الفصل التاسع

506 41 9
                                    

(الفصل التاسع)

أرهقها التفكير في أمر أَهِلَّة وذاك الشاب الذي تحادثه، لا تعرف كيف تتعامل مع الموقف، أَهِلَّة عنيدة، وإن حاولت أنفال أن تتحدث إليها بما سمعت ستنكر الأمر كله، بل وليس مستبعدًا أن تُدير الدفة عليها وتجعلها ساعية لتشويه صورتها بعيني أمهما، أَهِلَّة ليست من النوع المسالم أبدًا، لذا وجب عليها التعامل بحذر مع الأمر، هل تتحدث مع أمها سرًا وتطلب منها مراقبة أختها لتعلم خبيئة أفعالها؟ أم من الأفضل أن تتحدث مع أفنان وتجعلها تعترف على أَهِلَّة؟ كل الدروب تشمل خسارة، وبعضها يحمل دناءة، وهي ليست ممن يتحمل عواقب كهذه!

أخذ التفكير مبلغه منها حتى طرقت فكرة عقلها، انتظرت حتى انتصف الليل، وبينما الجميع نيام أتت هي بهاتف أَهِلَّة، قامت بتوصيله إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بهم، ثم بدأت تفتح ملفات الهاتف من الجهاز نظرًا لأنها لا تعرف كلمة السر الخاصة بهاتف أَهِلَّة، بقيت تبحث بين الملفات حتى اهتدت لمبتغاها، لكن الصدمة كانت أكبر من أن يتحملها عقلها، أختها تتكئ برأسها على كتف شاب يرتدي سلسال! يفتح أزرار قميصه الأولى ويرفع شعره في تسريحة عجيبة أثارت في نفس أنفال السخط، كيف لأختها أن تثق في هكذا مظهر! وكيف لها أن تتخذ وضعيات قريبة لهذه الدرجة منه! يا للخسارة في تربية أبيها، ويا للخسارة في عنقه المدفون بالتراب بسبب ابنته، ويا للخسارة في أَهِلَّة نفسها بعينيها!

قامت بنقل الصور إلى الجهاز، ثم من الجهاز إلى هاتفها، ولجت لفراشها متخذة من جانب أَهِلَّة موضعًا لنومها، لكن النوم جافاها، وبقيت تتقلب فوق الفراش حتى سمعت قرآن الفجر، نهضت مسرعة إلى ربها تناجيه، تطالبه أن يساعدها في محنتها هاته، أن ينير لها بصيرتها فتهدي أختها لطريق الصواب. أدت الفجر وأسلمت جفنيها لسلطان النوم الذي عبث بأهدابها سريعًا كأنه يرأف لحالها وما هي عليه من خيبة أمل وثقة فيمن صفعتهم جميعا بيد الخيانة.

استيقظت صبيحة الجمعة على صوت أمها تناديها أن تتحرك لترتيب أمور البيت قبل أن يأتي ضيوف اليوم، تذكرت للتو فقط أن عمر وأهله آتون من أجل الاتفاق، زارها التوتر من جديد، لكنه توتر لذيذ مصحوب بابتسامة شاردة، انقلبت فجأة لحزن كبير اقتحم قلبها حينما وجدت نفسها تقوم بكل أمور التنظيف وحدها، بينما أفنان تدعي المرض وأنها غير قادرة على الحركة، وأَهِلَّة تتحجج بمذاكرتها التي لا يمكنها تأجيلها نظرًا لأن الجمعة هو يوم إجازتها الوحيد، أمها منشغلة تمامًا بتحضير عشاء الضيوف، وهي تقوم بكل أمور البيت من تنظيف وخلافه، من الموجع للقلب حقًا ألا تجد من يشاركك لحظاتك المليئة بالتعب نظير السعادة، والأكثر وجعًا أن اللذين وجب عليهم مساعدتك في أقوى لحظات احتياجك للمساعدة هم نفسهم اللذين أداروا ظهورهم لك غافلين عن مدى الجرح الذي تسبب لك فيه تجاهلهم.

حاولت أن تشغل نفسها عن كل ذلك بمتابعة عملها، ثم ولجت لخزانتها من أجل تجهيز ثيابها التي ستستقبل بها أهل عمر، فصدمها أنها لم تُجهز أي شيء على الإطلاق! أليس من المفترض أن تكون مميزة اليوم بفستان مناسب ليوم الاتفاق على تفاصيل خطبتها! كيف لم تتذكر شيئًا كهذا! وكيف لم يتذكر أي من أهلها أن يسألها عما سترتديه! ألهذه الدرجة أمرها ليس ذات أهمية لديهم! اعتراف سريع أتى من بين جنبات عقلها، هي حساسة زيادة عن اللزوم، إن زادت نبرة أحدهم في وجهها عن غير قصد فقد يصل بها الأمر للبكاء، تحاول ألا تطلب من أبيها شيئًا كي لا تُثقِل عليه، حتى لو كان الأمر ذا أهمية، تحاول أن تتصرف في أي بديل يبعدها عن طلب المال من أبيها، وفي الواقع هو لم يحاول يومًا سؤالها إن كان ينقصها شيء ما، حتى في أيام دراستها وسفرها، لم تكن تطلب أكثر من مصروف الطريق ومدفوعات الجامعة والكتب، بل إنها كانت أحيانا تُفضل المشي على الأقدام كي توفر مال مواصلة من أجل شراء شيء ما ينقصها! لطالما كان خوفها من أن تكون ثقيلة على أحدهم وإن كان أباها!

أنفالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن