الفصل الخامس و العشرون
بخطوات مترددة دخلت إلى غرفته ... بعين دامعة نظرت لجسده المستكين على سرير المشفى البارد.... مقيد بالأجهزة الطبية و الشاش الطبي يلف رأسه ...كم يبدو ضعيفاً و متألماً ... عشر سنوات قد مرت منذ آخر لقاء .. هربت منه .... خشيت على حريتها و استقلالها ... لكنها تعلمت و بالطريقة الصعبة أن الإنسان بدون عائلة سيعيش الضياع و التشتت ...لم تعلم أنه عند استسلامها سيكون اللقاء قاتلاً بصمته
جلست إلى جانبه ترتوي من ملامحه المنهكة .. أمسكت كفه تقبله و هي تبكي بصمت ... كم اشتاقت إليه و لوجوده في حياتها ... و اشتاقت لذلك الغائب الذي احتواها في حضن منزله بعد أن هجر الأب و الأم مسؤولياتهما ليغرق كلاً في عالمه .....
_ من أنتِ ؟؟
نهضت سريعاً و هي تتأمل تلك المصدومة و قد سقطت حقيبتها من يدها ... تسند نفسها على باب الغرفة ....و عيناها دامعة مرتجفة ....
تقدمت أماني من الفتاة الغريبة ...صاحبة الشعر البني و العيون العسلية .. كم تشبهه ... نفس العيون .. نفس الملامحو لون الشعر .. عادت تسألها بخفوت :
_ من أنتِ .... ما علاقتك بحمزة ؟؟
قالت الغريبة و هي تمسح دموعها :
_ أنا ليليان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ثواني تمر و تمر ... عندما يطول الإنتظار و بريق الأمل يخبو مع كل لحظة ....فإن الثانية الواحدة تصبح قاتلة و مدمرة ... أصوات العاملين التي تتعالى مع اقتراب موعد وصول المدعوين كانت تذكره بأنه لازال على قيد الحياة ...وضع يده على صدره يستشعر نبض قلبه الخافت ليحصل على تأكيد ثاني ...عاد ينظر لثوب الزفاف المعلق بحسرة و ألم ... و حريق صدره يزيد إشتعالاً ...قال هامساً بشجن :
_ لا تخذليني يا سلام ... لا تقتلي رمق روحي الأخير حبيبتي ... لا حياة لي من دونك ... لا حياة
_ أحمق و غبي
وقفت تحيط نفسها بذراعيها و دموعها تتساقط كحبات المطر الناعمة تنظر إليهِ بغضب متمازج مع الحزن :
_ أنت أحمق و غبي لما لم تلغي الزفاف ؟؟
ابتسم و هو يطلق نفساً مرتاحاً و قد تسارع نبض قلبه فرحاً .... دس يديه بجيبه و هو يقترب منها :
_ كنت أعلم بأن زفافنا سيتم اليوم .. قلبي لا يكذب عندما يتعلق الأمر بكِ سلام ... فأنت من أعدت خفقه و حياته
قالت حانقة و هي تبتعد عنه قليلاً :
_ مغرور و أناني ... حضوري لا يعني بأني لست غاضبة منك .. لكن ..أنا خفت عليك من هذا الموقف ... لم أرد أن ..
عاد يقترب منها أكثر و أكثر هامساً بحب :
_ لا يهم حوريتي لا يهم .. المهم أنكِ هنا حبيبتي.. سوف أقضي عمري كله محاولاً استرضائك ... سأعوضك عن هذه الدموع الغالية التي تسببت بها ... سامحيني حبيبتي
نظرت إلى عينيه و لم يعد يفصله عنها سوى بضع سنتمترات ...قالت و هي تشهق ببكاء ناعم :
_ قصي ... لقد وعدتني .. أنت لن تؤذيني .... لن تكسر قلبي
أحاطها بذراعيه يزرعها في صدره مقبلاً جبينها :
_ سأقتل نفسي قبل أن أفعل .. أعدك ... حوريتي الغالية
أحاطت سلام رقبة قصي و هي تقول له :
_ قصى أنا أحبك و أخاف من جرحك ... سأموت وقتها ..سأموت
أحاط قصي وجهها بين كفيه و هو يقول مرتجفاً :
_ روحي فداكِ سلام .. روحي فداكِ
صمت الكلام ..لتتحاور العيون بلقاء صامت تتغنى به القلوب العاشقة ... أراد قصي أن يلثم شفتها بقبلة تسكت شوقه و عطشه .... لكن دخول منظم الحفل الغاضب جعله يبتعد عنها قليلاً :
_ سيد قصي أعتذر عن دخولي هكذا ..لكن يجب أن تستعد انت و العروس لم يبقى لدينا وقت ..سيصل المدعون بأي لحظة و الكثير لم يتم .... هيا تحركا
انفجرت سلام ضاحكة فور خروج منظم الحفل .. دفعت قصي إلى الخارج و هي تقول :
_ هيا قصي اذهب و استعد لا نريد أن نقتل على يد منظم الحفل
ما إن وصل باب الخيمة حتى استدار ناحيتها سارقاً قبلة سريعة من شفتيها هامساً لها :
_ أحبك
تركها جامدة في مكانها ... لم يخرجها من حالتها إلا صوت خبيرة التجميل التي أعلنت الطواريء و بدأ عملية تجهيز العروس
تقدم قصي ناحية خيمته مبتسماً بصفاء و نقاء ... لكنه توقف عندما رأى ذات الشعر الأسود المتطاير مع هبات الهواء تحدق بالبحر الهاديء الأمواج .... متمسكة بفستانها الأسود اللامع .... مشى إليها و قد دس كفيه بجيبه..قال بصوت هاديء :
_ ياسمين لقد حضرتِ...
أغمضت عينيها عندما سمعت صوته و هي تقول :
_ سلام طلبت مني الحضور معها .... سأذهب إليها الآن
وقف بطريقها وهو يقول :
_ أرجوكِ .. اسمعيني قليلاً
قالت و هي تذبحه بنظرتها الحاقدة :
_ ابتعد ..لا كلام بيننا قصي
_ أنا آسف ياسمين ..سامحيني
ملأت الصدمة نفسها .. أحقاً هو يعتذر و يطلب السماح !! .... كيف يجرؤ ...!! هل يظن أن كل ما حدث ستمحيه هاتين الكلمتين .... شعرت بالغضب في نفسها يتصاعد ...ارتجف جسدها قهراً و ألماً ...أخذت تجمع شعرها المتطاير حول وجهها بحنق
_ سامحيني!!! هل أنت جاد ؟؟ قصي ...اسمعني جيداً ... أنت و اعتذارك السخيف لا تعنيني بشيء و لكن أقسم بالله ... إن قمت بإيذاء سلام سأقتلك ..صدقني أنا قادرة على ذلك
ابتسم محاولاً إخفاء سخريته :
_ اعلم أيتها المقاتلة .. لقد رفعتِ المسدس بوجهي مرة ... المرة الثانية ستطلقين الرصاص ..اتفقنا
تجاوزته ساخطة تتجه ناحية خيمة سلام و هي تهمس بسخط :
_ سامحيني !!! ... مجنون و احمق
_ياسمين
ألتفت لندائه و عيناها تطاير شرراً
_ ماذا ؟؟
_ هل سيحضر العقيد حفل الزفاف
_ لا ..لن يفعل
أنصرفت لتتركه يحدق بالبحر هامساً بخفوت
_ خسارة ... تمنيتك معي في هذا اليوم ....أخي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمسكت كأس النبيذ تتأمل لونه الأحمر القاني و أضواء النادي الليلي تنعكس عليهِ ... كم يبدو جميلاً و جذاباً و لذيذ ... لكنه خطير ... يذهب العقل ... و يقتل الروح .. يسلب الإرادة .. تماماً مثله هو ... ذلك الوسيم و الجذاب ... يبدو مسالماً و آمناً .. لكنه سرق قلبها و سيطر على كيانها ... قتلها...
سيتزوج اليوم .... سيتزوج و يقتل أي فرصة لها معه... لو أن الموسيقى الصاخبة توقفت للحظة ... لسمع المترنحين و السكارى صوت تكسر قلبها و تبعثر أشلائه على صخور الخيبة و الألم
تجرعت الكأس مرة واحدة ... ضربت الكأس بطاولة البار أمامها صارخة بالساقي ليحضر لها كأساً آخر ...
اقترب منها و هو يسكب لها النبيذ و دموعها تنافس جريان الخمر بالكؤوس ... قال لها و هو يناولها الكأس :
_ يا آنسه ... هذا كأسك السادس ..عليكِ أن تتصلي بأحدهم ليصطحبك
نظرت إليه بغضب و هي تقول متلعثمة :
_ لا دخل لك ... أنت ... فقط .... استمر بصب النبيذ حتى أفقد وعي ... أنا أتألم ألا تفهم أيها الحقير .. أنت مثله حقير ..كلكم أوغاد ...
أمسكت الكأس و اتجهت لساحة الرقص تتمايل مترنحة مع النغمات الغربية ... ترقص على وجعها و جرحها ....
شعرت بيد تجذبها ... حاولت التركيز بذلك الشخص و لكن سكرها و الأضواء منعتها من التميز.. شعرت بأنفاس ساخنة تلفح رقبتها و شفاه دبقه تتجرأ عليها ... سمعته يقول بوقاحة :
_ يا ذات الشعر الأحمر .. أرقصي معي يا جميلة ... لا يليق بك الرقص وحيدة
دفعته بصدره و هي تقول بخفوت :
_ ابتعد .. أتركني و شأني
لكنه احاط خصرها بفظاظة و هو يعود لانتهاكه جسدها و هي تصرخ بضعف مسقطة كأس النبيذ أرضاً ... فجأة شعرت بجسده ينهار أرضاً بعد أن اطلق تأوهاً مكتوماً ... يد مختلفة سحبتها لخارج النادي الليلي و هي غير قادرة على المقاومة و الكلام ... وجدت نفسها تجلس في سيارة جيب ... كادت أن تستسلم لغيبوبة عميقة و صورة قصي تداعب خيالها لولا المياة الباردة التي غسلت رأسها ...شهقت بقوة و هي تسعل ... صرخت :
_ ما الذي يحدث هنا ؟؟
_ كرستينا أيتها الحمقاء هل جننتِ ؟؟
حدقت بصاحبة الصوت و هي تلهث من فرط الأنفعال :
_ أنتِ!!!
_ ما الذي تفعلينه كريستينا؟؟ تثملين بمكان عام !!! هل فقدت صوابك ؟؟
أمسكت ببعض المناديل تجفف وجهها بغضب قائلة :
_ لا دخل لكِ بهذا إزي
_ جودي ...
_ أعتذر منك اختي الغالية ... جودي
زفرت جودي بضيق و هي تقول :
_ لو علم أبي بتصرفك هذا فلن ينفع ندمك ....
أسندت كريستينا رأسها و هي تغطي عينيها :
_ أرجوكِ لا تصرخي .... الصداع يكاد يقتلني
_ طبيعي ...أنت لم تشرب في حياتك أكثر من كأس واحد .... و اليوم كدت أن تنهي زجاجة كاملة .. لماذا كرستينا ؟؟ لماذا ؟؟
عادت الدموع تحفر في وجهها أخاديد حزن و انكسار
_ سيتزوج اليوم ... سيتزوج قصي من تلك الفتاة
قالت جودي بغضب و هي تمسك ذراع كريستينا :
_ كل هذا من أجل قصي ؟؟ ما كان على والدي السماح لكِ بالعمل معه ... كل ما يهمه قصي و إن كان على حساب ابنتيه ... كم تشبهين أمك .. كم بكت على أبي عندما هجرها
نظرت إليها كريستينا بغضب و هي تقول :
_ لا تتحدثي عن أمي إزي ... لن أتحمل هكذا أمر ... لقد هجرها بسبب أمك أنتِ و بما أنك ذكرت الأمر فأنتِ تشبهين أمك كثيراً .. باردة و متسلطة
_ هذه أفضل صفاتها عزيزتي ... و انا لا أمانع الأمر ...لقد كانت قوية
_ أرجوكِ ..أتركيني و شأني ..لا أملك الجلد لمقاتلتك
زادت حدة بكاء كريستينا و هي تنتحب ... تعتصر رأسها بين كفيها تحاول إيقاف صوره من التوافد أمامها .. كل ذكرى تقف الآن أمامها تعذبها .. تشتم رائحته و تستشعر لمساته و قبلاته و أحضانه ..تسمع صوته يهمس لها بالكلمات غزلاً و عشقاً
صرخت جودي بغضب و هي تضرب المقود امامها :
_ توقفي عن التصرف بضعف و تخاذل كريستينا ... تمالكي أعصابك ... هذا يكفي ... فكري بعقلك
_ لا أستطيع .... لم أشعر بهذا الألم في حياتي كلها
_ كريستينا !!!!
حل الصمت مطبقاً بينهما ...غفت كريستينا و مازالت الدموع تبلل خديها بينما قادت جودي السيارة وشياطينها تصور لها الخطط ... ابتسمت ببرود و هي تهمس :
_ اليوم سوف تصلك هدية زفافك قصي ... حظاً طيباً ... سوف تحتاجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقتربت أماني من الفتاة الغريبة و هي تتفرس ملامحها .. لهذا بدت تشبهه كثيراً
_ ليليان ؟؟ أنتِ أخت حمزة
هزت رأسها و هي تبتسم من وسط دموعها
اقتربت أماني منها أكثر و هي تقول :
_ لقد تمنى حمزة حضورك من أعماق قلبه ... إنه يشتاق إليكِ ليليان
ارتفع صوت بكائها وهي تعود للجلوس بجانب حمزة تمسك بكفه و تمرر أصابعها المرتجفة على وجهه
_ و أنا اشتقت إليه كثيراً ... لقد ارتكبت خطأً بهروبي منه .... خفت على حريتي و لكن خسرت قربه و وجوده في حياتي ... منذ مقتل حذيفة و أنا أعيش الوحدة باختياري ... و الآن أخشى أن أخسر حمزة
أحاطت اماني كتفي ليليان و هي تقول لها واثقة :
_ حمزة بخير ... سيكون بخير أثق بالله و بحكمه ...سوف يستيقظ قريباً
_ يا رب ..يا رب .. أنتِ أماني زوجة أخي ؟
دخل سامر الغرفة ليجد ليليان تمسك بكف حمزة و اماني تقف جانبها بأريحية غريبة .... اقترب سامر و هو يلقي التحية ... وقفت ليليان تنظر لذلك الرجل الأربعيني الأسمر و الشيب قد خط فوذيه بإتقان
_ أنت سامر ... صحيح ...
_ هذا صحيح ...هل أعرفك ؟
غطت فمها و هي تحاول منع صوت آهات ألمها من الإنفلات ..قالت أماني و هي تضع يدها على ظهر ليليان تبث لها بعضاً من قوة :
_ هذه ليليان ..ابنة عمنا
نظر إليها سامر بدهشة و هو يقول :
_ الصغيرة قد كبرت ... أخيراً عدت لبلادك
قالت بصوت متقطع و هي تحتوي نفسها تشعر برجفة غريبة :
_حمزة يحبك كثيراً ... يقول بأنك من ربيته و سقيته الحنان و الحب .... يا ليتني حضرت معه لأعيش تحت كنفك ..ياليت
اقترب سامر منها و هو يحتوي وجهها بين يديه
_ليليان ... لما كل هذا البكاء صغيرتي ما الأمر ؟؟
ألقت ليليان بنفسها على صدره و هي تبكي بصوت مرتفع تردد اسم حذيفة ..تبلل صدر سامر بدموعها .... ضمها لصدره قلقاً على حالها ....
دخلت سعاد الغرفة تحمل كوباً من القهوة الساخنة ... تجمدت للحظة أمام هذا المنظر ...شعرت بالدماء تغلي داخل عروقها ... ارتجف جسدها و سقط كوب القهوة عليها حارقاً ساقيها ... صرخت ألماً .. التفت سامر إليها و قد تجمد قلبه للحظة و هو يراقب البخار المتصاعد من قدميها .. أسرع إليها متلهفاً :
_سعاد حبيبتي هل أنت بخير ؟
أبعدت يده عنها و هي ترمقه بنظرات غاضبة لم يفهمها !!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
فُتحت أبواب الخيمتين في آن واحد ..... كل منهما يقف في ناحية بعيداً عن قلبه .... مع انطلاق صوت الموسيقى تقدم كل منهما ناحية الآخر ....شعرت سلام ببعض الإضطراب و قد أمتلأ الشاطيء بوجوه معروفة و أضواء كاميرات الصحافة تومض و قنوات إخبارية و اجتماعية تنقل الحدث .. زواج الفتاة المضطربة نفسياً بعد مقتل زوجها من السياسي الشاب الوسيم الناجح ... تجمعت الدموع في عينيها سريعاً تهدد بالإنحدار
هو ... يتقدم ناحيتها لا يرى سواها ... بثوبها الأبيض عاري الكتفين ...يضيق من الأعلى ..يلف خصرها بنعومه ...لينتفخ قليلاً في الاسفل ...مطعم بخيوط الفضة الحقيقية راسمه أسمها و أسمه بزخرفة رائعة جذابة ... حورية تقترب منه هو ... ستصبح زوجته و عائلتة و كل حياته ... سلام قلبه و روحه
لاحظ اضطراب سلام و خوفها رغم بعد المسافة .... رأى تلك الدموع الغالية تلمع على صفحة عينيها الزرقاء...لا تبدو مرتاحة....كيف لم يفكر بالأمر ... هو اعتاد على محاصرة الصحافة له ولكنها لم تعش موقفاً كهذا من قبل .... شعر بالضيق من أجلها ... قطع المسافة التي تفصلهما متجاهلاً طلب منظم الحفل بالإبطاء وصل إليها و هي تعض شفتيها تمنع صراخها به " مجنون" ... حملها بين ذراعيه بحركة سريعة .. شهقت و هي تتمسك برقبته :
_ ما الذي تفعله أيها المجنون ؟؟
مشى بها ناحية المسرح و هو يهمس لها :
_ لا أحد هنا غيري سلام ...... لا تعبئي بهؤلاء المتطفلين ... وعدتك بأن أحميك و أرعاكِ .... لا تخافي و أنا بقربك حبيبتي
غرقت في عينيه الصافية و الغريبة .... لم تعد تشعر بكل ما يحيطها .. هو فقط حبيبها و ملاكها الحارس ....
وصل المسرح و برفق وضعها على الكرسي المخصص لها بجانب معتصم و والدها هامساً بعذوبة :
_ سوف تصبحين لي حوريتي
جلس و هو يحث المأذون الشرعي على البدء ... و قبل أن تدرك سلام ما يحدث وكيف تم الأمر .... وقف الشيخ و هو يبارك لها الزواج و والدها و معتصم يحتضنانها يتمنيان لها السعادة و قصي يحيط بها مقبلاً جبينها .... نورا و جمانة و ياسمين صعدن يقبلنها و دموع السعادة تلمع في العيون
هدأ كل شيء فجأة وصوت الموسيقى الهادئة تسلل في الأجواء ... جلس الكل في مكانه ...أمسك قصي يد سلام المرتجفة و رافقها لوسط ساحة الرقص .. خفتت الأضواء و صمتت الأصوات ... أحاط خصرها و هو يقربها له أكثر و أكثر ....ليزداد ارتجافها و تسارع أنفاسها ... وضعت يدها على كتفه تبحث عن القوة ...
_ حوريتي مبروكٌ علي أنتِ ...
نظرت إليه و ابتسامته المطمئنة أسرتها ... تركته يقودها في الرقصة و هو يهمس لها بكلامٍ لم تعرفه قبلاً ...سارقاً منها قبلات سريعة ذوبتها .... استرخت بين يديه .. و أراحت رأسها على صدره تستمع لنبضات قلبه الدافيء و صوته العذب يعزف لها لحناً خاصاً ... خاصاً جداً
توقفت الموسيقى لكنه لم يترك خصرها و هو يحيطها بتملك ... مشى معها حيث مقعدهما و حتى بعد جلوسهما أبقى ذراعه على خصرها يقربها له حتى كادت أن تسقط في حضنه ... بدأ العزف و الرقص على انغام الفرقة الموسيقي ... و مطربين معروفين يشدون بألحان عشق و حب تأسر القلوب ... لكن سلام لم تسمع سوى نغمة واحدة ..صوته فقط و هو يأسرها بكلمات الغزل الرقيق و الحب .. تورد خديها من كلماته .... تورد جعلها أكثر جمالاً و رقة
_ كم تبدين جميلة و مبهرة و .... لذيذة
ضربته على كتفه بنعومة من غزله الصريح و الذي يزداد وقاحة مع كل دقيقة تمر ... أخذ الحفل مجراه و أصبح أكثر مرحاً مع رحيل الضيوف الرسمين ... وبعد فترة اقترب أحد العاملين يهمس له ..وقف و هو يقترب من سلام قائلاً لها
_ هذا لكِ أميرة القلب
توجهَ إلى المسرح يحمل الكمان ينظر إليها هي فقط ... بقامته الشامخة و أكتافهِ العريضة و عيناه اللتان تماوجان بين اللونين الأزرق و الأخضر .... آسراً القلوب ...حتى قبل أن يعزف لحنه
صعدت على المسرح فتاة ترتدي فستاناً أبيض ناعم و رجلين ..أحدهما يرتدي قناعاً أسود و الثاني يرتدي قناعاً فضي ...
بدأ قصي عزف لحنه الخاص الذي تملكها فيه أول مرة ... و على أنغامه تحرك الراقصين ...
وقفت الفتاة على حافة المسرح بحركات راقصة تغمض عينيها واضعة يدها على صدرها ... مدت يدها للأمام تريد القفز ..لكن صاحب القناع الفضي سحبها وهو يضمها حاولت الهرب و لكنه عاد يأسرها بين ذراعيه ليرقصا معاً بنعومة على أنغام الكمان يطيران على أجنحة الحب و العشق و الهيام
تقدم صاحب القناع الأسود يشدها ناحيته .... يحاصرها و هي تحاول الهرب ...لكنه أمسك بها و هو يمرر يده على جسدها و هي تنتفض ألماً ...... تركها وحيدة تضرب الأرض بيديها و قدميها .. تكومت على نفسها بألم و هي تتمايل بصورة تكسر القلب ... عاد صاحب القناع الفضي يريد الإقتراب منها و لكنها كانت تبتعد متدحرجة على الأرض ... تقترب و هو يبتعد ... لكنه أسرع إليها و ضمها و هي تقاومه ... راقصها مجبرة تحاول الهرب لكنه كان يعيدها ... حتى أصبحت جزءً من الرقصة ..... وعاد الإثنان يرقصان بتناغم آسر و في النهاية رفعها فوق رأسه و هي تمد ذراعيها كفراشة محلقة
التهب المكان بتصفيق عالي .... الراقصين ينحنون أمام المدعوين .....و قصي يقترب من سلام ليجدها غارقة بالدموع جلس إلى جانبها يضمها لصدره هامساً بخوف:
_ أنا لم أقصد ازعاجك حوريتي ... أنا آسف حبيبتي ..ظننت ....
وضعت يدها على فمه و هي تبتسم له دون أن تتكلم ....قبل أصابعها التي لمست شفتاه .. اقترب منها هامساً
_ متى سينتهي هذا الحفل حتى أكون معك وحدنا ..لم أعد أحتمل حوريتي
ضحكت بخجل و هي تخفض بصرها لصدره .... أغمضت عينيها و هي تقرب شفتيها من أذنه تهمس بعشق :
_ أحبك قصي
نظر إليها هائماً وهو يغرق في بحور عينيها الزرقاء
_ هذا كثيرٌ علي ...لن أحتمل أكثر
أمسك معصمها و توجه إلى المسرح و أمسك بالمايكرفون و هو يقول :
_ أنا و عروسي نشكركم من أعماق قلبنا على حضوركم ..أتمنى أن تستمتعوا بباقي فقرات الحفل ... أنا و حوريتي نستأذنكم ..إلى اللقاء
حمل سلام المتوردة خجلاً من تصرفه ... و أسرع ناحية سيارته وسط أصوات التصفيق و التصفير و الضحكات
و سلام تردد بذهول :
_ مجنون .. لقد تزوجت رجلاً مجنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت سعاد منزلها تدفع الباب بغضب ألقت حقيبتها أرضاً و هي تسرع لحمام غرفتها تنزع عنها الملابس المبتلة و هي تحدث نفسها حانقة :
_ يضمها بين يديه و يقول لي حبيبتي .. تباً سامر .. كيف تجرؤ على هكذا أمر .... سأقتلك .... سأقتلك
ارتدت روبها المنزلي ...جلست على حافة سريرها و هي تسند رأسها بين يديها ...شعرت بالألم يتضاعف من فخذها المحترق .. كشفته لتجده محمراً بشدة
نهضت لتحضر مرهماً يخفف ألمها .. لحظة خروجها من غرفة النوم دخل سامر المنزل ... حاصرها بنظراته المعاتبة ....تجاهلته و هي تدخل المطبخ ..أحضرت المرهم ..أرادت العودة لغرفة النوم ... لكنها وجدت سامر خلفها يحاصرها بجسده ... تجنبت النظر إليه و صدرها يعلو و يهبط سريعاً
سحب سامر الدواء من يدها ... أمسك معصمها متجاهلاً مقاومتها الصامتة .... و دخل معها غرفة النوم ... قال بهدوء :
_ اجلسي ...سوف أساعدك
عقدت ساعديها و هي تقول مختنقة :
_ لا ... لا أحتاج مساعدتك أعطني الدواء أرجوك
زفر سامر بضيق و هو يجبرها على الجلوس ... جلس القرفصاء أمامها ..كاشفاً عن ساقيها ... مرر أصابعه على موضع الإحمرار و هو يقول :
_ يبدو أني سأقضي عمري أعالج حروق غضبك
قالت سعاد و هي تحاول كبح دموعها :
_ انا لم أطلب منك شيئاً
تجاهلها و هو يغطي الحروق بالمرهم ... كان جسدها يرتجف ألماً ...لكنها لم تصدر صوتاً فألم قلبها أشد و أقسى .... دون أن تدرك تساقط دمعها على يدي سامر الذي نظر إليها متألماً على حالها
مسح يديه من الدواء بسرعة.. جلس لجانبها و هو يمرر يده على ظهرها بحنان ....
_ ما الأمر يا سعاد ؟؟ لما هذا الإنقلاب على حبيبك
قالت و هي تقف مبتعدة :
_ لست حبيبي
ابتسم سامر وهو يقف وراءها ....أحاط خصرها و هو يهمس بجانب أذنها :
_ كاذبة
حاولت الإفلات من قبضته و لكنه ضمها إليه أكثر و قد التصق ظهرها بصدره ..
_ حبيبتي أصبحت برائحة القهوة ما أشهاكِ
بصوت مرتجف و مختنق قالت مرتجفة:
_ كيف لك أن تضم لصدرك فتاة غريبة
طبع قبلة رقيقة على رقبتها :
_ إنها ابنة عمي ليليان
_ هذا لا يبرر لك لمسها و احتضانها بهذه الطريقة
طبع قبلة ثانية على كتفها و هو يمرغ و جهه بشعرها
_معك حق حبيبتي ....لكن الفتاة كانت منهارة على حال حمزة و قد كنت أمامها .... و لا تنسي حياتها في الغرب ... تجد أمراً كهذا عادياً
ضربت بقدمها الأرض كطفلة صغيرة :
_ عادياً يا سامر!!
_ أعلم حبيبتي أنك تتعرضين لضغط هائل و تتحملين الكثير من أجلي ... منذ زواجنا لم ترتاحي ... نحن مقاتلان... أرجوكِ أن تصبري.... سوف تتعود ليليان على تقاليدنا لا تقلقي
قالت سعاد و هي تلف جسدها ناحيته تضع كفها على وجهه :
_ أنا لا أمانع أبداً يا سامر ... سأقف إلى جانبك مهما كان الأمر صدقني و لكن ... لن أتحمل أن تقترب منك ..
قاطعها و هو يضمها لصدره :
_ أعلم ... أعلم حبيبتي .... لكن .... الآن ... أنا مشتاق لك
حاولت سعاد فك حصارها و هي تقول :
_ أرجوك سامر ليس الآن ... لست بمزاج مناسب ما زالت صورتك تلك عالقة بذهني
أخذ سامر يمسح دموعها ..يقبل خدها ... يبعثر شعرها
_ سعاد يا مليكة القلب ...لا امرأة أراها سواكِ .... فلتثقي بهذا الأمر حبيبتي ...
قطبت جبينها بغضب طفولي و هي تعبث بقميصه
_ لا أتحمل أن تلمسك أي أنثى غيري ... صدرك مكاني .... ملكي وحدي .. هل تفهم ؟؟
ضحك سامر و هو يضمها إليه أكثر
_ صدري و قلبي و كلي ملكك أنتِ مولاتي ... افعلي بي ما تشائين .. و الآن ارحمي صبري ... اشتقت لكِ سعاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضع كفها على قلبه الخافق بمشاعر الحب و العشق و الغرام ... نافضاً عنه آخر ذرات بروده و قسوته .... و صوت ضحكتها يطرب حواسه .... عطرها يتسرب تحت جلده ليصبح إدمانه و مسكره
_ لا أصدق ما فعلته قصي ... لقد كاد منظم الحفل أن يفقد صوابه بسببك
_ أنا لا أهتم به .. لقد جاملت المدعوين طوال ثلاث ساعات ... هذا يكفي ... أريد أن أبقى معكِ أنتِ فقط .... لهذا تزوجتكِ
ضحكت بنعومة خجولة جعلته يسرع أكثر في قيادته ..يريدها في منزله أخيراً .. تنشر فيه الدفء و البراءة و النقاء
_ حبيبي أرجوك أن تخفف من سرعتك
_ تخافين من السرعة حوريتي ؟؟
_ في الحقيقة .. قليلاً
داس مكابح السيارة بخفة لكنها لم تستجب له ..حاول الضغط أكثر و لكن بلا فائدة ... تسارعت السيارة بطريقة مخيفة .. أفلت كف سلام و هو يحاول دراسة الموقف .. يبدو أن أحدهم قرر أن يقدم هدية زفاف مميزة .. رفع المكابح اليدوية قليلاً ولكنها لم تستجب أيضاً ...
_ قصي أنا جادة أنت تقود بسرعة مجنونة .. أرجوك أن تخفف سرعتك ..لقد تجاوزت الإشارة حمراء للتو
نظر قصي حوله و قد حسم قراره ... أمسك بالمقود جيداً و هو يناور بمهارة متجنباً أي عربة أُخرى .. و من حسن حظه أن الوقت متأخر و الشوارع خالية تقريباً عاد لبروده و هدوءه و هو يقول :
_ سلام هل تثقين بي ؟؟
نظرت إليه سلام وقد شحب وجهها خوفاً من سرعة السيارة
_ ماذا ؟.؟
قال قصي بحزم :
_ هل تثقين بي ؟؟
أجابته سريعاً بصوت مختنق :
_ طبعاً أثق بك
قال بسرعة و حزم دون أن يترك لها فرصة للتفكير :
_ أريدك أن تجلس على ساقي الآن و أن تتمسكي بي جيداً ... لا تخافي .. لن يطالك أذى
حدقت به غير مستوعبة لكلماته التي تفوه بها ....أمسك قصي بذراعها و هو يسحبها لحضنه و هو يقول:
_ تمسكي بعنقي جيداً
أطاعته سريعاً و هي تقول باكية :
_ مالذي يحدث قصي ؟؟
لم يجبها و هو يفتح الباب بجانبه ... وجه السيارة ناحية سور مدرسة ثانوية .... دفع جسده بقدمه خارج السيارة و هو يحيط جسد سلام ... تعمد السقوط على ظهره فوق الأرض الإسفلتية الخشنة متمسكاً بسلام فوقه... اصطدمت السيارة بالسور .. ملأ صوت تحطم السور ظلام الليل بدوي مرعب و استمرت بالإندفاع حتى اصطدمت بالمبنى
اندفع جسد قصي بقوة لأكثر من عشرين متراً وسط صراخ سلام .. حرص على أن يبقى رأسه مرفوعاً ... شعر بالحريق يشتعل بظهره ...كاتماً أي صرخة ألم ... في النهاية سكن جسده و سلام لا تزال فوقهُ تتمسك به بقوة مغمضة عينيها
فتحت عينيها ببطء عندما شعرت باستكانةِ جسده تحتها ... رفعت نفسها و هي تتطلع لوجهه ... كان شاحباً للغاية .. متعرقاً .. منهكاً ..
نادت اسمه بجزع و هي تبكي فزعة :
_ قصي ..قصي أرجوك استيقظ
فتح عينيه ببطء و هو يقول بهدوء :
_ أنا بخير سلام .. لا تبكي .. و لكن .... أرجوكِ أن تنهضي عني
انتبهت سلام بأنها لازلت نائمة فوقه نزلت بسرعة و هي تقول :
_هل أصبت قصي ... ؟؟
نهض و هو يكتم آهات الألم مبتمساً لسلام الباكية :
_ أنا بخير حوريتي ... هل تأذيتي ؟؟
هزت رأسها نافية و هي تلمس وجهه المتعرق .. وقتها وصل سكان الحي الذين استيقظوا على صوت التحطيم و هم يسألون عن حالهما ... وقف قصي لترى سلام سترته الممزقة و الممزوجة بالدم ..شهقت و هي تقول :
_ قصي يجب أن تذهب إلى المشفى
ضمها لصدره و هو يقول :
_ مجرد خدوش حبيبتي
_ قصي!!!
أخرج قصي هاتفه ليجري مكالمة ..لكنه وجده مكسوراً داخل جيبه من جراء السقطة
اقترب رجلٌ أربعني منهما و هو يقول :
_ تفضل استخدم هاتفي
أخده قصي شاكراً و... أجرى مكالمة قصيرة و من ثم التفت لسلام ..
_ سوف يأتي من يقلنا بعد قليل و يهتم بالأضرار التي وقعت
قال الرجل الأربعني و هو يبتسم بود :
_ سوف أقوم بإيصالكما للمنزل .. لا يليق بعروسين الوقوف هكذا
و فعلاً خلال دقائق قام الرجل بإيصالهما لمنزلهما الزوجي أو بالأحرى قصرهما الذي أختاره قصي ليكون ملجأه مع سلام قلبه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاث رجال يلبسون الأسود من أعلى رؤسهم حتى أخمص أقدامهم .... دخلوا مستودعاً مهجوراً على أطراف مدينة روما ...كانت خيوط الفجر الأولى تلوح بالأفق ... تقدم أحدهم يزيح صفيحة معدنية ثقيلة ... لينكشف خلفها ممر طويل معتم .. سار فيه الثلاث بعد أن أعادو إغلاق المدخل .. وصلوا لسلم حديدي ينتهي بفتحة مغلقة للصرف الصحي ... تقدم أحدهم و رفع الغطاء ...تأكد من خلو الزقاق من المارة .. خرج و تبعه الرجلان ... دخلوا لمبنى متهالك ...صعدو للسطح و بقفزات سريعة ..انتقلوا للمبنى المجاور .... نزلوا للطابق الرابع في المبنى المهجور ... دخلوا للشقة الخالية ... أسرعوا لغرفة داخلية تحتوي على مقعد و طاولة فقط
خلع الرجال الأقنعة السوداء .. أسرع أحدهم لفتحة التهوية .. أخرج منها علبة إسعافات و هو يقول :
_ إجلس .. دعني أرى إصابتك
_ لا تقلق .. مجرد خدش... الرصاصة لم تخترق كتفي
_ مهاب اجلس دعني اتأكد بنفسي
قال مستسلماً :
_ أمرك سيدي العقيد
قص زياد قميص مهاب .. تأمل موضع الإصابة .. زفر بارتياح و هو يخرج معقماً و شاش طبي من علبة الأسعاف
أما أمجد فكان يذرع الغرفة ذهاباً و إياباً يغلي غضباً .... قال مهاب و هو ينظر إليه:
_ اهدأ يا أمجد ... لا يجب أن تغضب هكذا
أجابه أمجد و هو يقف أمامه :
_ أنت يا مهاب تراقب انتونيو منذ شهر... أنا و زياد في روما منذ أسبوعين نبحث عن مستودعه السري ... و في النهاية قام أحد رجاله بقتله حتى لا نضع يدنا عليه .. قتل رئيسه .. بكل بساطة ... لم نتمكن من أخذ أي معلومة قد تفيدنا منه لإسقاط المنظمة أكس
قال زياد وبعد أن أنهى تضميد جرح مهاب :
_ اسمعاني ..هذه محاولتنا الأولى فقط ... لا زالت القائمة تحتوي أسماءً كثيرة ... وقف مهاب و هي يخرج من حقيبة ظهره قميصاً نظيفاً :
_ و من ثم لقد تهدم ركن من أركان المنظمة ..لا تنسى انتونيو ريماريو أحد المدراء الخمسة ... و المسؤول عن تجارة الأسلحة للمنظمة .... لقد انكشف و لا بد أن الشرطة الإيطالية الآن سيطرت على المستودع بعد اتصالنا
قال أمجد و هو يستحضر صورة المستودع الذي اقتحمه معهما :
_ لم أرى هذا العدد من الأسلحة في حياتي ... لا بد أن قيمتها تفوق 100 مليون دولار ... لا أتصور أن هذا الاسلحة سوف تصبح في الشارع تحت يد العصابات
قال زياد و هو يخرج صندوقاً ثانياً من فتحة التهوية يتأمل جوازات سفر و أوراق مختلفة :
_ يجب أن نغادر روما حالاً ... سوف نفترق ... أمجد سوف تدخل إلى فرنسا بجواز سفر مزيف و منها تغادر لبريطانيا و تخرج بجواز سفرك الحقيقي كما دخلت من هناك ... هل طلبية الثياب جاهزة ؟؟
_ جاهزة و لكن يجب أن أبقى هناك لفترة من أجل المعاملات الورقية
_ تصرف بشكل طبيعي كما اعتدت في كل مرة تحضر فيها لبريطانيا من أجل عملك
_ حسناً
_ و أنت يا مهاب ستدخل إلى سويسرا بجواز سفر مزيف و من ثم ستستعمل جواز سفر مزيف ثاني لتدخل إلى ألمانيا و منها ستعود إلى هولندا و تقضي بعض الوقت برفقة أختك و تغادر بجواز سفرك الحقيقي كما دخلت
_ أمرك سيدي العقيد ...
تأمل مهاب جوازات سفره و هو يقول بإعجاب :
_ سامر بارع في عمله ..لم أرى جوازات سفر مزيفة بهذا الإتقان من قبل
أخرج زياد بعض المال قدمه لأعضاء الفريق و هو يقول :
_ انتبهوا جيداً لكل خطوة ... مع كل جواز سفر ستجدون تفاصيل الشخصية التي سوف تلبسونها .... احفظوها الآن جيداً و تأكدا من تنكركما .. و من بعدها سننطلق منفصلين
_ مفهوم سيدي العقيد
_ على بركة الله
غادر أمجد في البداية و كان على مهاب أن ينتظر قليلاً قبل أن يتحرك ... نظر لزياد بقلق و هو يقول :
_ زياد .... هل أنت بخير ؟
_ بخير لما تسأل ؟؟
_ لا شيء .. لكنك لا تبدو على طبيعتك
_ انا بخير لا تقلق
اقترب مهاب منه و هو يضع يده على كتفه قائلاً :
_ أعلم أنك تمر بوقت عصيب .. ليس عليك أن تتظاهر بالقوة طوال الوقت
قال زياد بحدة و هو يبتعد عن مهاب :
_ أنا بخير مهاب ... سأكون بخير
عقد مهاب ساعديه و هو يقول بضيق :
_ هل ستعود لمنزلك أم سوف تبقى في معتكفك بعيداً عن زوجتك
أجابه زياد بنفاذ صبر :
_ أرجوك مهاب .. توقف ..حان موعد رحيلك كن حذراً
زفر مهاب و هو يحمل حقيبته الصغيرة :
_ كما تشاء سيدي العقيد لكن تذكر أنت تظلم ياسمين معك كثيراً
خرج مهاب تاركاً زياد يهدر بتنفسه غاضباً ساخطاً على كل شئ ... جرحه هذه المره عميق ... لا يمكن طمره و دفنه و تجاهله ..لا يستطيع ..فقط هو لا يستطيع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
أسرعت سلام تجلبُ علبة الاسعافات الأولية كاتمة صوت بكائها ... بينما جلس قصي بتهالك على السرير الضخم ... ساعدته على خلع ملابسه كما فعلت منذ زمن وقت إصابة كتفه ... نظرت لجروحه متألمة و مرتجفة ... بدأت بتطهيرها و هي تنفخ على الجروح كما لو كان طفلاً بينما هو لم يهتز للحظة و لم يصدر آهة ألم واحدة
_ قصي أرجوك يجب ان تذهب إلى المشفى
ضحك بقوة و هو يسحبها من خلفه ... لتجد نفسها جالسه بين أحضانه متوردة
_ زوجتي أفضل ممرضة في الدنيا ... لما أذهب لطبيب أحمق يفسد علي فرحة يوم زفافي من حوريتي الفاتنة
زرعت رأسها على صدره خجلة و هي تقول :
_ لقد خفت عليك قصي ..لن أتحمل إصابتك بمكروه
ضمها لصدره العاري أكثر و هو يقول :
_ ما دمتي بجانبي فأنا بخير حوريتي
رفعت عينيها الدامعتين تذوب فيه و هي تشعر بضرب قلبه على صدرها ... هو حياتها ..فارسها .. مدار وجودها .... أنقذ روحها من الضياع ... أذاقها معنى الحب الحقيقي ... عاملها كأميرة مدللة
كان يتأملها بين أحضانه هادئة و فاتنة ... رأسها مستقر على صدره ...تلبس الأبيض من أجله ... خاتمه يحيط بأصبعها .... لما يشعر بالخوف في هذه اللحظة ؟؟ .. كم يخشى أن يكون هذا مجرد حلم سينتهي .. ليستيقظ على واقع بارد و قاسٍ و قاتل .. هو يستحق العقاب .. له سجل طويل من الاخطاء و الذنوب ... يخشى أن يخسرها كعقابٍ مدمرٍ له .. ما حدث اليوم معهما رسالة تحذره و بقوة .. مهما حاولت سيبقى الشبح جزءاً من حياتك
لمستها الدافئة لوجهه أعادته لواقعه الجميل .. بصوت حاني و دافيء قالت:
_ هل انت بخير حبيبي فيما تفكر ؟؟
ابتسم لها هائماً و هى يلمس بشرة ذراعيها البيضاء
_ أخشى أن تكوني حلماً يا سلام ..حلماً سوف ينتهي قريباً
ضحكت و هي تحيط عنقه تطبع على خده قبلة طويلة .. جعلت خافقه يضرب سريعاً بنغماً لم يعرفه يوماً ... رغم ماضيه النسائي الطويل
_ أنا هنا قصي .. معك للأبد .. أحبك و أموت في هواك ... هذا ليس حلماً إنه واقعنا نحن .. قصي و سلام فقط
وقف وهو يحملها بين ذراعيه
_ حوريتي ... يجب أن أخرج من هنا ..لا أعلم كيف سأتمكن من ذلك ... و لكن في النهاية أنا رجل و لن أتحمل وجودك بين ذراعي دون أن انهل من حبك
وقفت على قدميها تنظر له بعدم فهم و هي تقول :
_تذهب إلى أين ...؟؟
_ لقد وعدتك لن أجبرك على أي علاقة جسدية دون أن تكوني جاهزة و مرتاحة ..غرفتي ستكون في ......
قاطعته و هي ترفع نفسها على أطراف أصابعها ملتقطة شفتيه بنعومة ...رفعها و هو يذوب معها في قبلتها ...و برفق وضعها على السرير دون أن يتركها منحنياً فوقها ... رفع رأسه يتأكد بأنها راضية... وجد خديها كحبتي فراولة ... تنظر إليه تطلب المزيد من عشقه ...هبط يلثم عنقها بشوق و شغف .... لقد طال الإنتظار و أنهك قلبه ... اقترب من أذنها يهمس لها :
_ في أي لحظة أردت مني التوقف سلام سأفعل
ابتسمت له و هي تتلمس صدره القوي بكفها ..قالت هامسة :
_ أريدك قصي ... أريدك بشدة
غرق الاثنان في دوامة عشق تداوي جروحاً نازفة ... تعلمه معنى الحب البريء الطاهر و النقي و يعلمها معنى العشق المجنون و الهمجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست ليليان بجانب حمزة و دموعها لا تتوقف عن الجريان ....كما لو أن هموم السنوات تفجرت مرة واحده تذبحها ببطء ... تبكي حال أخويها ...حمزة الغارق في غيبوبته التي طالت ... و حذيفة الذي قتل غدراً دون ذنب .. تبكي سنوات عمرها التي ضاعت و هي تعاني من الضياع و التشتت .... منذ ولادتها لم تعلم معنى أن يكون لها أم و اب ... لا تحمل عنهما ذكرى طيبة ..فقط أصوات الصراخ و الشجار الذي روعها في كل ليلة ... حذيفة فقط من كان يسرع إليها و لحمزة ليحيطهما بحنانه و عطفه يهدأهما و يطمئنهما .... منذ طلاق والديها سارع حذيفة للأستقلال بعيداً عنهما و قد لحق حمزة به ... هي بقيت لبعض الوقت مع والدتها التي غرقت في عملها الذي فضلته وقاتلت من أجله ... و تركتها تعيش على هواها طفلة صغيرة دون رعايا أو سند أو حتى مربية تتابع أمورها ... حتى جاء يوم قام حذيفة بزيارتها و جدها تبكي من شدت الجوع ... لم يتحمل هذا الوضع ... أخذها لتعيش معه بعد أن خاض شجاراً عنيفاً مع أمه
ما أن بلغ حمزة الخامس عشر أتخذ قراراً بالعودة لبلادهم ... لم يمانع حذيفة الأمر و طلب منها مرافقته و لكنها رفضت هي لن تترك حذيفة مهما حصل ...وافق على بقائها على أن يلحقا بحمزة قريباً ... و هذا ما عارضته بقوة ..لم يكن كلام والدتها عن بلادهم طيباً ... صورته على أنه سجن كبير للنساء حيث يتم سحقهن و تقيد حريتهن
_ ليليان هل عدنا للبكاء ثانية ؟؟
وقفت و هي تمسح دموعها سريعاً و هي تبتسم لسامر ... صدق حمزة عندما قال بأن سامر يمتلك قلباً و عطفاً يغمر الجميع بدفئه .... ما أن تراه حتى يتسلل الأمان لنفسها ليملئها الأمل بغداً أفضل ....
_ أنا أسفة سامر
ضحكة و هو يقترب من حمزة يمسح على رأسه الذي تحرر من الشاش الطبي
_ لا تعتذري صغيرتي ... أعلم أنك تمرين بوضع صعب
تأملت وجهه بشوق قائلة :
_ أنت تشبه حذيفة كثيراً ملامحك ... شخصيتك .. تمتلاكان صفات مشتركة كثيرة
_ و هذا رأي حمزة أيضاً .... تمنيت لقائه حقاً .. . لكن مشيئة الله
دخلت سعاد و أماني الغرفة و هما يلقيان التحية ... أقتربت سعاد من سامر تقبله على وجنته و هي تبتسم له .... لا تعلم ليليان سبب أنزعاجها من سعاد و من نظراته لسامر .. و من عشق سامر الواضح لها... تشعر بالغيرة !!!
جلست أماني بجانب حمزة تحدثه بهمس ممسكة بكفه تمرر اصابعها على خده بنعومة ....
قالت سعاد لسامر بحنان:
_ يجب أن تعود الأن للمنزل و ترتاح سأبقى مع أماني و ليليان لا تقلق
_ يجب أن أذهب في البداية إلى الشركة ... هناك الكثير من الأمور العالقة
_ لكنك متعب للغاية
جاء صوت أماني مرتجفاً تنادي سامر
_ سامر .. حمزة
أسرع الجميع إليها و هي تقول :
_ يده ..انه يقبض على يدي بقوة ..أنظروا
قالت سعاد و هي تحيط كتفي أماني :
_ أماني ... تعلمين أنها ليست المرة الأولى
_ لا ..لا ..هذه المرة مختلفة ..لقد كانت قبضته قوية
_ حذيفة ... حذيفة .. قتلة ....قتله
صدرت هذه الكلامات من حمزة ضعيفة و متقطعة و لكن واضحة .. أسرع سامر إليها يناديه :
_ حمزة ... حمزة أستيقظ بني ... هيا .. أستيقظ ... الجميع هنا ..أماني و ليليان و سعاد
أرتجف جفنيه بقوة ...كما لو أنه يقاوم غيبوبته ... أسرعت سعاد تنادي الطبيب و هي تحاول التماسك ...
بضعف و أرتجاف قال حمزة مردداً :
_ليليان....
جلست ليليان إلى جانبه باكية و هي تقول :
_ انا هنا أخي ... أنا هنا ... أرجوك أستيقظ
فتح عينيه ببطء و هو يتأمل وجهه ليليان ..أبتسم بخفوت و هو يحاول رفع يده المرتجفه يريد لمس و جهه ليليان ...أسرعت تمسك كفه و هي تضعها على وجهها ...
كانت أماني تجلس على الطرف الثاني تغطي فمها تحاول كتم صوت بكائها و هي تتمسك بكفه الثاني ... ببطء ألتفت حمزة إليها ...
_ حبيبتي ..
دخل الأطباء سريعاً يطلبون من الجميع الأبتعاد و الخروج من الغرفة ... و بصعوبة تمكن سامر من إخراج الفتاتين ... و في النهاية أتكئ على الحائط و هو يحمد الله و يدعو بتمام الأمور على خير و جانب أخر من تفكيره يستعيد كلمات حمزة و ليليان "حذيفة قتل " .. لكن كيف ؟؟ حمزة قال بأن حذيفة مات نتيجة جرعة مخدارت زائدة !!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مالذي حدث في روما ؟؟
قالت جودي متوترة ....تكاد أن تموت من شدت الخوف والإضطراب و هي تراقب اشتعال والده النادر
_ لقد قام ثلاث رجال مقنعين بمهاجمة مستودع الأسلحة الرئيسي في روما ؟؟
_ لماذا ؟؟ لم أفهم حتى الأن .. أن كانوا يردون سرقة الأسلحة ..لما هاجموا المستودع و هو ممتلئ بالرجال
أبتلعت جودي ريقها بصعوبة و هي تفرك كفيها :
_ لم تكن الأسلحة هدفهم ...بل كان انتونيو ريماريو
تجمدت انظاره المشتعلة و هو يلقي بجسده على مقعده :
_ انتونيو ... أراده حياً ؟؟
_ نعم سيدي ... ولكن رجالنا نفذو تعليماتنا و قاموا بقتله فوراً
قال كما لو أنه لم يستمع لكلامها :
_ يردون واحداً من المدراء الخمسة ..حياً .. لقد تم أكتشافه .... أراد أستجوابه و الحصول على معلومات تتعلق بالمنظمة أكس
_ سيدي لقد ..
وقف و هو يضرب المكتب بيده :
_ هل تفهمين معنى هذا الكلام ..أحدهم يسعى وراء المنظمة ..أحدهم يمتلك معلومات دقيقة عنها
أنت تقرأ
رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان
Romanceمن كان يعلم ان ايقاف يوم طيران واحد واحد فقط يسبب حادثة اختطاف الطائرة الفرنسية وعلى متنها ٢٠٠ راكب ومن ضمنهم السفير الفرنسى قد تؤدى الى اختلاف حاضر ومستقبل ابطالنا وحتى نظرتهم للماضى بصورة لم يتصورها احدهم تاهت خططهم وضاعت تصوراتهم تشابكت خطوط اقد...