🌹الفصل الثاني والعشرون🌹

1.7K 79 0
                                    

الفصل الثاني والعشرون
 ••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••☆
حفل مهيب يليق بحفيد الهيثم وابنة المحمدي، تحولت ساحة قصر الهيثم لقاعة ضخمة أقيم بها عرس اول أحفاد الهيثم
خيمة حريرية غطت مساحة عدة أمتار، زين سقفها بنجوم كرستالية مضيئة كأنها سماء لعالم مخملي فريد من نوعه،  طاولات زجاجية زينت بكؤوس فضية بحواف بلورية  نادرة
حفل ملوكي يسمع عنه ولكن يصعب رؤيته الا لمن ينتمون لتلك الطبقة
حسد وغيرة هو ما شعرت به حين رأت استعدادات الحفل التي اشرف زوجها عليها بنفسه، تمنت ان يقام لها حفل كهذا فهي أيضا زوجة للهيثم الاخر ولن تقبل ان تعامل بطريقة اقل
-هالة
افاقت من تأملها  على نداء بنات عمتها فابتسمت واتجهت صوبهم
-هذه ماهي ابنة خالنا عادل وشقيقة العروس
اختفت ابتسامتها واستبدلت بالذهول، من بين النساء جميعهم تكون هي شقيقة عروس ثائر الهيثم، مرشحة مثالية لتكون زوجة الابن الاخر، ظلت تلعنها براسها فكلما تناست أمرها ظهرت أمامها مرة أخرى
-سعدت بلقائك
لم تظهر معرفتها السابقة بها فهي تعلم أن زواجهم غير معلن، لكنها لم تخفي استنكارها لوضع هالة الشاذ خاصة انها ابنة لرجل كمصطفي الفايد احد اغني اغنياء البلد وطليقة احد أشهر رجال الأعمال والذي علمت من بنات عمتها انه كان صريع لغرامها وهي من طلبت الانفصال عنه دون سبب

راقبها منذ بداية الحفل وهي تتنقل بين الضيوف بخفة بثوبها النبيذي الذي أنساب على جسدها بنعومة مظهرا رشاقته تاركا كتفيها عاريتين الا من حمالة عريضة على أحدهما والآخر حر بدون قيود،  خصلاتها عقدت بتسريحة رقيقة تناثرت عليه نجوم ماسية زادتها أناقة، ابتسامتها التي رسمت على ثغرها الوردي الذي ازدان بملمع شفاه هادئ  مخفية حزنها بأعينها التي حددتها بكحل اسود أظهر روعتهم، عقد النية على مشاكستها قليلا لكن دخول العروس قاطع مخططه فتراجع قليلا عن تنفيذ ذلك لوقت لاحق

عروس خطفت الانظار فور دخولها القاعة متأبطة ذراع والدها، ثوب ابيض من الدانتيل المبطن، شغل بفصوص ماسية تناثرت عليه كاملا وصولا لذيله الذي امتد لعدة أمتار خلفها، طرحة ثبتت بشعرها بمشبك ماسي من الخلف وانسابت بطول ظهرها نزولا حتى نهاية الفستان
تبعها شقيقها الذي ارتدي بذلته الرسمية التي  زادته وسامة
دخول يليق بأميرة بحفل زفافها حيث اصطف على جانبي المدخل عدد من الطيارين بذيهم الرسمي جاءوا خصيصا لحضور حفل شقيقة صديقهم خالد المحمدي من بينهم كابتن نايف الذي حرص على الحضور تقديرا لزميلته الصغيرة ماهي الجابر
بزيه العربي الأصيل يقف بشموخ بجوار جده الذي حرص على الوقوف منذ بداية الحفل كأنه يحتفل بانتصاره اخيرا على صبر السنون التي مضت
ثوب ابيض من الحرير يعلوه عباءة سوداء بحواف زينت بخيوط ذهبية وشماغ ابيض زين بعقال باللون الأسود جعله كالصقر العربي الأبيض الذي يغطي ريشه الناصع البياض بضع ريشات باللون الأسود
تسلم العروس واجلسها بجواره دون النظر لها فكل ما يجول بباله الان ان ينتهي من تلك المهزلة المسماة زفاف

تعالت الزغاريد العربية حين انهي الشيخ عقد القران الذي جمع مع حفل الزفاف بحفل واحد كما امر الهيثم
توالت التبريكات من الجميع حتى جاء الدور على شقيقة العروس التي ما ان عانقت شقيقتها حتى أسرعت بسحب ابن خالها خلفها معلنة عن مفاجئة قد سبق ووعدت بها شقيقتها
حاول ادم ان يثنيها عن فعل ذلك فالحفل ليس بلندن كما كانا يخططان وهم صغار لكن ماهي أصرت على أداء رقصتها بصحبته كما سبق ووعدت شقيقتها فرضخ لرغبتها متمنيا  ان يمر الامر على خير
تعالت نغمات اغنية( يا اما القمر على الباب) وسط استغراب الجميع من هدية شقيقة العروس الغريبة تلك ولكن لم يطل استغرابهم حيث بدأت ماهي بالتمايل على أنغام الأغنية كراقصة محترفة، وما آثار دهشتهم اكثر هو رقص ادم المتقن بالعصا معها مما جعل الأمر يتحول لاستعراض يحاكي رقصة رشدي اباظة ونعيمة عاكف!
بمنتصف الرقصة اقترب خالد ورافق العروس لمنطقة الرقص حيث اشتركا مع الاثنين الآخرين وأشار لأخته الصغيرة كي تشاركهم رقصهم هي الأخرى،  انسجم الجميع مع الموسيقى وتعالي تصفيقهم وصفارات الإعجاب  بالقاعة
عانقت شقيقتها ما أن انهت رقصها وهي تهمس بحب
-ما كنت لأخلف وعدي لك جميلتي

لم يخف الهيثم إعجابه بالصغيرة التي لا تهاب احد وتمني لو يستطيع شاهين ان يفوز بها هو الاخر
-قوية
همس بها لحفيده الذي لم يندهش حين راي رقصها فهو سبق وراها ترقص بطريقة أخرى تختلف تماما عن العرض الذي قدمته منذ قليل لكنه يفسر اتقانها للرقص لهذه الدرجة
لم يستطع ان يمنعها من مشاركة اخوتها رقصتهم لكن عقله كاد ينفجر من شده الغضب حين سمع صيحات الإعجاب التي تعالت وهم يشاهدوها تتمايل برفقة اختها، حاول أن يتحكم بغضبه من أجلها كي لا يفسد فرحتها التي ظهرت على وجهها الذي ظهر جماله حين عقدت شعرها المتمرد بضفيرة فرنسية امتدت لنهاية خصرها ويزيد
اغتاظت  حين رأت نظرات شاهين التي كادت تلتهم تلك المتمايلة أمامه فهي تعلم مدى عشقه للرقص خاصة الشرقي وهي رغم اجادتها له لن تصل لهذا المستوى من الإتقان الذي لدي تلك الفتاة التي لا تعلم من أين ظهرت لها
حضر الحفل بناء علي دعوة صديقه عادل المحمدي فوجدها هناك، لم يتغير بها شيئا لكنه هو من تغير فنظرته العاشقة تحولت لأخرى كارهة خاصة حين رأى نظرتها التي كانت تختلسها لشاهين الهيثم فلعن قلبه الذي احبها يوما وجعلها تحمل اسمه


لم يشغل باله بما يحدث رغم رغبته بإفساد سعادتهم تلك الا انه قرر ان ينتظر حتى ينتهي الحفل ويبدأ بتنفيذ انتقامه لدرجة انه لم يلتفت للعروس التي كانت تتأمل به مستغلة انشغاله بالحديث مع جده

رجل يمتلك جميع مواصفات المثالية بداية من جسده المتناسق وذقنه المشذب وعيناه الحادتين وانفه الشامخ وثوبه الذي زاده هيبة جعلها تأمل ان يخلف ظنها ويكون نعم الزوج لها ولا يضيع انتظارها هباء



رافقت شقيقتها لجناحها بقصر الهيثم وما ان اطمأنت عليها حتى غادرت كي تلحق بآدم الذي ينتظرها بالخارج،  ذراع قوية جذبتها حتى التصقت بصدر الذي تسبب بإيلامها بسبب اصطدامها به
-لقد اذهلتني حقا بتعدد مواهبك كابتن ماهي
ابتلعت ريقها بصعوبة حين سمعت همسه الذي اربكها خاصة وهو ملتصق بها لتلك الدرجة المخجلة، حاولت أن تبتعد لكنه ابي وشدد قبضته عليها فما كان منها الا ان هددته بالصراخ اذا ما ظل على وضعه
-لن تفعلي فلدي طرقي الخاصة بإسكاتك
لم تصدق مدى وقاحته معها مما جعلها تنفر منه فهو لطالما كان الرجل الرزين الذي لا يتأثر بإحداهن لدرجة تخرجه عن تعقله
-هلا أخبرتني ما سبب تهورك هذا؟
خرج صوته اجش مخبرا اياها بمكنون صدره
-انت ماهي فأنت كالفاكهة المحرمة لا انت ستقبلين بي ولا انا لدي الجرأة للمطالبة بك
استكانت للحظات حتى ظن انها رضخت له فأمال وجه ناحيتها بنية تقبيلها فما كان منها الا ان ضربته بقدمها حتى ابتعد متألما سانحا لها الفرصة للهروب 

انتهى الحفل اخيرا  واختلي العروسين بعضهم البعض، منعها حياؤها من النظر لما يفعله فقد كان يتحرك بعشوائية حتى استقرت حركاته أمامها مباشرة
-دون مراوغة انت تعلمين لما انت هنا أليس كذلك؟
لم يخرج صوتها رغم محاولاتها الرد عليه فأومأت عله براسها
-هنا انت جارية
اتسعت اعينها حين سمعت ما وصفها به فرفعت راسها محدقة به بذهول
تاه لثوان  بخضرة عينيها وكاد ينسى ما كان يقوله لكنه آفاق لنفسه وعاد لما كان يقوله وان خفت حدته قليلا
-جارية والجواري لا يعشن بجانب الملوك بل يعشن بالحرملك لحين طلبهن لفراش الملك
حاول عقلها ان يستوعب كمية الإهانة التي وجهها لها فهي ليست بجارية هي زوجة لكنها لم تقو على الرد فقد الجم لسانها بجراته الشديدة
لم يتوقف هنا بل زاد من الملح حين انهي كلامه ووجهه مقابل وجهها وانفاسه الساخنة تعبث بسكونها
-مهمتك هنا تتلخص بإحضار حفيد للهيثم وحين تحضر الجارية وريث تحرر
انتهى من حديثه وترك لها الجناح بأكمله كي ترثي حالها كما تشاء بغيابه الذي ارباحها به

كانت تتوقع جفاء بعلاقتهم، وربما تجاهل اما ان يخبرها بأنها ستكون جارية لديه تشاركه الفراش حتى تنجب له الحفيد ويرميها هو ما لم تتقبله فانهارت دموعها التي منعتها لأيام طوال وسعادتها كلماته على الانهمار

**********
عادت للفندق برفقة خالد حين لم تجد ادم بانتظارها كما اتفقا، وحين سألت عنه أخبرها شقيقها انه ذهب دون التحدث مع احد منهم
-الن تعودي معي للقصر؟
-ليس الآن خالد، لن أعود حتى يسافر ادم
تحججت بوجودها بقرب ابن خالها لكنها لن تبق بمكان واحد مع جدها الذي استسلم للعرف على حساب شقيقتها التي يعلم الله ما ستعانيه بقصر الهيثم على يد زوجها

تخطت حجرتها واتجهت نحو غرفته كي تطمأن على حاله وتعلم منه سبب مغادرته بدونها
شعره مبعثر، قميصه مفتوح حتى منتصف صدره شكله يدل على حالته المزرية، عاد للداخل ما أن فتح لها الباب فتبعته وخرجت نبرتها قلقة
-ما بك ادم؟
لم يستدر لها واكتفي بالقبض على حواف النافذة عله يهدأ وينسي ما راه، بقصر الهيثم قبل مغادرته
أعادت سؤالها ويدها تمسد كتفه من الخلف فما كان منه إلا أن امسك بيدها ودفعها حتى الصقها بالجدار وهو يصرخ بها
-هل قبلك؟
صدمت من سؤاله وحاولت ان تنفي ما يقول لكنه شدد من امساكه لها لدرجة آلمت ذراعيها
-هل لمسك؟ هل هو هذا الحبيب الذي وقعت بغرامه؟
-ما الذي تقوله ادم؟ بالطبع لم اتركه يمسني، ابدا لن يمسني ابن الهيثم
-لن يمسك؟
هزت راسها موافقة قوله وهي لا تعلم سبب ثورته هذه
-لا، لن يفعل
كان صدرها يعلو ويهبط من فرط انفعالها وتأثرها بغضبه الذي جعل جسده كله يتشنج من شدته
ثبت نظره ببحور عسلها وانسابت الكلمات من فمه رغما عنه كالمخمور الذي أعطته ثمالته الشجاعة ليواجه أسوأ مخاوفه
-انا من يحق له بقبلتك، انا من يحق له ان يسكن قلبك انا لا أحد اخر
-ما الذي تقوله ادم؟!
-احبك ماهي، بل تعدت حالتي مراحل العشق كلها فلم يعد هناك وصف يلق بهوسي بك
اسرتها نظرته التي لأول مرة تراها بعينيه، أعين عاشق اذابه ولهه،  لم تجد ما تجيبه به غير اسمه الذي خرج من فمها مهزوزا
-ادم...
لم يتحمل قربها اكثر فانقض على شفتيها ليشعرها بما يعانيه من عشقها، سنوات صمت تحملها فقط لينعم بقربها لا لكي يراها بأحضان غيره، غيبها بقبلته عما حولها لثوان حتى آفاق عقلها لما وضعت نفسها به، فهي بأحضان ادم صديقها؟! متى عشقها ومن سمح له ان يقتنص هذه القبلة منها؟
دفعته بعيدا عنها وباغتته بكفها الذي نزل على وجنته معاقبا له على ما فعله
-من سمح لك بذلك؟! ابدا لن اسامحك ادم ابدا
خسرها،  هذا هو ما صرخ به عقله حين غادرت دون حتى الالتفات له فذهبت السكرة التي كان بها وافاق علي واقعه الذي اصبح خال حتي من وجودها حوله.

*********************
يتبع....

رواية(  بين مخالب الصقور)للكاتبة/ أيمان المغازىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن