(الفصل السابع عشر)
جلس آدم إلى فراشه، بينما جلست زوجة عمه إلى مقعد مقابل له، سألت تمهد للحديث عن حاله، فأجاب مبتسمًا أن كل أموره بخير، ردت فجأة:
- كداب.
رفع نظراته لها، فأعادت تؤكد من جديد مع إماء رأسها:
- أنت بتكدب يا آدم، بتكدب على نفسك قبل ما تكدب عليا، وعلى حياتك قبل هيا، بتكدب وآخرة الكدب ده هيكون بؤس ملازمك وملازم بنتي مدى الحياة.
لم يستطع الرد، حديثها أصدق من أن يُرد عليه، تابعت وهي تسحب يده بين يديها:
- أنا مش عايزة بنتي تعيش تعيسة يا آدم، مش عايزاها تندم في يوم على اختيار غلط حذرتها منه ألف مرة، وتيجي لي في الآخر بندم مالي قلبها إنها ما سمعتش لصوتي ولا لصوت عقلها قبلي...
صمتت لدقيقة كأنها ترتب الحديث القادم قبل اللفظ به، ثم تابعت:
- ولا عايزاك تكون تابع لحد يا آدم.
رفع أعينه سريعًا لها، رد كأنه ينفي عن نفسه تهمة:
- أنا بحاول أرضيه، لكن ده مش معناه إني تابع ليه، أنا بس بحترمه وبقدره وبثبت له إن كلمته سيف على رقبتي، أنا مديون له بكل اللي وصلت له من علم، ومديون له باللي وصلت له من عمري، من غيره...
- من غيره كان زمانك في حضن أمك بتعوضها وتعوضك عن وفاة أبوك.
قطعت حديثه بما فجَّره لسانها، كل شيء صمت في هذه الدقيقة، وكأن على رأسيهما الطير، وكأن الأرواح سُحِبت عنهما، وكأن الحياة صفعتهما بالحقيقة الصادمة والسر الكافي لتدمير نظرة الحفيد لجده، لتبديل امتنانه له إلى حقد عليه.. ما استطاع السؤال عن مقصد زوجة عمه، فقط بقي يناظرها بأعين مترقبة راجية أن تفسر قولها قبل أن ينفجر قلبه من الترقب، لبَّت نداء نظرته، أخذت شهيقًا طويلًا أخرجته ببطء مع حديثها:
- بعد الحادثة اللي حصلت لكم جدك أقنع الكل بوفاتك، وأول الكل رزان، وبعدها سافرنا لعمك في أمريكا لحد ما الموضوع ينتهي، وعشان حالة والدتك دخلت مرحلة صعبة فكان فبركة الموضوع كله أمر بسيط، أنا ما أعرفش حاجة عن رزان من وقتها، لكن متأكدة إنها عاشت وقت صعب جدا، مش سهل على الست تستقبل وفاة كل أسرتها ودنيتها، وما كانش سهل عليا أخبي عنك حقيقة دامت للسنين دي كلها، بس كنت بتأكد يوم عن يوم إنك هتحن وهترجع، واللي صبرني إني أكتم السر طول السنين دي إني ضامنة مستقبلك هناك...
ضغطت على يده بقوة وهي ترجوه:
- سامحني يا بني، كان غصب عني.
أمطر جفنيها أمامه، لكنه ما زال متعطشًا للمزيد من الحقيقة المداراة عنه، ما زال يرغب بسماع المزيد، مثلا: أن أمه ما زالت على قيد الحياة... لم تتحدث أكثر من ذلك، فما كان منه إلا أن سأل بصوت قد بُح:
أنت تقرأ
أنفال
General Fictionمرحبًا أيها العابر.. كيف حال قلبك الآن؟ لا تبتسم هكذا؛ أعلم صدقًا أنك لست بخير. لا داعي أيضًا أن تخبرني عِلَّة قلبك، فأنا غالبًا أعلمها: هناك طعنة من صديق داهمك على حين بغتة، أو ربما خذلك أخوك الذي يشاركك الفراش، أم أن قريبك قال فيك ما ليس فيك؟ حسن...