رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - الفصل الثاني عشر

150 9 2
                                    

لم أكن يومًا ملاكًا..
ولم أكن شيطانًا..
كنت إنسانة..
وُلِدت.. تدللت..
أُهِنت.. أحببت..
تحطمت.. ونهضت..
لكني أقسمت.. أن يأتي يوم تنعكس فيه الأدوار..
وها قد أتى..
فلا تسألوني عما ارتكبت..
ولا تحاسبوني على ما انتويت..

****
-:"قلبي منقبض يزيد"
كان الظلام يحيط به من كل مكان بينما هذا الصوت يتردد بوضوح حوله.. وصداه يعلو مع كل مرة.. ثم بدأ يتباعد شيئًا فشيئًا.. حاول تحريك لسانه لكنه لم يقدر.. كان يعرف هذا الصوت جيدا.. ويعرف صاحبته.. تسائل بعقله عن سبب ذلك الضيق الذي يملأ؟.. ولم يفهم لم حلقه مختنق ولا يمكنه تحريك لسانه.. ولم عيناه تؤلمانه من فرط الرغبة بالبكاء.. رفع يديه ينظر لهما ورغم الظلام رآهما.. كانتا فارغتان.. للأسف فارغتان.. فرفعهما أكثر وهو يتساءل لم عليه أن يأسف؟!.. وفجأة أصابه شلل وهو يتذكر ذات الصوت يصرخ باسمه.. وألم لا يمكن وصفه يصيب كل جسده.. واختفى كل شيء عند هذه النقطة وعلا صوت طنين مزعج يصم أذنيه.. وعندها رفع يديه يضعهما حول أذنيه وهو يصرخ بألم قبل أن يتوقف كل شيء فسقط على ركبتيه.. وما أن استطاع رفع يديه بعيدًا عن أذنيه استند بهما على الأرض وهو يحاول التنفس.. لكن تلك الدماء التي تملأ يديه أوقفت تنفسه.. وعندها تذكر كل شيء.. والأسوأ إنه تذكر أنها ليست دمائه..
استيقظ عندها بعنف من نومه وهو بالكاد يتمكن من التقاط أنفاسه.. أغمض عينيه وفتحهما عدة مرات قبل أن يلقي رأسه للخلف وهو يتنفس بتعب.. كان العرق يتصبب من كل جسده.. وفجأة سمع الصوت مجددًا يناديه من كل مكان.. من داخل عقله ومن كل ركن يحيط به.. وعندها لم يشعر بنفسه إلا وهو يهتف: "كفى.."
فتح عيناه وجلس مطرقًا رأسه وهمس من بين أنفاسه الهادرة: "لا يمكنني مساعدتك.. لا يمكنني مساعدة أي أحد.." شدد قبضته على الغطاء وهو يكمل: "ليتني استمعت لك وحسب.."
لم يتحمل البقاء أكثر فقد كان يعلم أن تلك الأصوات لن ترحمه فنهض سريعًا ونفض الغطاء بعيدًا وتحرك ليلتقط ثيابه وقد نوى عدم البقاء بالبيت الليلة..
**
دخل بدر للمنزل وتحرك ببطء متجهًا لطابقه.. لكنه توقف ما أن سمع صوت فتح باب المنزل ثم ظهرت والدته وهي تقول: "بدر"
التفت واقترب منها وما أن وصل إليها ابتسم وطبع قبلة على وجنتيها ثم قال: "مساء الخير حبيبتي.."
نظر للساعة ثم أكمل بمزاح: "لقد فسدت أخلاقك وفاء لا تزالين مستيقظة حتى هذه الساعة!.."
ردت: "كنت بانتظارك.."
لاحظ عندها التوتر البادي عليها وقبل أن يسأل أكملت: "تعال لنتحدث بالداخل.."
تبعها بالفعل وبعد أن أصبحا بغرفة الاستقبال الرئيسية التفتت له وسألته: "بدر.. هل رأيت يزيد اليوم؟"
انعقد حاجباه ورد: "أجل.. كنت معه الليلة وأوصلته للبيت.. لكن لم تسألين؟.."
وضعت يدها على صدرها ولاحظ عندها أنها ترتجف بينما ازداد توترها وهي تقول: "لقد غفوت قليلا بوقت الظهيرة واستيقظت وأنا أشعر أن قلبي سيتوقف من فرط الرعب وكل ما كان يجول ببالي هو.. صورته لم تفارقني من وقتها.."
اقترب منها وأمسك يدها يربت عليها لتهدأ قليلا ثم سألها بقلق: "لِم لم تتصلي بي لآتي وآخذك للطبيب؟"
دخلت سميرة عندها ووضعت زجاجة مياه وكوبي عصير على الطاولة قبل أن تقول: "لقد ألح عليها السيد صالح دون فائدة يا بني.."
ردت بعصبية: "لست بحاجة لطبيب.. أريد الاطمئنان على يزيد بدر.. لم لا يرد على اتصالاتي؟.."
ابتسم بدر وربت على كتفها قائلا: "إنه بخير لا تقلقي.. لكن أنت تعلمين كم هو مهمل.. لقد نسى هاتفه بالمنزل حتى إنه اتصل بي لألتقيه من هاتف أحد رجاله.."
ابتلعت ريقها وهي لا تزال تشعر بقبضة تعتصر قلبها كلما راودتها صورة له.. فأغمضت عينيها وقالت: "بدر صارحني القول.. هل هو بخير؟"
ضحك بخفوت قبل أن يرد: "أمي.. هل تتخيلين أن هذا الثعلب الماكر قد يصيبه أي شيء.."
شهقت في وجهه ولكزته بكتفه وهي تقول: "توقف عن قول هذا حتى لا تصيبه بالعين يا ولد!!"
عاد للضحك مجددًا ثم رد متصنعًا الجدية: "لقد بدأت أشعر بالغيرة.. فأنتِ حتى لم تسأليني أين كنت؟.. ولم تأخرت؟.. ومثل هذه الأسئلة.."
ضحكت رغمًا عنها فابتسم وأحاطها بذراعه قائلا: "إنه بخير لا تقلقي.. لسوء حظ البعض أنه بخير.."
تنفست بعمق محاولة تصديق كلامه بينما هو تلفت حوله يسأل: "أين الجميع؟"
ردت: "أجبرت صالح على تناول الدواء والراحة بغرفته.. ولولا منذ عادت بقيت بغرفتها"
ضاقت عيناه وقال: "لقد أصبحت متسلطة للغاية هذه الفترة.."
ضربته بخفة على ذراعه بينما تضحك ثم نظرت للحقائب القماشية التي كان يحملها وسألته: "ما هذا؟.."
نظر لما تشير له ثم عاود النظر لها ورد: "إنه شيء ما لأجل لولا لكن فكرت بمنحه لها بالصباح.."
قالت: "إن أردت أن تعطيه لها فهي مستيقظة.. لا أعلم ما بها هي الأخرى!.."
سألها باستغراب: "ما بها؟.. كانت بخير عندما زارتني بالصباح.."
مطت شفتيها وردت: "لا أعلم.. لكن منذ أن عادت وهي تبدو غريبة للغاية.."
**
&&
فتحت الباب ما أن رأته يتحرك متجهًا لشقتهم المواجهة لشقتها.. التفت لها بينما تقترب منه وتقف أمامه عاقدة ذراعيها أمامها وهي تنظر له بغضب واستفهام.. بقيا يحدقان ببعضهما لفترة قبل أن تتنهد هي قائلة: "هلا فسرت لي سبب تهربك مني طيلة الأيام الماضية؟"
فتح فمه ليرد لكنها قاطعته: "ولا تحاول نكران الأمر عبدالرحمن فأنا لست حمقاء!"
نظر لها قليلاً قبل أن يتأفف بضيق ويقول: "اسمعي لولا.. لقد فكرت كثيرًا بوضعنا وتوصلت لقرار نهائي.. وأتمنى أن تتفهميه.."
كان صدرها يعتمره الضيق والغضب.. والحزن.. فبداخلها كانت تعلم كل شيء.. تعلم أنه سيتركها.. وتعلم أنه تهرب منها على أمل أن تفهم دون توضيح منه.. وهي فهمت لكنها أرادت سماعها منه.. أرادت أن تسمع تلك الجملة التي رفضت أن تسمعها لنفسها.. فإن كانت ستسمعها من أي أحد.. فستسمعها من هذا الرجل الذي منحها أملاً أنه سيحقق لها كل ما تمنته.. وها هو ينزعه منها بقسوة..
أخفت كل هذا بداخلها بينما تسأله بهدوء: "وما هو هذا القرار النهائي الذي أخذ منك أربع أشهر لتتخذه؟"
رد ببساطة: "أننا لا نصلح لبعضنا البعض!.."
لم تكن تلك الجملة التي تنتظرها لذا اقتربت منه وضاقت عيناها وهي تسأله: "وهل اكتشفت هذا بعد ثلاث سنوات.. فلم يكن هذا حديثك معي عندما طلبت أن نرتبط وخلال الفترة الطويلة التي بقينا بها معًا لم أسمع أو أرى منك شيئًا يدل على هذا.." صمتت قليلا قبل أن تبتسم وهي تكمل: "هذا بالطبع باستثناء الأشهر الأخيرة.."
رأت وجهه يشحب أمامها بينما يتحرك حلقه سريعًا قبل أن يرد: "لقد كنت مخطئًا بكل شيء لولا.. كما اكتشفت أني..."
لم يستطع إكمال حديثه فارتفع أحد حاجبيها وهي تسأله: "اكتشفت أنك ماذا؟.."
أغمض عينيه لثانية قبل أن يرد: "أني لا أحبك.."
كزت على أسنانها وهي تمنع نفسها من الانهيار أرضًا بينما تبتسم ببرود وتقول: "أنك لا تحبني؟!.. أم أنك لم تعد تحتاجني؟!.. أو لنقل أني لم أعد ألائمك.. صارحني القول عبدالرحمن.."
فُتح الباب خلفه عندها وظهرت إكرام تقترب منهما.. وما أن وقفت بينهما نظرت لها بحنق قبل أن تقول بحدة: "ما مشكلتك لولا.. لم تلحين على..."
قاطعتها بهدوء: "لقد سألت ابنك سؤالا وأنتظر منه إجابة.. وهو يملك لسانًا خاصًا به يعمل بشكل ممتاز.. كما أنه تخطى المرحلة التي قد يجعلك بها تردين بدلاً عنه.."

رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن