(الفصل الحادي عشر)
انتهت من بث السطور حروفها، ثم قامت بتشغيل بيانات الهاتف لترى جديد الأخبار، وصلتها رسالة من عمر، تعجبت لكونه راسلها عبر الإنترنت، فهي لم تُعلمه شيئًا عن حسابها الشخصي، فتحت الرسالة فوجدتها تهنئة منه بعيد مولدها، ركزت في التاريخ فوجدت أن اليوم بالفعل تاريخ مولدها، لكن ليس هذا المهم الآن.. لقد أرسل رسالة بها من محتوى الحب ما يجعل أي فتاة تطير سعادة، لكن هي كغير أي فتاة شعرت بانقباض قلبها، لقد تم الاتفاق منذ يومين فقط، واليوم يرسل رسالة في مضمونها حديث عن حب! ألم تطالبه بضوابط للخطبة وقد أكد عليها الأمر! جال شيطان نفسها جنبات عقلها، هل تسرعت في اتخاذ قرار الموافقة!
بدأت الأفكار تعصف بها، وجلد الذات لا يرحمها، والخوف أصبح أنيسها، هل تخبر أمها؟ ستنظر لها باستصغار وتخبرها أنها تغالي في الأمر وأنه خطيبها وهذا أمر عادي! أتتحدث إلى أبيها؟ لا تضمن له رد فعل هو الآخر! ماذا تفعل، أتحذف رسالته كأنها لم تكن؟ أم ترد وتحرجه لكونه لم يلتزم بكلمته لها؟! هل هذا أثر الاستخارة التي قدمتها لله، والآن تظهر خبيئة نفس عمر؟! لحظة! أيُعقل أن عمر يختبرها مثلًا! لمَ لا، فهي قد اتخذت قرارها باختباره كلما سنحت لها الفرصة، قد يكون هو الآخر مُقدِمًا على الفعل ذاته.
عقلها يكاد ينفجر من التفكير، وقلبها لا يرحمها من وجعه خوفًا من سوء اختيارها، المستقبل مخيف بشكل لا يوصف! طرقت خلود باب عقلها، فلم تنتظر لدقيقة، وراحت تبحث عن رقم هاتفها، ثم ضغطت زر الاتصال وانتظرت الرد الذي لم يتأخر من جهة خلود، بعد السلامات والتحية دخلت أنفال بالموضوع مباشرة، أخبرتها بأمر الرسالة وكيف أنه قد وافقها على ضوابط الخطبة والآن يُخالفها، سمعت تنهيدة خلود من الجهة الأخرى، فعلمت أن الرد سيحسم لها أمرها، وانتظرته بفارغ الصبر، وخلود لم تتأخر بقولها:
- بصي يا أنفال يا حبيبتي، فترة الخطوبة دي أجمل فترة بتمر بيها أي بنت، وبتكون زي ساحة كبيرة أوي مليانة ألغام ومطبات، وأصعب المطبات دي هو "الكذب".. الإنسان مننا بيحب يظهر أجمل ما فيه، لو أنا بمتلك لسان حلو بكون عايزاه يسمعني كتير، ولو بمتلك ملامح حلوة بكون عايزاه يشوفني أحلى وأحلى، فممكن رغبتي في إظهار الجمال اللي فيا سواء مادي أو معنوي يوصلني لمرحلة الكذب، فاحنا بنتبع الأيسر في مقولة جميلة أوي بتقول "أنا لا أكذب ولكني أتجمل" والتجمل هنا بمعنى إننا نبدأ نحاول نداري عيوبنا ونعرض بس ميزاتنا.. إضافة كمان إن كل طرف مننا جواه نطفتين، واحدة عايزة تظهر للي قدامها قدر من جانب العاطفة، ونطفة تانية حابة تسمع جانب العاطفة عند الطرف التاني.. ودي بتكون بداية الزحزحة عن صراط الضوابط المفروض علينا.شعرت أنفال أن رأسها قد ثقُل فجأة، وأنها لم تفهم أيًا مما قالت خلود التي لاحظت صمت أنفال، فشعرت بحيرتها وتيهها، فراحت تقول بهدوء تام:
- جل من لا يسهو يا أنفال، كلميه تاني عن رغبتك في الالتزام بالضوابط الشرعية، وإن حتى الحديث بينكم في شات فردي يُعتبر خلوة، وزي ما الرسول قال "لا يحل لرجل أن يخلو بامرأة حتى ولو كان يعلمها القرآن وحتى لو كانت مريم بنت عمران"، وبرضو قال "ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".. فكلمة "خطيب" ما تخليهوش محلل ليكِ، هو لسه أجنبي عنك لحد ما يتم العقد، حتى النظرة اللي كانت محللة ليه في الرؤية أصبحت محرمة عليه بعد ما وافق على الارتباط بيكِ، وقعدتكم مع بعض لازم فيها محرم، وخروجكم مع بعض لازم بينكم محرم، والمحرم راجل مش ست، والهدايا ما فيش منها مانع ولا تجاوز لأنها تعبيرًا عن الحب، حتى الرسول قال "تهادوا تحابوا"..
تنهدت خلود قبل أن تأتي بنهاية حديثها:
- ما تخليش الشيطان يلعب في دماغك كتير يا أنفال، الضوابط أنتِ عارفاها كويس، وكل ابن آدم خطاء، خلي صدرك واسع وذكريه بطلبك للالتزام بالضوابط، وحاولي يكون بينكم حديث طويل شوية، وحاولي تركزي في كلامه عشان تقدري تحددي الشخصية اللي قدامك وتفهميها كويس.. وفترة الخطوبة هي فترة تعارف، لو ما لقيتيش فيه الشخص اللي اتمنيتيه أو العقلية اللي بتدوري عليها يبقى تفسخي من غير ندم جواكِ على مشاعر طلعت في غير وقتها مثلا.. فهماني؟
أنت تقرأ
أنفال
General Fictionمرحبًا أيها العابر.. كيف حال قلبك الآن؟ لا تبتسم هكذا؛ أعلم صدقًا أنك لست بخير. لا داعي أيضًا أن تخبرني عِلَّة قلبك، فأنا غالبًا أعلمها: هناك طعنة من صديق داهمك على حين بغتة، أو ربما خذلك أخوك الذي يشاركك الفراش، أم أن قريبك قال فيك ما ليس فيك؟ حسن...