رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - الفصل الأول

491 10 1
                                    

استيقظت من نومها في الثامنة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

استيقظت من نومها في الثامنة.. وكعادة كل صباح تغسل أسنانها وتتوضأ ثم تصلي الصبح بغرفتها.. وبعدها تقضي ساعة كاملة في انتقاء ثيابها التي سترتديها.. بالنهاية استقرت على سروال من الجينز وقميص قصير باللون الأبيض بأكمام فضفاضة.. أطرافها مزخرفة وكذلك المنطقة المحيطة بمرفقيها.. وبعد أن انتهت بدأت بالتبرج وتمشيط شعرها ثم تحركت للخارج.. ما أن وصلت للمطبخ توقفت وهي تفكر قليلا مع نفسها.. ثم التفتت تنظر لباب غرفة والدها وقد لاح ببالها ما حدث بينهما وما سمعته منه.. عندها رفعت ذقنها وتحركت لتبتعد ثم خرجت من المنزل دون أن تعد له الفطور كما تفعل يومياً.. ما أن خرجت أول ما وقعت عيناها عليه كان الباب المقابل لباب شقتهم.. ولثوان وقفت تحدق به وعيناها تفيضان بالحزن والغضب.. لكن الشعور الثاني كان أكبر وأعمق بكثير.. تنفست بعمق وقررت تجاهل الأمر كالعادة ثم هبطت السلالم قاصدة عملها.
**********
"كان عليك إخباري على الأقل قبل أن تسافر"
قالها بدر بينما يساعد يزيد بوضع حقائبه بالسيارة.. بينما الأخير يرد بجموده المعتاد "لقد كنتَ مشغولا بالفعل.. وجناد طلب حضوري على الفور"
تحركا بعدها واستقلا السيارة.. وما أن فعلا التفت بدر له وقال "كنت أريد زيارة جدتي فقد اشتقت إليها"
لم يلتفت له يزيد فقط أراح رأسه للخلف بينما يرد "هي الأخرى اشتاقت إليك وتود رؤيتك قريباً"
ابتسم بدر بخبث بينما يقول "أتمنى أن تكون وفقت بمهمتك مع جناد"
ضحك يزيد بخفوت ورد "لم أكن لأصبح هنا لو لم أوفق"
التفت له بعدها وسأله "لم تخبرني بم تريدني؟"
اختفت ابتسامة بدر بينما يتنهد ويرد "لن تصدق!"
زم يزيد شفتيه وقال ببرود "سأصدق أي شيء.. لا تقلق فقط أخبرني"
نظر بدر أمامه ورد "أمي ستتزوج"
-:"ماذا"
خرج هذا الرد كالرعد من فم يزيد الذي انتفض من مكانه بينما ينظر له بصدمة واضحة جعلته يدرك مبلغ صعوبة ما تنتويه والدته.. فيزيد منذ فترة طويلة لم يعد هناك ما يصدمه أو يغضبه.. ورغماً عنه تناسى مشكلته الأساسية وشعر بالشفقة عليه فهو لم يكن هكذا أبداً.
-:"هل تمزح معي؟؟"
كان هذا السؤال الذي أيقظه من أفكاره وجعله يرد "لا أمزح بالطبع"
التفت يدير المحرك بينما يكمل "دعنا نجلس بأي مطعم لتناول الفطور وبعدها سأخبرك بكل شيء"
********
-:"سيتزوج هل تصدقين هذا؟!"
تنهدت ليان وهي تعلق فساتين الزفاف التي وصلت للتو بمساعدة لولا التي لم تتوقف عن الشكوى والتبرم.. وما أن أنهت تعليق آخر فستان التفتت لها وقالت "يا فتاة أنا لا أفهمك فعلا"
انتهت لولا من رفع آخر فستان والتفتت لها فأكملت "والدك لا يزال في الخامسة والأربعين لولا.. وقد عاش عازبا بالفعل لأكثر من خمسة عشر عاما.. الآن بعد أن كبرت وأصبحت فتاة ناضجة وعلى أعتاب الزواج من حقه أن يجد امرأة تحبه وتهتم به"
تشدقت لولا بحنق ثم ردت "لا.. ليس من حقه.. كما إني لم أتزوج بعد"
تنفست ليان بعمق ثم تحركت ناحية المكتب الصغير وجلست فتبعتها لولا تجلس أمامها بينما تقول "إن كانت أمي هي التي عاشت وهو من مات لم تكوني لتقولي نفس الكلام"
تنهدت ليان وهي تنظر للفتاة أمامها.. لولا ليست مجرد فتاة تعمل معها بل هي أشبه بأخت لها.. ورغم سلاطة لسانها وتهورها إلا أنها تعلم أن قلبها طيب.. لذا قالت بهدوء "حبيبتي لا يصح أن تقولي هذا"
عقدت لولا ذراعيها ونظرت أمامها.. ورغم شعورها ببعض السوء إلا أنها ردت "لم أقل سوى الحقيقة"
قالت ليان"هي ليست الحقيقة"
التفتت لها فأكملت "في حالتي أنا على الأقل وأنا أعلم أن الكثيرين يشاركوني الرأي.. لو كانت والدتك على قيد الحياة وأرادت الزواج مجددا بعد أن أصبحتِ شابة عاقلة وقد أفنت سنينا طويلة من حياتها بتربيتك.. كنت سأبقى على رأيي مادام هذا الرجل سيتقي الله بك وبها"
كادت ترد لكن ليان أكملت "اسمعيني لولا.. أعلم أن نظرتي تختلف عن نظرات الكثيرين.. ومعظمهم من بنات جنسنا الذين بالتأكيد سيتهمون أي امرأة تنتوي الزواج للمرة الثانية أسوأ الاتهامات.. لكن أنا لا اهتم بكل هذا فهو ليس موضوعنا على أي حال"
استندت على المكتب وقالت "والدك لم يخطئ بأي شيء.. بالعكس أنا احترمه لأنه جاء وأخبرك.. ورغب بالحلال بدلا عن الحرام الذي من السهل أن ينوله دون أن تشعري"
ابتسمت لولا بسخرية وردت "أنت مثالية للغاية ليان!"
ابتسمت وقالت "لست كذلك ويستحيل أن تجدي شخص مثالي.. لكني أقول الحق والأفضل لك أن تتقبلي الأمر"
شهقت لولا وردت "من تلك التي ستتقبل.. أقسم لك بأن أحيل حياتها جحيما واجعلها تهرب من بيتنا بثياب نومها!"
تنهدت ليان وهمست "لا فائدة ترجى منك"
لم تهتم بكلامها وقالت "كنت أنوي ترك البيت لهم والذهاب لخالتي.. إلا أني تراجعت وقررت البقاء بعد تلك المكالمة التي سمعتها بينهما"
حمدت ليان الله سرا لأنها تراجعت.. فهي منذ تعارفهما قبل ثلاثة أعوام وهي لا تطيق خالتها أو ابن خالتها.. عادت تنتبه لها وقالت "لا تغضبي والدك لولا"
تنهدت بأسى وأكملت "الكثيرات يتمنين والدًا مثله طيب ومتفهم.. عليك أن تحمدي الله على وجوده"
نظرت لها لولا بحزن وهي تعلم المغزى من جملتها.. إلا أنها صممت على ما ستفعله أيا كان الثمن ستفسد ذلك الزواج!
***********
"لا أصدق هذا!"
قالها يزيد لبدر الجالس أمامه بينما الأخير لا يبدي أي ردة فعل.. فاقترب من الطاولة وأكمل "هل أخبرتك أنها ستتزوج فعلا؟"
أومأ له بدر ورد "أجل.. وهي لم تكن تأخذ رأيي.. هي فقط كانت تعلمني بالأمر"
بقي يزيد يحدق به لثوان دون أن يملك ما يقوله.. ثم هز رأسه وتنهد وهو يسأله "وماذا كان ردك؟"
حرك بدر كتفيه ورد "أنت تعرف أمي.. ما أن تنوي شيئا لا أحد بإمكانه منعها.. لذا أنا سايرتها ولم أعاندها حتى لا تغضب مني"
ارتفع حاجبا يزيد وسأله "هل ستوافقها على هذا؟"
تنهد بدر وسرحت عيناه قليلا بينما يرد "علي أن أعرف مع من أتعامل أولا.. ثم بعدها أقرر ما سأفعله"
حضر النادل عندها ووضع الطعام على الطاولة ثم ابتعد.. وما أن فعل قال يزيد بعملية "لن يكون الأمر سهلا"
نظر له بدر فأكمل "أنت تعرف العائلة والأعراف كيف تسير بها.. قد يتفهم جناد وعمي الأمر بعد جلسة طويلة من الإقناع.. لكن ماذا عن جدتي كيف تنوي إقناعها؟"
أسند بدر ذقنه على يده وهو يفكر بكلامه.. كان يعلم كل هذا.. ويعلم أنه إن وافق سيكون عليه هو إقناع عائلته.. فوالدته ستوضع بموقف محرج إن واجهتهم هي.. تنفس بعمق عندها ثم نظر له قائلا "نتأكد من صدق نوايا ذاك الرجل أولا وبعدها نقرر ما سأفعله"
ارتاح يزيد بجلسته والتمعت عيناه العسلية بقسوة وخبث وهو يمسك بسكين الطعام ويرد "أو من المحتمل أن تستيقظ في الصباح ولا تجده هو وأي أحد يمت له بصلة.. وبهذه الطريقة تحل المشكلة"
ابتسم بدر بسخرية ثم قال "لا.. لا أريد هذه الطريقة.. فأمي ستعلم وعدى عن كونها ستغضب مني.. فقد تقاطعك للأبد وأنا أعلم كم تحبها.. لذا أريدك فقط أن تجمع المعلومات عنه"
اتسعت ابتسامته بعدها وأكمل "بعدها نفكر بإمكانياتك الكثيرة"
ابتسم يزيد وطرق بالسكين على الطاولة قبل أن يتكئ عليها ويبدأ بتناول طعامه وهو يرد "اعتبر الأمر منتهي"
***********
كانت تتحرك بأحد الشوارع الراقية البعيدة تماما عن بيتها.. وتوقفت أمام أحد المحلات الكبيرة تنظر عبر الواجهة للثياب الأنيقة المعروضة.. وتعلقت عيناها بفستان وردي من القطن بحزام عريض لونه أسود على الخصر وبدون أكمام.. أغمضت عينيها وتنهدت وابتسمت وهي تتخيل نفسها ترتديه وتسير به على ذلك الشاطئ الخلاب الذي تضعه خلفية لشاشة حاسوبها من فرط عشقها للمنظر الخلاب للون البحر الفيروزي اللامع ورماله بلونها الزعفراني.. فتحت عينيها عندها تتطلع للفستان بحسرة والابتسامة تنحسر من على محياها تدريجياً إلى أن اختفت.. ولم تتبقى إلا الملامح المليئة بخيبة الأمل وهي تفكر أن ثمنه بالتأكيد باهظ جدًا وهي لن تتحمله حتى لو ادخرت مرتبها لشهور.. لكن شبه ابتسامة تعلقت بثغرها وهي تفكر أنه لن يليق بأحد كما سيليق بها فكأنه صنع لأجلها وحسب.. زمت شفتيها عندها وهمست "إنه الحظ العاثر لولا.. أنت جميلة لكن الحظ العاثر لا يسمح لك بإبراز جمالك!"
عادت تتنهد لكن هذه المرة بيأس.. ثم التفتت وسارت مبتعدة بينما تراقب واجهات المحلات والمعروضات بداخلها من ثياب وأحذية وحقائب وعطور.. وكل ما يجول ببالها.. إلى متى.. إلى متى ستبقى تراقب وحسب؟!
بقيت تسير وهي تشعر بالقهر وتتساءل لم تفعل هذا بنفسها.. لم تمر بهذه الشوارع والمحلات كأنها تعاقب نفسها على كونها ولدت فقيرة ولا تملك مالا لتقتني ما تشتهيه؟.. قلة المال كانت دائما عقبتها التي لم تقدر على تخطيها أبدًا.. فبسبب فقرها ضاع منها كل شيء رغبته.. كان عقلها يدور بدوامات من الغضب والحسرة والألم وهي تسير من الشارع الراقي الطويل وتنتقل إلى منطقة شعبية بسيطة.. وما أن خطت بداخلها تنفست بضيق وخيبة أمل.. أيعقل أن تكون هذه نهايتها.. بعد كل أحلامها تكون نهايتها بأحد تلك البيوت العطنة المهترئة.. نحت أفكارها جانباً ما أن وصلت للبناية المنشودة.. ثم صعدت الدرج إلى أن وصلت للطابق الأخير وهي بالكاد تتمكن من التقاط أنفاسها.. وما أن وصلت طرقت الباب الوحيد وما هي إلا ثوان وجدت خالتها تفتح الباب وتقول "لم تأخرت لولا؟.. لقد انتظرتك منذ حادثتني وأخبرتني أنك ستمرين علي"
ابتسمت لها وقبل أن تتمكن من الرد أو إلقاء التحية حتى.. وجدتها تسحبها للداخل وتغلق الباب من خلفها ثم التفتت لها وقالت سريعا "هل صحيح ما أخبرتني به؟.. هل سيتزوج والدك فعلا؟"
تذكرت عندها السبب وراء زيارتها وما حدث بينها وبين والدها فقالت بحنق "أجل!"
اتسعت عينا خالتها وظهر الانزعاج جليا على وجهها.. فأكملت بينما تتحرك "انتظري لتسمعي من هي العروس"
جلست على الأريكة وكالعادة ما أن جلست أصدرت صريراً مزعجاً بينما تبعتها خالتها وجلست بجوارها وهي تسأل "من هي؟"
نظرت لها لولا قليلا فزاد اتساع عيناها وهزت رأسها وهي تقول "لا.. مستحيل!"
تنهدت لولا وردت "أجل هي.. وفاء التي أخبرتني عنها أنت وجدتي"
ارتاحت خالتها بجلستها وهي تطالعها بصدمة وعدم تصديق.. وما أن تمالكت نفسها أخيرًا قالت "لكن كيف وافقت عليه.. ما أعرفه عنها أنها تعيش بمستوى مرموق وابنها شاب"
زمت شفتيها وردت "لا أعرف ولم أحاول أخذ أي تفاصيل منه.. ما أن أخبرني استشطت غضباً"
هتفت خالتها بغضب "لماذا يا غبية؟!"
التفتت لها بحدة وقالت "هل تمزحين خالتي.. هل كنت تريديني أن أوافقه مثلا؟!!"
ردت سريعا "بالطبع لا.. لكن كان عليك مجاراته لنعرف كل شيء ونجد طريقة لإيقاف ذلك الزواج"
لم تفكر كثيرا وقالت "ما فعلته كان الأمر الصحيح حتى يعلم أني لا أوافقه ولا أريد تلك المرأة.. والتفاصيل بالتأكيد سنعرفها مع الوقت"
تنهدت خالتها بضيق ثم سألتها "وعلى ماذا تنوين.. أنت بالتأكيد لن تتركيه ينفذ هذا الزواج"
التفتت لولا تنظر أمامها بتفكير ثم قالت "أنا سأقاطعه بالفترة القادمة لأرى ردة فعله"
ابتسمت بعدها بخبث وعيناها تنضحان بالمكر وهي تكمل "وعلى قدر حبه لها سيكون رد فعلي"
التفتت لها وقالت بخفوت متوعد "لن أكون لولا إن لم أجعلهما يدفعان الثمن غاليا!"
ابتسمت خالتها بمكر وربتت على ساقها وهي ترد "هذه هي لولا التي ربيتها"
ضحكت لولا بخفوت ثم نظرت لساعة الحائط ونهضت تقول "سأذهب الآن حتى لا أتأخر"
نهضت خالتها سريعا وقالت "لم لا تبقين لبعض الوقت.. طارق سيعود من العمل بعد قليل وقد سألني عنك في الصباح وأخبرته أنك ستكونين موجودة"
فهمت لولا ما ترمي إليه فوراً فتحركت بلا مبالاة وهي ترد "لا يمكنني خالتي بلغيه سلامي.. سأغادر الآن.."
وقبل أن تعترضها التفتت تطبع قبلتين على وجنتيها ثم غادرت وهي تكمل "أراك فيما بعد"
وبينما تنزل الدرج سمعتها تقول "بلغيني بكل شيء لولا"
ردت بينما تتحرك "سأفعل.."

رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن