الفصل العشرون
ظهرت علامات التفكير العميق على وجهه زياد الذي أحاط نفسهُ بحلقات الدخان الرمادي ... سأل حمزة و هو يتوقع اجابته :
_ و بخصوص جزء التدمير الذاتي لمحتويات الخزنة ؟؟
تبادل سامر وحمزة النظرات بتردد ليحسم سامر الأمر قائلاً :
_حازم ....
قال ببرود و هو يسحق العقب المشتعل في المنفضة التي أمامه :
_مستحيل ... أخشى أن يقوم بإيذاء ياسمين
قال حمزة بتوتر و عصبية :
_ إنها خطة مثالية سيدي العقيد ... ياسمين الآن زوجتك ... و لن يجرؤ على الإقتراب منها .... هي تعمل في شركة حازم لبعض الوقت ... و شخص بمثل كفائتها سيتم الإعلان عن تواجده في صفوف مبرمجي الشركة بالإسم .... و أنا على ثقة بأن ناجي القاسم سوف يطلب خدمات شركة حازم ما إن يعلم بانضمامها ....و لا بد أنه يتتبع أخبار كِبار المبرمجين ... و كون حازم مهندس تفجيرات سيزيد من فرصة اختيار ناجي لشركتهِ بالذات ... لأن شرط التدمير الذاتي هو الأصعب .... سيكون هذاالأجتماع الفرضة الذهبية لناجي و لن يتوانى عن أقتناصها
قال سامر مفكراً :
_ من الممكن أن يكون ناجي قد طلب خدمات ياسمين بالفعل .. و من ثم كيف لناجي أن يعلم بقدرات حازم في مجال االتفجيرات ؟؟
قال حمزة بنفاذ صبر :
_ لا أظن أنه طلب خدمات ياسمين من قبل ... في البداية عملت في رئاسة الوزراء .... و من ثم انتقلت للعمل مع حازم لفترة قصيرة .... و هي الآن تعمل لدى الانتربول .. عملها لدى جهات رسمية يدفع ناجي للابتعاد عنها.. أما الفترة التي عملت فيها مع حازم فيمكن أن نتحرى عنها بسهولة
قال سامر باقتضاب :
_ و حازم ؟؟
_ حازم رجل مشهور في عالم السياسة و الاقتصاد و صاحب شركة كبرى .... لا بد أن سيرته الذاتية معروفة لدى رجل كناجي
كان زياد يستمع لنقاشهما ... يبدو الوضع مثالياً بسيطاً... لكن خوفه على ياسمين يمنعه من الموافقة .. حازم قام بإيذائها و اختطافها و ضربها ... يجن بقربها .... وجودها في الشركة أمامه قد يفقده اعصابه ..حازم و ياسمين معاً !!! ... لا ... لا يمكن
قال حاسماً النقاش يقف مستعداً للمغادرة معلناً نهاية الإجتماع :
_ سأفكر بالأمر ....سنجتمع هنا بعد ثلاث أيام .. لا تنسيا اجراءات الأمن عند خروجكما ... لا تغادرا معاً
خرج زياد تاركاً حمزة يصارع قلقه ... ليس لديه وقت للتأجيل و التردد في حسم الأمور ..يجب أن تسير الأمور بسرعة أكبر... قال سامر و هو ينظر بقلق لحمزة :
_ تبدو متوتراً للغاية ... ما بالك ؟؟ لديك قدرة عالية على الإقناع بهدوء و منطق و لكن أجدك تقاتله و تريد فرض رأيك عليهِ بالقوة ..هذا ليس بطبعك ... و هو لن يلين بهذا الأسلوب
قال حمزة متجنباً النظر إليه :
_ يبدو لي متخاذلاً
قال سامر و هو يدقق بوجهه :
_ حمزة .... لما طلبت دخول ياسمين المجموعة ؟؟ .. كنت لتجد ألف طريقة لتقنع ناجي القاسم بتوظيفك ..ما الأمر ؟؟ أنا لا أفهم
_ سامر أرجوك ..
_ حمزة أحفظك جيداً ... أنت تخفي أمراً ما عني
أخذ حمزة يدلك رأسهُ بقوة..عسى أن يهدأ ذلك الصداع الذي هزم مسكنات الألم .. يكاد يفتك بهِ و يقوده للجنون... ما الذي يمكن أن يقول لمربيه و ابن عمه ... أنه قد لا يجد الوقت الكافي لإنجاز المهمة .... بأنه يخشى الفشل بسبب ضعف تركيزه و قدرته .. بأنه قد لا يكون فوق الأرض يتنفس هوائها ... يريد أن يصرع الزمن قبل أن يرديه ميتاً ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
بقامتهِ الطويلة الرياضية مرتدياً البدلة الرسمية الرمادية .. وقف أمام لوحة فنية تتمازج الألوان فيها بشكل غريب ....لايمكن أن تعلم بداية اللوحة من نهايتها ..الفن الحديث !!! لا يفهمه و لا رغبة له بخوض غماره ... كم يكره القيام بتلك الأعمال ... افتتاح المعارض و المصانع بالنيابة عن الوزراء الكسالى ... هذا العمل لا يناسبه أبداً .... نظر الى ساعته وهو يعد الدقائق لانتهاء الحدث
وقفت الى جانبهِ و هي تمسك بمسجلتها السوداء قديمة الطراز و عيناها تلمعان بفضول .. تجاهل وجودها .... آخر ما يريده الآن التحدث الى الصحافة ... و هي بشكل خاص مثيرة المتاعب
_ سيد قصى ... تعجبك اللوحة ؟؟
نظر إليها قصى ساخراً ...قائلا بصوتٍ جاف :
_ لا تعليق
ضحكت بخفوت و هي تقول :
_ أنا لا أجري معك لقاءً صحفياً سيد قصي
تجاهل وجودها تماماً و هو ينتقل للوحة ثانية ..تبعتهُ و عادت للوقوف الى جانبه قالت :
_ أكاد أجزم أن طفلاً بالثانية أمسك ببعض الألوان و نثرها على قطعة قماش ... و هذهِ هي النتيجة
تنهد قصى و قال دون أن ينظر إليها :
_ هل تريدين سؤالي عن شيءٍ محدد أستاذة ماجدة ؟؟
_ و هل ستجيبني ؟؟
قال باقتضاب :
_ لا ....
_ قد أتمكن من اقناعك
نظر إليها باستخفاف و هو يدس يديه بجيب بنطاله ينتظر ما تحمله بجعبتها
اقتربت منه و هي تقول بخبث :
_ الزمن بطيء جداً لمن ينتظر. سريع جداً لمن يخشى
لم يستطع قصي إخفاء دهشته ... هذه كلمة السر التي طُلب منه انتظارها عند لقائهِ بـ x4 ....لكن الشك في نفسه كان أقوى ... هذه ماجدة الخطاب ...الصحفية الشرسة ... كاتبة المقالات اللاذعة و التي تهاجم فيها المنظمة أكس .... لم ينسى تغطيتها لحادثة اخطاف الطائرة الفرنسية ... قوية شرسة ...هذه هي صفاتها .. لم ترحم مسؤولاً و لم تتوانى عن ذكر أسماء كبيرة تحملهم مسؤولية ما حدث على تلك الطائرة ...هي على استعداد بأن تتجاوز الحدود و تحطم أي عائق لتحصل على أخبارها الحصرية التي تمكنها في عالم الاخبار و الصحافة ... ليست نقية السيرة .... هي ذاتها تتعرض لهجوم زملائها بسبب اساليبها القذرة ... و تحررها الزائد ... قال وهو يواجهها بنظراته :
_ ليس للصدق عندي من منفذ
ابتسمت نصف ابتسامة ... هو يطالبها بعبارة تعرفية أخرى .. لم يقتنع بصدقها ... حقاً هو الشبح ...قالت و هي تطلق تنهيدة قصيرة :
_ من خلف النافذة السوداء نطل .... العالم مصيره بيد x
التزم قصي الصمت و هو يسمح لزاوية شفته بالارتفاع قليلاً ... شعار المنظمة الرسمي ... لأول مرة يسمعه منذ أن بُلغ به ... عاد ليكمل تنقلهُ بين اللوحات و هي تتبع خطواته ... ظن جميع المتواجدين أن ماجدة الخطاب تحاول الحصول على أخبار حصرية من السياسي الشاب اللعوب
قال قصي بهمس أقرب لتحريك الشفاه دون صوت و هو يتأملها بدهشة :
_ كنتُ أظنك عِبارة عن مشكلة متحركة للمنظمة ...توقعت أن أسمع خبر مقتلكِ بأبشع صورة
قالت بطريقة تماثل همسه و هي تعلم قدرته على قراءة كلماتها :
_ و أنت أيها السياسي الشاب ليست حقيقتك سهلة التوقع أيضاً
_ و الآن ماذا ؟؟
قالت و هي تقترب منه بدلال يفضح نفسه ...
_ ستأخذني الآن الى غرفة في فندق النجوم القريب من هنا...
وضعت يدها على صدرهِ بإغواء واضح و هي تلتصق بجسده ..
_ الكل يعلم بأنك زير نساء .. رغم أن مغامراتك قد قلت في الفترة الأخيرة لسبب مجهول أو ....
قاطعت كلماتها و هي تلمس خاتم خطوبته ....
_ أو أنك ستكون مخلصاً لزوجتك المستقبلية
ابتعد عنها و هو يمسك معصمها ..قال ببرود :
_ لنذهب الى الفندق ..أنت أعلم بأن هذا المكان لا يناسب طبيعة حديثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
الغضب يشتعل بصدرهِ أكثر و أكثر ... مع كل دقيقة تنقضي ترتفع درجة غليان الدم في شراينه .... كيف تجرئ على البقاء خارج المنزل حتى هذا الوقت المتأخر دون أن تخبره ؟؟ .... ترك لها مطلق الحرية... تدير حياتها كما تشاء ... لكن يبدو أنها لا تحترم اسمه الذي ارتبطت بهِ ... و هاتفها مغلق منذ ساعات .... أين ذهبت ؟؟ عاد ينظر الى ساعتهِ و هو يخرج أنفاساً هادرة ... ما إن سمع صوت القفل يدار في الباب حتى وقف يواجهها ... تجمدت عيناها عليهِ للحظة ... علمت بأنه يغلي من الداخل رغم البرود الذي يظهره ... تقدمت و هي تتجنب النظر إليه بشكل مباشر تتنكر بقناع القوة :
_ أنت هنا .... لم نرك منذ زمن سيدي العقيد
بادرته بهجومها المبطن ... لكنه لم يلتفت لكلماتها و هو يقول متمسكاً بآخر ذرات صبره :
_ لقد تجاوزت الساعة الثانية عشر من منتصف الليل .... أين كنت ياسمين؟؟
قالت و هي تجلس مستمرة بلعبة تجنب النظر إليه :
_ كنت أنجز بعض الأعمال
شد زياد على كفهِ يخمد بعض شرارات غضبهِ ..
_اعمال ؟؟ بهكذا وقت
التزمت الصمت وهي تخلع حذائها عن قدميها المتورمتين بشدة و هي تهمس بـ آه خافت .. .. و قد امتلأت جوربها الشفاف ببقع الدم الصغيرة و المنشرة على قدميها ... تنبه زياد لشحوبها الشديد و تلك الحلقات السوداء حول عينيها .. تبدو كزهرة ذابلة.... خمد غضبه دفعه واحده و قد أدرك بأن هناك خطب ما .. .
اقترب زياد منها .... جلس بجانبها تماماً ...قال بصوتٍ هاديء اخترق برود قلبها:
_ انظري إلي ياسمين..لا يعقل أنك لا تطيقين رؤية وجهي
رفعت رأسها ببطء لتلتقي بعينيه ليعاود أسرها بفلكه ... حدقت به ليذوب برودها سريعاً أمامه ... تسارعت أنفاسها و أخذ قلبها يدق بتلك النغمة الملعونة التي تتمنى كسرها.... قال زياد بحنان جعل دفاعاتها تنهار :
_ ما الأمر ياسمين .. توقفي عن اقصائي بهذا الشكل عن حياتك ... أخبريني أرجوكِ ما العمل الذي كنت تقومين به وحيدة حتى هذا الوقت المتأخر
ارتجفت حدقتا عينيها بقوة .... قالت بصوت خافت و هي تشيح بنظرهاعنه خوفاً من أن تضعف أكثر :
_ كنت أبحث عن منزل
قال زياد متسائلاً :
_ منزل ؟؟ لسعاد ؟؟
هزت رأسها نافية و هي تقف قائلة بحزم خجول :
¬ _ منزلي أنا و يزن لقد حصلت على قرض سكني من البنك و يجب أن أعثر على مسكن مناسب في وقت قريب حتى أتمم الإجراءات
أمسك معصمها بقوة مجبراً أياها على الجلوس بجانبه لتصطدم بعينيه المشتعلة :
_ و ما حاجتك للمنزل ؟؟
حاولت التمسك بآخر خيوط قوتها و هي تقول :
_ أخبرتك ....أريد أن أبني حياتي مع يزن ...أريد أن أعتمد على نفسي دون خوف أو ضعف أو حاجة لأي شخص
حرقها نفسه الساخن الذي أطلقه من صدرهِ ... وقف مبتعداً عنها و هو يمرر يده بين خصلات شعرهِ ... واضعاً يده الاخرى على خصرهِ
نظرت إلى ظهره ..كم تمنت لو أن للأفكار سهام تخترقه ليستشعر ألمها :
_ أريد أن أبتعد عنك .... لم أعد أحتمل وجودك في حياتي ..قريب و بعيد.... الألم يكسر قلبي.. لم تعد روحي بقادرة على تحمل جروح جديدة ... لقد اكتفيت .... في كل مرة أراك أمامي تلقي علي بتعويذة عشقٍ تتملكني فيها ..لتنبذني بعدها في ظلمات تطعنني حتى الموت .... لتعود و تعيد علي تعويذتك و يعود الألم .... أخرجني من حياتك ... لا مكان لي ... لا مكان
لم تدرك أنها تذرف دموعها بسخاء و هي تصارع أفكارها الجارحة ... لم تشعر بزياد يتقدم ناحيتها .... تفاجأت به يمسكها من معصمها... يشدها واقفة ... أخذها لصدرهِ ...ضمها بقوة ..شعرت بقلبه يخفق هادراً أسفل خدها المبلل بالدموع.... أرادت أن تبتعد ... من مصلحتها أن تبتعد حتى لا تحترق بنار حبهِ أكثر ......لكنها اختارت النار .... لتغرق أكثر و أكثر دون أمل بالعثور على مرساة أو قارب نجاة ... قال زياد بصوته الأجش القوي ليزيد من عذابها :
_ لم أتصور أن أكون في يوم سبباً بانسكاب دموعكِ الغالية... أرجوكِ ...لما لا نعود كما كنا بالسابق ....أصدقاء ...نرتاح للحديث معاً ... أريدكِ أن تعتمدي علي ... أن تثقي بي من جديد .. كيف أصبحت عدوك ؟؟ .... لما هذا الجفاء ؟؟ .... سأقف الى جانبك لآخر العمر .. كوني متأكدة ... أن أردتِ سأكتب المنزل باسمكِ حتى ترتاحي
عند كلماتهِ الأخيرة سحبت جسدها مبتعدة عنه تمسح دموعها ... هو لا يفهم ... طعنة جديدة يوجهها لقلبها و هو يظن نفسه يحميها ...قالت بحسم :
_ أريد أن أعتمد على نفسي زياد ... لا تقف بطريقي إذا سمحت ... لن أسمح لك بتسير حياتي .... سوف ينتهي زواجنا قريباً زياد
اقترب منها زياد مسرعاً ... أحاط خصرها بقوة و هو يقول بغضب :
_ لقد حذرتك قبلاً ...لا تذكري الطلاق أمامي
ردت عليه بقوة محدقة بعينيه تبحث عن إجابة :.
_ لماذا زياد .... لماذا ؟؟
صمت زياد امام سؤالها .... هو نفسه لا يملك الإجابة.... ابتعد عنها .... وهو يبحث عن الحقيقة في داخله ... ارتفع صوت هاتفهِ بنغمة خاصة يعرف صاحبتها ... خرج الى الشرفة دون أن يلتفت لياسمين يهرب منها .... لكنها كانت في عالم آخرى .. تحدق بذلك الكائن المتربص بها في الركن البعيد .... لقد ظهر من جديد ... يشبه الذئب بأنياب حادة ملطخة بالدماء .... ينتصب واقفاً يحدق بها ... كم ترعبها تلك العيون الحمراء اللامعة ... رفع مخالبهُ الملوثة بدماء سوداء ناحيت صدرها المتسارع بأنفاسه و ضربات قلبه .. يقترب ببطءٍ مصدراً زمجرة مرعبة تجمد الدماء في شراينها...إنها المرة الأولى التي يبدو فيها بهذا الوضوح .... في السابق كان يبدو كخيال يختفى من أمامها سريعاً ... وقفت مكانها تتمنى اضمحلالهُ فقط غير قادرة على الحركة أو الصراخ فقط عيناها تتوسعان بشكلٍ مخيف فاقدة القدرة على إغلاقهما للحظة واحدة .... اقترب أكثر و أكثر ...انهارت قدماها أرضاً و حبات العرق الباردة تغزو جسدها المرتعش ....
أرادت أن تنادي زياد ... لكن الشلل وصل للسانها .... أصبح يقف أمامها تماماً بطولهِ الذي تجاوز الأمتار الأربعة ... رفعت بصرها للأعلى .. ليصبح التنفس مهمة مستحيلة ... اختنقت ... غابت عن الوعي و مخلب ذلك الكائن يخترق صدرها مباشرة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إن لمست أقدامهما أرض غرفة الفندق حتى انطلقا للقيام بمسح شامل يتأكدان من أن الغرفة خالية من أجهزة التنصت أو التسجيل أو كاميرات المراقبة ... بعين خبيرة تم التأكد من نظافة الغرفة تماماً ....
القت ماجدة بنفسها على السرير غير عابئة بما انكشف من ساقيها أسفل التنورة الضيقة .... خلع قصي سترته .. القى بها على المقعد وضع يده بجيبه و هو ينظر إليها باستخفاف .. أما هي فلم تتوقف عن التهامهِ بنظراتها ..
_ و الآن أستاذة ماجدة... انتِ مديرة في المنظمة .؟؟
قالت و هي تضع قدماً على قدم :
_ في الصف الثالث فقط عزيزي ... أنا مسؤولة عن الشبكة التي تضمك أنت .... كم انا محظوظة بك ايها الشبح العظيم
قال ساخراً و هو يجلس على المقعد المقابل لها يرخي ربطة عنقه:
_لا أظن أنكِ خاطرتي بالكشف عن نفسكِ لتخبريني بذلك
استوت بجلستها لتتحول نظراتها للجد و هي تشير بسبابتها للأعلى :
_ أوامر من الأعلى عزيزي ... لو رجع الأمر لي ... لما أظهرت نفسي لك أبداً .. .. أوامر غير قابل للجدال ...
_ ما الأمر ...أخبريني ؟
وقفت متجهة للبار الفخم .. اختارت أحد زجاجات الكونياك الفاخرة و المصطفة بعناية ....
_ أتشرب ؟؟
هز رأسه رافضاً و هو يكاد يصرخ بها لتتكلم ...لا يشعر بالأرتياح لتواجده معها في مكان كهذا .. قالت و هي تعد لنفسها كأساً :
_ في البداية علي أن أنبهك لأكثر من أمر يزعج المدراء الخمسة و يثير قلقهم ....
قال قصى ساخراً :
_ حقاً ... و ما الذي يزعج فخامتهم ؟
نظرت إليهِ ماجدة محذرة :
_ لا تسخر من الأمر ... قتلك لحاتم و انتحار حيدر و حربك مع زياد .... كلها أمور كفيلة باصدار قرار لتصفيتك دون رحمة و لكنهم يحتاجونك .. و لكن هذه الحاجة قد تصبح ضئيلة امام خطورة أفعالك .... قد تكشف نفسك بتهورك و غرورك .... اهدأ حتى لا تقضي على نفسك...
وقف قصى أمام النافذة الزجاجية العملاقة يراقب أنوار المدينة المتراقصة بصخب لا يهدأ ...تابعت ماجدة كلامها و هي تتجرع كأسها بسرعة :
_ و الآن خطوبة من زوجة الرجل الذي قتلته !!!! هل أنت جاد ؟؟
قال بصوتٍ حازم و غاضب بث الرعب في نفسها :
_ أمر خطوبتي و زواجي لا يعني أحداً .. و ليفهموا ذلك جيداً .. لا دخل لهم بسلام ..
تجمدت حواسها للحظات .. لكنها عادت و تمالكت نفسها أمام غضبه ...
_ كما تشاء يا قصي ... كن حذراً عزيزي .. و الآن للنتقل للأمر المهم و الذي بسسبه تم توريطي بهذا اللقاء
التفت إليها و قد ظهرت ملامحه هادئة غير مبالية .. كما لو أن الشخص الذي ثار غاضباً غادر الغرفة .... تابعت و هي تذكر نفسها بأنها مديرته و هو من يعمل تحت أمرها :
_ في البداية يتوجب عليك تصفية أحد أعضاء المنظمة
عقد ساعديه و هو يستمع بكل حواسه يتشرب المعلومات
_ الدكتور مؤيد ...يعمل في مشفى الرحمة كطبيب جراح باطني .. يعمل بشبكة الاتجار بالاعضاء التابعة للمنظمة ..
قال قصى مستفسراً :
_ المنظمة أكس تتجر بالأعضاء البشرية ؟؟
قالت ماجدة و هي تسكب لنفسها كأساً ثانياً :
_ المنظمة تعمل بكل مجال يدر عليها الربح
_ و هذا الطبيب .... هل كان يقوم باستئصال الأعضاء من أجساد الضحايا ...؟؟
ضحكت ساخرة و هي تقول :
_ ضحايا ؟؟ تبدو لي رقيقاً في الفترة الأخيرة .... تماماً .. هو يعمل معنا منذ فترة طويلة .... كان علينا أن نلجأ لطبيب حتى نتأكد من ان تحافظ الأعضاء على سلامتها حتى تصل لأصحابها و نستحق المبالغ التي نقبضها منهم ....لكن في الفترة الأخيرة هناك من يلاحقه ويتحرى عنه بقوة ...لذلك يجب أن يختفي تماماً قبل أن يتوصلوا لشئ
قال ببساطة دون أي مشاعر :
_ أريد كافة المعلومات عنه و سوف تسمعون خبر مقتلهِ قريباً
_ سوف تسلمك كرستينا كافة المعلومات التي تحتاجها
نظر قصي بتدقيق شديد لماجدة التي تستمر بسكب الكؤوس و الشرب بشراهة
_ ألا تخشين أن تفضي بمعلومات أو اسرار خطيرة تحت تأثير الشراب ؟؟
ضحكة بصفاقة شديدة أثارت اشمئزاز قصي و هو المعتاد على التعامل مع كل اصناف النساء ...قالت و هي تقترب منه مترنحة :
_ حبيبي ..أنت أخطر أسراري ... لن تكون المعلومات الأخرى مهمة أمام كونك الشبح
قطب قصي جبينه و قد أدرك أن حياته و أخطر أسراره بين يدي سكيرة .....كيف تخطأ المنظمة بأمر كهذا ... يجب أن يسوي المسألة بأسرع وقت ....
قال ليسحب نفسهُ من أفكارهِ :
_ لا أظن أنكِ كشفت أمرك أمامي من أجل مهمة عادية ؟؟
قالت و هي تبتسم باعجاب واضح ملقية بنفسها على السرير :
_ أنت ذكي للغاية يا قصي .. معك حق .... المهمة الثانية هي السبب و في حال قمت بتنفيذها سوف تصبح أحد المدراء الخمسة ..
تجمدت حواس قصي عند هذه الكلمات الخطيرة و التي قد تغير الكثير و الكثير ..قال ببطء متعمد :
_ المدراء الخمسة ؟؟ ..... هم خمسة فعلاً ..
_ قصي ... لقد تمت تصفية أحدهم و هم بحاجة لبديل قوي لا يسبب المشاكل
أخذ قصى يقلب الأمر داخل خلايا دماغه ... هو يعرف شخصياتهم واحداً واحداً و و يتتبع أخبارهم .... لم يسمع عن نبأ مقتل أو موت أحدهم ..... هل تقوم المنظمة بلعبة ما ضده ؟؟ هل يشكون بأمر معرفتهِ بشخصيات المدراء الخمسة ؟؟ هل يعلمون بأمر التسجيل لاجتماعهم السنوي الأخير؟؟
عاد ليستمع لماجدة التي بدأت تنتشي أكثر و أكثر :
_ قصي لو نجحت بتنفيذ المهمة سوف تصبح بين الكِبار .. لك أن تتخيل وضعك و القدرة التي ستملكها .. و الأموال التي سوف تصبح من نصيبك أنت وحدك ... وعندها لن تعود للقيام بالمهمات القذرة و يمكنك الزواج و انت مرتاح البال .. لا خطر يتربص بك بسبب أعمالك
قال قصي ببرود متسائلاً :
_ يتوقعون رفضي القيام بالمهمة .. لهذا تقومين بتقديم هذا العرض المغري ؟؟
عادت لتضحك بمياعة جعلت قصي يزفر قرفاً منها :
_ قصي هذه المهمة ليست من النوع الذي يمكنك قبوله أو رفضه
قال بصوت يماثل حفيف الأفعى :
_ هل أعتبر هذا تهديداً منهم ؟؟
وقفت ماجدة و هي تقول بهمس خبيث :
_ قصي ...لا تفسر الأمر بهذه الطريقة و لكنك .. تعرفهم
رفع حاجبهُ و هو يقول :
_ المهمة أستاذة ماجدة
قالت و هي تأخذ نفساً طويلاً ترتب أفكارها التي تبعثرت من السم الذي سرى في دمها :
_ لوكاس آل هسن
ضرب قلبه بعنف داخل صدره .... قال بهدوء ينافي الحقيقة :
_ مبعوث سلام الاتحاد الأوربي للشرق الأوسط ؟؟
قالت ماجدة و هي تهز رأسها :
_ هو بالضبط ... يريدون أن تقوم بإغتيالهِ في اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة القادم بعد أربع شهور و بالتحديد بعد الجلسة الثالثة المقررة في ذلك اليوم
قال قصي و الحيرة تسيطر عليهِ و لأول مرة في حياته...
_ الجلسة التي سوف يتقدم فيها بخطته التي تهدف لإحلال السلام بين الفلسطينين والاسرائيلين و يحي فيها فكرة تدويل القدس
_ هذه هيا أيها السياسي المخضرم .. بالإضافة لتفجير صغير داخل المبنى أثناء انعقاد الاجتماع ..
صمت قصي ...حالياً الفراغ يسكن ذهنه ... لا أفكار و لا مشاعر .. تابعت ماجدة:
_ هذه المهمة ليست لشخص واحد ....لك مطلق الحرية بتوظيف من تريد .. و لكن وبعد انتهاء المهمة عليك أن تتخلص منهم تماماً ... ستكون الموارد المالية مفتوحة أمامك ..لا حدود
استمر قصي بصمته المطبق و ماجدة تستمر بطرح المعلومات :
_ كما يمكنك الاستعانة بكرستينا ... هي مدربة على أعلى درجة .. محترفة و متميزة للغاية ... كان المفترض أن تعمل مستقلة و لكن سوف يفيدها العمل معك لبعض الوقت ... و هناك أمر آخر عليك التنبه له ..
نظر قصى إليها متسائلاً معتصماً بصمته
_ لا تترك بطاقة الشبح ....لا نريد أن يرتبط اسمك أو اسم المنظمة بالأمر
عندها قال من بين أسنانه :
_ تريدون الصاق الاغتيال و التفجير بجهة أخرى ؟؟
رفعت يديها بحركة الاستسلام و هي تقول :
_ إلى هنا تنتهي حدود معلوماتي ... و كما قلت لك هذه المهمة إما أن ترفعك أو تقضي عليك .. انتهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينيها ببطء و حبات العرق تتسلل على جبينها ... جسدها المنهك يرتجف ... قلبها يكاد ينفجر ... الضباب أحاط بها .... هزت رأسها بضعف حتى تزيح تلك الغشاوة عن عينيها .. صورة ذلك الكائن المخيف عادت تهاجم ذاكرتها نهضت سريعاً تنظر حولها برعب.... أسرع زياد يجلس جانبها قائلاً :
_ ياسمين أهدأي أنتِ بخير الآن ..
نظرت لزياد و هي تنكمش على نفسها أكثر و رجل غريب يقترب منها .. تسألت في نفسها أن كان موجداً فعلاً أمامها ... قال:
_ سيدة ياسمين .. أنا الدكتور رأفت ...جئت هنا بناءاً على اتصال زوجك ... لقد عثر عليكِ بحالة غريبة .. كنت على الأرض ترتجفين و اسنانك تصطك بشدة ... شاحبة للغاية .. ضغط دمك مرتفع .. و قلبك يدق بسرعة مخيفة .... كل هذه علامات تدل على أنكِ تعرضت لصدمة عصبية ... هل تلقيت خبراً ما أو رأيت شيئاً أثار الخوف في نفسك ؟؟
نظرت إليهما بتوجس ... يبدو أنها الوحيدة التي ترى ذلك الوحش ...لكن لماذا؟ ..هل تفقد عقلها ....؟؟ قالت بصوت خافت متقطع :
_ أنا بخير ... ربما بسبب قلة النوم و الطعام حدث ماحدث
تبادل الطبيب النظرات مع زياد بتوتر :
_سيدتي .. يجب أن نقوم بنقلك الى المشفى لإجراء بعض الفحوصات حتى نطمئن فقط
نظرت إلى ساعتها لتقف بتوتر قائلة :
_ لا لا ... بعد بضع ساعات سيحين موعد الذهاب الى العمل
أمسك زياد كتفيها برقة قائلاً بهدوء :
_ عزيزتي ..سوف أتصل بالشعبة و أعتذر عن ذهابك اليوم عليكِ أن ترتاحي الآن
هزت رأسها رافضة و هي تقول بعصبية :
_ لقد استقلت منذ ثلاث أسابيع .... لقد بدأت عملي الجديد منذ أيام ..لا يمكن أن أتغيب عنهم منذ البداية
كتم زياد غضبهُ من نفسهِ و منها ..كيف تستقيل من عملها و تبدأ بعمل جديد دون علمه .... .... تبحث عن منزل ... و فكرت الطلاق أصبحت لديها واقعاً .. لقد أهملها حقاً ... نسي واجباته ناحيتها .. عادت دلال وظن أن حياته القديمة قد عادت معها ..نسي ارتباطهُ بأخرى تحتاجهُ ... لقد تصرف بأنانية مطلقة
طلب من الطبيب أن ينتظر خارجاً و ما أن أصبحا منفردين ساعدها على الجلوس ليضم جسدها المرتجف لصدره و هو يقول :
_ ياسمين ما الذي يحدث معكِ ... أخبريني أرجوكِ ...
انتزعت نفسها من بين ذراعيه بقوة لتبتعد قليلاً و هي تقول :
_ أنا بخير ... بخير .... أرجوك أن ترحل الآن
أمسك زياد كفها مانعاً إباها من الهروب قائلاً :
_ أخبريني عن سبب استقالتك أولاً
قالت باستسلام غير قادرة على المقاومة :
_ لقد أصبح العقيد جمال وغداً للغاية .. يضغط علي و يطلب مني البقاء في العمل لوقت متأخر ..أصبحت أستمر بالعمل لأيام متواصلة دون أنقطاع.... بالإضافة لتلميحاتهِ التي تثير أعصابي
_ أي تلمحيات ؟؟
_ انسى الأمر زياد أرجوك
قال و الغضب يلمع بعينيه :
_ يتهمني بالخيانة ؟؟
هزت رأسها موافقة بضعف .. و هي تقول:
- في المرة الأخيرة وقفت بوجهه و صرخت بهِ كان على وشك تحويلي للتحقيق .... لا أعلم ما الذي منعه
وقف زياد و هو يقول غاضباً :
_ كان عليكِ إبلاغي بكل هذا ... يجب أن بفهم حدوده ذلك المتعجرف
قالت ببرود :
_ لم أرد أن أزعجك
كم تمنى لحظتها أن يصفعها لتفيق و تعود لطبيعتها لكنه تمالك نفسه و هو يقول :
_ و العمل الجديد ؟؟
_ قبلت بأول وظيفة توافرت لي حتى أتمم إجراءات البنك ... هي شركة صغيرة للبرمجيات
_ هل جننتِ ؟؟ ..شخص بقدراتك يجب أن لا يقبل العمل مع أيٍ كان
التزمت الصمت ...لقد أتعبها الحديث و النقاش معه .... نظر إليها زياد بحزن ممزوج بالغضب :
_ و ما سبب الحالة التي أصابتك ...لما هذا الخوف و الرعب ؟؟
توسعت حدقتا عينيها بشدة وهي تتجنب النظر لزياد الذي رصد توترها :
_ لا شيء ...قلت لك لا شيء ...
شد زياد على كفه و هو يخرج انفاسه الغاضبة من صدره ....
_ يجب أن تذهبي إلى المشفى
_لا
_ ياسمين!!!
_ لن أذهب زياد ...لن أذهب .... يجب أن أذهب لعملي الجديد
قال و هو يقبض على ذراعها قائلاً بحزم و شدة :
_ لن تذهبي لذلك العمل اليوم أو غداً ...عودي الى فراشكِ و ارتاحي ..
ترك يدها و خرج ينادي الطبيب الذي بادر القول وهو يدخل للغرفة :
_ إن كنت سيدتي ترفضين الذهاب الى المشفى ..اسمحي لي بسحب عينة من دمك لنفحصها و نتأكد من وضعك
جلست على حافة الفراش مستسلمة تدعو أن لا يعود ذلك الكائن للظهور
جلس الطبيب أمامها و هو يخرج الحقنة و الانابيب المخبرية من حقيبتهِ الطبية لأخذ عينات الدم ..تركته يتصرف بالطريقة التي يريدها و هي تنظر بعيداً تخشى منظر الدم .... تدفقت الدم في الأنبوبة ...لونه الازرق و المائل للسواد أثار القلق و الخوف و الحيرة في نفس الطبيب الذي اسرع بإخراج الابرة و إخفاء العينة عن عيني ياسمين
تنبه زياد للون الدم الغريب و رد فعل الطبيب الذي أخافه حتى النخاع.... وقف الطبيب وهو يقول حقنتك بنوع من المهدأ لترتاحي سوف تنامين لفترة طويلة ...يجب أن تسترخي ....
كانت ياسمين بالفعل قد استسلمت للنوم .... شد زياد الغطاء على جسدها ..أزاح خصلات الشعر عن عينيها و لحق بالطبيب الذي بادره بالقول :
_ عليك أن تقنعها بدخول المشفى ..كنت أظن أن ما حدث معها عائد لسبب نفسي .. و لكن بعد أن رأيت لون الدم ...يبدو الأمر أخطر بكثير .. سوف أخذ هذه العينات لفحصها سريعاً
_ شكراً لك دكتور رأفت .... سوف أحاول اقناعها
من خلفه سمع المربية تناديه بصوت خافت و مضطرب قالت بعربية متكسرة :
_ سيدي .. يجب أن أخبرك و الطبيب بشيء
قال زياد و هو يدقق النظر بملامحها المتوترة :
_ تكلمي
_ السيدة ياسمين منذ فترة تتصرف بغرابة
_ كيف ؟؟
_ في البداية كانت تسألني إن كنت أرى شيئاً في زوايا المنزل.. و كانت تبدو خائفة ....وبعد فترة توقفت عن السؤال ...لكن كنت أراها تحدق بالفراغ و هي خائفة تضم يزن لصدرها كما لو كانت تحميهِ من شيء ما
قال الطبيب مفكراً :
_ يبدو أنها تعاني من الهلوسات و الاوهام ... ولكن السبب ليس نفسياً .. هناك شيءٌ آخر ... هل تعرضت لنوع من المواد أو الأدوية في الفترة الماضية أو هل تتعامل مع مواد كميائية بحكم عملها
هزز زياد رأسه نافياً و هو ينظر للمربية التي أكدت عدم حدوث أي من الأحتمالات التي ذكرها الطبيب ... كلمات الشبح ضربت أدراكه بعنف زلزله كيانة ... " تبدو سليمة و لكن عليك توقع كل شيء " :
_ دكتور رأفت ... لقد اختطفت منذ شهر تقريباً على يد شخص حقير تصرفاته بعيدة عن الأنسانية .... قد يكون أدخل مادة ما على جسدها ... شيء ما يسبب كل هذه الأعراض
_ هل ظهر على جسدها علامة ما ؟؟
لم يستطع زياد الاجابة و لكن المربية أنقذته و هي تقول :
_ على كتفها ظهرت بقعة زرقاء كبيرة و لكنها اختفت الآن
قال زياد مردفاً :
_ بعد الحادثة قام الفريق الطبي بفحصها و لكن لم يظهر لهم شيء
قال الطبيب و هو يحمل حقيبته :
_ قد تكون مادة راكدة ... تعمل بعد فترة زمنية معينة ... الفحص المخبري سيحسم الأمور .. سأتصل بك فور ظهور النتائج الى اللقاء
خرج الطبيب .. ترك زياد متخبطاً .... يبدو أن الأمر لم يكن مجرد لعب بالأعصاب ... لقد ألحق بتلك المسكينة ضرراً .... وهو غافل عنها و عن تدهور حياتها .... أخوه يسير بطريق انتقامه .... يدمر كل من حوله دون رحمة ....
فتح باب غرفتها قليلاً يراقب نومها المضطرب ... ما الذي فعلته بكِ أيتها الأميرة .. زدت من عذاباتك و ألمك ...أصبحت أسوء من حازم ...أفق يا زياد ... أفق و توقف عن ارتكاب الأخطاء ... لا تظلمها و تخذلها .. هي وثقت بك و الأسوء ...أحبتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس قصي على مائدة الإفطار بعد أن قبل جبين والدته ... حمل الصحيفة يقلب أوراقها بخمول .... كانت تنظر إليه بتردد رصده سريعاً و هو يقول :
_ أمي .. تكلمي ....ما الأمر ؟
_ قصي ...هل اتفقت أنت و سلام على موعد الزفاف ؟؟
_ لا أمي ....لم نفعل بعد و لكنه ليس ببعيد
_ بني أنا .... هل
وضع الصحيفة من يده و هو يقول :
_ ما الأمر حبيبتي ... ؟؟ تكلمي
قالت و هي تأخذ نفساً عميقاً :
_ لماذا اخترت هذه الفتاة ؟؟
قال ببساطة :
_ أحبها ....فقط
_ و من بين كل الفتيات اللواتي التقيتهن... أحببت فتاة معطوبة
قال بغضب لم تتعوده منه :
_ أمي .... لا تتحدثي عنها بهذه الطريقة
أمسك الصحيفة ... أخذت تقلب صفحاتها بسرعة حتى توقفت عند مقال أشارت إليه قائلة :
_ هذا ليس كلامي ..... كلام الصحافة الذي سوف تقرأه البلاد كلها
أمسك الصحيفة يطالع مقال ماجدة الخطاب :
" السياسي الشاب قصي الـ.. و الذي يتوقع له الصعود في عالم السياسة .... يعلن خطوبته على زوجة الضحية الأخيرة للشبح حاتم ....امرأة تعرضت للكثير و لكن من المتوقع أن يقتل هذا الزواج حياته السياسية كونها معاقة اجتماعياً و معطوبة عاطفياً ..... و هذه صور تم تسريبها من محاضر الشرطة تظهر مدى سوء الوضع الذي عاشته .... "
القى الصحيفة من يده بقوة و هو يقف غاضباً مرتجفاً يذرع الغرفة ذهاباً و اياباً .. لقد تجاوزت الحد هذه الماجدة ... ما هدفها من هكذا مقال تريد ابعاده عن هذا الزواج .... هذا ما تريده المنظمة ؟؟
رن هاتفه... معتصم يتصل به مؤكداً مخاوفه ..لا بد أن سلام قرأت المقال .. ما حالها الآن .. لا بد انها انهارت من جديد ....
_ أهلا معتصم ... أجل لقد قرأته الآن ... لا ..لا تقلق .. سوف أحضر حالاً ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت تشعر بثقل رأسها ... لم تفلح بفتح عينيها ... تحاول رفع نفسها عن الفراش لكنها تشعر بيد صارمة تجبرها على الاستلقاء ... و بعد عناء فتحت عينيها لتجد ذلك الكائن جاثماً على صدرها يحدق بها ....عينان من نار .... لا يتعدى طوله النصف متر ..مغطى بجلد أسود دبق ... اسنانه مسننة ....يسيل لعابه عليها ... حاولت النهوض لكن الشلل قيدها ..حاولت الصراخ .... شعرت بتيبس لسانها ... بدأ ذلك الكائن بلمس وجهها ...و المادة الدبقة تغطيها .... أغمضت عينها بقوة عاودت محاولة الصراخ ..تحرر لسانها ليتردد صدى صوتها :
_ ساعدوني ... ابعدوه عني ....زياااااااااااااد
شعرت بيدين تطبقان على كتفيها بقوة ...صرخت و هي تقاوم ....ابتعد ..ابتعد .... اتركني .... جاء صوت زياد قوياً صارماً :
_ ياسمين ...هذا أنا زياد ..افتحي عينيك .. انظري إلي
استكانت مقاومتتها ... فتحت عينيها ... وجدته جالساً بجانبها ... أنفاسها متسارعة كقلبها ... جسدها يرتجف بشدة .... ألقت بنفسها على صدرهِ تبحث عن الأمان و هي تبكي بشدة .. تمسكت به كطفلة تخاف من خيلاتها ... ضمها بقوة لصدره و هو يمسح على رأسها بنعومة :
_ لا داعي للخوف .. أنا هنا بجانبك .... لن أتركك أبداً ...
تمسكت به أكثر و أكثر و هي تحاول إبعاد تلك الصور عن مخيلتها ...قال بصوت متقتطع:
_ ما الذي يحدث معي ...لما تهاجمني تلك الأحلام الغريبة ....؟
قبلها على جبينها و هو يقول :
_ سوف تكون الأمور بخير ....لا تقلقي عزيزتي
قالت و هي تخرج من صدرها نفساً مثقلاً بالهموم و الألم :
_ سأكون بخير .... ستبقى معي ...ستبقى معي
مر الوقت طويلاً و هما على هذا الوضع ..صامتين ... غارقه هي بدفئه .... و هو يغرق فيها أكثر و أكثر .... سمعت ياسمين صوت يزن يناديها من الخارج أسرعت بالوقوف ... اختل توازنها ..لكن يد زياد كانت خير سند ..ساعدها على الخروج .... كان يزن يصارع المربية ليدخل الى غرفتها ... طلبت منها ياسمين أن تتركه ... أسرع إليها يحتضنها ....حاولت حمله ولكنها لم تستطع ... جسدها خذلها تماماً ... حمله زياد سريعاً و وضعه بين أحضانها بعد جلوسها ... أخذ يراقب عبثه الطفولي .. و لكن ياسمين لم تستطع التجاوب معه كما اعتادت .. لقد بدت ضعيفة للغاية .... ناداه زياد .. جلس يزن بجانبه كرجل صغير و أخذ يتحدث إليه بطفولية أصبح يدمنها ... لذلك الصبى روح مميزة تأسر القلب ... نظر لياسمين ....وجدها قد غفت مكانها ترتعش قليلاً ..طلب من المربية أن تصطحب يزن لغرفته حتى لا تستيقظ ياسمين ... أحضر غطاءً صغيراً وضعه عليها و هو يساعدها على الاستلقاء مكانها ... جلس امامها يراقبها كالصقر يريد أن يبعد كوابيسها و يحرسها من أشباحها
مر الوقت طويلاً و هو يجالسها .. يرافقها بين الصحوة و الغفلة ... لم يعلم بأن هناك أخرى بدأت تحرق بنار الغيرة ... تحارب أنانيتها بتملكه ..منذ ان عادت للمنزل لم يغب عنها كل هذا الوقت ... كانت هي عروسه الجديدة ... تمسك هاتفها ...تموت شوقاً للإتصال به ... قد تبدو يائسة ..لكنهُ لها و تلك مجرد دخيلة .. تفكر و تفكر ...كيف تجعل طلب حضوره إليها ضرورياً ...لن تحتمل وجوده في ذلك المنزل أكثر .. أفكار تتقاذفها ... لم تعد تحتمل .. صورت زياد تهاجمها و هو يلمس أخرى بشغف و عشق ....يرسم على أنثى ثانية فنون حب يتقنها .... تذوب بين يديهِ .... تنادى اسمه بهمس على صدره العاري....
ما الأمر يا دلال ... أنت التي اشعلت النار ... ما الذي توقعته أن يتزوجها و يهجرها ..... هي زوجته ..... لكن لا ...لا قد أمضى وقتاً طويلاً عندها هذه المرة ..... سوف أجن ...
خرجت لشرفة المنزل أغلقته بالمفتاح .... بدأت بمحاولة فتح الباب عنوة .... دفعت الباب بكتفها بطريقة ألمتها للغاية حتى أنها جرحت من شضية خشبية ناتئه .... انطلق صوت الإنذار .... أسرعت بالدخول لغرفتها تجلس على سريرها و هي تشعر بالصدمة من نفسها .... يبدو أنها ستجيد لعبة كيد النساء .. تحرك رجال الأمن حول المنزل يبحثون عن الدخيل
وصلت رسالة نصية لهاتف زياد تفيد بانطلاق أجهزة الإنذار في منزله ... اتصل سريعاً برجال الأمن و هو يأمرهم بتطويق المنزل من كل جهة و أن يبقى أحدهم مع دلال داخل المنزل ..استيقظت ياسمين على صوته و هي ترى قلقه .... ينظر إليها ...... فهمت أنه يصارع نفسه .... يريد الذهاب و لكنه يخشى تركها
_ زياد اذهب قد يكون الأمر خطيراً
جلس زياد الى جانبها و هو يمسك كفها :
_ لن أتركك الآن ... أخشى أن يصيبك مكروه
ابتسمت ياسمين بخفوت و هي تسحب يدها من بين كفيه :
_ اذهب و اطلب من رجال الأمن أن يحرسوا المنزل
نظر زياد إليها باشفاق جرح قلبها قالت وهي تعاود إغماض عينيها بضعف:
_ اذهب ...سوف تحضر سعاد بعد قليل لا تقلق
_ ياسمين !!!
_ زياد ...اذهب أنا بخير ...أشعر بتحسن صدقني ...فقط اذهب
شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجهها و عطره الرجولي يتغلغل في مسامها .... شعرت بخشونة شفتيه على شفتيها و هو يأسر وجهها بين كفيه ... بضع ثواني سرقها من الزمن ... أراد أن يودع جزء من روحه لديها ... غادر مسرعاً قائلاً بصوت أجش:
_ استعجلي سعاد بالحضور
وضعت يدها المرتجفة على شفتها و هي تهمس :
_ لماذا ؟؟ لماذا تصر على أن أغرق أكثر في حبك .... لماذا تزرع في نفسي أملاً كاذباً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
دخلت نورا مكتب المدير بعد أن طلبها ... قال سريعاً :
_ نورا لدينا زبون جديد يريد أن نهتم بالأمور المالية و المحاسبة لمحلاته التجارية ... لديه سلسة من متاجر الألبسة .... لقد طلبك بالاسم .. اهتمي بهِ جيداً
_ بالطبع سيدي لا تقلق
_ هو الآن في غرفة الإجتماعات اذهبي إليه
دخلت الى غرفة الإجتماعات تلقي السلام ... كان يقف مولياً اياها ظهره ....أراد أن يفرغ شحنات الشوق من صدره قبل مواجهتها ... لصوتها تأثيرٌ غريب على قلبه ...ظن أن غضبه أطفأ مشاعر حبه و كم كان مخطئاً ... التفت إليها و هو يرد السلام .... ارتسمت الدهشة على وجهها ممزوجة بالخوف من المواجهة و الشوق لرؤيته
ساد الصمت بينهما و كل منهما يروي شوقه من الآخر ... استحالت نظرات أمجد للقسوة كما لو أن كلماتها الأخيرة عادت لتضربه من جديد
جلس وهو يقول :
_ آنسة نورا هذه هي دفاتر محلاتي التجارية .. أتمنى أن يتم تنظيمها بالشكل المناسب حتى يتم تقديمها للمؤسسة الضريبية
لم تستطع الرد .... بقيت تنظر إليهِ ببلاهة غير قادرة على استيعاب وجوده امامها
قال أمجد بقسوة جعلتها ترتجف قليلاً :
_ آنسة نورا لم أحضر هنا لأضيع وقتي و أنتِ تحدقين بي
قالت بصوت خافت و هي تبتلع ريقها :
_ أعتذر منك .... بالطبع سوف اعمل على دفاترك التجارية
_ متى سوف تكون جاهزة ؟
_ سوف أطلع عليها و أبلغك بالمدة التي نحتاجها
قال بخشونة جعلت قلب نورا ينبض بعنف :
_ لا أملك الكثير من الوقت ... يجب أن تكون كل الأمور منظمة خلال أسبوع واحد ...آنسة نورا
وقفت نورا لتقول بغضب :
_ سيد أمجد .... لا يمكن هذا لمحلاتكم ستة فروع ...لا يمكن أن أسوي الأمر بهذه البساطة
وقف أمجد و هو يقترب منها ببطء :
_ آنسة نورا ... أسبوع واحد .... فقط أسبوع
قالت بصوت خافت :
_ أمجد .... تريد أن تنتقم مني
ابتسم ساخراً :
_ إنتقام ؟؟ قد يكون هذا هدفي أريد أن أراك تتعذبين و سط الدفاتر التجارية ..غبية و مخادعة
قالت نورا و هي تحارب دموعها :
_ أنا لم أخدعك ...أخبرتك مئة مرة بأني لا أصلح لك ... لكنك لم تستمع و قلت أن ماضيّ لا يعنيك
قال أمجد و هو يدقق النظر في عينيها بألم :
_ لم أتصور أن تكوني قادرة على الإتيان بفعل بشع كهذا .. أشعر بالغثيان منك .. ظننت أن غيابي عنك لفترة قد يبرد النار في صدري و لكن كم كنت مخطئاً ...
خرج غاضباً و تركها مكانها تحاول استجماع قوتها ... هو محق ..هي تثير الغثيان ... لكن سوف تنجز العمل حتى لو قتلها ذلك ... و سوف تحارب من أجله ... سوف تستعيده ..هي تحبه ....فحبه من أصدق المشاعر التي عاشتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل قصي منزل سلام، ليجد أمها منهارة على الأريكة تبكي بحرقة، و والدها ينظر للأرض بشرود تام ... و وجه معتصم يماثل الموتى بشحوبه ...
_ أين سلام ..؟
قال معتصم بصوتٍ مختنق :
_ في غرفتها ترفض دخول أي شخص .. دمرت الغرفة .... قلبتها رأساً على عقب .... لم تسمح للطبيبة بالدخول لتعطيها حقنة مهدئة ...
اسرع لباب غرفتها يطرقه بهدوء ...
_ سلام ... افتحي الباب حبيبتي
لم يتلقى جواباً ..شعر بالخوف عليها، قد تكون أذت نفسها
_ سلام أتوسل إليكِ ... افتحي الباب
صرخت بغضب من وسط دموعها الحارقة و هي تكويها :
_ ارحل قصي ... اتركني ... أنا لا أريدك لقد انتهينا .. ارحل
شعر بقلبه ينشطر لألف قطعة مع كلماتها ... لا أريدك .... لا يمكن أن يتركها .. هي له ... حوريته و مليكة قلبه ... .قال بحنان دافق :
_ افتحي الباب سلام .. لنتحدث قليلاً ..
_ ارحل ... ارحل
قال معتصم و هو يجلس بإنهاك و قد قصمت الهموم ظهره :
_ لا فائدة ... لم أصدق عيني عند قراءة المقال...كيف حصلت تلك الملعونة على تقارير الشرطة .. كيف طاوعها ضميرها بأن تنشرها و هي تحتوي على تفاصيل ما حدث معها في ذلك اليوم الأسود .... لماذا ؟؟
نظر قصي حوله و هو يسأل .. عن أقرب نافذة لشرفة سلام .. أشار معتصم لغرفة نوم والديه ... أسرع قصي ليفتحها ..خلع سترته و صعد على الحافة ..قال معتصم بتوتر :
_ انتبه بالله عليك
مشى قصي بخفة عنكبوت على حافة النافذة... و بقفزة واحدة كان داخل شرفة سلام .... فتحها سريعاً ليدخل الى الغرفة المدمرة تماماً ...لم يصدق بأن سلام قادرة على إحداث هذا الدمار ... نظرت إليهِ من وسط دموعها و ارتجافها و أنفاسها المتسارعة ... وقفت تواجهه و هي تقول بغضب :
_ قلت لك ارحل .... أنا لا أصلح لك قصي ارحل
إقترب منها ببطء شديد ... لكنها ابتعدت عنه سريعاً ... خلعت خاتم الخطوبة و ألقته أرضاً وهي تستمر بصراخها المجنون :
_ لا شيء بيننا ... لا شيء يجمعنا .. ارحل لقد انتهينا .. لن أكون السبب في تدمير مستقبلك .... أنا آسفة ..آسفة
انحنى قصى يلتقط الخاتم و الألم يصيبه بسهامه المشتعلة .... عاد ليقترب منها بهدوء ... حاولت الهرب من مواجهته و لكنه أطبق على جسدها هذه المرة ....ضمها لصدره بقوة و هي تحاول الهروب من مصيدته ....لكنه لم يسمح لها ... ضمها بقوة يتمنى أن يحبسها بين ضلوعهِ
_ اتركني قصي اتركني .. أريد أن أموت ... لا أريد هذه الحياة .. أنا لا أستطيع التحمل أكثر .... ارحل
تركها تصرخ و تضرب صدره و هو يمتص شحنات غضبها .... أستمع لصراخها و هي تذكر تفاصيل ذلك اليوم .. صرخت و بكت و شتمت حاتم و نفسها ...
_ لقد قتلني ..قتلني .. لم يترك للحياة في نفسي من مكان ...لماذ ؟؟ لماذا ؟؟ أي ذنب ارتكبته في حقهِ لينتهك كل شئ جميل في حياتي ... لماذا لم يقتلني ذلك الشبح ؟؟ لما تركني حية .. أريد أن أموت قصى ... أريد أن أموت
انهارت تذرف الدموع، و شهقات تكسر القلب تطلقها على صدره ....انهارت قدميها تلقاها و رفعها خوفاً عليها من الزجاج المتحطم و المتناثر على أرض الغرفة .... ساعدهاعلى الجلوس .... رفع وجهها و هو يمسح دموعها بظاهر كفه ....قالت سلام بصوت خافت مبحوح :
_ قصي أرجوك أنا سوف أعيقك و أدمر مستقبلك
وضع يده على شفتيها و هو يقول بحزم :
_ شششش .. و لا كلمة .. ؟؟
نظرت لعينيه تبحث عن قشة تتمسك بها و لكنها غرقت بدوامة الضياع ... ظنت بأن دخوله لحياتها و بمشاعره الدافئة سينتشلها من الظلام ... لم تدرك مدى انانيتها حتى اليوم ...هي لا تسير نحو نوره ... هي تجره نحو ظلامها
ضمت قدميها لصدرها و هي تحيطهما بذراعها ... لتعود دموعها الجريان تحفر عميقاً في قلب قصى .. شعر بأنه يفقدها .. انها تضيع من جديد ... قالت سلام بهمس مؤلم :
_ ياليتك لم تظهر في باريس ... لقد قتلتُ في نفسي معنى الأحساس .. لكنك أعدت النبض و المشاعر في نفسي و هي مؤلمة .. مؤلمة للغاية قصى
يصغى إليها صامتاً ... فهي أيضاً أعادت لنفسه الأحساس و معها حق الأمر مؤلم للغاية ... عاد لينظر لسلام المنهارة
ياسمين .... ظهر وجهها أمامه في تلك اللحظة ببرائتها و طهرها ....تصفعه بواقعه الجديد .... لقد أصبح ضعيفاً ... يراها الآن يوم أخبرها بأن لا زواج سيجمعهما .... لقد كسرها و دمر الطيبة في نفسها ... لم تبكي لكنه رأى الدموع تلمع في عينيها ..... لقد كانت حبه الأول لكنه انتزعها من قلبه انتزاعاً ... لم يتوانى عن استعمالها كأداة للأنتقام من حازم و من زياد .... القدر وضعها في طريقه دائماً .... ستكون السبب في سقوطه .. لطالما شعر بذلك ... لا بد أن مفعول المادة التي حقنها بها قد وصل للذروة .... لماذا تهاجمه الآن ؟؟ هل ضعف سلام يذكره بها ... هل يُعاقب بسلام عن أفعاله معها ...قد تكون ميتة الآن بسببه !!!! هل يشعر بالندم ؟؟ لا ... لا ... يستحق زياد الألم الذي سوف يتجرعه
عادت عينيه لتقسو أكثر .... أبعد سلام عنه و هو يسير ناحية خزانة ملابسها اختار أحد الأثواب المصطفة بعناية ..كان فستاناً أبيض طويل .... مطعم بخيوط فضية لامعه بمنطقة الصدر و ناحية الاكمام ... قدمه لها و هو يقول بصرامة :
_ ارتديه ... سنخرج
حدقت بهِ و صورة آخرى من ذلك اليوم تعود .... هي تشد الغطاء الأبيض على جسدها المستباح و ذلك الغريب يقدم لها ثوبا لتستر جسدها غاضباً ... قالوا أنه قاتل بارد .... ولكنه كان مشتعلاً ساخطاً .... أمسك يدها ليخرجها من ذلك الوكر ... لمساته كانت حامية .... و عيونه و هو يغلق الباب كانت مشفقة ....كيف لم تفكر بالأمر من قبل ؟؟ كيف تجاهلت كل هذه الإشارات
أجفلها صوت قصى و هو يقول بلهجة أمره لم تكن بغريب عنها :
_ أسرعي
أمسكت الثوب بيد مرتجفة تضمه إليها تصارع أفكارها ... خرج من الغرفة ... لم تدرك مدى تشابه نظراتهما و خوفهما عليها و محاولة حمايتها حتى الأن ... مهما قالوا عن ذلك الرجل الذي كان معها في شقة .... هو كان يهتم بها ..لقد قتل حاتم لأجلها
لبست ثيابها بسرعة ،خافت أن يرحل و يتركها ... حبست أنفاسها و هي تفتح الباب ... كان يجلس بجانب والدتها يواسيها بابتسامته المهدءه... . استأذن الجميع و هو يمسك بكفها .... جلست إلى جانبه في سيارته الفخمة ... و هي تعقد المقارنات بين قاتل قاتلها و بين منقذها
لاحظ تبدل حالها من الغضب و الإحباط لحيرة لم يفهم سببها ... بقي الصمت سيد الموقف .... و بعد دقائق طويلة ....توقفت السيارة لتخرج سلام من شرودها .... اصدمت عينيها بالجسر البحري الذي كان سيشهد موتها لولا وجوده ... تسمرت مكانها لم تشعر به يخرج من السيارة ....لم تدرك بأنه يفتح بابها وهو يقول بهدوء ...
_ سلام ..هيا أخرجي
خرجت بتردد و هي تحدق بالبحر .... أمسك يدها لتمشي معه .... سارت خلفه كما لو أنها دمية مربوطة بخيط يتحكم فيها كيفما شاء .... تماماً كذلك الشبح
و قفت على الجسر البحري صامتة و هو إلى جانبها يكبح جماح غضبه .... قالت بتردد :
_ لمَ أحضرتني إلى هنا ؟؟
قال قصى دون أن يلتفت إليها :
_ مكان لقائنا الأول ....
_ لقد كنت أهم بإلقاء نفسي في البحر
_ أذكر جيداً ....
أمسكها من خصرها و هو يرفعها على الحاجز البحري حيث كان واقفه تريد إلقاء نفسها ... شهقت خوفاً مما فعل و هي تتمسك بكتفيه قائلة :
_ ما الذي تفعله اتركني سأسقط
ابتسم لها و هو يحكم قبضته على خصرها ... مستمتعاً بتشبثها به :
_ متى سوف تثقين بي .؟؟
قالت بصوت مرتجف :
_ أنا أثق بك ...أرجوك أنزلني
قال وهو يقرب جسده منها :
_ هل شعرت بالحب اتجاهي في يوم ...؟؟
توقف ارتعاش جسدها عن سؤاله .... نظرت لعمق عينيه دون أن تنطق ....تابع قصى و هو يشد على خصرها أكثر :
_ سلام .... ان كنت فقط أشعرك بالأمن و الراحة فهذا ليس بحب ... يمكن ان أبقى الى جانبك طوال عمري دون زواج لن أتركك....
خفضت سلام بصرها بعيداً عن عينيه و كلماته تعصف في نفسها
_ سلام لن أحتمل أن أكون زوجك و أنتِ لا تحملين ذات المشاعر في قلبك ...لن أحتمل
لأول مره تواجهه حقيقة مشاعرها هي ترتاح بوجده ... تشعر بأنها ستكون بخير .... تريده أن يبقى معها كل لحظه .... لمساته تنعش قلبها ....لا تخشى قربه .... و لكنها تخشى بعده .... يخفق قلبها بقوة عند ذكر اسمه ... ألم تهرب إليهِ في أكثر لحظات حياتها ألماً ؟؟ هذا هو الحب .. هو الحب
قاطع صوت قصي أفكارها و هو يقول بنعومة ذوبة قلبها :
_سلام .... انظري إلي ....
رفعت عيناها لتغرق في بحور عينيه الغريبة ....و هي تنقل يدها لتتشبث بعنقه قائلة بهمس خجول :
_ قصى .... أنا أحبك
شعر بقلبه بخفق بقوة هادرة لم يعرفها قبلاً .... صوتها و هي تهمس له برقتها داعبت مشاعره و رجولته التي اشتاقت لوصالها .... أنزلها بخفة عن الحاجز البحري ...أخرج خاتم الخطوبة من جيب معطفه ليعيدها لإصبعها و هو يقول بحزم :
_ إياك يا سلام أن تخلعيه مرة ثانية من يدك ... إياكِ .... لن أسمح لك بذلك ...أنا فقط ... أنا سوف أنقله لمرة واحدة ليدك الثانية في يوم زفافنا ..هل تفهمين ؟؟
هزت رأسها موافقه و هي تحرك الخاتم بإصبعها، قالت بتردد :
_ قصي ... لقد قالت أنك سوف تخسر مستقبلك بسببي
قال بغضب وعيناه تشتعلان ...ارتددت الى الخلف قليلاً ليس خوفاً و لكنها ترى تلك العينان ثانية :
_ سلام .... أنا سياسي و الصحافة تبحث عن أي معلومة تتعلق بي لتقوم بنشرها .. لا تهتمي بهم ..هذا عملي .. وأحذرك يا سلام ... لا تفكري بالإنفصال عني مجدداً ... هذا أكثر ما سيؤذيني ...أنتِ لي ....
أطلقت سلام نفساً ساخناً حرق قصي .... قالت وهي تقطب جبينها بغضب طفولي:
_لقد قالت بأنك زير نساء
ضحك قصي و هو يقول :
_ سلام ....لا تفكري بهذا الكلام ... أنا الآن ملكية حصرية لحوريتي الرقيقة ...
ضحكت بخفة و هي تمسك بكفه قائلة بخجل :
_ هل وقعت بالحب قبلاً ؟؟
ابتسم و هو يبلل شفتيه باضطراب :
_ إن كنت تريدين الصدق ... لقد وقعت بالحب مرة واحدة قبلاً .. لكن أوقفته في البداية لم أسمح لنفسي بالغرق فيه أكثر .... ابتعدتُ عنها و جرحتها و قد آذيتها ... و أخشى أن أكون قد دمرتها بشكل نهائي
نظرت إليه سلام ..كان يحدث نفسه ...هو لا يخاطبها ... يتذكر حبيبته الأولى .. قرصته بيده مما جعله ينظر إليها باستغراب ....قالت بغضب :
_ لا تفكر بها كثيراً .. أنت ملكي قصي
قال قصي و هو يبتسم كطفل صغير :
_ بالطبع أنا لكِ فقط .... و أنت لي ....
نظرت إليه بتردد يقترب من الخوف .... فتحت فمها تريد الكلام لكنها تراجعت .... قال قصى و هو يدقق النظر فيها
_ ما الأمر سلام ....تكلمي معي بصراحة
ابتلعت ريقها بصعوبة ... وقفت تواجه البحر و هي تقول :
_ هناك أمرُ آخر ..ذلك المقال أعاد إلي مشاعر دفنتها عميقاً ... في ذلك اليوم ....ذلك الشبح ... إنه ...إنه يذكرني بك ... نفس النظرات .... نفس اللمسات ... لقد كان يحميني من حاتم و من نفسه ... في بعض الأحيان أحلم بكما معاً كما لو كنتما نفس الشخص هل أنت .... أنت هو ؟؟ أنت قتلت حاتم من أجلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راقبت يزن وهو يلعب بسيارته .. تلقت رسالة من سعاد بأنها سوف تتأخر قليلاً .. هي لا تعلم مدى سوء حال ياسمين التي تزداد ضعفاً و ذبولاً ... حاولت ان تعود الى النوم .... لكن الألم سيطر على جسدها كاملاً ... حاولت النهوض .. نادها يزن نظرت ناحيته ... استحالت الغرفة للون الأحمر و الأسود و النيران تحيط بيزن و وحوش مختلفة تقترب منه هو مصدرة زمجرة مرعبة و الدماء تسيل من مخالبها ... لأول مرة يقتربون منه .... صرخت بأعلى صوتها :
_ يزن ابتعدوا عنه ..ابتعدوا
أسرعت تخترق جدار النار ... شعرت بالنار تحرقها ... صرخت ألماً و خوفاً ... أحاطت يزن بذراعيها .... انطفأت النيران من حولها و تراجعت الوحوش لزوايا المنزل تنظر إليها بتهديد مخيف ... تنبهت للمربية التي تبكي و هي تقول :
_ سيدتي اهدئي أرجوكِ ...أنتِ تخيفين يزن
كان يزن يبكي بشدة و هو يحاول الهرب من ذراعيها المطبقتان عليه .. تركته يسرع للمربية باكياً ... مالذي تفعله ... لقد جنت .. فقدت عقلها تماماً ....
قالت و هي تنهض عن الأرض ترصد الوحوش التي تحيط بها متأهبة للإنقضاض:
_ أخرجي من هنا ... خذي يزن .... خذيه لحازم حتى يهتم به
_ سيدتي
قالت بحزم و شدة جعلت المربية تجمع أغراض يزن و ترحل :
_ الآن ...ارحلي ... ارحلي بسرعة
ما إن أقفلت المربية الباب خلفها حتى عادت النيران تشتعل في أرجاء المنزل.... تراجعت ياسمين و هي تنظر برعب حولها و الوحوش تقترب منها .. الذئب المنتصب و الكائن اللزج و أفعى تنفث النيران و الدم ...و مخلوق يشبه السمكة باسنان نافرة و حادة بعيون جاحظة حمراء
كلمة الرعب تعتبر ضئيلة أمام ما تشعر به .... هي تحلم .. و سوف تستيقظ .. كابوس و سوف ينجلي ... أغمضت عينيها بقوة غير قادرة على التنفس ... فتحت عينيها لتجد أن تلك الكائنات تقف فوق رأسها بزمجرات مهددة .... أسرعت تركض لغرفتها هلعة... أغلقت الباب كان يقف هناك ... نادته بصوت مرتجف :
_ زياد .. تلك الوحوش بالخارج يريدون قتلي ....ساعدني
ببطء التفت ناحيتها .... لكن ذلك ليس بوجهه .... تحول لأفعى لزجة هاجمتها بكل قوة ...صرخت و هي تلقي بزهرية ناحيتها .. تحطمت على مرآتها دون أن تتأثر ... أغمضت عينيها بقوة تغطي رأسها و هي تصرخ :
_ أريد أن أموت .. أريد أن أرتاح ... هذا يكفي ...أتركوني و شأني
جاءها صوت زياد بحنانه ...فتحت عينيها لتجده ينحني أمامها و بيده قطعة زجاج حادة ..
_ خذي هذه و ارتاحي ياسمين أخرجي من حياتي و حياة يزن و سعاد و حازم أن تفسدين الأمور
بيد مرتجفة أمسكت قطعة الزجاج .... هي تفسد حياتهم جميعاً ... تلك الكائنات دخلت الغرفة من خلال الباب المغلق .. و النار اشتعلت من حولها و الاصوات ارتفعت و وجه زياد عاد للتحول .. عندها و بيد قوية رغم أرتجافها مررت قطعة الزجاج على معصمها لتسيل الدماء و بنفس العزم شقت معصم اليد الثانية .... الدماء الزرقاء سالت لزجة .. فقدت الوعي أخيراً ... و أنفاسها الأخيرة تغادر صدرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـانتهى الفصل .. متابعة ممتعة ....
أنت تقرأ
رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان
Romanceمن كان يعلم ان ايقاف يوم طيران واحد واحد فقط يسبب حادثة اختطاف الطائرة الفرنسية وعلى متنها ٢٠٠ راكب ومن ضمنهم السفير الفرنسى قد تؤدى الى اختلاف حاضر ومستقبل ابطالنا وحتى نظرتهم للماضى بصورة لم يتصورها احدهم تاهت خططهم وضاعت تصوراتهم تشابكت خطوط اقد...