سالي
كان عليك العلم..
كم بالحياة آثمت..
كان عليك الحذر..
وعدم الوثوق ببشر..
كان عليك النظر..
والتمعن بمن حذرك..
من اهتم لأمرك ومنحك الأمان..
هو ذاته من تخليت عنه دون سبب..
لا.. بل كان هناك سبب..
كان الطمع يا ابنة الهوى..
فادفعي الثمن بصدر رحب..
**
رحمة
خدعة بريئة كانت..
لم تتقصد إخفائها..
فقط خجلت من مواجهة الصغيرة..
التي عاشت وماتت فدائها..
وها هي الصغيرة تكبر..
وعلمت كم عانت لأجلها..
غاليتي أرقدي بسلام..
رسالتك وصلت وفهمتها..
عادت رحمتك أماه..
لكنها لم تعد كما تركتها..
**
بقيت تحدق به لثوانٍ دون رد قبل أن تفيق من حالة ذهولها وتسأله: "ماذا تفعل هنا؟"
ابتسم بينما يقترب منها أكثر ورد: "لقد رأيتك وقررت إلقاء التحية.. أخبريني كيف حالك؟"
ضاقت عيناها بينما تنظر له قبل أن تقول: "أنا بخير.."
تأمل ملامحها لثانية قبل أن يرد: "لا تبدين لي بخير.. هل يعاملونك بشكل سيئ بهذا المنزل؟"
ارتفع حاجباها بدهشة لثانية قبل أن تفهم أنه يدعي الاهتمام ليصل لأمر ما لذا قالت ببرود وبعض الحدة: "الأمر لا يخصك عبدالرحمن.."
فتح فمه ليتحدث قبل أن تقع نظراته على الخاتم بيدها لتتسع عيناه بصدمة ويسألها: "هل تزوجت؟!.."
ردت: "أجل.. تزوجت بدر.."
انعقد حاجباه وقال: "متى كان هذا؟!.."
-:"ليس من شأنك.."
قالتها وهي تتحرك لتغادر.. لكنها توقفت فجأة وعقلها ينير بفكرة فعادت تنظر له وتسأله: "أين شقيقك؟.."
لاحظ تبدل نظرتها ونبرة حديثها إلا أنه لم يكترث.. وانتهز الفرصة ليطيل وقوفه معها ويعرف منها المزيد.. لكن قبل أن يرد سمع نداءًا يأتي من جوارهما
-:"فريال!.."
تمنت أن تنشق الأرض أسفلها وتبتلعها بمجرد سماع صوته وأول ما فكرت به أن تهرب.. لكن قدماها ثبتتا بالأرض دون قدرة على الحركة.. لم تقدر حتى على الالتفات لمواجهته وبدلا من هذا انتظرته بينما يقترب.. وما أن وصل إليهما وقف بينهما يبتسم بطريقة مرعبة.. شعرت بعدها أن قلبها سيتوقف من مجرد إلقائه تلك النظرة السريعة عليها.. قبل أن يلتفت ليواجه عبدالرحمن قائلا: "هل أساعدك بشيء؟.."
شعر عبدالرحمن أنه غاضب وقد أعجبه هذا وقرر إغضابه أكثر.. لذا ابتسم بسخافة ورد: "لو أردت شيئًا سأطلبه من لولا فنحن أصدقاء قدامى.."
كانت على وشك خلع نعلها وضربه به ذلك الأحمق القذر.. كانت تعلم أنه تقصد هذا.. لكن قبل أن تنفذ ما برأسها وجدت بدر يمسكه فجأة من مقدمة ثيابه قبل أن يسحبه نحوه بعنف ويقول: "اسمها فريال!.."
قام بلكمه بعدها.. وما أن سقط على الأرض انقض عليه وسحبه مجددًا وهو يكمل: "وأود أن أعرف كيف ستطلب منها شيئًا بعد هذا!.."
ثم كال له اللكمات أمام نظراتها المذهولة بينما هي بقيت ثابتة بمكانها دون حركة.. فمن جهة ما كانت لتفكر بالتدخل حتى لا تزيد الأمر سوءًا.. ومن جهة أخرى فقد أعجبها هذا.. ولولا صدمتها أن بدر الراقي المهذب تحول ليصبح بهذه الهمجية لكانت ابتسمت.. لكن كل المتعة اختفت ما أن نهض ونفض ثيابه والتفت لها فعلمت أن المتعة انتهت وأتى دورها..
***
-:"لابد انك تتساءلين الآن لم أخفيت عنك شيئًا هامًا كهذا رغم أني لم يسبق أن أخفيت عنك أي شيء.. ببساطة لأني لم أتمكن.. في كل مرة كنت أفكر بقول الأمر لك كنت أتراجع من فرط خوفي من ردة فعلك.. أعلم أنك كنت ستتفهمين.. أنت ابنتي وقد ربيتك على أن تكوني نبيلة وخيرة.. ربيتك على أن تكوني رحمة كما أسميتك.. مع هذا خفت أن تتبدل نظرتك لي وأفقدك.. لذا كانت حتى كتابة الأمر لك صعبًا فقررت أني سأترك المهمة لغيري.. لكن أنا أكتب لك هذه الرسالة لأخبرك إنك فعلا بلا أب.."
توقفت عن القراءة واختنقت أنفاسها بصدرها وهي تتخيل سماعها تلك الكلمات منها بالفعل بينما عادت عيونها تتبع سير الكلمات: "عزام لم يكن ليرتقي للدرجة التي يستحق بها ابنة رائعة مثلك.. لكني منحته الكثير من المال ليوافق على منحك اسمه.. ليس لشيء سوى لأني أردتك أن تحملي لقب عائلتي لأنك الأحق بكل ما تعبت أنا ووالدي ببنائه.
أنت لست بحاجة لأب.. لقد عشنا معًا لسنوات تهتم كل منا بالأخرى وتحميها.. ولقد منحتك كل الحب الذي أملك وقد فعلتِ أنتِ المثل.. أنا وأنتِ لم نكن بحاجة لأي أحد.. أنتِ منحتني كل القوة التي احتاجها لأنهض من كل ما أصابني.. مقسمة ألا أبكي أو أنحني.. ألا أياس وأن أحبك للأبد.. كنت محطمة إلى أن رأيتك بذلك المهد الصغير وعلمت أني سأعيش لأجلك.
لذا إياك واحتقار نفسك.. أنت أفضل من عزام ومن سالي.. أفضل حتى مني.. أنت مميزة.. لقد أنقذتني عندما كنت مجرد رضيعة.. وقد اعتنيت بي منذ أن كنتِ طفلة.. أنت لا تحتاجين لعزام ولا لذلك الرجل الذي لا يعرف بوجودك حتى.. إنهم أوضع وأحقر من هذا.. أنا اشتريت لك عزام منذ سنوات لواجهتك الاجتماعية.. وكان بإمكاني شراء أي شيء أو أحد لأجلك.. لكني اعتزمت دائمًا ومن اللحظة الأولى ألا يربيك أحد غيري.. فلم أهتم سوى بحملك لقب عائلتي.. لذا لا تبتئسي أنا معكِ وسأحميكِ للأبد.. حتى بغيابي تأكدي إني أحميكِ.. لا تنسي من أنت أبدًا.. وألقي الماضي خلف ظهرك وامضي قدمًا.."
كانت بالكاد ترى الأحرف من فرط امتلاء عينيها بالدموع.. وما أن انتهت أغلقت الرسالة وأطرقت تنظر للأرض بينما تبكي.. وما أن شعرت باقترابه التفتت له وقالت بلوم: "أنت أيضًا كنت تعرف؟!.."
اقترب منها أكثر ونظر لها بأسف قبل أن يومئ لها بنعم ويرد: "والدتك أوصتني بانتقاء الوقت المناسب.. وأنتِ تعبتِ بعد موتها وخفت أن تتعبي أكثر إن أخبرتك.."
كانت تريد توضيحًا فتلك الكلمات لا تكفيها.. يجب أن تفهم ما حدث.. لكنها فجأة شعرت بالاختناق وأصبحت بالكاد تتمكن من التنفس.. ومن بين أنفاسها المتلاحقة والغشاوة التي غطت ناظريها.. رأته يقترب منها وقد بدا عليه القلق قبل أن تفقد الوعي كليًا..
***
كان واقفًا أمام النافذة الزجاجية الضخمة ينظر للبعيد.. عقله مشتت ورأسه تؤلمه من فرط التفكير والرعب يملأ قلبه.. فإن كانت أجبرت على الخروج مع ذاك الرجل فربما يكون أحد ممن كانوا يتبعونه.. لكن الغريب أن أحدًا لم يحادثه ولم يحاول ابتزازه.. ورغم راحته لأنه قد يكون مخطئًا بهذه الحالة إلا أن تلك الراحة غادرته بثانية وهو يتساءل إذًا أين هي؟!..
رن جرس الباب عندها فتنهد وهو يفترض أنه واحد من المزعجين قادم لإشباعه من التقريع.. تحرك بملل نحو الباب وفتحه ليتفاجأ بوجود جدته قبل أن يتنهد بضجر وهو يرى سلام بجوارها..
-:"ألن تقول تفضلوا يا ولد.."
فتح الباب ليسمح لهما بالدخول.. وما أن فعلتا أغلق الباب بينما التفتت له جدته وقالت: "ما دمت لم تأتي أنت أتيت أنا.."
نظر لها قليلا ولم تصدق أنه بالفعل ينظر لها باتهام قبل أن يرد: "أنا آسف لدي أمور تشغلني.."
شعر بالانزعاج الذي ارتسم بوضوح على وجهها بينما قالت سلام: "كيف حالك يزيد؟.."
التفت للفتاة الواقفة بجوار جدته ورد بجفاء: "بخير!.."
تدخلت جدته عندها وقالت: "اصنعي لنا فنجانين من القهوة عزيزتي.."
تحركت باستحياء نحو المطبخ بينما سحبته جدته نحو غرفة الجلوس.. وأغلقت الباب قبل أن تنظر له بحدة وتقول: "هل فقدت عقلك يزيد.. كيف أطلب حضورك وتتجاهل أمري.. وكيف تتحدث مع ابنة عمك بهذا الجفاء.. هل نسيت من هي وأخت من تكون؟!.."
اقترب منها ورد بهمس غاضب: "ولأنها ابنة عمي وأخت جناد.. أن أعاملها بهذه الطريقة حتى تنسى ما ملأت رأسها به!!.."
اتسعت عيناها وتنفست بغضب قبل أن تقول: "هل تفعل كل هذا من أجل تلك الغريبة المنحلة؟!!.."
كز على أسنانه ورأت عضلات فكه تتحرك بعصبية لكنها لم تكترث وأكملت: "ما ملأت رأسها به هو ما سيحدث.. فأنت لن تتزوج شخصًا عدا سلام.. وعليك نسيان أمر عديمة الأصل تلك ولنحمد الله أنها غادرت.."
اشتعلت عيناه ورد بحنق وغضب: "ليان لم تغادر بل اختطفت مني!.."
ضحكت بسخرية وقالت: "لم تكن لك من الأساس لتختطف منك.. أنا أعلم أن جناد أخبرني بما عرفته خصيصًا في محاولة لأتقبل أمر وجودها.."
اقتربت منه ونظرت له بتحدي قبل أن تكمل بخفوت: "لكن هذا لن يحدث.. تلك الفتاة لن تحمل اسمك واسم عائلتنا أيًا كان ما عرفته!.."
انحنى ليقرب رأسه منها ورغم كل الصلابة التي يحملها إلا أنها شعرت بالألم يملأه مع هذا رد بنفس طريقتها: "جناد فعل هذا لأنه يهتم بأمر العائلة وسلامتها.. ويهتم بأمري ولا يريد لي سوى الراحة.. وليان لي وأنا سأستعيدها.. ليس لشيء سوى لأن وجودها معي أمر مفروغ منه.."
كادت أن تتحدث لكن رنين هاتفه أوقفها بينما فتح هو الخط ورد سريعًا: "نعم؟.."
-:"شيخنا الحاج كامل هنا ويسأل إن كان بإمكانه استلام طلبه اليوم بدلاً من الغد.."
حمد الله على هذا ورد: "أنا قادم إليكم.."
ثم أغلق الهاتف ونظر لها قليلا قبل أن يقترب منها ويقول: "كل ما قلته لا يغير ما أخبرتك به جدتي.. إن كنتِ أنت من أبعدها عني لن أسامحك أبدًا!.."
التفت بعدها وخرج من غرفة الجلوس بنفس اللحظة التي خرجت بها سلام من المطبخ وهو لم ينظر لها حتى.. فقط اتجه للباب وفتحه ليغادر.. لكنه وجد جناد يقف أمامه واستغرب اندفاعه للخروج وسأله: "إلى أين؟.."
رد: "لدي عمل!.."
ثم غادر فورًا بينما كان جناد ينظر بأثره بدهشة اختفت ما أن التفت ينظر للداخل ورأى جدته وأخته تقفان وعندها احتله الغضب..
****
دخل المنزل ساحبًا إياها خلفه.. وما أن وصل ألقاها على الأريكة قائلا: "أنت لا فائدة منك فريال.. لا فائدة!!.."
انتفضت ما أن صرخ بها بهذا الشكل.. لكنها حاولت ابتلاع لعابها لترد بتوتر: "أنا لا ذنب لي بدر.. هو من أوقفني.."
تحرك بعصبية أمامها فأكملت: "اقسم هو من أوقفني وقد كنت على وشك المغادرة!.."
التفت ينظر لها وسألها: "ولِم لم تفعلي؟.."
فتحت فمها لترد لكنه اقترب منها وانحنى فتراجعت بتلقائية قبل أن يكمل: "أنا أخبرك لِم؟.. لأنك أردت إغاظته لتعلميه إنك تزوجت رجلا أفضل منه.. ألم تكن تلك خطتك من البداية فريال؟.."
أنت تقرأ
رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسيني
Actionمقدمة السلسلة *** تجمعنا الأقدار وتفرقنا.. تتلاعب بنا كبيادق الشطرنج برقعة كبيرة اسمها الحياة بعضها تسعدنا.. بعضها تحزننا.. وبعضها يصيبنا بالحيرة فلا هي سعيدة.. ولا هي حزينة . بل تتخبط بين السعادة والحزن.. بلحظات السعادة تتناسى كل الحزن.. وبلحظات...