الفصل السادس

607 45 6
                                    

(الفصل السادس)

تجلس إلى مقعد شرفة بيتها، تدون في مفكرتها كما اعتادت أن تخط أهم النقاط في حياتها: "لم يكن مجرد موعدٍ لرؤية شرعية، كان أكثر من ذلك."

أتاها صوت أمها يُخرجها من عزلتها مع الكتابة، تحدثت وفي نفسها شيء من أمل:
- ما قلتيليش رأيك ولا فتحتِ الموضوع معايا زي كل مرة!

- أقول إيه بس يا ماما!
قالتها بخجل فطري، لكنه سرعان ما تحول إلى قلق، فأخذت تفرك يديها معًا وهي تُضيف:
- مش عايزة أعلق نفسي بحاجة مش ليا، أنا هستنى رده هو الأول وبعدين ربنا ييسر.

- يعني موافقة؟
قالتها الأم بلهفة وهي تقترب من ابنتها ممسكة بيدها بين راحتيها، ابتسمت أنفال ابتسامة مهزوزة، بداخلها الكثير من الاضطراب، تخشى الحياة التي هي مقبلة عليها، مستقبلها كله متوقف على رد بالإيجاب أو الرفض، فكرة مرعبة! أن تنتقل الفتاة من مرحلة كانت فيها تحت مسئولية الأهل إلى فتاة مسئولة عن أهل، أن تختار بملء إرادتها أن تحيا في مكان آخر غير الذي اعتادت الاستيقاظ والنوم فيه، أن تكون مسئولة من رجل غير أبيها، أن تستيقظ ذات يوم لتدرك أنها ستكون أمًا لأطفال صغار سيكبرون مع الزمن حتى يأتي اليوم الذي يفارقونها فيه من أجل بناء حياة حرة عنها، أن تضطر للوقوف أمام أبنائها ذات يوم، فتخبرهم بمدى جمال جوهر أبيهم، أو رداءته! أن تُوَجَّه لها نظرة الامتنان لاختيارها هكذا أب، أو تُصفع بنظرة العتاب على هذا الاختيار، إن لم تُفكر الأنثى في مستقبل فيه أبناء سيترعرعون تحت رعاية أب إما صالح أو طالح- فإن حياتها لن تكون إلا مزيفة... هكذا كل ما كانت تفكر فيه أنفال، وليست بقادرة على دفع هذه الأفكار عن رأسها.. يبدو أن المرء كلما تقدم به العمر زادت دقة تفكيره، واهتمامه بالتفاصيل التي يراها الآخرون غير مهمة، في حين أنها فارقة في الحياة، إما بالحسنى للأبد، أو الندم...

ترجرج عقلها من فكرة الخوف والقلق من أن يؤثر عمرها في قرار إسراعها للهروب من لقب على وشك أن يلحق بها (عانس).. لقب دمر الكثير من الفتيات، ألقاهم في جحيم اختيارات خاطئة من أجل الهروب منه، أو سعير ألسنة الناس التي تلوم عليهن أن رفضن فكرة الهروب منه باختيارات خاطئة... مجتمع بائس هذا الذي نحيا فيه.

قطع عليها سيل الألم هذا صوت أمها تعيد سؤالها بقلق:
- موافقة يا أنفال؟

رفعت نظراتها تجاه أمها، ترى نظرات القلق والتوتر في عمق عينيها، هكذا هن الأمهات، يسعون جاهدين لراحة أبنائهن وبناتهن، لكن الخوف من المجتمع لا ينفك يترك أسرهن حتى يقعن في خطيئة زج الأبناء للعادات وسنة الحياة دون التفكير في العواقب، فقط ليتخلصن من ألسنة الناس، والباقي مقدور عليه.

ابتلعت لعابها، وضمت بين حاجبيها وهي تُنزل عينيها للأرض، أجابت بما جعل أكتاف أمها تترهل فجأة، والدموع قد التمعت في عينيها بعزاء على حالها هذا، هذه الفتاة من فرط حساسيتها ستدمر حياتها بيدها.. هكذا كان تفكير الأم، ودون أي حديث آخر ولت ظهرها لابنتها وغادرت.

أنفالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن