا اختاروا الأفضل ..." الشبح "
_ لو تتوقف فقط عن الغرور الذي يسكنك !... متى سترحل ؟؟
_ غداً سوف أتجه لروسيا و بعد يومين سوف تنطلق العملية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
كانت أماني تنظر الى نفسها بالمرآة ... في السابق كانت نحيلة للغاية و الان مع ازدياد وزنها تجد أن جسدها أصبح أكثر إغراءً و فتنة كما قالت سلام ... هل يعقل أن خطتها قد انقلبت عليها؟! ... لقد تناولت الطعام بكثرة و لم تخجل من نظرات الناس المنتقدة لها ... إنها بحاجة لأكثر من عام لتصل الى مقصدها لكن حمزة سيعود اليوم .. ما الذي ستفعله الآن ؟!.. لن تسمح له بالاقتراب منها
أصوات اقفال الباب تفتح و تغلق ... شعرت بروحها تنسل منها ... خرجت لتجد حمزة و سامر يقفان بالخارج
تسمرت مكانها ... امتلئت عينيها بالدموع .... ليس خوفاً من حمزة لكن شوقاً لأخيها الذي سافر غاضباً منها ... بقيت واقفة مكانها ... نظر سامر اليها بحنان بالغ ... هذه النظرة التي تعودت عليها ...فتح سامر ذراعيه ... لتسرع أماني و تلقي بنفسها على صدره ... بللت قميصه بدموعها ... أخذ يمسح على شعرها بحنان بالغ ... كان حمزة يقف مبتسماً
_ كيف حال أميرتي الصغيرة ... لقد اشتقت اليك ...
_ و أنا اشتقت إليك أخي ... اشتقت إليك كثيراً
قال و هو يبعدها عنه قليلاً ليتأمل وجهها المبتل بدموعها:
_ هل زاد وزنك قليلاً أخبرتك أنك ستزدادين جمالاً في حال زاد وزنك بدلاً من النحول الشديد
عادت لتزرع وجهها في صدره
_ أماني زوجك الى جانبي يتحرق شوقاً اليك
انتفض جسدها ...شعر سامر بها دفعها عنه ليجعلها تواجه حمزة ... الذي كان يتأملها ... مد يده اليها مصافحاً ... مدت يدها المرتجفة اليه ... أطبق على كفها ... شعرت بالكهرباء تعصف بجسدها ... سحبت يدها سريعاً
_ كيف حالك يا أماني ؟؟
_ بخير
عادت لتطلع الى أخيها و هي تقول :
_ لقد حضرت لك الطعام .. سوف أجهز....
_ لا ... أرجوك لقد تناولت الطعام على الطائرة ما رأيك أن أحضر غداً لأتناول ما حضرته ...لقد اشتقت لطهوك
_ لن تبقى هنا ؟؟
_ طبعاً لا ..سأعود الى منزلي حبيبتي انا متعب للغاية
_ أرجوك أن تبقى أخي
_ أماني ...!!! يجب أن أرحل الآن ... سيارة الأجرة بانتظاري في الأسفل سأعود غداً الى اللقاء ...اعتني بها حمزة إنها أمانة بعنقك
_ لا تقلق ... سأحفظها بروحي
خرج سامر تاركاً أماني ترتجف بمكانها
اقترب حمزة منها و هو يتأملها ... مد يده ليلمس وجهها بأصابعه و من ثم أمسك خصلة من شعرها ... نظر الى عينيها و هو يقول :
_ لقد مر عام يا أماني .... عام كامل أقاوم رغبتي بالحضور اليك
قالت أماني و دموعها تهرب من عينيها و هي ترتجف :
_ ياليتك بقيت بعيداً ... ياليتك لم تعد يوماً
تجمدت يد حمزة التي تتلمس وجهها ... ليغرس بعدها يده في شعرها ليقرب وجهها اليه ... أخذ يغرق في بحور عينيها المتوتره ... أقترب من شفتيها ببطء ليقتنص قبلة من شفتيها المرتجفتين ... مرر يده على ظهرها ليصل الى خصرها ... ضمها اليه كما لو كان يخشى أن تنسل من بين يديه ....
زاد جسد أماني ارتجافاً ... و دموعها انسكاباً ... و أنفاسها اضطراباً ... كانت تقبض على قميص حمزة ... لكن هذه المرة لم يتوقف .... استمر بإرواء شوقه اليها ....لقد كان العام الماضي عذاباً لقلبه و مشاعره ... يحبها و يعشقها ... و لم يشعر بلحظة ندم واحدة من طريقة زوجهما ... هي قدره و هو قدرها ... شائت أم أبت
توقف يلتقط أنفاسه و هو ينظر اليها غارقة بدموعها ... مسح دموعها بباطن كفه .
_ أماني ... أنت حبيبتي ... ليس جسدك ما أريده ... لكن كل ما أريده هو قلبك و روحك ... لقد سلمت لك قلبي و روحي و جسدي منذ سنوات ... و الآن لقد حان دورك .....
_ حصلت على جسدي مرغمة و لكن قلبي و روحي لي أنا لن أستسلم لك يا حمزة أنا أكرهك
أغمض عينيه و ابتلع ريقه ... أخذ نفساً عميقاً ... و هو يبتعد عنها ...أكرهك ... لم تكن الكلمة التي يتوق لسماعها منها ...شعر بقلبه ينقبض ويتألم
_ حسناً يا أماني ... كما تشائين ... اكرهيني ... و لكنك زوجتي أنا ... أحبك ... و سوف تسلمين قلبك لي حبيبتي
عاد ليوجهها وهي تحاول تجنب النظر اليه بشكل مباشر
_ لقد زاد وزنك .... اصبت أكثر جمالاً حقاً
شعرت بأن وجهها قد أحترق من شددت الخجل ...ابتسم حمزة لرؤيتها بهذا الوضع
_ أريد أن أرتاح ..أنا متعب .. أحضري لي غطاءً و وسادة لأنام في غرفة المعيشة
_ ستنام هنا ؟؟
_ اذا أردتني أن انام بجانبك بغرفة النوم لن امانع
أسرعت لتنتشل الوسادة و الغطاء من على السرير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
عادت ريتاج من بيروت ... لازالت تشعر بالألم لما أخبرها به أحد الأسرى المحررين و المبعدين في بيروت بعد 25 عام من الأسر... طرق تعذيب لا توصف لازال جسدها يرتجف من كلماته :
_ لقد استعملوا معي الكثير من الوسائل و لكن أكثر ما كان يؤلمني هو طريقة الموزة حيث يتم تقيد أيدي الأسير إلى خلف ظهره ويُجبر بالجلوس على كرسي، ثم يثنى ظهره باتجاه الأرض على شكل موزة أو قوس، مما يسبب آلاما حادة في الظهر والبطن ... لقد حدث لي تمزق في الحبل الشوكي ...مما أفقدني السيطرة على حركة يدي ... و لكن كل هذا لا يهمني ... إبعادي عن بلدي هو ما يقتلني ... لو بقيت في الأسر داخل أرضي فلسطين أهون علي من الغربة التي أعيشها ..أحن لأمي و إخوتي و تراب بلادي .. أريد الصلاة بالمسجد الاقصى قبل موتي .
أخذت نفساً عميقاً أرادت أن تصل الى منزلها لتلقي بهمومها خارجاً وتلتقي بحبيب قلبها فراس و لتخبره بمفاجأة اكتشفتها في اليوم الوحيد الذي قضته في بيروت ... أخيرا و بعد انتظار دام أربع سنوات هي تحمل طفلهما بأحشائها ترجلت من سيارة الأجرة .... أسرعت و قلبها يسبقها .... دخلت المنزل نادت عليه لكنها لم تتلقى رداً ... هل يعقل أن يكون خارج المنزل ؟؟؟ ... دخلت الى غرفة النوم لتجده نائماً ... ابتسمت ...اقتربت منه لتلمس وجهه ... ارتجف جسدها من الحرارة التي انبعثت منه .... نادته
_ فراس ... حبيبي ... استيقظ
فتح عيناه بتثاقل رفع يده ليلمس وجه ريتاج و هو يقول بضعف :
_ عدت حبيبتي ... لقد اشتقت لك
_ و أنا اشتقت لك ... منذ متى و أنت على هذا الحال ؟؟
_ منذ ليلة الأمس
_ لما لم تتصل بأمك أو أختك ليقوما برعايتك ؟
_ لم أرد أن أقلقهما
قالت و هي تبكي :
_ حبيبي .. آسفة ... آسفة
_ على ماذا تعتذرين ؟؟
_ لتركك وحيداً بسبب عملي و سفري
قال و هو يمسح دموعها :
_ لا تعتذري حبيبتي أنت تقومين بعمل رائع
_ يجب أن تذهب الى المشفى
_ لا داعي ...سأكون بخير
_ لا تناقشني هيا سوف نذهب أنت تشتعل ناراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت سلام من المشفى بتثاقل ... تحمد الله على نهاية يوم عملها المتعب ... دخلت السيارة ... تخدرت حواسها من الجسد الذي جلس بجانبها ...
_ حاتم!!!.... لقد جننت حتماً
قال و هو يمسك بمعصمها بطريقة عنيفة :
_إن ظننتي أنك سوف ترتاحين مني فأنت مخطئة للغاية
_ أترك يدي .. لا تلمسني
قال و هو يقربها اليه :
_ لقد جنيتي على نفسك بطلب الطلاق
_ اتركني يا حاتم.. اتركني
حاول أن يقبل شفتيها لكنها عاجلته بصفعة على وجهه و هي تصرخ :
_ لست إحدى فتياتك المنحلات يا حاتم
قال و الغضب يقطر من وجهه :
_ هذه الثانية يا سلام
_ و ما دمت تصر على ازعاجي فأنا لن اتوقف ... بسببك خسرت حياتي و خسرت أختي التي يعلم الله بمكانها... بسببك أبي و أمي قد شاخا قبل أوانهما و هما يبحثان عن ابنتهما الضائعة و الأخرى تغرق في وحول المحاكم لتتخلص من رجل بائس مثلك
قال و هو يقبض على كتفيها :
_ سلام ... لو تعلمين مقدار الجنون الذي يجتاحني ... أكاد أفقد عقلي
_ أخرج من سيارتي الآن
_ لن أفعل ...أنت لي و لن يوقفني قرار المحكمة
_ أنا لست لك أيها الوغد القذر
ضمها الى صدره بقوة ... و هو يصرخ :
_ لن أسمح لك بتركي يا سلام ... أنت لي فهمتي ؟؟
فتح الباب رجل أمن المشفى و سحب حاتم و ألقى به أرضاً .... أسرعت أماني لسلام المرتجفة و هي تقول :
_ لا تقلقي حبيبتي ... سيكون كل شئ على ما يرام ... لقدر رأيته يدخل سيارتك و ناديت رجل الأمن
قالت و هي ترتجف على صدر أماني :
_ أكرهك يا حاتم .... أكرهك كما لم أفعل بحياتي
صرخ حاتم و هو ينسحب من أمام الرجل الضخم الجثة
_ لن ينتهي الأمر يا سلام .... سوف أعود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان وقت الاستراحة قد حان في شعبة الانتربول ... خرج جميع الموظفين بعد الاجتماع الذي عقده زياد و هو يشتعل غضباً مما حدث ... و في النهاية قام بطرد مدير الشعبة التقنية و عين ياسمين مكانه ... الأمر الذي أثار غضب الموظفين الأكبر عمراً و الأكثر خبرة ... كانت ياسمين تجلس بمكتبها الجديد ... و هي تحاول التخلص من السلبية التي أحاطها موظفي القسم بها .... في الوقت الذي أراد زياد الخروج ليشتري هدية لدلال قبل سفره الى روسيا غداً و لعلها تنسى موضوع الزواج السخيف... توقف عندما سمع صراخ ياسمين ...أقترب ليجدها تتحدث بغضب لم يتصوره من فتاة برقتها و جمالها على الهاتف
_ قلت لك أبي لن أتزوج من هذا الرجل ... إنه يكبرك عمراً .... لقد سئمت تبرير نفسي أمامك أبي ... الصورة الملعونة مزورة أنا لم أرتكب أي ذنب ... لن أحضر الى المنزل ... لن أتزوجه إنه مقرف ... أبي يكفيني أنك منعتني من اتخاذ أي اجراء قانوني لأعثر على ابني .... ... إنه حفيدك بحق السماء .... أنا أريده أبي ... لايهمني رأيك .... عن أي فضيحة تتحدث .. أرجوك أبي توقف . ... لم أعد أحتمل
ضربت الهاتف بالحائط و هي تجاهد لالتقاط أنفاسها ... وضعت يدها على صدرها كما لو كانت تحث قلبها على الهدوء ... خرجت مسرعة الى الخارج ... تحتاج الى الهواء ... تشعر بالاختناق
وقفت على الرصيف امام مبنى الشعبه الضخم ... اتكأت على الحائط و هي تحاول جاهده السيطره على نفسها ...زياد استمر بمراقبتها ... حس الفارس بنفسه يحثه على الاقتراب منها و مساعدتها و لكن ذلك ليس بشأنه ...يخشى أن تفسر الأمور على غير صحيحها
على الطرف المقابل كان هناك طفل صغير يلعب مع مربيته التي تبدو من بلد أجنبي ... فكرت بأن يزن يقاربه بالعمر ... كان يقز حولها فرحاً مرحاً سعيداً ... ملئت الدموع عيني ياسمين ... لكن نظرة الحزن تحولت للدهشة عندما رأت الرجل الذي اقترب من الطفل ... رفعه ضاحكاً ... حازم !!! ذلك الطفل هو يزن ... لقد تعب القلب من الغياب ...
شعرت بأنفاسها تتسارع و بقلبها يخفق بجنون ... و بدون تفكير أسرعت لتقطع الشارع... لم تنتبه للحافلة الضخمة التي تنهش الطريق بسرعة ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس فراس الى جانب ريتاج و هو يرتجف من البرد الذي يغزو أطرافه رغم الحرارة التي تكتسح جسده .... كانت تنظر إليه بقلق و هي تلوم نفسها على مرضه و عدم العناية به ... حاولت الإسراع قليلاً ... جاءت سيارة جيب من جانبها تزاحمها على الطريق ...صرخت:
_ تعلم القيادة قبل النزول الى الشارع
ضحك فراس بخفوت و هو يقول :
_ اهدئي حبيبتي ....
_ إنه لا يجيد القياده كاد أن يصطدم بي
_ أحبك ريتاج
ضحكت ريتاج و هي تقول :
_ تعلم كيف تدخل الهدوء لنفسي
عادت نفس سيارة الجيب تزاحم ريتاج محاولة إجبارها على الإنحراف عن طريقها ... سكن الرعب قلب ريتاج ...يبدو أن هذا السائق يتقصدها ... دخلت بشارع فرعي نظرت بقلق لفراس النائم و هو يهذي من اشتداد الحرارة ...
نظرت بالمرآة الخلفية لم تره ... تنفست الصعداء و هي تتمسك بالمقود
يبدو أنهم لن يتركوها و شأنها .... لقد عادوا ... يحاولون القضاء عليها ... لكنهم هذه المرة لا يهتمون بالمجتمع الدولي أو بمنظمات حقوق الانسان التي سوف توجه أصابع الاتهام للدولة المحتلة.... لقد وصلت الصور و الوثائق التي كادت أن تفقدها حياتها و لكن و كما العادة اكتفوا بالنقد الهاديء ... ليختفي الأمر كما لو لم يكن
لم تمر ثواني ليعود الظهور أمامها و بدون هواد ... أسرع ناحيتها الأمر الذي جعلها تنحرف عن مسارها الى المسرب الثاني لتصطدم بسيارة شحن ضخمة و هي تصرخ ... القى فراس بجسده عليها و هو يصرخ :
_ ريتاج احذري
انتهى الفصل
أنت تقرأ
رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان
Romanceمن كان يعلم ان ايقاف يوم طيران واحد واحد فقط يسبب حادثة اختطاف الطائرة الفرنسية وعلى متنها ٢٠٠ راكب ومن ضمنهم السفير الفرنسى قد تؤدى الى اختلاف حاضر ومستقبل ابطالنا وحتى نظرتهم للماضى بصورة لم يتصورها احدهم تاهت خططهم وضاعت تصوراتهم تشابكت خطوط اقد...