الفصل العاشر

477 42 7
                                    

(الفصل العاشر)

استيقظت من فزعها أثر كابوس أصبح يراودها منذ أسبوعين، ما زال أثر الحادث لا يبرح عقلها المسكين، نفضت عنها إرهاقها، وتحركت إلى حيث يسكن جسد زوجها دون حراك، طمأنها الطبيب أنه بخير، لكن عقله ما زال غائبًا عن الوعي، لا تدري كم سيمر عليه وهو في غيبوبته هاته، ولجت حيث غرفته بعد أن ارتدت الواقي الخاص بالممرضات، جلست إلى جواره وراحت تبكي بصمت، ثم وأخيرًا تحدثت إليه:
- كنت ناوية نبدأ من جديد يا مصطفى، صدقني والله كنت ناوية نبدأ من جديد، كنت ناوية أعوضك وأعوض نفسي، ليه بتفتح جرح قديم في قلبي! ليه حسيت بالذنب بعد اللي حصل؟ هو أنا مش مراتك وحقك عليا أتحملك في كل حالاتك!
شهقاتها تقطعت وقطعت عليها حديثها، وقبل أن تتابع ما أرادت أن تُفضيه ولج نعيم في ثياب ممرض، تحدثت إليه تسأله إن حدث شيء ما، نفى وهو يزدرد ريقًا محملًا بغصة دامت لسنوات، ثم تابع وهو يشير إليه:
- حبيت أتطمن عليه بس.
أومأت له، ثم ألقت نظرة أخيرة عليه قبل أن تخرج تاركة مساحة لنعيم، لكن قبل أن تتخطى الباب شعرت بدوار قوي يداهمها، ولأنها لم تأكل منذ مدة سقطت مغشيًا عليها في الحال...

ركض نعيم تجاهها، حملها إلى غرفة واستدعى طبيبًا، ثم ران عليهم صمت ثقيل حتى تحدث الطبيب مبتسمًا:
- باين كده عندنا أخبار مبهجة.
انتبه له نعيم كليًا، وفي داخله شعور غريب مريب، تابع الطبيب:
- واضح إن المدام حامل، لكننا هنعمل تحاليل ونتأكد أكتر ونشوف اللازم بأمر الله.

أومأ نعيم للطبيب دون حديث أو تعبير، ما قاله الطبيب الآن كفيل بإلقائه في آبار من الحيرة، كيف لرزان أن تحمل بينما مصطفى عقيم لا يُنجب! أيكون قد واظب على علاج طيلة الفترة السابقة! لكن ولا مرة أخبره بشيء من هذا القبيل! أتكون رزان هي من عالجته سرًا! هذا الاحتمال الأقرب بالفعل...

قبل أن يغوص في أفكاره أكثر تململت رزان وبدأت تستعيد وعيها، وقف على مقربة منها وسأل إن كانت تشعر بتحسن، أومأت وهي تحاول الاعتدال مع سؤالها:
- هو إيه اللي حصل؟
- أبدًا، دوختِ والدكتور كشف عليكِ و...

نظرت إليه حينما بتر حديثه، أشارت برأسها في تساؤل، فتابع:
- بيقول إنه احتمال حمل.

لم يأخذ وجهها أي تعبير، دقيقة تنظر لنعيم كما هي، كأنها لم تفهم ما قاله، أو تنتظر باقي حديث لم يكتمل! سألت بعدم فهم مشككة فيما سمعت:
- بتقول إيه؟ ما... ما سمعتش.
ابتلع ريقه وهو يرى حالتها، ثم أعاد قوله على مسمعها مما جعلها تبتسم باتساع، ثم حالت ابتسامتها لتعجب، انقلب في الحال لنفي، وما لبثت أن تحولت معالمها لسعادة انقلبت في الحال لترهل أكتافها في غير أمل، وأخيرًا نطق لسانها:
- هو أكيد؟ أكيد يعني ولا ده تخمين ولا إيه؟ مش أكيد صح؟
ما طرأ عليها جعل نعيم يوقن أن هناك شيء ما خاطئ في هذا الأمر كله، وفي أقل من دقيقة كانت بعض الذكريات تنفرط أمام عينيه كأنها تساعده في إيجاد الخيط المفقود لهذه الحكاية...

أنفالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن