الفصل الواحد والعشرون)
بدأ الأهل في التوافد على البيت، وبدأت أنفال تتجهز، والرجال في الخارج يُعلقون الأضواء، حانت لحظة وضع مستحضرات التجميل، وقبل أن تبدي رفضها للأمر صاحت بوجهها أكثر من واحدة، منهن من تقول أنها ليلة وستمر، والأخرى تؤكد أنها لن تظهر على الرجال لكون مكان جلوسها منفصلًا، وغيرها يقول أنها ستصبح حديث الساعة والجلسات، كثير من الأقاويل التي جعلت أنفال في وضع لا تُحسد عليه، فهي غير قادرة على التمسك بمبدأ دعت له لسنوات، والآن هي ترى أنها في اختبار عظيم! وافقت على مضض، فبدأت خالتها بإبراز تفاصيل وجهها بعناية، حتى إذا ما انتهت أتت خالتها بحجاب قصير مصممة على أن ترتديه أنفال، لكن إلى هنا ورفضت الأخيرة رفضًا قاطعًا، وقد أقسمت أنها لن تخرج على بشر لو لم يجعلوها ترتدي خمارها، وحينما شعرت خالتها أنها ستبكي وسيتعرض وجهها للوحة فنية خرِبة بسبب المستحضرات التي ستسيل، وافقت على نية أن تتحدث إلى عمر وتطلب منه أن يجعلها تخلع عنها خمارها ما دامت حفلتهما منفصلة.
انتهت من تجهيز نفسها، وقد تزامن ذلك مع وصول عمر وضيوفه، بقيت بالغرفة حتى تم كتب الكتاب بدخول والدها مقدمًا لها الأوراق المطلوبة لإمضائها، هلت الزغاريد بعد توقيعها، ودخل عمر إلى الغرفة بعد وقت قليل كي يأخذ عروسه، تبسم لها وبادلته، ثم قال في خجل من موقفه بين السيدات:
- جاهزة ولا إيه؟
أومأت وهي تضيف:
- دقيقة بس هغسل وشي ونطلع على طول.
تعالت الهمهمات في المكان، لكن لا هو ولا هي اهتما لها، حيث قال يشجعها على ذلك:
- بسرعة يلا وأنا هستناكي على الباب بره.
قال جملته وهو يستعد للمغادرة، لكنه قال قبل خروجه:
- عقبال عندكم جميعًا.
ركضت أنفال إلى دورة المياه قبل أن تمسك بها خالتها، بينما احتل الحزن قلب أمها على ما فعلته ابنتها، وكلها خجل بين سيدات العائلتين والجيران من فعلة ابنتها! كيف لعروس أن تخرج هكذا دون أي تغيير في ليلة كهذه! البنات كلهن في الخطبة تزينَّ بثيابهن ومستحضراتهم، وهي صاحبة الليلة خرجت بكل طبيعية، لا يميزها غير نهاية فستانها الواسعة، حتى الخمار لم تتنازل عنه!
خرجت سريعًا والسعادة تقفز من بين جنبات قلبها لتحقيقها مرادها الذي تعهدت به مع الله منذ زمن، لا يهم كل ما قيل وما يُقال، المهم أنها في الطريق الصواب تخطوه مع عمر خطوات رزينة سليمة مستقيمة. صعدت للسيارة وبدأ الجميع يرتاد أماكنه، ثم أتى والدها إلى النافذة التي تجلس جوارها، ابتسم لها ابتسامة مليئة بالدموع، وبادلته أختها، كان هو فخورًا بها لدرجة كبيرة، الرجال على الناحية الأخرى كانوا يهنئونه على تربيته إياها، فما يرونه من عرائس هذا الزمن عجيب، من تتخلى عن حجابها لأجل ليلة العمر! ومن تخرج بحجاب قصير لا يُصنف كحجاب، ومن تخرج بمستحضرات تجميل تجعلها أشبه بعروس الموالد، كان الرجال جميعهم مشجعين وفي سعادة لما فاجأتهم به أنفال من طلة، وهذا بث الثقة بنفسها أكثر حينما رأت كل حديثهم في أعين أبيها، ابتعد عن سيارتها دون أن يتحدث إليها، فالموقف أصعب من أن يقدر على قول كلمة، كل ما خرج من بين شفتيه لعمر أن قال له:
- خلي بالك منها يا بني.
سمعت جملته فركضت دمعاتها، ميزة أخرى لعدم وضع المستحضرات التجميلية: أنها لا تجعلنا نكتم مشاعرنا، بإمكاننا البكاء حينما نود ذلك دون الخوف من خرابه، كما أنها تجعلنا مشدودين بطريقة تكتيفية تعجيزية، لكن أنفال كانت بكامل راحتها، استطاعت أن تعبر عن مشاعرها بالدموع دون أن تكتم في نفسها شيئًا.
صعد عمر إلى جوارها، وانطلق السائق بهما إلى حيث المكان الذي سيلتقطون فيه الصور التذكارية، أمسك بيدها بين يديه فارتعش كل جسدها، ابتسم حينما شعر بتوترها وخجلها هذا، قال وقلبه يتراقص فرحًا بداخله:
- مبارك عليا يا نوفا.
- مبارك عليا أنا يا ميمو.
رفع حاجبيه تعجبًا مما نطقت، أهذه أنفال التي كانت تغضب حينما يناديها بـ "نوفا"؟ وكانت تذكره دومًا ألا يتخطى في الحديث حفاظًا على الضوابط التي اتفقا عليها؟ هل تناديه باسم مستعار مليء بالرقة في نطقه! ابتسمت لحركته، ثم لوحت بيدها أمام عينيه وهي تسأله فيما شرد، رد وهو يلتقط يدها مقبلًا إياها:
- بفكر في طريقة الانتقام المناسبة عشان الضوء الأحمر اللي شغلتيه الفترة اللي فاتت، بس مش هاين عليا يا بت.
ضحكت وهي تكتم ضحكتها بيدها كعادة اعتادتها كي لا يخرج صوتها، أعارا انتباههما للطريق وما يفعله أصدقاء عمر علي الطريق من حركات بدراجاتهم النارية حتى وصلا للمكان المراد، التقطها عددًا من الصور التي كانت تعبر عن بداية حياة مليئة بالحب والتفاهم، حب نشأ عفيفًا، بدأ بطرق باب، ثم رؤية شرعية، ثم صراحة تامة في كل ما يُقال، وبعض الالتزام في الحديث، انتهى بها بين يديه في أوضاع التصوير التي ما كانت لتسمح بها لو لم يكتب عليها.
عادوا للبيت في موكب كبير، نزلت فإذا بالمكان مليء بالضيوف، أدخلها عمر حيث مجلس النساء، وكان سيغادر لأصحابه، لكن أتاهما علي -الأخ الأكبر لعمر- وهو يقدم لهما علبة الذهب، كعادة قديمة أخرج عمر كل الذهب وألبسها إياه تحت أضواء كاميرات التصوير الخاصة بالموجودين، بعدها طلب الجميع منهما أن يستعدا لرقصة سويًا، كان الرفض منها وشيكًا، لكنه أمسك بيدها وهو يومئ لها كي تمرر الأمر وتخضع لرغبة واحدة على الأقل لأهلها، وقفت معه، وبدأت موسيقى عالية تخص الرقصة، بدآ في التحرك بانسيابية هادئة، قال بهدوء:
- تعالي نتكلم في أي موضوع عشان نشغل نفسنا عن الموسيقى دي.
ابتسمت لقوله وهي تسأل عن نوع الموضوع، فرد مازحًا:
- معاد ارتباطي بالزوجة التانية مثلًا.
تغضنت ملامحها فجأة وهي تضرب كتفه بخفة دون أن يلاحظها أحد وهي ترد:
- هو إيه ده إن شاء الله، ده بُعدك.
ضحك وهو يرد:
- يا بت الشرع حلل أربعة، هنكفر ولا إيه؟! مش ربنا اللي قال "مثنى وثلاث ورباع"؟
- والله! ما ربنا برضو اللي قال: "فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً"، وفي نفس السورة برضو قال: "وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ".
ابتسم لطريقة ردها، وقبل أن يحاول استفزازها مجددًا تابعت:
- الغريب في الرجالة إن أكتر حاجة حافظينها في الدين هي الآية دي، طب كملوها طيب، طب استشهدوا بالآية التانية طيب، طب بلاش.. ادوا النساء حقوقهم طيب، حسسوهم بالأمان، كونوا رجالة ليهم، عفوهم عن المعاصي، احفظوهم من الفتن، انفقوا عليهم بالمعروف، لبوا طلباتهم، اسمعوهم.. لكن الراجل من دول يهب فجأة كده يقول الشرع حلل للراجل أربعة، يا أخي كفي واحدة وبعدين ابقى تعالى اتكلم.
صدمه هجومها الشرس هذا، كانت تتحدث وكأن بينها وبين الأمر ثأر قديم، أو أن أحدهم طعنها بخنجر التعدد، لكنها قطعت عليه كل ذلك وهي تقول تنهي الحوار:
- وبعدين المفروض إن الليلة دي ليلة هنا وفرحة، وأنت بكل بساطة نكدت عليا، شوفت بقا أنت سلبتني حق من حقوقي عليك ازاي بكلمة؟
أنهت قولها وهي تقف مكانها، أعلنت بذلك انتهاء الرقصة، ثم بررت لهم أنها تشعر بالدوار، وصعدت تجلس إلى مقعدها في صمت شاركها إياه عمر، لكن ابتسامتهما لم تختفِ عن الناظرين، لقد نشب للتو شجار حاد، لكن أحدًا لم يلحظ ذلك رغبة من كليهما ألا يعرف أحد عما بينهما شيئًا، وقد كان هذا اعتراف برغبة من كليهما في الرؤية الشرعية لهما، وقد وفى كلاهما بهذه الرغبة.
انقضت الليلة على خير، جلس عمر بصالة البيت ينتظر خروج أنفال عليه، كله شوق لمعرفة ما سترتديه له هذا اليوم، لقد أصبح زوجها، وبالتأكيد سيتمكن من رؤية شعرها مثلًا، أو ارتدائها لثياب بيتية بدلًا من الثياب الفضفاضة التي لم يرها بسواها الفترة الماضية، لم يطُل انتظاره، فقد طلت عليه حاملة بيدها صينية العشاء التي جهزتها أمها، وضعتها أمامه وجلست مقابله، تحدثت تحاول صرف الخجل من الموقف عنها:
- أنا جعانة أوي، أول مرة أجوع كده.
رفعت قطعة لحم إلى فمها بعد أن سمت الله، نظراتها تهرب منه، وجسدها المتوتر تحاول الحفاظ على رعشته، تشعر أنها مجردة من الثياب رغم ارتدائها لعباءة بيتية ليست بفضفاضة، وتضع حجابًا دون لفِّهِ فوق خصلاتها، أراد أن يرحمها مما هي فيه من توتر، فبدأ يأكل معها وهو يبادلها الحديث عن لذة الطعام والجوع الذي قرصهما اليوم. وما إن انتهيا وأدخلت الصينية للمطبخ وخرجت إليه حتى اختارت موضعًا يبعد عنه مسافة ربع متر، ابتسم لذلك وهو يقول:
- في الخطوبة كانت المسافة بيننا حوالي متر ونص في القعدة، وقتها كنتِ مشغلالي الإضاءة الحمرة، دلوقتي المسافة ربع متر، هل ده معناه إن دي إشارة صفرة؟
توردت خجلًا وأول ما أتى ببالها أن تبتعد قليلًا، لكنه لم يسمح لها بذلك وهو يجذبها تجاهه أسقطها بين أحضانه، قال وهو يرفع عنها حجابها كي تتبين له خصلاتها:
- فين حضن كتب الكتاب يا أستاذة يا متعلمة؟ هو عشان أنا ما عملتهاش قدام الناس تاكليها عليا لوحدنا؟
- هي إيه دي؟!
سألت مستغربة، فرد وهو يقف جاذبًا إياها لتقف معه، وقبل أن تستوعب أيًا مما يحدث رفعها عن الأرض ودار بها وهو يقول:
- حركة الحضن بعد كتب الكتاب.
تمسكت به بقوة وأخذت تضحك وهي تضغط ضحكتها في كتفه حتى لا يسمعها أهل البيت الذين اختفوا فجأة في الداخل، ولم يخرج أي منهم، دار بها لدقيقة كاملة قبل أن يقف ويُنزلها دون أن يتركها، فبقيت بين أحضانه يتصارع قلبها مع قلبه في حركتهما القوية، كلاهما يتذوق طعم الحب الحلال لأول مرة، كلاهما يستشعر لذة القرب في حلال الله، فك أسره لها فشعرت بالدوار، ابتسم وهو يساعدها على الجلوس قائلًا:
- بحبك.
خرجت كلمته محتضنة روحها التي تعلقت به أيما تعلق، لم تتوقع أن يقولها باكرًا هكذا، لم تنسَ أنه قال مسبقًا كونه أحب فتاة ما، ولم تسعَ بأي شيء كي تحل محلها، لكن أن ينطقها الآن بهذه النبرة التي لا مجال لشك بكذب فيها فهذا فضل من الله عظيم، دمعت أعينها، تقرب منها وهو يمسك يدها قائلًا بنبرة بثت الأمان لقلبها:
- حوار التعدد ده كان هزار مني مش أكتر، حبيت أشوف رد فعلك بس.
ضربت كتفه بقبضة خفيفة وهي تقول:
- وشفتها يا خويا!
ضحك لحركتها وهو يمسد كتفه بألم مصطنع:
- أنتِ إيدك هتطول من دلوقتي ولا إيه! لا خدي بالك احنا رجالة أوي.. اه.
ضحكت وهي تمسد بدورها كتفه ملحقة ذلك بأسف مبررة أنها تمزح، أومأ متفهمًا وهو يقرب وجهها منه طابعًا قبلة فوق جبينها، ثم أسكنها بين أحضانه يستشعر كل منهما لذة الحب والأمان والسكينة.
------*------*------
يجلس أمام البيت بصحبة كوب القهوة السادة الذي قرر أن يصبح أنيس أيامه المقبلة، مرارتها قوية، لكنها ليست بقوة مرارة حقيقة توجع قلبه كل دقيقة من يومه، هناك قرار يبحث عن درب صحيح لاتخاذه، طيلة الأسبوع الماضي وهو يبحث عن أمه حتى استطاع الوصول لها، علم أنها متزوجة الآن، فتآكل قلبه لذلك، هل نسيته وأبوه لدرجة أن تحيا حياتها من بعدها بطبيعة تامة! لكنه يعود يذكر نفسه أن المرء لا يجب أن يبقى في قوقعة الماضي، لا بد من أن يؤدي رسالته في الحياة ويُكملها كما هي راضيًا، أمه لم تفعل خطأ، هي سارت في درب الحياة بدلًا من أن تقف في منتصفه يصفعها كل قادم وغادي حتى تقع صريعة الاستسلام للحياة، هي على صواب، لكن كيف له أن يتخذ هو درب الصواب الآن؟! يخشى أن يظهر في حياتها فيخربها، هل سيقبل به زوجها؟! الأفكار تتصارع داخل رأسه مخلفة صداع فتاك.
خرج يزيد عليه حاملًا كوب عصير طازج من الفراولة باللبن، قدمه له ساحبًا القهوة من أمامه، قال محاولًا جذبه مما هو فيه:
- إيه رأيك في الفرح بتاع النهار دا ده؟ بلدي أوي بس مبهج وتحس الناس كلها كانت إيد واحدة كده.
لا ينقصني صراع جديد يا يزيد.. هكذا رد عقل آدم دون أن يسمح للسان بالنطق، تذكر كيف خرجت من بيتها في خمارها دون مساحيق تجميل، لم تخضع بالقول لمن حاولت إقناعها أن تتزين، ولم تتخلّ عن حجابها الطويل، كانت بريئة، وهادئة و... وجميلة. نفض عقله سريعًا وهو يشعر أن الغضب يتفاقم داخله، أما يجب ألا يفكر بواحدة قد أصبحت ملكًا لشخص آخر؟ هل يضيف لنفسه عذابًا فوق عذابه! أينقصه أصلًا!
انتبه ليد يزيد الذي ربت على فخذه قائلًا:
- بلاش السكوت يا صاحبي، السكوت مش هيحل حاجة، حاول تفضفض، الأمور من زاوية واحدة ما بتكونش واضحة كفاية.
تنهد آدم وهو يرفع كوبه من العصير يتذوقه، ثم وضعها مكانها وهو يرد بقلة حيلة:
- مش سكوت وكتمان قد ما هو تفكير.
زفر وهو يستعد لمواجهة أفكاره بتحريرها، ما عاد يتحمل كتمان أكثر، وإن لم يكن يزيد هو مرأته فمن سيتخذ؟! باح بهدوء تام:
- الحقيقة كانت أقوى من مواجهتي ليها، أنا.. أنا عارف إني ظلمت هيا باللي عملته، بس كله جه على بعضه، هي لعبت بيا وبمشاعري، أنا كنت صريح معاها من البداية ما كذبتش، حاولت أخفف الصدمة عليها بمصارحتي ليها إن مشاعري مش ليها لكن هي صممت تضغط عليا وتحملني فوق طاقتي.
- بس أنت ما بتفكرش في هيا دلوقتي!
انتبه آدم لرد يزيد الذي ابتسم متابعا:
- شفتك كذا مرة بتدور في صفحة والدتك وصورها، سمعت تنهيدات بكاك وأنت محتار في قرارك، هي باين عليها كملت حياتها، بس عيونها وابتسامتها المطفية بتقول إنها لسه عايشة في الماضي.. وأنت بين إنك تسيبها للحياة شبه الجديدة، وبين إنك ترجعها للماضي.
تنهد وهو يضيف:
- بس يا آدم حقايق الماضي مش كلها تعيسة، ومش كلها تستاهل الردم، فيه حقايق لما بتشوف الشمس بتزهر وتنور.
أنهي حديثه وهو يقف مستعدًا للدخول، لكنه أضاف قبل أن يختفي:
- لو عايز فعلا تعيش مرتاح امشي ورا نبض عقلك.
تركه في دوامة الحقيقة البينة، كم من العمر ينوي أن يُضيع أكثر؟! هذا هو السؤال الذي راوده، وهو الذي بات ليلته عليه، وقد أصبح في اليوم التالي متخذًا قراره النهائي.
تحدث إلى يزيد وهو يضع أطباق الطعام:
- هو أنا ممكن أشتغل في إيه الفترة دي؟
- تشتغل!
سأل يزيد وقد خشي أن يكون قرار آدم هو الكتمان على الماضي، لكن آدم رد بهدوء يوضح:
- لازم أشتغل في حاجة وأعمل مبلغ عشان أقدر أسافر لها، يعني أنت عارف إن الدراسة...
قطع يزيد عليه قوله وهو يضع أمامه فيزا البنك الخاصة بآدم، رفع آدم نظراته له في تساؤل، فبرر يزيد:
- ما تنساش إن الخير اللي جدك فيه ده هو خير أبوك كمان، زي ما هيا ليها في الخير ده فأنت ووالدتك ليكم فيه، وأظن إنه مش عدل أبدًا تتنازل حتى عن حقك اللي سابهولك أبوك في الدنيا.
دار حديث يزيد بعقل آدم قليلًا قبل أن يبتسم لصاحبه قائلًا بامتنان:
- وجودك فارق أوي يا يزيد.
- لا أنا عايز شيتوس بالشطة، الكلام الناعم ما بياكولش معايا.
ضحك آدم وهو يتحرك من موضعه، لكن يزبد ضغط على كتفه يُجلسه وهو يقول:
- والله ما أنت تاعب نفسك ولا أنت قايم، اجلس اجلس.
تضاحكا سويًا قبل أن يبدآ تناول الطعام، وقد اتضح لكل واحد طريقه، لم يظن أي منهما أن أقدامه ستثبت بهذه السرعة في بلد اغتربوا عنها أكثر من مكوثهم فيها، لكن يبدو أن الوطن لا يلفظ أبناءه!
------*------*------
ولجت من باب البيت الكبير وبداخلها رهبة كبيرة من المكان، أتعبها السفر، لكنها لم تبالِ له قدر مبالاتها بمعرفة مصيرها الذي هي مقبلة عليه بكل هدوء وصمت، ما إن دخلت صحبة الرجل الذي علمت أن اسمه نعيم حتى رأت أنفال تأتيها شبه راكضة، شعرت أن الانتعاش زار صدرها المثقل بأحماله، لم تدرِ بقدمها وهي تركض تجاه أنفال التي استقبلتها بذراعين مفتوحين، احتضنا بعضهما بشوق كبير، كأن ما بينهما أكبر من أن ينطقه لسان أو يصفه شعور، لقد بقيت أنفال وقتما رحل الجميع، وهذا ما جعل سارة تشعر أن الروح دبت فيها من جديد، ابتعدتا عن بعضهما فتبين للجميع دموعهما، تخطت رزان الواقفين وهي تجلس القرفصاء أمام سارة مرحبا بها، لم تبدِ سارة أي رد فعل، فلم تحاول رزان اجتذاب حديثها، وقفت وهي تقدم الشكر لنعيم الذي ابتسم لها مومئًا، علام تشكره! كل سعيه الأن ليس إلا طمعًا في سماح مصطفى له، لم يحدث بينهما أي عتاب، وهذا الأمر أرهق نعيم كثيرًا، ما دام مصطفى لم يُعاتب فهو لم يصفح بعد.
------*------*------
أنت تقرأ
أنفال
Ficción Generalمرحبًا أيها العابر.. كيف حال قلبك الآن؟ لا تبتسم هكذا؛ أعلم صدقًا أنك لست بخير. لا داعي أيضًا أن تخبرني عِلَّة قلبك، فأنا غالبًا أعلمها: هناك طعنة من صديق داهمك على حين بغتة، أو ربما خذلك أخوك الذي يشاركك الفراش، أم أن قريبك قال فيك ما ليس فيك؟ حسن...