الفصل السادس عشر

212 6 0
                                    



الفصل السادس عشر
بين الشرق و الغرب .... بحكم الدم اشقاء ... بخطوات قوية على شاطئين .... احدهما بارد وقت الغروب و الاخر دافيء وقت الشروق ... يركضان كما خيول الشرق الاصيلة ... الرمال تثير الزوابع تحت ضربات أقدامهما الرشيقة .... كل منها يبث غضباً مكبوتاً يحرقه من الداخل ...
لو يعلمان كم تتشابه ايقاعات تنفسهما و تسارع نبضات قلبيهما ...عواصف من افكار تجتاحهما..... كل منهما يعيد ترتيب أوراقه و أولوياته .....لكن .... القدر اختار لهما ترتيب اخر .... قريباً ستختلط أوراقهما بطريقة لن يستطيعا الفكاك منها
سيكون خط الحياة لهما واحد .... سيلتقيان ....سيتمنى كل منهما الخلاص من الاخر .... اقترب وقت الحساب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
دخل زياد الى المنزل بعد ان انهى جولته الصباحية المعتادة على شاطيء البحر ... لطالما وجد الراحة بالعدو عليه لساعات طويلة ... لكن هذه الايام تبقى مشاكله اسرع منه ... يجدها امامه أينما حلّ .... أصبحت ضربات قدمه على رماله سبيلاً لتفريغ شحنات من الاحباط و الحيرة والغضب ... لم يشعر بالضعف و قلة الحيلة كما يشعر بها الآن ...
تناول كوب عصير البرتقال الطازج الذي اعتاد تناوله كل صباح ... جلس للمائدة بعدما طبع قبلة حانية على خدها .... أمسك الصحيفة يطالع اخبارها ... كل شيء يبدو طبيعياً ..اعتيادياً .. لكن لا شيء كما كان .... هو نفسه لم يعد كما كان ..... قلبه اختلف ايقاع نبضه و حتى طريقة تنفسه تغيرت و تبرتها....
_ كيف كانت تمارينك ؟؟
_ كالعادة
_ انت تجري في الخارج منذ ساعتين ألم تشعر بمرور الوقت ؟؟
_ تعلمين أن ذلك يبعث الراحة في نفسي
_ أعلم حبيبي ... اعلم .... سأحضر الإفطار سريعاً
_ لا تتعجلي .... ليس لدي ما أقوم به
قالت باستنكار و عتاب :
_زياد ... لقد مرّ على إيقافك عن العمل ستة اشهر ... ألن تقوم بشيء ..؟؟
اجابها بتهكم و برود :
_لا
_ زياد !!! .... لست من النوع الذي يركن الى الهدوء بهذه الطريقة
_ الا تحبين تواجدي في المنزل معك طوال الوقت ؟؟
_ بالطبع أحب ذلك و أعشق تواجدك المستمر و لكن ليس بسبب إيقافك الظالم عن العمل
التزم الصمت و هو يقلب أوراق الصحيفة... حاولت أن تتركه و شأنه لكنها
قالت وهي تأخذ نفساً عميقاً عالمة ان ما ستقوله سيثير غضبه :
_ زياد ...انسى أمر العمل ... دلال
تغضنت أوراق الصحيفة بين يديه ليزيحها من يده بغضب :
_ أرجوكِ .....لا أريد أن أتحدث عنها أبداً
_ لقد اتصلت منذ قليل تسأل عنك باكية .. ارحم حالها .... هي تحبك
قال وهو يجاهد للسيطرة على انفعاله مخرجاً علبة سجائره ليحرق واحدة :
_ لقد خذلتني بطريقة لم أتخيلها يوماً .... لقد كنت بأضعف حالتي و احتجت لتواجدها الى جانبي لكنها تجاهلت كل هذا بعناد و غباء ... من بين كل الصفعات التي تلقيتها كانت صفعتها الأقوى .... لقد مكثت بالمشفى لثلاث أيام و لم تظهر
_ تريد أن تراك سعيداً ...هذا كل ما تفكر فيه
قال و هو يسحق العقب بالمنفضه امامه :
_ و هل ابدو لك سعيداً ؟؟ .... هل ابدو لك مرتاحاً ؟؟
_ زياد بالله عليك لا تكن عنيداً
_ كما قلت لها سابقاً ...خرجت من المنزل لوحدها ... فلتعد اليه وحدها ... لا حديث لي معها خارج اسواره
_ لم اعتدّ منك هذه القسوة زياد ...انت تحبها و تعشقها
قال وهو يخرج الدخان مع انفاسه الحارقة :
_ أمي أرجوكِ ... سأصعد لوالدي
_ زياد توقف
توقف زياد وهو يلوم نفسه على غضبه ...عاد الى أمه طابعاً قبلة على كفها و هو يقول :
_ أعلم أنك تريدين صالحي ... لكن أرجوكِ لا تفتحي موضوع دلال أمامي
صعد الى الأعلى وأمه تشيعه بعينيها سامحة لدموعها الحارة بالتحرر :
_ انت تدفع ثمن ذنبٍ ارتكبته و والدك بحق طفلٍ مسكين و أمه ...يعلم الله فقط مصيره و حاله ....يا رب ترفق بهما ...لا ذنب لهما بكل هذا
اقترب زياد من جسد والده المستكين على الكرسي المتحرك ... قبل جبينه ثم كفه ... جلس أمامه مبتسماً :
_ صباح الخير سيدي العميد .... كيف حالك ؟؟؟ ..... اتمنى ان لا أضجرك برفقتي
تناول كتاباً كان موضوعاً على الطاولة امام والده و هو يقول :
_ ما رأيك أن نكمل قراءة كتاب )رَمُل وزبَد( لطالما أحببت كتب جبران
أخذ زياد يقرأ من الكتاب بصوت هاديء و واضح ....وطارق يستمع له ..هذا كل ما استطاع فعله بالسنوات الاثنين و عشرين الاخيرة .... يستمع لما يقوله الاخرون ... يفعلون ما يشاؤون به و بجسده ...... لا يمتلك القدرة على الاعتراض أو حتى الموافقة ... توقف الزمن عند اصطدامه بتلك العينين المشتعلتين بالغضب و الحقد ... ابنه و دمه .... أخذ بثأره منه و سوف يدمر أخاه .... لا بد ان تواجد زياد المستمر يرجع لأمر سيء قد وقع ... لا يعلم كم مر من الوقت ... ما الذي يحدث معه ؟؟؟ ..... و اين زوجته دلال ....؟؟ لقد اعتاد على زيارتها له ؟؟ ... ما الذي يحدث ؟؟ ما الذي ارتكبه قصى بحق زياد هذه المرة .... كلماته تثير زوابع الرعب بنفسه " كلما وقع لزياد أمر سيء اعلم أنه من تدبيري "

رواية الشبح لكاتبة زهرة نيسان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن