ذلك الهدوء يسبقني..
بريئة.. هادئة.. ضاحكة..
تراني من بعيد ولا تفكر سوى بكم أنا رائعة..
لا تعلم خلف تلك القشرة أن العاصفة قادمة..
لكني جاهلة..
فدون أن أرى كان هناك زوبعة آتية..
ستبتلع العاصفة وتقيدها دون ترك أي شاردة..
فالعيب مني نظرت لطريدتي لأوقعها بشباكي..
ولم أنتبه أني أصبحت صيدًا سائغًا..
***
ألقت النظرة الأخيرة على فستانها في المرآة كان بلون زهري فاتح وقماشه من الساتان الضيق إلى ركبتيها ثم ينتهي بطبقات واسعة من التل الذي يحمل نفس اللون.. وقد كان الفستان بدون حمالات ويبرز عظمتي كتفيها و تركت شعرها منسدلا وزينته بقطعة ملتفة حول رأسها مكونة من ورود صغيرة بنفس اللون.. وقد اهتمت أن يكون تبرجها بنفس درجات اللون وبسيطًا.. كانت راضية عن مظهرها ينقصها فقط التخلص من ذلك الشعور الغير مبرر بالخوف.. طرق الباب عندها فقالت: "تفضل"
دخلت سالي بعدها فتنهدت بضجر وهي تهمس لنفسها: "لا ينقصني أي توتر منها حاليًا"
التفتت بعدها تنظر لها وفورًا لاحظت ذلك الإرهاق البادي على وجهها وعيونها الذابلة وتلك الخطوط السوداء أسفل عينيها.. حتى شعرها كانت تجمعه دون انتظام خلف رأسها.. استغربت تلك الحالة التي بدت عليها بينما تقترب منها وتقول: "لماذا لم توقظيني ما أن وصلتِ؟"
اتسعت عينا رحمة تزامنًا مع ارتفاع حاجبيها وهي لا تصدق ما قالته.. فلمرات عديدة كانت تسافر وتعود وبغض النظر عن أنه لم يحدث لمرة واحدة أن انتظرتها سالي أو والدها.. إلا أنها بعدة مرات عندما كانت تعود للمنزل وتقاطع حتى مكالمة لها مع إحدى صديقاتها كانت تنزعج.
اقتربت منها رحمة ووقفت أمامها تسألها: "سالي هل أنت بخير؟"
زاغت عيناها قليلاً فعلمت أن شيئًا ما قد حدث بالتأكيد بينما ابتلعت هي لعابها وردت: "أنا بخير.. أنا فقط استغربت عودتك دون إخباري"
نظرت لها رحمة بتمعن لدقائق طويلة قبل أن تقترب منها أكثر وترد: "لا يبدو لي هذا.. أخبريني ماذا حدث؟"
عادت لابتلاع لعابها قبل أن تدعي الهدوء وهي ترد: "لا شيء صدقيني.. أنا فقط بالي مشغول هذه الأيام بأمر قضية المصنع.. فأبي يحاول الضغط عليه بكل الوسائل دون جدوى"
انعقد حاجبا رحمة وهي تسألها: "ماذا تعنين بالضغط عليه؟!"
تنهدت وجلست على الفراش وهي ترد: "لقد قام أبي بتوكيل محامٍ جديد طعن في القضية.. ونصح أبي باللعب على ثغرة أن المصنع بالأساس لنا.. وأن البيع تم بفترة لم يكن هو بها رئيس الشركة بتزوير التاريخ على العقود الخاصة بنا.. وبهذا نتمكن من تأخير الحكم والاستئناف عدة مرات.. وخلال هذه الفترة نعيق دخول أي معدات قادمة من الخارج باسمه.. واقترح على أبي شراء عاملين بالمصنع لتلفيق تهمة أخرى له بالتأخر بدفع مرتباتهم و..."
-:"كفى"توقفت بالفعل وهي تنظر لرحمة التي ظهر عليها الانزعاج بوضوح قبل أن تكمل: "هل تبقى شيء لم تفعلوه؟!"
كزت على أسنانها بغضب وقالت: "بالتأكيد هو فكر بكل هذا قبلك.. لكني أعلم أنه بالطبع أخذ إذنك قبلها"
ردت باستغراب: "هل كنت تتوقعين أن نتركه يأخذ مصنعًا يعد الأهم من بين مصانعنا الثلاث المتبقية؟!"
انعقد حاجباها واقتربت منها ترد: "لا أعلم كيف أقنعك أن هذا حقه سالي.. لقد تعاقد معنا وشاركنا ووالدك أخل بشروط الاتفاق.. ورفض لسنوات مشاطرته تحمل الضرائب رغم محاولاتي أن يشاركه النفقات.. أو حتى يتخلى عن جزء من الأرباح لكن لا فائدة.. فمن الطبيعي أن يطالب الرجل بحقه"
عادت عيناها للتخبط بالمكان فتنهدت رحمة بضيق وهي تهمس: "لا فائدة"
رن الهاتف عندها فعلمت أنه مازن وتحركت ترد وتخبره أنها ستنزل في الحال.. ثم حملت حقيبتها الصغيرة قبل أن تلتفت لها وتقترب منها وهي تنظر لعينيها المطرقتين لثوانٍ ثم قالت: "هذا ليس السبب وراء غرابة تصرفاتك"
التفتت لها فأكملت: "سأذهب للزفاف مع مازن أراك هناك و..."
-:"لن نأتي"
انعقد حاجبي رحمة بينما تكمل: "أبي فضل عدم حضورنا لسبب ما"
كان الشعور بذلك الخوف الغير مبرر يتفاقم مع كل ثانية.. إلا أنها هزت رأسها وتنهدت ترد: "حسنا سنتحدث ما أن أعود"
***
نظرت ليان للفندق الفاخر المطل على النيل بطوله وضخامته وهي لا تصدق أنها ستحضر حفلاً هنا حقًا.. لطالما مرت من أمامه مع لولا ولم تتخيل أبدًا أنها يمكن أن تدخله.. التفتت تنظر ليزيد ولكن ابتسامتها تجمدت وهي ترى تلك النظرة التي تعلو وجهه.. مالت برأسها للأمام قليلا تنظر لعينيه الشاردتين بالفراغ أمامه قبل أن يغمضهما بشدة لثوانٍ ثم يفتحهما ويلتفت لها.. بدا تائهًا لثوانٍ.. وبتلك الثواني تساءلت لم صمتت.. لماذا شعرت برهبة من حالته تلك؟.. كأنه كان متعمقًا بفكرة.. أو ذكرى بعيدة عن كل هذا.. وبعيدة عنها أيضًا.. هزت رأسها تطرد تلك الأفكار قبل أن تعاود الابتسام وتسأله: "بم كنت تفكر؟"
ابتسم لها ورد: "بك بالتأكيد"
ارتفع أحد حاجبيها وأصدرت همهمة مفكرة من فمها قبل أن تقول: "أحب أن أسمع هذا منك بالتأكيد"
عادت تنظر له وبداخل تلك الظلمة بحدقتيه شعرت بصراع لا يهدأ فأكملت: "لكني أعلم أنه ليس صحيحًا"
التفتت له بالكامل بينما هو فضل الصمت واكتفى بالنظر لها وهي تردف بجدية: "أنا أشعر أنك تتألم من أمر ما.. فلم لا تشاطرني إياه"
ابتسم لها بهدوء قبل أن يلتفت لها بدوره هو الآخر ليرد: "بعض الآلام يجب أن تبقى مستترة غاليتي"
رفع يده يبعد خصلة من شعرها عن عينيها وهو يكمل بخفوت: "لكني بالفعل كنت أفكر بك"
انعقد حاجباها بعدم فهم فأردف: "كنت أفكر بما كانت ستصبح عليه حياتي لو كنت بها منذ سنوات"
ضحكت بسعادة قبل أن تقول: "لا بأس.. أمامنا الكثير من الوقت بإذن الله لنفعل كل ما نريده"
ضحك بخفوت بينما ينظر لها.. ثم التفت للفندق وتنهد بضجر وقد لاحظت أنها ليست المرة الأولى التي تصدر عنه تنهيدة كتلك منذ أقلها من منزلها فسألته: "لم أشعر أنك مجبر على حضور الحفل؟!"
ارتفع أحد حاجبيه بينما يخرج سيجارة ويشعلها وهو يرد ببساطة: "أنا بالفعل مجبر"
سألته مجددًا باستغراب: "لم؟.. يبدو المكان جميلاً أم أنك تكره أصحاب الحفل؟"
هز رأسه نفيًا بينما يرد: "لولا أصحاب الحفل وجناد ما كنت فكرت لثانية بالحضور"
التفت ينظر لها وجد الاستفهام يعلو وجهها فتنهد مكملا: "أنا أكره هذه السهرات.. لا أكون على راحتي وفي العادة أتهرب منها لكني اضطررت للحضور اليوم"
أومأت بتفهم فسألها: "ماذا عنك؟!"
نظرت لصف السيارات أمامهم ومن أمامه المبنى الفخم وحركت رأسها بينما ترد: "أنا لا أمانع حضورها فأنا أحيانًا أحب الصخب"
ابتسم وقال: "يليق بك صراحة"
انعقد حاجباها والتفتت له بحدة بينما تسأله: "هل تعني أني مزعجة؟!"
ضحك بشدة بينما يدخن قبل أن يعاود النظر لها ويرد: "أعني أنك مليئة بالحيوية تليق بك الألوان الزاهية والأشياء المجنونة والصاخبة"
راقب ملامحها تهدأ بينما ترتسم ابتسامة خلابة على وجهها لترد: "أنت أيضًا يمكنك الحصول على الكثير من المرح إن أردت"
عاد يضحك بسخرية هذه المرة بينما يقول: "يستحيل أن يليق بي المرح غاليتي.. أنا والكآبة لا ننفصل منذ سنوات طويلة"
قاطعته بحدة: "لا تقل هذا!!"
كانوا قد بدؤوا بالحركة بالفعل ووصلوا لموقف السيارات وما أن أوقف السيارة التفت لها فوجدها تكمل: "لم لا تتوقف عن قول تلك الجمل الغريبة.. أنا لا أراك هكذا أبدًا"
ابتسم بسخرية ورد: "يومًا ما سترين"
وقبل أن تحاول التفكير لتسأل ابتسم بخبث واقترب منها مكملاً: "لا بأس.. فهناك العديد من الأشياء الأخرى تليق بي وأجيدها"
انحبست أنفاسها بصدرها ما أن وصل إليها.. ورغم أنها كانت تعرف ما سيفعله إلا أنها كالعادة تفاجأت بشفتيه تلامسان شفتيها.. لكن ما هي إلا ثانية وكانت تنجرف لهذا التيار الممتع الذي تشعر به ما أن يقترب منها.. بينما شفتيه الحسيتين ولسانه يمارسان هذا السحر المجنون عليها.. كانت بداخلها تعلم أن ما يحدث خاطئ.. لكنها أبدًا لم تتجرأ على الاعتراض على أي من تصرفاته دون سبب.. لكنها تراجعت ما أن شعرت بيده توضع على جانب خصرها وهزت رأسها بعنف تقول: "نحن... أنت... قد يرانا أحد!"
تنفس بعمق فنفث هواءً ساخنًا بوجهها جعلها تقشعر بينما يهمس: "لا أعلم أي جحيم تصبينه علي ليان!"
رغم أن الكلمات خرجت حادة منه.. إلا أنها ابتسمت كالعادة بينما تتراجع بجسدها بالمقعد وهي تقول: "لننزل الآن حتى لا نتأخر"
أنت تقرأ
رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسيني
Actionمقدمة السلسلة *** تجمعنا الأقدار وتفرقنا.. تتلاعب بنا كبيادق الشطرنج برقعة كبيرة اسمها الحياة بعضها تسعدنا.. بعضها تحزننا.. وبعضها يصيبنا بالحيرة فلا هي سعيدة.. ولا هي حزينة . بل تتخبط بين السعادة والحزن.. بلحظات السعادة تتناسى كل الحزن.. وبلحظات...