الفصل الثانى والعشرون

218 4 0
                                    

الفصل الثاني و العشرون
أظلمت أضواء القاعة الواسعة .. التزم الجميع الصمت ... تركزت الأضواء كما الأنظار على بابي القاعة المتقابلين ... على أنغام الموسيقى تقدم العريس المبتسم يراقب عروسه الخجولة تتقدم نحوه من الباب الثاني تتمسك بباقة الورود البيضاء و الليلكية... فستان زفافها اللؤلؤي الناعم أبرز صفاء بشرتها الحريرية ...يلف جسدها بعذوبة زادتها جمالاً و تألقاً ... خصلات شعرها تتناثرت على كتفيها العاريين بهدوء يثير زوابع العشق بنفسه ... أراد أن يسرع إليها لولا تعليمات منظمة الحفل الصارمة بأن يتقدم ببطء حتى يلتقي معها بالمنتصف ...
كم شعرت بالتوتر قبل دخولها ..لاتحب الظهور أمام الناس هكذا ...تشعر بكل خلايا جسدها ترتجف .. لكن و ما إن رأته يتقدم نحوها بوسامته و ابتسامته التي تبث العشق و الغرام تحول توترها لسعادة لم تذقها قبلاً ... اختفى كل ما حولها ... هو فقط و لا أحد ... مشت نحوه و تورد خديها يشتعلان و يشعلان النار في صدره ...
أخيرا التقيا في المنتصف ... بسرعة اختطف كفها يلثمه وهو يخرج نفساً كتمه طويلاً ...تسارعت أنفاسها و هي تتمنى أن تنغرس في صدره للأبد ... انتشل صوت مديرة الزفاف العروسان من حالة هذيان العشق الذي يغرقان فيه و هي تطلب منهما تبديل محابس الزفاف ..تمنى أن يخنقها حتى تتوقف عن تدخلها
أسرع يخرج الخاتم من يدها اليمنى لينقله ليدها اليسرى و هو يعلن لها بعينيه ...أنت ملكي للأبد ... ابتسمت بخجل و هي تخفض نظرها لصدره العريض ... مدّ يده أمامها لتبدل الخواتم بيد مرتجفة و هي تشعر بنار الشوق تلفحها ... تمسكت بذراعهِ ليتقدما نحو ساحة الرقص يحلقان بسعادة تلمس بعذوبتها قلوب الحاضرين ...
علت أصوات الموسيقى الهادئة تحت الأضواء الخافتة ..أمسك كفها بيد و ضمها إليه من خصرها بيدهِ الثانية حتى التصقت بهِ لتسند رأسها على صدره و هو يهمس لها بعمق ذوبها : أحبك
رفعت رأسها لتتعلق بعينيهِ لتهمس بخجل دغدغ حواسه : أحبك
طبع قبلة عميقة على جبينها ليطفيء لهفته عليها و لو قليلاً حتى لا يتهور و يحملها بعيداً عن كل هؤلاء
دموع الفرحة زارت عينيها بعد غيابٍ قد طال... تضع يدها على صدرها و هي تشعر برقصة قلبها ... أخيراً اجتمعت سعاد مع حب حياتها بعد فراق سنوات طويلة .... سنوات عجزت عن اطفاء شعلة حبهما ..... أخيراً حصلت على السعادة التي تستحقها .... شعرت بيد دافئة تلمس كفها .... نظرت إليهِ لتجده يبتسم لها بهدوءه .... بادلته الابتسام و هي تسارع لالتقاط دموع فرحها .... انتهت الرقصة البطيئة وسط تصفيق و تصفير .... عادت الأنوار تملأ القاعة الكبيرة و علت أصوات الموسيقى لتبدأ سعاد بالرقص حول سامر الذي كان يراقب كل حركتها و سكناتها بهيام يفضح نفسه دون خجل.....
جاءت أماني مسرعة تسحب ياسمين من يدها نحو حلبة الرقص ... ما إن التقطت عين سعاد ياسمين و هي تقبل عليها مبتسمة بفرحة حتى أسرعت إليها تضمها بحب كما لو كانت تؤكد لها بأن لها مكانة في قلبها لا تقبل المنافسة .... أما أماني تعلقت برقبة سامر بقوة و هي تضحك بسعادة غمرته و هو يقبل جبينها بحب ...رقصت ياسمين و سعاد على أنغام أغنية شرقية ... كانت العيون متعلقة بياسمين التي انتشر خبر محاولتها الإنتحار رافضين لحقيقة أنها لم تكن واعية ... لتنتشر الإشاعات حول سبب فعلتها ... كانت تبدو مثيرة و خلابة بثوبها الأحمر الناري الذي أبرز لون بشرتها الذهبية بشكل يطيح بالعقل ..... تركت شعرها الغجري مسدولاً على كتفيها بإغواء طبيعيٍ بتموجاته الناعمة و قد ثبتت فيه مشبكاً ذهبياً انتشرت عليه بعض الفصوص الحمراء ... كانت تتمايل بأنوثة طاغية دون مجهود تعلن للجميع بأنها بخير... تعلقت العيون و القلوب بها .. الرجال يحسدون ذلك الوسيم ببدلته السوداء الجالس بهدوء و برود .. غير مدركين بأن قلبه يغلي و يفور رافضاً لظهور زوجته بهذه الطلة و الإغراء ... أراد جذبها لتجلس حتى يضع سترته عليها قاتلاً أي شخص يتجرأ على النظر إليها ... التقت عيناه معها و بقسوة لم تعهده منه أشار برأسه لتأتي إليهِ ....قبلت سعاد و هي تعود للجلوس صامتة بجانبه .. قالت ياسمين متذمرة :
_ إنه زفاف أختي الوحيدة و أنت تقيدني هكذا
نظر إليها و هو يضيق عينيه يلومها :
_ كان عليكِ أن تختاري ثوباً آخراً ... لو رأيتك قبل موعد الحفل لمنعتك من الخروج فيه
_ تعلم أن سعاد من اشترته لي بسبب إصرارك على البقاء في اسطنبول منذ خروجي من المشفى و حتى أول أمس من الجيد أن وجدت شيئاً لأرتديه
قال زياد و هو يضع يده على صدره :
_ أصبحت أنا المخطيء الآن .... !!
ضحكت ياسمين لحركته المسرحية و هي تقول :
_ يا لك من بريء سيدي العقيد
تعلقت عيون زياد بحمزة الذي نهض لخارج القاعة .. قال لياسمين و هو يقف :
_ سأعود بعد قليل
عاد يلتفت إليها و أشار لها أن تبقى مكانها جالسة ....شعرت بلذة غيرته و فرض رجولته عليها
لحق بحمزة ليجده واقفاً في أحد شرفات الفندق الفخم و هو يدلك رأسه .... اقترب منه و هو يضع يده على كتفهِ قائلاً :
_ هل أنت بخير؟؟
نظر إليه حمزة و هو يتكيء على حافة الشرفة :
_ بخير
عقد زياد ساعديه و هو يقول بغضب :
_ الى متى ستستمر بحماقتك حمزة ؟؟
ارتسمت الدهشة في عيونه عاقداً حاجبيه .. محدقاً به وهو يقول :
_ ماذا ؟؟
قال زياد و هو يهز رأسه :
_ هل تظن بأنني غبي ؟؟
استوى حمزة بوقفته و هو يحدق بزياد قائلاً :
_ ما الذي حدث لك ؟؟
_ حمزة سوف تجري العملية بعد أسبوعين من الأن لقد رتبت كل شيء مع طبيبك
أغلق حمزة عينيه بقوة يحاول استيعاب الأمر ... قال و هو يشد على أسنانه :
_ كيف علمت بأمرٍ كهذا ؟ .... كيف سمحت لنفسك بالتدخل بهذه الطريقة؟؟
رفع زياد حاجباً و هو يقول ساخراً :
_ أتظن الوصول الى ملفاتك الطبية أصعب علي من وضع يدي على ملفات في قلب الموساد
بنفاذ صبر تحرك حمزة ليخرج من الشرفة لولا يد زياد التي أطبقت على ذراعه بقوة و هو يقول :
_ لقد تحدثت لطبيبك و تم تنظيم كل شيء و سوف تحضر الدكتورة "فاطمة نور" عمليتك .. هي من أفضل الجراحين بالعالم و قد واجهت وقتاً عصيباً لأصل إليها و أقنعها بأن تجري لك العملية ..
ابتلع حمزة ريقه بصعوبة و هو يقول :
_ لا وقت لدي زياد يجب أن نسير بعملنا بسرعة يكفي الوقت الذي ضاع منا
_ صحتك أهم
_ لكن ....
_ أنت مطرود من المجموعة
صرخ حمزة بغضب :
_ لا يمكنك أن تقوم بذلك
قال زياد بهدوء استفز حمزة كثيراً :
_ بالطبع يمكنني
_ زيااااااااااااد
_ اسمعني جيداً ... العملية و فترة النقاهة ستحتاج لبعض الوقت و من بعدها يمكنك أن تعود من جديد عملنا لن ينتهي بيوم و ليلة ..تصميم البرنامج و تنفيذه سيستغرق شهرين او ثلاث ..
رد بصوت مرتجف :
_ قد أموت في وسط العملية
_ و إن لم تقم بإجرائها ستموت بشكل مؤكد
مرر حمزة يده على عنقه و هو يشعر بالإختناق و التوتر دون أن ينطق بكلمة ....وضع زياد يده على كتفه و هو يقول له بصوت بث الطمئنينة و الراحة بنفسه :
_ ليكن أملك بالله كبيراً .... سوف تنجو بإذنه ومشيئته ...لا تبتأس من رحمة الله .... عليك أن تخبر أماني و لا تأخر الموضوع أكثر من ذلك
قال حمزة باستسلام :
_ و نعم بالله .. هل أخبرت سامر ؟؟
_ لا ..لم أرد أن أنغص عليه فرحته ... سوف يعود من شهر العسل قبل عمليتك بيوم واحد .. عندها سوف نخبره
_ ألا يمكن تأجيل الامر قليلاً ؟؟
قال زياد بحزم :
_ لا .. جدول الطبيبة مزدحم للغاية ..... بصعوبة استطعت أخذ هذا الموعد القريب ...توكل على الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
_ ياسمين ....
_ ما الأمر أبي ؟؟
_ حازم اتصل بي .... يزن معه بالخارج ....
_ ألن يحضر الحفل ؟؟
_ لقد سبق و اعتذر لا يريد أن يتسبب بأي حرج لي و لكِ ... لا أفهم كيف وجهتم له الدعوة بالأساس
قالت ياسمين و هي تكبت غضبها :
_ سوف أحضر يزن
قال و قد أكتسحته ملامح الغضب :
_ أطلبي من زياد القيام بذلك
_ أبي أرجوك ..لقد أنقذ حياتي و أنا لم أشكره حتى الآن ..ستكون الفرصة مناسبة
_ياسمين ....ليس الوقت مناسباً للعبث بأعصابي
شدت على كفها و هي تقول له :
_ كما تشاء أبي سأبحث عن زياد
خرجت تجول بنظرها في ردهة استقبال الفندق...لكنها لم تعثر على زياد ..زفرت بتوتر و قررت أن تحضر يزن بنفسها
كان حازم يقف خارج سيارته يراقب يزن الذي اقتنص الفرصة و جلس في كرسي السائق يقلد حركات والده واضعاً نظارته الشمسية .... دق قلبه بجنون ما أن رآى تلك النارية تتقدم نحوه مبتسمة له ....و شعرها الأسود يتهادى مع مشيتها الغزلانية.... و الهواء يحرك خصلها لتتطاير حول وجهها الفاتن هاديء الملامح .... توسل قلبه الهدوء ....
كم تختلف هذه الصورة عن آخر مرة رآها فيها على سرير المشفى و هو يودعها للمرة الأخيرة وقد ظن أنه خسرها للأبد .. بعد استيقاظها لم يجرؤ على الدخول إلى غرفتها ..خشي أن تغضب و تتأذى من رؤيته ..انسحب بهدوء ليطمئن على حالها من بُعد
وقفت ياسمين أمامه بفتنتها التي حركت حواسه .. أي عذاب يعيشه ببعدها و هو لا يرى من النساء غيرها ... وضع يديه بجيبه و هو يبتسم لها بعذوبة ...قال ليرحمها من الصمت الذي قيد لسانها :
_ كيف حالك ياسمين ؟؟
قالت بتوتر و هي تبادله الإبتسام :
_ بخير ..الحمد لله ..أنا...أريد أن أشكرك على إنقاذِ حياتي في .....
قاطعها و هو يقول بصوت مضطرب كما لو أن ذكرى ذلك اليوم تعود له بقسوتها :
_ لا ...لا تفعلي .. أرجوكِ ياسمين ... أقدم حياتي لكِ ثمناً لتكوني بخير
نظرت إليه بدهشة جعلتها ترتد خطوة للخلف .. ندم حازم على تصريحه هذا .. هي امرأة متزوجة تحمل ندوباً عميقة بسببه ... قال و هو يفتح باب السيارة ليخرج يزن المعترض و هو يقول :
_ لقد كدت أجن وأنا أقنعه بارتداء ربطة العنق ...
ضحكت بنعومة ضربته في قلبهِ وهي تقول :
_ يبدو رائعاً للغاية.. تعال أيها الوسيم
قال بقلق و هي تحمله و قد اصطدمت عيناه بآثار شق معصمها :
_ على مهل لا تؤذي نفسك
قالت و قد انتبهت لمرمى بصره :
_ أنا بخير حازم لا تقلق ..
قال وهو ينظر إليها بقلق يكاد يتفجر من قلبه :
_ حقاً ياسمين ؟؟
نظرت إليه معاتبة :
_ حقاً حازم ....لا تشغل بالك ....لقد استقرت أموري ..يجب ان أذهب الآن ...إلى اللقاء ... اهتم بنفسك ....و ... شكراً ...أدين لك بحياتي
استدارت لتصدم بعيني زياد القاسية و هو يقف على بعد خطوات منها .. اقترب منها و هو يقول بهدوء:
_ هاتِ يزن .. سعاد صعدت للغرفة فوق وهي تريدك
_ سأذهب إليها
حمل يزن بين ذراعيه ..لتسرع بالهرب من عينيه المشتعلة .. اقترب زياد من حازم و هو يصافحه قائلاً :
_ لما لا تدخل يا حازم ...؟؟
_ لا يجب أن أرحل الآن ... بالإذن
إستدار حازم نحو سيارته.. ليغلق عينيه بتوتر ...زفر نفساً ساخناً من صدره حسم أمره ...استدار مجدداً حيث زياد الذي بقي واقفاً مكانه كما لو كان يعلم أن هذا الحديث لم ينتهي .. قال بحزم :
_ زياد .. أنا معك...يمكنك الاعتماد علي
ابتسم له زياد قائلاً :
_ أهلاً بك في الفريق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
جلست تستريح قليلاً و هي تتجرع كوب عصيرها البارد بينما انشغل الناس بتناول الطعام من الطاولات الممتدة في القاعة المجاورة .... قالت و هي تلمس شعرها تتاكد من ثباته :
_ لما لم يحضر خطيبك الحفل ؟؟
_ لديه اجتماع عمل ... أوصلني و انصرف
رفعت اماني حاجبها و هي تقول متسائلة :
_ اجتماع !!! بهكذا وقت
قالت سلام بثقة :
_ عشاء عمل مع رئيس الوزراء و رئيس دولة ما نسيت اسمها ....
ضحكت اماني و هي تقول ساخرة :
_ أعذريني ... نسيت أن خطيبك الوسيم رجل سياسة
ضربت سلام كتف أماني بخفة :
_ توقفي عن السخرية مني
ضمت أماني كف سلام و هي تقول :
_ لا حبيبتي أنا سعيدة من أجلك حقاً ...
ابتسمت سلام بخجل و قد تورد خديها :
_ أنا سعيدة حقاً .. أشعر بأني أصبحت انسانة مختلفة بسبب وجوده في حياتي
_ الحمد لله ...أتمنى أن تبقي سعيدة للأبد
_ شكراً لك .... أخبريني هل أبلغتِ إدارة المشفى عما فعله الدكتور مؤيد معكِ؟؟
هزت رأسها بلا و هي تخرج نفساً ساخناً و متوتراً
أردفت سلام متوترة :
_ اماني لا يجب أن تسكتي أكثر .... لقد قام بتهديدك بشكل صريح
أغمضت أماني عينيها بقوة و صورة ذلك اليوم تعود لتبث الرعب في نفسها
_ أيتها الرئيسة
أجابتها دون أن ترفع عينيها عن شاشة الحاسوب و هي تنظم جدول المناوبات الجديد :
_ ما الأمر هديل ؟؟
أجابتها و قد أصبح صوتها أقرب للبكاء :
_ الدكتور مؤيد
توقفت عن ضرب لوحة المفاتيح و هي تزفر بملل من تكرر هذا الموقف السخيف :
_ ما الذي فعله الآن ؟؟
قالت و هي تسمح لدمعة بالنزول لتبرد من نار قهرها :
_ لقد قام بطردي من غرفة العمليات بعد انتهائهِ من عملهِ قائلاً بأنني لا أحسن إدارة غرفة عملياتهِ .. صدقيني بأنني لم أقصر بشيء ..لقد قمت ...
قاطعتها أماني و هي تقول لها مربتة على كتفها :
_ اعلم هديل .... سأتحدث معه... يبدو أنه يرغب بخوض شجار معي
طرقت باب مكتبه لتدخل قبل سماع إذنه ... قالت دون أي مقدمات :
_ هل يمكن أن تشرح لي سبب معاملتك الظالمة لهديل ؟؟
قال بهدوء دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي أمامه :
_ أخبرتك ألف مرة بأن تكوني أنتِ المسؤولة عن إدارة غرفة عملياتي
بنفاذ صبر قالت و هي تضع يدها على رأسها :
_ هل يجب أن أكرر نفس الكلام في كل مرة ... لست متفرغة لك في كل وقت ... لدي الكثير من الأعمال ...
قاطعها و هو يقول بنفس بروده :
_ هل أنتِ سعيدة معه ؟؟
نظرت إليهِ بصدمة .. هذه أول مرة يتحدث عن زوجها منذ انفصالها عنه
قالت و هي تبتلع ريقها بصعوبة :
_ دكتور ...لا أريد التحدث معك عن حياتي الخاصة
رمى القلم من يدهِ بقوة و هو يقف متجهاً ناحيتها و قد لمع الغضب بعينيه :
_ أخبريني هل كانت خيانتك لي أمراً يستحق النتيجة التي توصلت إليها
تراجعت أماني خطوة للوراء و هي تتلقى كلماته القاسية
_ أرجوك توقف ....لقد مر وقت طويل على انفصالنا .. انت الآن زوج و أب ..لا يلق بك هكذا حديث
أطبق على كتفيها كما المصيدة ... و هو يقول بصوت يماثل حفيف الأفعى
_ لكن حبك و خيانتك يضربانني في كل لحظة من حياتي ... انت لم تخرجي مني أماني مازلت تسرين في شرايني كالدم
حاولت سحب نفسها من بين يديه و هي تحاول كتم صوت صراخها حتى لا تثير فضيحة :
_ توقف .. توقف .. لقد فقدت عقلك مؤيد
هز جسدها بقوة و هو يقول :
_ أماني .. تعالي معي .. فلنهرب من هذه البلاد و نعيش سوياً .. لنبني المستقبل الذي رسمناه معاً
أخذت تضربه على صدره بقوة و هي تحاول تخليص نفسها :
_ أفق .. أفق ..انا أحب زوجي و لن اتخلى عنه أبداً أيها الحقير اتركني
أرخى قبضته عنها و قد تجمدت حدقتا عينيه مما سمح لها بالتراجع نحو الباب .. أرادت الخروج و هي تحاول كبت انفعالتها ..لكنه أمسك ذراعها بقوة ليقرب وجهها من وجهه و هو يقول بغضب أسود بث الرعب في قلبها :
_ سأنتزع قلبك الخائن من بين ضلوعك أماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في نفس وقت الحفل و في شقة صغيرة قريبة من فندق النخب الذي يستضيف عشاءً رسمياً رفيع المستوى لرئيس وزراء الدولة مع رئيس دولة صديقة ... دخل بعد أن طرق الباب بطريقة متفق عليها ... فتح الباب ... دخل الشقة و هو يبحث في وسط الظلام عن حذيفة " حلقة الوصل " .... رصد جسده على المقعد
قال مؤيد بطريقة آلية اعتادها بهكذا لقاء :
_ ما المطلوب مني هذه المرة ؟؟ ما العملية المطلوبة ؟؟؟
بقي حذيفة صامتاً و جامداً في مكانه .... حارب مؤيد ظلام الغرفة بعينيه و هو يقترب من حذيفة قائلاً :
_ تكلم ... لما تلتزم الصمت ..لا أملك الوقت ...أنت الذي طلبت هذا اللـ...
ألجمت الصدمة لسانه و قد تنبه لتلك الفجوة جانب رأسه .... الدماء تسيل منها ساخنة .... عيناه مفتوحتان على وسعها و ملامح الذعر حفرت على وجهه .... تراجع بضع خطوات للخلف و قد شلّ قلبه و اختنقت أنفاسه .... ارتطم بجسد ضخم مما جعله يشهق بقوة و هو يهرب للناحية الثانية قائلاً بصوت مرتجف :
_ ممما اللللذي ترررريده؟؟
ابتسم من خلف قناعهِ الفضي و هو يتقدم ناحيته ببرود :
_ ما الأمر دكتور .... علمت بانك تمتلك اعصاباً حديدية .. لكنك ترتجف كفرخٍ مبلل
جحظت عيناه و قد علم معنى وجود الشبح في هذه الشقة ..قال و هو ينظر حوله يبحث عن مخرج :
_ أنا لم أررررتكب أي خطأ ....ممم مالذي يحدث ؟؟ لقد كنت مممخلصاً للللهم
قال ساخراً و هو يستمر بالتقدم البطيء من ضحيته :
_ مخلص !!!! معك حق .... هكذا أمر يغير الكثير
اندفع مؤيد ناحية غرفة النوم يريد الإختباء من قاتله و الشبح يقول بملل :
_ لا وقت لدي للعبة المطاردة هذه دكتور ...
أوصد الباب و بيد مرتجفه بحث عن هاتفه .... أراد أن يعيد تشغله بعد أن أطفئه كما تقتضي إجراءات الأمن و السلامة ...لكن صوت تحطم الباب من ضربة قدم الشبح ..جعلته يسقطه من يديه و قد تجمد مكانه خوفاً و رعباً .. انهارت قدميه أرضاً ليقف على ركبتيه و هو يتوسل باكياً :
_ أرجوك ...لدي طفل .. لا تقتلني ...لا أريد أن أموت
ببرود تقدم نحوه ... وقف خلفه .. أمسك رأسه بين كفيه ... و بكل قوة و ثبات لوى عنقه لتصدر صوت فرقعة عظام رقبتهِ ..لينهار تحت أقدام قاتلهِ
_ كم من طفل قتلت حتى تبيع قطعة من جسده أيها الوغد
أخرج بطاقة الشبح و ألقاه على جسد مؤيد الساكن ... خرج من الشقة وقد أبقى على القناع ..سلك الطرق الفرعية الضيقة و المظلمة .... توجه للباب الخلفي لفندق النخب .... كانت كريستينا المتنكرة بشعر أسود و نظارة طبية تقف أمام الباب مرتديه لباس خدم الفندق .. ناولها القناع ... دسته في الحقيبة التي كانت تحملها ... أخذ يمشي في الممرات الضيقة للفندق و التي لا يستعملها إلا الموظفين و كريستينا تمشى خلفه محافظة على مسافة مناسبة ... رصد قصي حركة أقدام تتقدم نحوه ....استدار ناحية كريستنا..ثبتها على الحائط ...أطبق على شفتيها ... مر موظفين من جانبهما و هما يحثان الخطى حتى يبتعدا عن الغارقان في الخطيئة و قد أعتادا على الزبائن المطاردين لموظفات الفندق .... ما إن ابتعدا حتى أسرع قصي بالإبتعاد عن كريستينا و هو يمسح شفتيه بقرف يعاود السير تاركاً خلفه تلك العاشقة و قد أشتعلت مشاعرها مع طعم قبلته
وصل حيث يقام العشاء الرسمي ...ليقترب من رئيس الوزراء مباشرة و هو يهمس له باحترام :
_سيدي العشاء جاهز ...لقد تفقدت الأمور بنفسي
_ أحسنت قصي .. اعلم ان ذلك ليس عملك و لكن أثق بك و هذا الضيف متطلب بطريقة مزعجة ..قد يتسبب بنشوب حرب إن لم يعجبه الطعام....
ابتسم قصي بلباقة و أراد الإنسحاب ....
_ قصي ... أريدك غداً صباحاً في مكتبي هناك أمر يجب أن نناقشه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
وضع يزن في سريره و هو يطبع على جبينه قبلة حانية هامساً :
_ اشتقت لك يا فتى .... لقد امتلكت قلبي حقاً
خرج ليجد تلك النارية تمسح دموعها التي لم تتوقف منذ أن ودعت اختها بالمطار ... جلس إلى جانبها ... أحاط كتفيها بذراعه ... ليستقر رأسها على صدرهِ ... قال و هو يمرر يده على شعرها :
_ لماذا تبكين صغيرتي ؟؟
_ أنا سعيدة من أجل سعاد و قد تكلل حبها بهذا الزواح بعد عذاب سنوات طويلة .... لكن رؤيتها تصعد على تلك الطائرة و هي تودعني بنظراتها القلقة جعلتني اشعر بالذنب ...حتى في أكثر أوقاتها فرحاً تفكر بمشاكلي
ضحك زياد و هو يرفعها عن صدره :
_ لا تقلقي سوف يُنسيها سامر الدنيا و ما فيها و الآن ما رأيك أن تأخذي حماماً أيتها الفاتنة حتى ترتاحي ..لقد تعبتِ كثيراً اليوم .. و لا تنسي تناول أدويتك
باعتراض و تذمر قالت :
_ أي أدوية ؟؟ لقد أوقفها الطبيب بالأمس
_ لقد أوقف الأدوية التي تعني اختصاصه ..أما المهديء و المنوم فسنتحدث مع طبيبك النفسي غداً
_ إنها تتعبني زياد ... تجعلني اشعر بحالة من الكسل و الخمول ..أريد العودة الى العمل
وقف زياد و هو يشدها واقفة :
_ لازلت تعانين من الكوابيس ياسمين ..أظن الوقت لازال مبكراً على إيقاف هذه الادوية
صمتت و هي تزم شفتيها و تعقد ساعديها ... قال زياد بحنان :
_ صغيرتي .. هيا ...لا تبتأسي الآن ... لقد اجتزنا أيام صعبة للغاية ...لا نريد ان نتراجع بخطواتنا إلى الوراء ... هل نسيت الأسبوع الأول الذي قضيناه في اسطنبول .... لقد كنت تصرخين طوال الليل و تبكين دون وعي و الكوابيس لا ترحمك ... لكن الآن أصبحت تقضين بعض الليالي بهدوء و سكينة
نظرت إليه بامتنان و هي تتذكر تلك الليالي الصعبة ... لم يتركها للحظة ... كان يطمئنها و يهدهدها كطفل صغير ... أبعدها عن الجميع حتى لا يشهد أحدٌ غيره انهياراتها المتكررة ... سهر ليالٍ طويلة و هو يراقبها حتى يتأكد من سلامتها ...
_ زياد .... شكراً لوجودك في حياتي
نظر إليها و هو يتأمل سحرها و فتنتها الطاغية ...مرر يده على شعرها الأسود ... طبع قبلة على خدها و هو يقول :
_ هيا ياسمين.. اذهبي و خذي حماماً سريعاً ..... و سأحضر لك الدواء ....
أنهت ياسمين حمامها و لبست ثياب نومها و تناولت دوائها على مضض ... خرجت من غرفتها لتجد زياد جالساً بثياب الحفل على الأريكة و قد أسند رأسه و غطى عينيه بذراعه... اقتربت منه ببطء لتجلس الى جانبه تحاول إيقاظه بهدوء ... ولكن قبل أن تقول أي كلمة .... سمعته يهمس بنومه باسمها " دلال " ..ابتلعت ألمها وهي تلمس ذراعه ..ليستيقظ سريعاً و هو يقول :
_ هل أنتِ بخير ..؟؟
_ أجل .. لا تقلق ....لما لا تدخل لترتاح
قال و هو يفرك عينيه :
_ هل تناولت أدويتك ؟؟
_ لقد فعلت
وقف و هو يدلك رقبته بإرهاق واضح :
_ هيا ياسمين ....يجب ان ترتاحي .. سوف أستحم و ألحق بكِ
دخلت ياسمين إلى غرفة النوم و اندست تحت الأغطية و هي تصارع دموعها .... صحيح أنه لم يفارقها طوال الفترة الماضية .. كرس كل وقته لها ... يقاطع زوجته لسبب لا تعلمه ... لكنها تسكنه و تسيطر على كيانه .... ليست المرة الأولى التي ينفلت اسمها منه أثناء نومه ... و لم يغب عن ذهنها ذلك اليوم الذي رأته ينظر إلى صورتها في محفظته ... لقد تمادت في أحلامها و حان الوقت لتستيقظ و تعي أن زياد لن يمنحها أي جزء من قلبه ...
أغمضت عينيها و قد شعرت بزياد يدخل إلى الغرفة ... أخرج بطانيته ووسادته من الخزانة .. و كما كل ليلة ينام على الأريكة التي تتحول الى سرير ... حتى لا يغفل عن مراقبتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل سامر و سعاد للفندق بعد رحلة طويلة جعلت سامر يندم على اختيار هذه البلاد البعيدة ... لقد أحرقته نيران الشوق و الحرمان .. و هو يتأمل سعاد النائمة طوال فترة الرحلة بسبب مهديء تناولته لتتغلب على خوفها من الطيران
تأملت سعاد الكوخ البحري الذي سوف يقضيان فيه شهر عسلهما ...كان يبعد عن مبني الفندق الرئيسي مسافة ربع ساعة مشياً على الأقدام .... كانت الغرفة ملكية مبهرة ... يتوسطها سرير دائري تغطيه شراشف بيضاء مطرزة باللون الفضي .. تناثرت عليه بتلات الورد الأحمر .... انتشرت باقات ورود بالوان مختلفة في اركان الغرفة الواسعة .. واجهة كاملة تطل على البحر ... اقتربت من الواجهة الزجاجية لتبتسم عيناها لرؤية البحر و شاطيء الكوخ الرملي الخاص .... لقد كان سامر محقاً سوف يكون العالم لهما وحدهما في هذا المكان ..على مد بصرها لا شي سوا الرمال و البحر وقارب صغير
شعرت بذراعي سامر تحيط بخصرها وهو يسند رأسه على كتفها ...همس بالقرب من أذنها :
_ ما رأيك حبيبتي ؟؟
_ رائع حبيبي .. يستحق المكان الرحلة الطويلة
شدها إليه أكثر و أكثر و هو يتنشق رائحة شعرها ... ابتعدت سعاد عنه وقد شعرت بأنفاسه الساخنة على رقبتها و هي تقول بتوتر و قد شحب وجهها :
_ أريد أن أستحم ..أشعر بالتعب من الرحلة
أمسكها سامر من ذراعها و سحبها إليه .. أحاط وجهها بين كفيه :
_ سعاد!!! ما الأمر ؟؟ هل أخيفك لهذا الحدّ
قالت متلعثمة و هي تجبر نفسها على الإبتسام :
_ لا ..لا حبيبي .. أنا فقط ...أنا
ضمها سامر إليهِ و هو يمرر يده على ظهرها ...حتى وصل لحافة القميص الذي ترتديه ... وضع يده تحته بحركة سريعة و استقرت يده على ظهرها العاري ....
شهقت سعاد و هي تحاول الإبتعاد باكية ...
_ سامر أرجوك لا تفعل ..أرجوك
تجاهل توسلاتها و هو يتلمس تلك الندوب على ظهرها بنعومة و هو يضمها إليه أكثر و أكثر و قد تسارعت أنفاسهما ...
_ سعاد .. تلك الندوب التي تبعدك عني ستكون تذكاراً عن سنوات البعد و العذاب .... ستدفعني لأقدم لك تعويضاً عن هذا الألم ... أعشقها كلها كما أعشق كل تفاصيلك سعاد ..اقتربي مني حبيبتي
استرخى جسدها بين ذراعيه و تبدلت ارتعاشة جسدها من الخوف و القلق الى ارتعاشة حب و هيام .. أغرقها بقبلاته المشتاقة و هو يرسم معها سطور جديدة لقصة حب انتصرت على البعد و الفراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
أوقف السيارة على جانب الطريق بعد أن نظر لساعته ...التفت لعاقدة الجبين الغاضبة .. قال و هو يزيح خصل شعرها التي تناثرت على وجهها تعلن تمردها :
_ لما كل هذا الغضب ياسمين ؟
قالت و هي تزفر مسندة رأسها الى الخلف :
_ ذلك الطبيب يتعامل معي كمختلة .... كيف يظن بأني سأحاول الإنتحار مرة ثانية ؟؟ ... هو الأعلم بأنني لم أفعل ذلك بوعي ..حتى أنا لا أذكر اللحظة التي أقدمت بها على هذا الأمر
قال و هو يبتسم لها بهدوء تسلل إليها بعض منه :
_صغيرتي ...لقد مررتِ بتجربة صعبة و سوف تحتاجين لبعض الوقت حتى تعود أمورك طبيعية ...عليك بالصبر
قالت و هي تلتقط دمعة فرت من عينيها :
_ وأنت ما ذنبك بكل هذا ؟
نظر إليها متسائلاً :
_ ماذا ...؟؟
_ أنت تقيد نفسك بي ... لا تنام جيداً .... ترافقني بكل زيارتي للأطباء .... تشرف على أدويتي ... و كل هذا بسبب زواج لا يمكن أن يتم ...ما ذنبك بكل هذا زياد ... أنت تستحق أن تعود لزوجتك لتعيش معها حياتك الطبيعية
التزم زياد الصمت و هو يراقب انفعالها .... ما الذي يمكن أن يقوله لها ... أنها تحرك مشاعره بقوة ... أنه يتمنى أن يتمم هذا الزواج .... في قلبه كلمات حب و عشق يريد أن يهمس لها بها .... لو تعلم كم تعذبه هذهِ المشاعر .... لكنه في كل مرة يحاول الإقتراب منها يشعر بطعم الخيانة المرّ في فمه ... هو يعشق دلال حدّ الثمالة .... كيف لحبين أن يجتمعان في قلب واحد....يبدو أمراً غير ممكن ...
غير منطقي ....
عاد ليشغل سيارته و هو يقول لها بصوته الهاديء الذي يخفى كل توتره و اضطرابه:
_ ياسمين ... سواء أكان زواجنا صورياً أما لا .... ما حدث معك كان ذنبي وحدي .... مهما قدمت لك سأبقى مقصراً ... و كما وعدتك سابقاً بعقد زواج أو بدونه سأبقى لجانبك حتى آخر العمر ..هل تفهمين ؟؟
هزت ياسمين رأسها بالموافقة و هي تغمض عينيها تتجرع ألمها .... تريد أن تصرخ به قربك أصبح يعذبني ... دعني أبتعد ..أتوسل إليك
بعد بضع دقائق فتحت عينيها تنظر حولها ...إستوت بجلستها و هي تقول :
_ هذا ليس بطريق البيت زياد ؟
_ أعلم.... أريد أن أتحدث لك بأمر ما
_ ما الأمر ...؟؟
_ ليس الآن عندما نصل
دخل زياد بطرق فرعية و خرج لطرق رئيسية .. ليعاود الدخول في أزقة ضيقة بحلقات معقدة ..جعلت ياسمين تتوتر ...لكنها لم تقل شيئاً هي تثق به
بالنهاية وصلت لمبنى سكني قديم ....ركن السيارة بجانبه ... نزل من السيارة تبعته ياسمين ....
_ زياد مالذي ...
قاطعها و هو يضع يده على فمه يشير لها بالصمت .. أمسك كفها ... وبخطوات سرية بالكاد جارتها دخل المبنى القديم و خرج من بابها الخلفي ... مشى مسافة قصيرة .. دخل بعدها مبنى قيد الإنشاء ..هبط عن السلالم التي تؤدي لكراج المبنى ... و خرج من المبنى ليدخل في النهاية إلى منزل بطابق واحد .... تجاوز الباب الرئيسي .... وقف أمام باب جانبي .. طرق الباب برتابة معينة .... أخرج مفتاحاً و أداره بالقفل و دخل إلى مطبخ المنزل وتابع تقدمه ممسكاً كفها ...
قالت ياسمين التي لم تفهم شيئاً من كل هذا
_ زياد مالذي .....
بترت كلمتها و قد وجدت نفسها أمام حازم و حمزة الواقفين بغرفة المعيشة .... كتمت أنفاسها لثواني و هي تنظر لزياد بصدمة :
_ ما الأمر ؟؟ مالذي يحدث هنا ؟؟
ساعدها على الجلوس وهي تستمر بالتحديق في زياد :
_ سوف أخبرك بكل شيء صغيرتي ....
ضربت كلمة صغيرتي قلب حازم و هو يراها أمامه زوجة رجل آخر يمسك يدها و يناديها بصغيرتي
بدأ زياد يخبرها بالأحداث التي أوصلته معها لهذه اللحظة منذ اجتماعهِ مع رئيس الدولة و تشكل الفريق و القائمة و الخطة التي يريدون من خلالها الوصول لقلب المنظمة أكس ....كانت تستمع مذهولة لهذه التفاصيل التي لم تتصور وجودها في الواقع رغم عملها مع الانتربول ...
التزم الجميع الصمت تاركين المجال لياسيمن أن تستوعب سيل المعلومات التي تتدفق عليها ... وقفت تسير في غرفة المعيشة ذهاباً و إياباً ....و هي تضع يداً على خصرها و الثانية على وجهها .. لتقف في النهاية بمواجهة الرجال الثلاثة :
_ هل تدركون خطورة ما تطلبون مني ؟
قال زياد بهدوء مستفز :
_ بالطبع ندرك ذلك
قالت بعصبية واضحة :
_ لا يبدو لي الأمر كذلك .. سوف تنفجر الخزنة بمجرد محاولة أي شخص اقتحامها جسدياً أو الكترونياً ... قد تقتل أي انسان يتواجد داخلها في تلك اللحظة
بنفس الهدوء أجابها :
_ لن يدخل أي شخص إلا ناجي نفسه أو احد أعضاء المنظمة
_ و إن كان الشبح بنفسه .. لن أكون المسؤولة عن موت أي شخص ... و من ثم أمر التفجير خطير للغاية قد تخرج الأمر عن السيطرة و ينفجر البنك بأكمله
قال حازم بقوة :
_ هذا عملي ياسمين ... لا تفكري بالأمر
قال حمزة و هو ينحني للأمام :
_ لا تقلقي أنت قادره على تحقيق هذا الأمر
هزت رأسها رافضة لهذه الفكرة :
_ حمزة أنت أدرى الناس بخطورة الأمر ..تريدون تصميم برنامج يحتوي على ثغرة ... ثغرة قد يكتشفها أي قرصان بارع
وقف و هو يتقدم ناحية طاولة غرفة المعيشة .... رفع دفتراً كبيراً و قدمه لها :
_ لقد أعددت لك هذا هو يحتوي على الطرق المعروفة و غير معروفة للقرصنة الإلكترونية ... اعلم أنك ماهرة بتصميم وتنفيذ برامج الحماية و بالتصدي لأي هجوم .. ولكن معرفتك بهذه الطرق ستزيد من قوتك و الإكتشاف المبكر لها...
أمسكت الدفتر و هي تنظر إليه متسائلة :
_ لما تعطيني هذا ... ألن نعمل معاً ؟؟
عض حمزة على شفتيه و هو يبتلع ريقه بصعوبة ... عاد ليجلس مكانه غارساً رأسه بين كفيه .... وقف زياد و هو يحيط كتفي ياسمين :
_ حمزة سوف يقوم بإجراء عملية في نهاية الأسبوع و عندما تتحسن صحته سوف يعود للعمل معنا
نظرت ياسمين بقلق لحمزة و هي تهمس :
_ عملية!!! ما المشكلة ؟؟
قال زياد لها بهدوء :
_ إنه يعاني من ورم في رأسه ..لكنه سيكون بخير إن شاء الله
انهارت قدماها على الأريكة و هي تدلك رقبتها المتشنجة ..قالت متلعثمة :
_ ورم !! هل هو ...خب ..خبيث ؟؟
رفع حمزة رأسه و هو يقول :
_ لن نعلم إلا بعد استئصاله ... أنا لم أخبر أماني بشيء حتى الآن.. أعلم بأنها دعتك لتناول الغداء اليوم ... لا تخبريها بشيء أرجوكِ
أمتلأت عيناها بالدموع و هي تحاول جاهدة كبتها :
_ يجب أن تخبرها حمزة ...
_ سوف أفعل الليلة ....
أطبق الصمت على الجميع لدقائق .. قطعه حمزة و هو يقول :
_ تعالي ياسمين لنراجع بعض المعلومات التي قد تساعدك في عملك ...لا وقت لدينا
جلست بجانبه و استغرق الإثنان في عالم يبرعان فيهِ و يتميزان .. وقف حازم بجانب الزياد و قال له بصوت منخفض حتى لا يزعج حمزة و ياسمين
_ هل اكتمل الفريق بتواجد ياسمين ؟؟
أخذ زياد نفساً عميقاً و هو يقول :
_ لا .. مازلت بحاجة لوجود فدائي عاقل إلى جانبي
_ فدائي عاقل ؟؟؟
_ أجل ..شخص مستعد ليضحي بحياته و لكن كخيار أخير
_ و هل وجدت هذا الشخص ؟؟
_ وجدت إثنان .. تعرف أحدهما ..مهاب ....
قال حازم و هو يتذكر مقابلته له في قسم الشرطة بعد أزمة قنبلة الإنتربول و في المشفى :
_ يبدو شخصاً جديراً بالثقة ..لكنه يبقى موظفاً رسمياً
_ هذا صحيح .... لكن أثق به حقاً
_ و الشخص الثاني ؟؟
_ كان صديقي في الجيش ..كنا نطلق عليهِ لقب الوحش .... يمتلك قدرة جسدية مذهلة للغاية ....
نظر حازم لياسمين التي انغمست بالعمل ... كم تبدو واثقة و متحكمة في الأمور عندما يتعلق الأمر بعالم البرمجة و الحاسوب ... لكنه يشعر بقلق عليها ....لم يمضي على الحادثة سوى شهر واحد
قال زياد كما لو كان يقرأ أفكار حازم :
_ لا تقلق ...ياسمين قوية و صلبة ... خطوب الزمن أضعفتها قليلاً ....لكنها ستعود بعد أن تتداوي جروحها و ألامها ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل قصي لمكتب رئيس الوزراء الفخم و على شفتيه الإبتسامة المتكلفة التي اعتاد على رسمها
_ صباح الخير معاليك ...
_ ادخل يا قصي ..كنت أنتظرك .. اجلس
جلس بعد فك زر سترته و هو ينتظر انتهاء الرئيس من توقيع بعض الأوراق .. بعد دقيقة نهض الرئيس ...و قف قصي و لكنه عاود الجلوس بعد أن أشار له بذلك .. جلس الرئيس بمواجهته :
_ لقد وصلتني دعوة زفافك .. ألف مبروك
ابتسم له قصي بسعادة حقيقية :
_ ألف شكر معاليك ..حضورك يشرفني
ضرب بكفه فخذ قصي و هو يضحك :
_ أنا سعيد من أجلك بني .... لقد كان والدك جمال صديقي و أخي ...
ابتسم قصي رغم السوداوية التي غلفت قلبه مع ذكر اسم والده
_ اسمعني يا قصي حان الوقت لتتوقف عن العمل البسيط الذي لا يناسب إمكانياتك ... صبرت عليك كثيراً و انت تتهرب من أي تكليف وزاري ... أحتاجك معي ضمن طاقم الوزراء الجديد
_ سيدي أخبرتك سابقاً بأني لا أرغب باستلام هكذا منصب حالياً
_ الى متى قصي ؟؟ سوف تتزوج ..انت تحتاج لبعض الإستقرار بدلاً من الترحال المستمر
_ هذه الحياة التي أفضلها سيدي
وقف رئيس الوزراء غير قادر على إخفاء غضبه :
_ اسمعني قصي سوف أجاريك حتى تستقر أمور زواجك و تعيش مع زوجتك فترة هادئة و لكن بعدها لن يكون لك الخيار ..
وقف قصي و هو يقول بهدوء :
_ كما تريد سيدي
_ و الآن أخبرني هل بدأت بالتحضير لجلسة مجلس الأمن التي ستعقد بعد ثلاث شهور
_ بالطبع سيدي
_ هل تأكدت نية ألن هنسن بإعادة طرح فكرة تدويل القدس
_ نعم سيدي ....سوف يقوم بالأمر وهو يحشد التأيد من دول أوروبا و الولايات المتحدة
_ آه من هذه المشكلة سوف تعود المسيرات و الإعتصامات و هي بالكاد هدأت .. علينا أن نحضر اعتراضاً قوياً لنسكت الشارع .. و نستعد لقمع أي مظاهر شغب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
كانت الضحكات الصافية تملأ القلوب ... و الحديث العفوي و الممتع يسلي رفقتهن ... وقفت اماني تنظف طاولة المطبخ ...بيما قامت سلام بتجفيف الأطباق .... و ياسمين تغلف باقي الطعام
قالت أماني و هي تنكز سلام بكتفها :
_ هل انتهيت من تحضيراتك ... العد التنازلي قد بدأ
_ قصي يقوم بكل شيء حتى الثياب قد أحضرها من باريس بعد أن اخترتها عن طريق الإنترنت
ضحكت أماني و ياسمين بينما عقدت سلام حاجبيها بغضب طفولي :
_ لما تسخران مني ؟؟
قالت ياسمين و هي بالكاد تسيطر على نفسها :
_ أعتذر منك و لكن يبدو الأمر غريباً ... أشعر بأن خطيبك قادم من عالم الروايات ...يعزف الكمان ... يحضر لك زفاف على الشاطيء .... و الملابس من باريس واووو
قالت اماني و هي تمسك نفسها عن الإنفجار بالضحك :
_ لا تنسي انه وسيم للغاية .... و دبلوماسي رفيع
توقف قلب ياسمين عن الخفقان للحظة و هي تكتم انفاسها ....بينما أسرعت سلام بالقول :
_ انتما تشعران بالغيرة مني .... اعترفا الآن
قالت أماني و هي تغمز لها :
_ قليلاً فقط
توقفت الفتاتين عن الضحك عندما تنبهتا لشحوب ياسمين ...قالت أماني و هي تضع يدها على كتفها :
_ هل انتِ بخير ياسمين ؟؟
تنبهت ياسمين لهما و لنظراتهما القلقة قالت و هي تجاهد لظهور صوتها طبيعياً :
_ أنا بخير ... شعرت بدوار بسيط فقط
قامت أماني بمساعدتها على الجلوس و هي تقول :
_ هل تحتجين الذهاب الى الطبيب ؟؟
هزت رأسها بلا و هي تبتسم لهما :
_ انا بخير حبيبتي .... انسي الأمر انا بخير ..
جلست الفتيات بعدها يتحدثن عن مختلف الأمور و خاصة الزفاف المرتقب .. كان قلب ياسمين يتقطع على أماني الغافلة عن حال زوجها .. وشك قوي يضرب أعماقها بشأن خطيب سلام ....
أرادت ان تقطع هذا الشك ...ابتسمت و هي تقول :
_ سلام ألم تقولي أنك أحضرتي بطاقات الدعوة ... أريد أن أراها
أسرعت سلام تحمل حقيبتها و هي تقدم البطاقات لصديقتها و هي سعيدة للغاية :
_ تفضلا .. سيكون زفافاً ضخماً للغاية ..أصرت أم قصي على هذا ... سيحضر أشخاص على مستوى رفيع حتى رئيس الوزراء سيكون موجوداً
فتحت ياسمين الدعوى لتقع عيناها على اسم العريس " قصى جمال " ....انه هو .... أنه شخص وغد و حقير كم تخشى على سلام .. أمسكت حقيبتها و وقفت فجأة قالت أماني و هي تقف مستغربة من حركة ياسمين المفاجئة
_ إلى أين ياسيمن ؟؟
قالت بتلعثم لم تستطع إخفائه :
_ تذكرت موعداً مهماً ...يجب أن أرحل الآن
وقفت أماني بطريقها و هي تقول :
_ لا تبدين بخير أبداً و من ثم زياد لم يحضر ليقلك ...اصبري سوف أوصلك
قالت ياسمين سريعاً :
_ لا ...سوف أذهب وحدي انا بخير لست طفلة ..أراكما قريباً
خرجت وسط احتجاجات أماني و سلام اللتانِ لم تفهما سر تبدل مزاجها
ما إن وصلت ياسمين الشارع حتى ضربت على هاتفها رقماً أنحفر في ذاكرتها كما ندوبها العميقة التي لم يمحيها الزمن .. رنة ..اثنتين ..ثلاثة .... و جاءها صوته لينقبض قلبها بعنف
_ ياسمين ....
_ أريد أن أتحدث معك
_ بالطبع ...سوف أنتظرك في المكان المعتاد
أقفلت الخط و هي ترتجف غضباً لنفسها و على صديقتها التي تغرق في الوحل دون أن تدري
ــــــــــــــــــ
على شاطيء البحر حيث الأمواج المتلاطمة وقف يحدق بالأفق البعيد .. استدار يواجه ذلك الواثق بنفسه
_ عشر سنوات قد مرت على آخر لقاء جمعنا سيدي العقيد و الآن تعود و تطلب مني الإنضمام لفريق سري يقوم بمهمة شبه مستحيلة
قال زياد و هو يدس يديه في جيبه :
_ أحتاج لشخص أضع روحي بين يديه و أنا مطمئن
_ و هل وجدت هذا الطلب فيّ سيدي !!
قال زياد و هو يضع يده على كتفه :
_ لقد أنقذت حياتي ... لن أنسى معروفك ما حييت يا وحش الجيش
ضحك للذكريات التي أسرعت بالتدفق في رأسه ... كان أحدث المتطوعين في الجيش ....بالكاد بلغ 18 من عمره ..... وجد نفسه بثكنة تضم أشرس و أقوى الرجال .... حاول بعض الرجال تأكيد سيطرتهم على الثكنة بإدخاله في معركة غير متكافئة ..... وحيداً بمواجهة خمس جبال بشرية .. لكن زياد و مهاب تدخلا و وقفا معه ... و علم المتنمرين درساً قاسياً جعلهم يعانون ألماً لم يذقوه في تدريباتهم
قال و هوينفض هذه الذكريات عن ذهنه :
_ انت تعلم بأني توقفت عن العمل في صفوف الجيش و الأمن منذ زمن طويل
قال مهاب و هو يلف حوله :
_نعلم ذلك ... تركت العمل في سلك الأمن منذ وفاة والدك لتقف مع أمك في إدارة اعمال العائلة ..... لكن بنيتك الجسدية لازالت قوية .. تحت هذه البدلة الأنيقة تقف عضلاتك شامخة كما عهدناها
قال و هو ينظر إليه متحدياً :
_ يمكن أن أثبت لك قوتي عملياً
أجابه مهاب ساخراً :
_ لا مانع لدي
قال زياد و هو يقف بينهما ضاحكاً :
_ دعونا نأجل هذا اللعب الخشن لوقت آخر ... ما هو قرارك الآن ؟؟
_ زياد ... ما كنت سألتني ذلك لولا ثقتك بموافقتي
مد يده مصافحاً و هو يقول :
_ أهلا بك بيننا أمجد ..
صافحه أمجد بقوة و هو يقول :
_ شرفٌ لي أن أعود الى العمل بجانبكما
قال زياد و هو يضع كفيه على كتفيهما :
_ سنلتقي قريباً في اجتماع للفريق كاملاً ...
بعد بضع دقائق من الحديث الذي تناول ذكرياتهم القديمة اعتذر أمجد و انسحب لانشغاله ... بقي زياد جالساً على صخرة كبيرة يواجه البحر ..قال مهاب و هو يجلس الى جانبه :
_ ما الأمر سيدي العقيد ؟؟
نظر إليه مفكراً و من ثم قال :
_ هل تسمح لي بمشاركتك أفكاري ..سوف أختنق أن بقيت حبيسة صدري ؟؟
قال باهتمام بالغ و هو يركز كل حواسه معه :
_ تكلم صديقي ..أنا والبحر سنكتم سرك
_ تذكر جريمة الشبح الأخيرة ...قتل حاتم ...
_بالطبع لقد نُسفت الشقة و اختفت الأدلة بأكملها
_ ليس بالنسبة لي ..ما حدث بتلك الشقة يدل على الكثير من الأمور
_ أذكر وقتها أنك قلت بأن هذه الجريمة شخصية و ليست تعني المنظمة أكس
_ تماماً .. في البداية ترك زوجة حاتم تغادر الشقة بعد أن ساعدها على ستر نفسها ..... في الوضع الطبيعي لكان قتل أي شاهد موجود في الشقة ... و من ثم منذ متى يضطر الشبح لنسف المكان بعد ارتكاب جريمة ..هو قادر على تنفيذ أي أمر دون ترك أي دليل و بحرفية عالية
_ و المعنى ؟؟
_ الحل كله موجود عند سلام
_ زوجة حاتم ؟؟
_ نعم زوجته التي تركته في ليلة الزفاف و لم يعدها إلى شقتها الا بخدعة قذرة .... إغتالها و تركها محطمة و غير قادرة على العيش بطريقة طبيعية
_ هل تقترح مراقبتها ؟؟
قال زياد و هو يخرج نفساً ساخناً :
_ لا ..ليس هذا ما أقصده ..... هي الآن مخطوبة و لم يمر على الحادثة ستة شهور ...
_ حقا!!!
وقف زياد و هو يحك ذقنه النامية :
_ الفتاة كانت منهارة حتى ظهور هذا الفارس الذي انتشلها من ظلمها ... سياسي ناجح ... زير نساء و يمكن أن يحصل على أي امرأة يريدها ..لماذا اختارها هي؟؟

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن