آنّا

7 1 0
                                    

الفصل السابع عشر
( آنّا )
الأربعاء، 7 آب/أغسطس 2013
في الصباح


كنت مع صديقاتي في مقهى ستاربكس عندما حدث ذلك. كنا جالسات في مكاننا المعتاد عند النافذة. وكانت ألعاب الأطفال متناثرة
على الأرض كلها. كانت بِث تحاول (مرة أخرى) إقناعي بالانضمام إلى نادي الكتاب الذي أقامته. وعند ذلك ظهرت دايان. كان على وجهها
تلك النظرة... تعبير الإحساس بالأهمية الذي يكون لدى شخص يحمل دسيسة دسمة. لم تكد تستطيع ضبط نفسها ريثما تفلح في
إدخال عربة الأطفال المزدوجة عبر الباب.
قالت لي بوجه عليه ملامح الجدّية: «آنّا! هل رأيت هذا؟». ثم نشرت أمامي صحيفة تحمل عنواناً كبيراً: «هل كانت ميغان قاتلة أطفال».
لم أجد كلمة أقولها. حدّقتُ في الجريدة فقط ثم... يا للسخف. انفجرتُ باكية. أصيبت إيفي بالذعر أيضاً. وراحت تصرخ. كان ذلك
فظيعاً.
ذهبت إلى الحمام لأغسل وجهي ووجه إيفي. وعندما عدت كانت صديقاتي تتكلمن جميعاً بنبرة خفيضة. ألقت عليّ دايان نظرة ماكرة
ثم سألتني: «هل أنت بخير يا حبيبتي؟». رأيت أنها كانت مستمتعة بذلك.
كان الأفضل أن أذهب عند ذلك؛ لم أستطع البقاء. كان اهتمامهن فظيعاً، كلهن... كن يقلن إنني لا بد أن أكون شديدة الانزعاج. لكني رأيت
الحقيقة على وجوههن: إدانة لا يكاد التنكّر يخفيها. كيف استطعت أن أعهد بابنتي لتلك المرأة المتوحشة؟ لا بد أنك أسوأ أم في الدنيا
كلها.
حاولت أن أتصل بتوم في طريق عودتي إلى البيت. لكن هاتفه انتقل مباشرة إلى البريد الصوتي. تركت له رسالة طلبت فيها منه أن
يعــاود الاتصــال فــي أسـرع وقـت ممكـن. حـاولت أن يكـون صـوتي عـادياً هـادئاً، لكنـي كنـت أرتعـد... أحسـست أن سـاقَيَّ تـهتزان... غـير
ثابتتين.
لم أشترِ الجريدة. لكني لم أستطع مقاومة قراءة القصة في الإنترنت. يبدو الأمر كله غامضاً بعض الشيء. زعم أصحاب القصة بأن
«مصادر مقرَّبة من التحقيق» قالت إن ميغان «قد تكون متورّطة في قتل طفلتها» منذ عشر سنوات. وتخمّن تلك «المصادر» أن هذا الأمر
يمكن أن يكون الدافع وراء قتلها. لكن المحقق المسؤول عن القضية كلها. اسمه غاسغيل؛ ذلك الشخص الذي أتى للحديث معنا بعد
اختفاء ميغان، لم يدلِ بأيّ تعليق.
اتصل بي توم. كان في استراحة بين اجتماعين. ليس قادراً على العودة إلى البيت. حاول تهدئتي. أظهر الانفعالات المناسبة كلها. قال
لي إن من المحتمل كثيراً أن يكون هذا كله كلاماً فارغاً. «تعرفين أنك لا تستطيعين تصديق نصف ما تنشره الصحف». لم أتكلم كثيراً
لأنه كان أصلاً صاحب الاقتراح بأن تأتي ميغان لتساعدني في رعاية إيفي. لا بد أن إحساسه فظيع الآن.
إنه على حق. قد لا تكون القصة صحيحة أصلاً. لكن، من عساه يختلق قصة من هذا النوع؟ لماذا يخترع المرء شيئاً كهذا؟ ثم إنني لا
أستطيع منع نفسي عن التفكير... فقد كنت أعرف. كنت أعرف أن هناك شيئاً غير طبيعي في تلك المرأة. ظننت في البداية أنها غير
ناضجة بعض الشيء، لا أكثر. لكن الأمر كان يتجاوز ذلك. كانت غائبة نوعاً ما. كانت غارقة في نفسها. لن أحاول الكذب. إنني سعيدة
برحيلها... إلى بئس المصير.
في المساء
إنني في الأعلى، في غرفة النوم. توم جالس مع إيفي يشاهدان التلفزيون. إننا لا نتكلم. والذنب ذنبي. هاجمته فور دخوله باب البيت.
كان ذلك يتراكم في داخلي طيلة النهار. لم أستطع منْع نفسي؛ ولم أستطع الاختباء... كنت أراها حيثما نظرت... في كل مكان. هنا، في
بيتي، تحمل ابنتي، تطعم ابنتي، تغنّي لابنتي، تلعب معها بينما أغفو أنا قليلاً. كنت أفكر في تلك الأوقات التي تركت خلالها إيفي
وحدها مع تلك المرأة. جعلني ذلك في حالة فظيعة من الغثيان.
وعند ذلك جاءني جنون الارتياب... الشعور بأنني كنت مراقَبة طيلة فترة عيشي في هذا البيت، طيلة هذه الفترة كلها. في البداية، كنت
أعزو الأمر إلى القطارات. كل تلك الأجساد التي لا وجود لها تحدِّق بي من النوافذ، تحدِّق بنا... تجعل القشعريرة تسري في جسمي. كان
هذا واحداً من الأسباب التي جعلتني غير راغبة في الانتقال إلى هذا البيت أصلاً. لكن توم لم يكن يريد تركه. قال إننا سنخسر مالاً كثيراً
إذا بعناه.
كانت القطارات في البداية ثم ريتشل. ريتشل التي تراقبنا، تظهر أمامنا في الشارع، تتصل بنا طيلة الوقت. ثم ميغان... عندما كانت هنا
مع إيفي: كنت أشعر دائماً أنها تراقبني... كأنها تقيّمني، تقيّم أمومتي، تدينني لأنني غير قادرة على الاعتناء بطفلتي وحدي. أعرف أن
هذا سُخف. لكني أفكر عند ذلك في اليوم الذي جاءت فيه ريتشل إلى البيت وأخذت إيفي... فيبرد جسمي كله وأقول في نفسي إن هذا
ليس سخفاً على الإطلاق.
وهكذا، كنت أغلي... كنت مستعدة للقتال عندما وصل توم إلى البيت. أعطيته إنذاراً نهائياً: علينا أن نترك هذا البيت. لن أبقى في هذا
البيت أبداً، لن أبقى في هذا الشارع وأنا أعرف كل ما جرى هنا. أينما نظرت الآن، صار عليَّ أن أرى ميغان أيضاً. لا ريتشل فقط. صار عليَّ
أن أفكر في كل شيء لمسته ميغان. هذا كثير جداً. قلت له إنني لا أبالي إن حصلنا على سعر جيد أو لم نحصل على سعر جيد مقابل
البيت.
قال لي: «سوف تبالين عندما تضطرين إلى العيش في بيت أسوأ من هذا بكثير، وعندما لا نستطيع أن نسدّد أقساط الرهن؛ هذا منطقي
تماماً». سألته إن كان يستطيع طلب مساعدة من والديه. إن لديهما مالاً كثيراًـ لكنه قال إنه لن يطلب منهما شيئاً... لن يطلب منهما شيئاً
بعد الآن. وعندها غضب وقال إنه لم يعد يريد أي حديث في هذا الأمر. كان ذلك بسبب المعاملة التي تلقّاها من والديه عندما ترك
ريتشل من أجلي. ما كان يجوز لي حتى أن أذكرهما. هذا يزعجه ويغضبه دائماً.
لكني لا أستطيع منع نفسي. أشعر باليأس لأنني أراها الآن كلما أغمضت عينَيّ... أراها جالسة هناك عند طاولة المطبخ حاملة إيفي في
حضنها. أراها تلاعبها وتبتسم لها وتثرثر معها؛ لكن الأمر لم يبدُ حقيقياً أبداً... لم يبدُ عليها أبداً أنها كانت تريد الوجود هنا. كنت أحس
دائماً أنها تكون سعيدة عندما يحين موعد ذهابها فتناولني إيفي. كان ذلك كأنها تكره الإحساس بوجود طفل بين ذراعيها.

فتاة القطارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن