رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - المقدمة

974 27 6
                                    

"هل تمزح معي؟!"
ابتلع ريقه بتوتر وهو يرى عينيها المتسعتين بصدمة تتحولان لأخرى غاضبة.. وعسل عيناها يلتمع بطريقة جعلته يتوقع أن القادم أسوأ.. وما هي إلا ثوان وتأكد من توقعه.. فعندما طال الصمت نهضت بعنف وتحركت لتقف أمامه وهي تكمل "لأنك إن كنت تتحدث بجدية فلن يعجبك ما سافعله!"
تنهد ورد "اجلسي لولا دعينا نتفاهم"
انعقد حاجباها بشدة وهمست "نتفاهم!"
تراجعت خطوتين وهي تنظر له بصدمة "إذا أنت تتحدث بجدية.. أنت تنوي الزواج من امرأة أخرى بعد والدتي!!"
نهض وهو يقول "والدتك ماتت لولا و..."
وقبل أن يكمل صرخت بوجهه "وإن كان!!"
توقف عن الحديث ينظر لها بينما تكمل "كيف تتجرأ وتفكر بالأمر حتى.. هل نسيت ما فعلته أمي لأجلك.. وكيف عانت معك؟!!"
خاطبها بحدة "لا تصرخي علي يا فتاة.. هل نسيت إني والدك؟!!"
لكنها لم تتأثر أو تتراجع.. كانت تنظر له بتفكير وعينيها تضيقان شيئا فشيئا.. ثم قالت "أنت لم تكن تفكر بالأمر"
صمتت قليلا تتفحصه ثم أكملت "ما الذي غير رأيك فجأة؟"
رد بصرامة "لا شأن لك.. كما إني لا آخذ رأيك.. أنا أخبرك إني سأتزوج بعد أسبوع من الآن.. ولا أهتم بما تظنينه أو تفكري به!"
ثم تحرك تاركا إياها تحدق بأثره بتفكير.
***********
"هل تمزحين معي؟!"
بقيت تنظر له بثبات.. ودون أن يرف لها جفن ردت بصرامة "وهل هناك مزاح بأمر كهذا؟"
هز رأسه وسأل "كيف.. ولماذا.. أعني هل تريدين الزواج فعلا؟!"
عقدت حاجبيها وردت بحدة "هل تحاسبني بدر أم انك تحاول إهانتي؟!"
كان يحدق بها بصدمة ثم أطرق.. وعلمت هي إنه يحاول تمالك أعصابه حتى لا يقول أي كلمة قد تجرحها.. ثم نظر لها وابتسم قائلا "أمي.. أنا ما كنت أبدا لأهينك أو أحاسبك.. أنت أقرب وأغلى شخص على قلبي"
تنفس بعمق وأكمل "أنا أعلم أن الزواج هو شرع الله.. وإنه من حقك الزواج مجددا مادام الشخص مناسب وأنتِ ارتضيته"
ابتسمت له وهدأت ملامحها فأكمل "لكن أمي لما الآن.. بعد مرور كل هذه السنوات.. وبعد أن رفضت كل من تقدم لك من بعد والدي رحمه الله"
نهضت فنهض هو أيضا فاقتربت منه.. وما أن وصلت إليه ربتت على كتفه ثم أحاطت وجنته وقالت بحنان "كنت أعلم أنك الوحيد الذي سيتفهمني حبيبي"
ابتسم لها بينما هي تتنهد وتكمل "هل تذكر تلك القصة القديمة التي أخبرتك بها؟"
عقد حاجبيه ثم اتسعت عيناه وأومأ بتفهم.. فنظرت لعينيه الزرقاوين المشابهتين لعينيها واقتربت منه أكثر وهي تعض شفتها السفلى ثم عادت تنظر له.. ورغما عنها خرج صوتها مهتزا مترجيا وهي تقول "أعلم ما ستقوله.. لكن بني أنا..."
وضع بدر أصابعه على فمها ثم ابتسم لها قائلا "أمي.. ما كنت لأسمع منك تبريرات أو أحاسبك بعد كل ما أضعته من عمرك لأجلي"
ضحكت بخفوت وامتلأت عينيها بالدموع ثم ضغطت وجنتاه معا وهي تقول "أنت فقط تغار علي أيها المحتال!"
ادعى التفكير ثم ابتسم قائلا "لا أصدق أن أحدا ما قد يشاركني بك"
ارتفعت على أصابع قدميها مع هذا لم تستطع الوصول إليه.. فانحنى قليلا لتطبع قبلة على جبهته ثم ابتعدت عنه وهي تقول "لا أحد سيحتل مكانتك بقلبي.. أنت رجلي الأول"
اتسعت ابتسامته وتنهد قائلا "إن كان الأمر هكذا فأخبريني ماذا تريدين أن يكون لون بذلتي؟"
ضحكت بخفوت ثم طبعت قبلتين على وجنتيه وتحركت سريعا ناحية غرفتها بينما بدر يراقبها بدت وكأنها فتاة في العشرين.. ورغما عنه ابتسم لأنه يراها بهذه السعادة.. لكن ما أن أغلقت باب غرفتها اختفت ابتسامته وهو يطرق بتفكير.. ثم عاد للجلوس وعقله لا يتوقف عن العمل.
*********
"لا أصدق أنه وافق بهذه البساطة!"
ابتسمت بينما تكمل "لكني كنت أعلم أن بدر لن يخيب ظني.. أخبرتك إنه سيتفهمني"
-:"وأنا كنت أثق بنظرتك به"
اتسعت ابتسامتها لكنها تجمدت فجأة وهي تسأله "ماذا عن لولا.. كيف تقبلت الأمر؟"
سمعت تنهيدته فعلمت ما حدث وأكملت "لا تستاء.. إنها لاتزال صغيرة"
-:"لا هي ليست كذلك.. إنها في الثانية والعشرين.. ومن المفترض أن تقدرني بعد أن تعبت بتربيتها كل تلك السنوات"
صمت قليلا ثم أكمل بحزن "هل تعلمين لم يحزني رفضها؟.. أنا كنت أتوقعه فهي متعلقة بوالدتها للغاية.. لكن ما أحزنني حقا إنها لم تحاول أن تفهم.. فقط اشتعلت غضبا وصرخت علي كالعادة.. لا أدري لم هي عنيدة وقاسية علي بهذا الشكل!"
قالت تهدئه "لا تحزن يا صالح.. لولا لا تزال صغيرة وصدقني ستتعقل"
خفضت عينيها ثم أكملت "أنا حقا آسفة لما سببته لك من..."
-:"لا تكمليها حتى وفاء!"
توقفت عن الحديث بينما هو يكمل "في الماضي اضطررت لتركك.. لكن الآن لا لولا ولا أي أحد بإمكانه إبعادي عنك"
ابتسمت رغما عنها وهي تشعر بدقات قلبها تهدر بصدرها.. ثم قررت تبديل الموضوع والحديث معه بأمر آخر.. بينما سمع إبراهيم صوت باب غرفة لولا يغلق بعنف لكنه لم يهتم.. وقرر ألا يسمح لأي أحد بإفساد فرحته.. فبعد مرور كل هذه السنوات أخيرا حبيبته ستصبح له.
**************

وبغرفتها كانت لولا تتحرك بعصبية بجميع أركان الغرفة الضيقة التي بالكاد تحتوي على فراش صغير وخزانة ملابس صغيرة ومكتب صغير.. بقيت تتحرك دون توقف وهي تتذكر ما سمعته من حديث والدها على الهاتف.. جملة واحدة فقط أجابتها عن كل أسئلتها.. تلفتت حينها لتقف بمنتصف الغرفة.. وفجأة وقعت عيناها على صورتها مع والدتها وهي في السابعة من عمرها.. وعندها احتدت نظراتها وتنفست بغضب وهي تهمس "أقسم بحياتك ومماتك أمي.. بكل ما عانيته وبكل ما تمنيته ولم يحدث.. أن أريها العذاب ألوانا.. أعدك أن أدفعها الثمن غاليا!!"


رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن