رُزق حُبي (الجزء الثاني من رزقت الحلال)

الفصل 1

الطاولات عُلِقَ فوقها الكراسي مقلوبة، والأرض شبه نظيفة بعد كنس الأتربة عنها، ينقصها فقط المسح وماء نظيف بمطهرات، لكن الأمر أتى وعلى جميع العمال الانسحاب من القاعة الرئيسية حتى يأتيهم الإذن بالعودة من أجل استكمال العمل.

الصالة ذات الإضاءة الباهتة وقد اغلقت الألوان المختلفة المنبعثة من الكرة الكرستالية المتدلية من منتصف السقف. لا أجساد ترتطم بسبب شدة أو لمجرد رغبة في التلامس بتبجح. الزجاجات والكؤوس المتخبطة في أنخاب عدة بمعنى أو بدون.. اختفت لترقد إما كحطام في حاويات القمامة أو في أحد الأحواض استعدادًا للتنظيف وبدأ دورة جديدة لها هذا المساء.

المكان مكفر ولا حياة فيه، إلا من الأشخاص المعدودين المتحلقين حول إحدى الطاولات الجانبية وقد تُرِكَت كراسيها قدر عددهم بالضبط قيد الاستخدام، اجتماع سري وغير مسموح لنفس زائدة غير الحاضرين بمعرفة ما يدور.

-وصلت لإيه فالموقع اللي متابعه؟

هكذا توجه الرأس الأكبر في الجلسة بالحديث إلى من يعمل لدىيه وتحت أمرته بطريقة توحي بالمعرفة الحقيقية لما يحدث لكن مع إعطاءه فرصة إضافية للتعليق. انتفش ريش شادي من حجم المهمة الموكلة إليه، مع جدارته في تنفيذها.

غمزة وضيعة من عينه الخبيثة سبقت كلامه المطمئن للرئيس: كله ماشي فلّ الفل، ومش بعيد أرجع ببونبونايه زيادة.

حدجه بنظرات ثاقبة لمهلة قبل أن يعلِّق: مش عايز مشاكل، أهم حاجه تخلص اللي قولتلك عليه.. بحذافيره!

استدار إلى المجاور لشادي في جلسته، بريق سلساله الذهبي يهز كثيرًا من ذكورته المفترُضة، يصبح هذا البريق أكثر تنفيرًا حينما يلتقي بلمعان خاتمه الذهبي كذلك.

خاطبه محذرًا: لازم بناتك يكونوا جاهزين إنهارده، الشغل كتير عليهم بسبب سفر شادي، ومش حمل مخاطرة بتخريجهم فـ غيابه.. مش ناقصين وجع دماغ.

أومأ موافقًا: بوص، ما تقلقش.. مانو، وبنات مانو قدها وقدود..

كان هناك إثنان آخران من نفس الطينة، تحدث إليهم للتأكد من حسن سير الأوضاع، لا يختلفان كثيرًا عن المهمات الموكلة إلى شادي ومانو، بأفضلية الأول في مهمات أخرى أكثر خطورة وأهمية. يتولى كل واحد شئون عدة نساء، يأويهن في منزل معزول نسبيًا عن الزحام السكأني، يرافقهن إلى الملهى –حيث الإجتماع حاليًا-، يلبي طلباتهن –المتاحة والمقبولة في عُرفِهم-، يتابع حاجتهن الطبية الدورية أو الإضطرارية، يبقي عينيه عليهن، يحضر غيرهن إن احتاج.