#أمل_حياتي_١
علي رصيف محطة مصر وقفت تلك الأربعينية الجميلة ذات العيون الزرقاء والوجه الملائكي تنتظر قطار الثامنة صباحا المتجه للاسكندرية كما اعتادت أن تفعل كل عام في مثل هذا اليوم.
وقفت أمل بملامحها الهادئة وعيناها المغلفتان بحزن دفين تنظر باتجاه القطار المنتظر وهي شاردة تسترجع كل ما مر بها بداية من نشأتها بالمنصورة وحتي استقرارها بالقاهرة هروبا من الذكريات المؤلمة التي تأبي أن تفارقها.علا صوت صافرة القطار معلنا عن وصوله لتستقل أمل العربة المدون رقمها علي تذكرتها ثم تبحث عن مقعدها الذي كانت تحرص دائما ان يكون بجانب النافذة قبل أن تمسك بهاتفها لتكتب رسالة من كلمتين وارسلها لابنتها
" ركبت خلاص "
أغلقت أمل هاتفها بعد إرسالها الرسالة ووضعته بحقيبتها قبل أن تغمض عينيها وتستند برأسها علي النافذة ليبدأ القطار في التحرك باتجاه مدينة الآلآم والذكريات الاسكندرية ويبدأ عقلها بالتحرك باتجاه أيامها الأولي بالمنصورة. نشأت أمل في أسرة صغيرة مكونة من أمها وشقيقتها الكبري كاميليا، مازالت تتذكر يوم وفاة أبيها ودموع أمها التي ما جفت حتي لحقت به. كان لفقدانها والديها في سن صغير أكبر الأثر عليها حيث فقدت معهما احساسها بالأمان والدفء وهو ما دفعها للموافقة علي طلب عبد العزيز ( أو عزيز كما اعتادت أن تناديه ) بالزواج منها. عبد العزيز ذلك المهندس الوسيم الذي بهرته بجمالها ورقتها فور تخرجها من كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية والذي شعرت أنه سيكون منقذها من وحدتها خاصة وأن كاميليا شقيقتها كانت قد تزوجت منذ عامين وتركت منزلهما لتصبح ايامها بلا احداث جديدة سوي انتظارها الخميس من كل أسبوع حين تأتي شقيقتها بطفلتها لتشعر وقتها فقط أن لها حياة واسرة.
كان عبد العزيز الابن الوحيد لأسرة متوسطة لكنه كان مدللا الي حد كبير، اعتاد أن يحصل علي كل ما يريد منذ طفولته وألا يرفض له طلبا ابدا. وعلي الرغم من حدة طباعه وعصبيته المفرطة إلا أنه كان يحمل قلبا طيبا لا يحمل بداخله إلا أمل التي أصبحت زوجته.
عاشت أمل مع عزيز أيامها في هدوء وسعادة لم يعكرهما سوي اكتشافها إدمانه للكحول، حاولت معه كثيرا أن يقلع عن تلك العادة المحرمة المضرة ولكنه كان يستجيب مرة ويعود مرات حتي سئمت من محاولاتها معه واكتفت بدعائها له خاصة وانها قد رزقت بابنتها رغدة بعد عام واحد فقط من زواجها منه ثم وهبها الله بعدها بعامين مروان الذي من أجله تذهب كل عام في رحلتها تلك من القاهرة للإسكندرية حتي تشعر بقربها منه ولو لساعات قليلة.
وصل القطار محطة سيدي جابر بالإسكندرية لتخرج أمل وتستقل سيارة أجرة تأخذها للكورنيش حيث تمضي يومها تنظر إلي من أخذ منها قلبها بلا هوادة، الي من انتزع منها صغيرها بلا رحمة ولا شفقة بدموع أم ليس لها إلا ولدها. تمضي أمل يومها هذا من كل عام جالسة أمام البحر حيث رأت مروان للمرة الأخيرة، مازالت تتذكر هذا اليوم وكأنها تعيشه الآن.
كانت أمل تجلس يومها علي شاطئ البحر بجانب عزيز وبجانبهما جلست رغدة تبني قلاع من الرمال ومروان يحضر لها الماء بألعاب البحر ليساعدها. التفتت أمل لتري عزيز وقد اخفي زجاجة من مشروباته الكحولية في احدي الحقائب ليشرب منها خلسة دون أن يراه أحد، لم تعرف أمل لما انقبض قلبها لحظة رأت الزجاجة ولكنها صمتت ولم تخبره انها رأته و عادت تراقب الصغيران وهما يلهوان بجانبها. آه يا أمل لو كنتي تعلمين انها آخر لحظاته لكنت ضممته الي قلبك حتي آخر يوم بعمرك..نهض عزيز فجأة معلنا عن نزوله البحر وهو يسأل
- مين هيجي مع بابا ينزل البحر؟
ليقفز مروان بحماس قائلا- أناااااا
حمله عزيز بفرحه وابتسامة كبيرة وهو يسرع باتجاه الماء لتقفز أمل من مكانها وتسرع خلفه قائلة
- عزيز استني لبسه العوامة
- متخافيش يا أمل أنا معاه
- طيب بس لبسهاله برضو ده مش بيعرف يعوم يا عزيز
- أنا ماسكه يا أمللتعود بعدها أمل وتجلس بجانب رغدة تتابع صغيرها وهو يلهو بالماء في سعادة مع ابيه، ليتك صرختي يا أمل لتذكريه بأنه بنصف وعي.. ليتك ما صمتي وصممتي علي الباس الصغير عوامته لأنه مع أب مخمور، لما تراجعتي؟؟
ها هو عزيز يأخذ وحيدها ويبعد أكثر عن الشاطئ، ماذا تفعل يا عزيز؟! أتعي أن وحيدك بيدك؟ أشاعر انت بتشبثه بك والماء يكاد يصل لأذنيه؟!وقفت أمل تصرخ وهي تري قطعة من قلبها يغمرها الماء وهو يدور في دوائر صغيرة تجذبه للأعماق وبجانبه أبيه لا يستطيع الامساك به، صرخت أمل وهي تجري لا تدري ماذا تفعل ولولا أن امرأة أمسكت بها قبل أن تلقي بنفسها في الماء لكانت غرقت هي الأخري وتركت رغدة وحيدة بعدها فهي لا تجيد السباحة مثل وحيدها.
قفز بعض رواد الشاطئ بالماء وسبقهم رجال الإنقاذ في محاولة لإنقاذ عزيز ومروان ولكن لصغر حجم الصغير لم يستطع رجال الإنقاذ العثور عليه ولم يتم انقاذه علي عكس عزيز الذي امسكوا به بسهولة ليخرج وحده من الماء وتجد أمل نفسها وحيدة بدون مروان، فقط مع من قتله ومع عوامته..لم تدري أمل ما حدث بعد ذلك فقد أفاقت بعد عدة أيام لتجد نفسها بإحدي مستشفيات الإسكندرية وقد جلست شقيقتها بجانبها ترتدي ثياب سوداء وتبكي بلا انقطاع. ما أن رأتها أمل حتي تأكدت أن ما رأته لم يكن حلما وأن تلك الدوائر قد ابتلعت صغيرها حقا وابتلعت معه أحلامها وايامها واستقرارها، حاول عزيز كثيرا أن يتحدث معها ولكنها كانت ترفض دائما فبنظرها هو من قتل ولدها باستهتاره وانانيته. بنظرها عزيز هو الجاني والمسئول الوحيد عما حدث وعليها أن تنقذ ابنتها من اب مخمور، لم تكن تدري ان يتسبب إصراره علي إدمانه الكحول في موت ولدها يوما ما، وان تنقذ معها ما تبقي من عمرها.
#يسرا_عمر
أنت تقرأ
أمل حياتي
Romanceخسارة كبيرة دفعتها الي الهرب محاولة منها للنجاة بإبنتها خوفا من فقدانها هي الأخري بعد ان ظنت انها نهايتها ولكن تعود الحياة لتبتسم لها من جديد وتهديها مما تمنت يوما