رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار الفصل الثامن عشر

108 8 0
                                    

بأقسى أحلامي لم أتوقع فقدك..
بأفظع كوابيسي لم أرى هجرك..
بأسوأ توقعاتي لم أتخيل رعبك..
أتراكِ أدركتِ الآن مبلغ خطئك؟..
أتراكِ علمتِ أي قلب معطوب أحبك؟..
أتراكِ علمتِ أي وحش كسير امتلكك؟..
حاولي الهرب فمهما ابتعدتِ سأجدك..
لا فرار مني أنا المصير وأينما كنتِ أدركتك..
لكن احذري من عقاب الهرب
فلا شيء أسوأ من غضب قلب كسير دمرته..
****
في اليوم التالي...
تحركت سالي على أطراف أصابعها تتجه لغرفة رحمة وهي تتلفت حولها تتأكد أن أحدًا غير موجود فقد شدد والدها على الجميع ألا يسمحوا لرحمة بالخروج من غرفتها حتى.. وصلت لباب الغرفة وفتحته بهدوء لتجد الغرفة غارقة بالظلام عدا من خيطٍ من الضوء ينسل بين الستائر المغلقة ليسقط بالقرب من رحمة الجالسة على الأرض تستند على الفراش بظهرها خطت للداخل وأغلقت الباب بهدوء ثم تحركت نحوها ببطء وهي تنظر لها بحزن قبل أن تصل إليها وتضع زجاجة المياه وعلبة البسكويت على الأرض بينما تجلس بجوارها.. لم تلتفت لها حتى وكأنها لم تشعر بها بينما عيناها تسرحان بالفراغ.. اقتربت منها وربتت على كتفها وهي تقول: "رحمة.."
لم تلتفت لها فضغطت شفتاها معًا تحاول التماسك وعدم البكاء بينما تقدم لها زجاجة الماء وهي تكمل: "اشربي بعض الماء وتناولي البسكويت.."
تحرك فكها بينما اهتزت شفتاها لكنها لم تنطق بأي كلمة فتنهدت سالي بحزن قبل أن تقول: "لم الحزن رحمة؟.."
التفتت لها ودموعها تنهمر على وجنتيها مجددًا بينما تكمل: "لا شيء بهذه الحياة يستحق أن تحزني لأجله.."
بللت شفتاها والتقطت أنفاسها قبل أن تهمس: "ألم تسمعي ما قاله؟.. أنا لست ابنته.. هل سمعت ما قاله عن والدتي؟.."
ردت سالي: "وما المشكلة؟.."
زاغت عيناها فابتسمت وربتت على كتفها وهي تكمل: "دعك منه رحمة ومن كلامه.."
-:"لكن الكلام آلمني.."
قاطعتها فلم تستطع رسم الابتسامة على وجهها أكثر بينما ترى رأسها التي أحنتها كأنها تشعر بالخزي وهي تكمل باختناق: "لقد قالها لإهانتي.. تقصد أن يعلمني أني بلا قيمة.."
تنشقت عدة مرات قبل أن تهمس: "وهو محق.. أنا لقيطة بلا أب ولا يحق لي الكلام.. لا يحق لي رفع عيناي حتى.."
لم تستطع سالي النطق رغم أنها أرادت أن تصرخ بها أنها ليست كذلك.. إلا أنها لم تستطع الحديث بسبب بكائها بينما تنظر لها بحزن وهي ترفع عيناها تحدق بالفراغ بينما تستند برأسها على ركبتيها وتضم جسدها بوضع الجنين.. ولا تعلم كيف لكنها شعرت بتلك الوحدة التي تملأ روحها رغم وجودها بجوارها لكنها كانت تعلم أنها لا تشعر بها حتى.. كانت وحيدة وسط كل هذا الألم ولن تستمع سوى لتلك الكلمات التي ذبحها بها البارحة.. أيقظها من أفكارها سماعها تردف بهمس متألم: "لطالما عاملني بقسوة لكنه البارحة حطم قلبي وأحلامي وتركني دون أي شيء أنا حتى لم أعد أعرف من أنا.. والأسوأ أنه لن يصمت وسيخبر مازن.."
التفتت تنظر لها وارتجفت شفتاها وهي تكمل: "ضربني ليعلمني كم أنا ضعيفة وكشف ذلك السر ليعلمني كم أنا وحيدة وسيغرق طوق نجاتي الوحيد ليقتل أي أمل بداخلي.."
قالت سالي بسرعة: "مازن لن يهتم لكلامه حتى لو كان صحيحًا.."
ارتعد جسدها بأكمله ونظرت لها بحدة بينما تهتف: "أنا أهتم.. أهتم له ولاسم عائلته ووضعه الاجتماعي.. أهتم ألا ينظر لي باتهام أو إشفاق.."
عادت للبكاء بينما تكمل: "أهتم لأبنائه فيما بعد وكيف سيسخرون منه ومنهم وسأكون السبب.. سأحطم حياته وحياة أي أحد يقترب مني.."
أسقطت رأسها بينما تنهار باكية وهي تشهق وتقول بتهدج: "لقد تحطمت كل أحلامي وتحطمت معها سالي.. لم يحدث معي هذا؟.. أنا لم أؤذي أي أحد أقسم لك؟.."
لم تملك سالي سوى صدرها الذي سحبتها وزرعتها به وتلك الدموع التي حاولت منعها تهطل على وجنتيها بينما رحمة تكمل بقهر: "لم أرد سوى أمنية واحدة.. لم حرمني منها.. لم حطم صورة أمي بعيناي.. لم أشعرني أني لا شيء بعد أن عشت طيلة عمري أرفع رأسي بتباهي.."
ربتت على ظهرها وهمست ترد: "لست كذلك رحمة.. لست أنت من يجب أن تشعر بالخزي.. أنت لا ذنب لك.."
ربتت على رأسها بحنو وأكملت: "لن أسمح له بتدمير حياتك لا تخافي.."
***
كانت تضع الهاتف على أذنها تنتظر فتح الخط من الجهة الأخرى وكالعادة ينقطع الخط دون رد تنهدت بينما تبعده عن أذنها وهي تهمس: "لم لا تردين؟.."
ابتلعت لعابها وشعورها بالذنب يتفاقم دون أن تملك أي طاقة للسيطرة عليه فبكل دقيقة كانت تمر عليها منذ البارحة كانت الأصوات المبررة تتراجع تدريجيًا ليحتلها القلق والخوف ضغطت على جبهتها تحاول تمالك نفسها لتتمكن من التفكير بشكل صحيح وبعد ثوانٍ قررت أنها ستمر عليها بالعمل قبل أن تذهب لخالتها بالتأكيد ستفهم ما حدث من هيئتها دون أن تضطر للحديث معها وهذا ليطمئن قلبها فقط.. نهضت عندها وبدأت بتبديل ثيابها وقررت أن تتحجج بشراء بعض الأغراض الشخصية لنفسها إن سألتها خالتها.. وما أن انتهت حملت حقيبتها وتحركت بعدها من غرفتها وهبطت لصالة الاستقبال لكنها لاحظت هدوء المكان فاستغربت الأمر بالذات أن الوقت اقترب من الظهيرة مما يعني أن الجميع استيقظ.. تحركت تتجه إلى غرفة الطعام ومنها للشرفة الواسعة لكنها لم تجد أي أحد وعندما نظرت لغرفة الجلوس المرتبطة بغرفة الطعام لم تجد أي أحد فتحركت ناحية المطبخ لتجد سميرة توليها ظهرها بينما تغسل الأطباق وقبل أن تفتح فمها وجدتها تقول: "والدك ذهب للعمل والسيدة غادرت منذ الصباح الباكر لقضاء بعض الأمور.."
استغربت لولا أسلوبها البارد بالحديث لكنها لم تعقب وقررت تجاهلها كليًا وردت: "إن عادا قبلي أخبريهم أني ذهبت لشراء بعض الأغراض الشخصية.."
التفتت بعدها وغادرت فورًا دون التفات..
بعد فترة قصيرة نظرت لولا للمستودع من نافذة سيارة الأجرة قبل أن تلتفت للسائق وتقول: "انتظرني لن أتأخر.."
تحركت تهبط بعدها وتسير لتدخل المكان الذي كان يعج بالعمال فوقفت قليلاً تبحث عن المكتب..
-:"هل أساعدك يا آنسة.."
التفتت تنظر للشخص الذي بدا حارسًا للمكان وردت: "أنا أبحث عن مكتب الآنسة ليان.."
أومأ بتفهم وقال: "الآنسة ليان لم تحضر اليوم.."
تنهدت بضيق قبل أن تسأله: "ماذا عن السيد يزيد؟.."
رد: "هو الآخر لم يحضر لكن إن أردت إخباره بأي شيء يمكنك إعلامي وسيصل للشيخ.."
أومأت له وهمهمت بشكرٍ سريع قبل أن تخرج من المكان وتعود إلى سيارة الأجرة.. جلست لثوانٍ تعض شفتيها بتوتر وخوف وقبل أن تتخذ القرار بالذهاب لمنزل ليان وجدت هاتفها يهتز معلنًا وصول رسالة فأخرجته لتجدها من خالتها تسألها عن سر تأخرها فترددت قليلاً قبل أن تتخذ قرارها وأرسلت لها تخبرها أنها بالطريق ثم رفعت عيناها للسائق تخبره بعنوانها.. فبدأت السيارة بالتحرك وارتاحت هي بجلستها تفكر بما يمكن أن يكون قد حدث ليغيبا معًا بهذا الشكل.. وبداخلها علمت أنها ارتكبت خطئًا فادحًا..
***
نظرت لها سالي بينما تستلقي على الفراش بجوارها لقد أقنعتها أخيرًا أن تنام بعد أن استحمت وبدلت ثيابها.. كانت لا تزال تفكر بحديث والدها والذي لم يتبعه أي تفسير فقد ألقى الكلام عليهما ثم ألحقه بإخبار رحمة أنها ممنوعة من الخروج من المنزل وأخذ هاتفها وأخبر الجميع أن يراقبوها ويمنعوها إن فكرت بالابتعاد عن حدود غرفتها حتى وعندما حاولت الاعتراض كاد أن يضربها مجددًا لولا وقوفها بالمنتصف فاكتفى بسحبها ووضعها بغرفتها.. هو بالتأكيد لن يشرح لرحمة بذلك الحقد المتقد الذي رأته بعينيه.. ومع هذا الهاجس نهضت تغادر بهدوء وبعدها اتجهت إلى غرفتها وهي تنتوي الخروج والذهاب لرؤيته بالشركة حتى تتمكن من الحديث معه لكن رنين الهاتف والاسم الذي لمحته ما أن نظرت إليه أوقف تفكيرها وأوقف كل شيء من حولها..
***
كان مستلقيًا على الفراش بغرفته لم يحاول النهوض أو التفكير بأي شيء كان يكفيه ذاك الصدام البارحة معها فقد استنزف كل طاقته وهو كالأحمق تملكه الغضب.. تنفس بعمق واستقام جالسًا ينظر للغرفة من حوله كان ضوء النهار قد بزغ منذ ساعات لكن الغرفة كانت مظلمة بفعل الستائر وهو كالعادة لم يحاول إضاءة أي شيء التقط هاتفه من على الخزانة الصغيرة المجاورة ونظر للأرقام المتصلة كانت كلها لرجاله وهو لم يهتم رغم علمه أنهم بالتأكيد الآن قلقين أن يكون أصابه أي شيء.. كان يهتم بالبحث عن رقمها وما أن وجده كاد يتصل بها لكنه وجد حارس المستودع يتصل به فتنفس لاعنًا قبل أن يقرر استقبال المكالمة ليتوقفوا عن الاتصال به فرد قائلاً: "نعم"
-:"سيدي هل أنت بخير.."
رد بحنق: "أجل أنا بخير كنت نائمًا ولن أحضر اليوم إن احتجتم شيئًا اتصلوا بي.."
-:"أمرك سيدي.."
-:"كيف يسير العمل؟.."
-:"كل شيء يسير كأنك متواجد رغم أن غياب الآنسة ليان عطلنا قليلاً فقد حاولنا الاتصال بها لكن رقمها غير متاح لذا بدأنا العمل من دونها.."
صمت قليلاً ليفكر فقد توقع أن تفعل شيئًا كهذا بعد أن صرخت بوجهه أنها لا تريد رؤيته أو تسمع عنه أي شيء مسح ذقنه قبل أن يسأله: "ألم تحضر للآن.."
-:"لا سيدي.."
تنهد ورد: "أتموا العمل بدونها فلابد أنها اتصلت أثناء نومي لتعتذر.."
-:"أمرك سيدي.."
أغلق الخط بعدها واتصل برقمها لكنه كان مغلقًا كما أخبره الحارس وعندها ألقى الهاتف بجواره ووضع رأسه بين كفيه وهو يهمس: "ماذا فعلت؟!.."
****
كانت تجلس بالمقهى الذي أخبرها عنه منذ ما يزيد عن ساعتين.. ابتسمت بسخرية وتحولت الابتسامة لضحكة قصيرة متألمة وهي تتذكر أيامًا كان هو من ينتظرها.. كانت متأكدة أنه تقصد التأخر ليذلها ويهينها أكثر لكنها لم تكترث فقد كان سير أفكارها يشغلها فمن جهة كانت تفكر بالسبب بكل هذا.. من أوصلها لكل ما تواجهه الآن؟.. ومن جهة كانت تفكر كيف ستخرج من هذا المأزق.. قاطع أفكارها وصوله وجلوسه أمامها بينما يبتسم بانتصار كانت تتوقع أن تكون غاضبة أو متألمة.. لكنها كانت هادئة وصامتة ببرود ورغم كل هذا بقيت تفكر بتلك الأسئلة المطروحة وتبحث لها عن إجابة.. عقلها كان يسير باتجاهين دون قدرة على الفكاك من السير معهما.. تسترجع شريط حياتها لتعثر على ضالتها..
-:"لهذه الدرجة أنت غاضبة.."
عادت بتفكيرها للجالس أمامها ونظرت له فأكمل: "ظننتك ستكونين غاضبة لدرجة الصراخ بلا توقف لكن يبدو أنك لا تزالين مصدومة.."
تنهدت ورغم أن عقلها ظل مشغولا بأفكاره إلا أنها وجدت نفسها تسأله: "لم اتصلت بي؟.. ماذا تريد؟.."
ارتاح بجلسته ورد: "أنت من تريدين لا أنا.."
نظرت له قليلا بتفحص ثم استندت على الطاولة تقترب منه برأسها قبل أن تسأله: "لم لم تغتصبني أنت؟.."
ضحك بسخرية وتحرك هو الآخر يستند على الطاولة قبل أن يرد: "ولم قد أفعل بينما يمكنني إذلالك وبنفس الوقت أحصل على ما أريد دون أن أضطر الزواج من فتاة تافهة مثلك فبكل الأحوال أنا لم أرى بك سوى المال والنفوذ الذي يملكه والدك وهو ما سأحصل عليه الآن ودون الاضطرار للزواج منك.."
كانت تحدق به بينما يتحدث وبقيت تناظره بعيون جامدة قبل أن تسأله بهدوء: "ماذا تريد؟.."
ارتاح بمقعده قبل أن يرد: "لن أكون طامعًا أريد فقط خمسون مليون مع أحد مصانع والدك.."
ابتسمت بسخرية وسألته: "فقط؟.."
رفع ذقنه ورد: "أجل فقد اشفقت عليك.."
عند جملته تلك وصلت لنقطة تجيب عن كلا سؤاليها المطروحين.. من جنى عليها كانت هي ووالدها وكيف ستخرج من مصيبتها لهو أمر سهل وبسيط لكنها لا تريد هذا.. هي تريد أمرين أولهما الانتقام..
ابتسمت عندها وردت: "معك حق بالفعل لكن ما الذي يضمن لي أنك ستمنحني هذا المقطع وحتى لو منحته لي ما الذي يضمن لي أنك لن تحتفظ بنسخة منه لنفسك تبتزني بها وقت الحاجة.."
هز رأسه وقال: "لست مضطرًا لفعل هذا صدقيني.."
ارتاحت بمقعدها تنظر له لثوان قبل أن ترد: "أنت تطلب أمرًا صعبًا لكني سأحاول.."
ضحك بسخرية وقال: "ظننتكم تملكون الكثير من المال؟.."
نهضت تحمل حقيبتها وردت: "أنا أعني تصديقك عزيزي لكني سأسير بطريقك للنهاية وسأبحث عن ضماني بنفسي.."
نظر لها باستغراب لكنها لم تمنحه فرصة ليفكر وأكملت: "امنحني بعض الوقت وسأجهز ما طلبته.."
رد: "خذي وقتك وبأي وقت ستكلميني به سأحضر.."
ابتسمت وأومأت له قبل أن تغادر تاركة إياه..
***
وصلت لشقة خالتها ولم تكد تقرع الباب وجدتها تفتحه وملامح وجهها يعلوها الحنق والغضب فخطت للداخل وهي تقول بسخرية: "لم أتأخر لهذه الدرجة.."
-:"خالك باع نصيبه بالمنزل.."
توقفت تلتفت لها بينما تغلق الباب وتناظرها بصمت بينما لولا تحاول استيعاب ما قالته للتو وما أن تمكنت من الحديث قالت: "ماذا قلت للتو؟!.."
ضربت كفها على ظاهر يدها وهي تقترب منها وترد بتوتر وحنق: "كما أخبرتك.."
اتسعت عيناها وتحركت بتوتر تجلس على أقرب مقعد وهي تسألها بذات الصدمة: "كيف حدث هذا؟!.. ألم يخبرك أنه سيفكر بالمبلغ ويخبرك به وبموعد البيع؟.."
تحركت تجلس بقربها وهي ترد: "اتصل بي فجأة البارحة وأخبرني أن مشتريًا كان قد حادثه من قبل واتفق معه لكنه فجأة اتصل به وعرض عليه ضعف المبلغ إن باع له بنفس الليلة وهو حادثني ليلة البارحة بطريق قدومه للمدينة وعندما أخبرته أن أرسل له طارق ليكون معه وفكرت أن طارق ربما قد يثني المشتري إن أخبره بعيوب المنزل لكنه أقسم إن رآه أن يأخذه بيده ويسلمه لقسم الشرطة فرفض طارق الذهاب وغادر المنزل بعد أن تشاجر معي.."
كانت لولا تستمع لكل هذا والأفكار تتطاحن بعقلها كالرحايا وهي لا تصدق ما حدث بينما تهمس: "ما معنى هذا؟!.."
ضربت خالتها ساقيها بينما تندب قائلة: "معناه أننا سنكون بالشارع قريبًا فمن يدري أي لعبة لعبها خالك ليبيع نصيبه بمبلغ كهذا.."
التفتت لها لولا وانعقد حاجبيها بينما ترد: "لم تقولين هذا أنا لا زلت أملك النصيب الأكبر من المنزل.."
نظرت لها خالتها باستخفاف قبل أن تبتسم بسخرية وتقول: "أنت لا تملكين سوى محض ورقة لعينة لولا.. هل نسيتِ أن جدتك كانت في السبعين من عمرها عندما كتبتها ودون شهود أي أن بإمكانه الطعن عليها ببساطة وهذا إن اختار الطريق المستقيم.. لكن إن اختار دفع بعض آلاف الجنيهات للحصول على ورقة رسمية بامتلاكه كل هذا فهي ستكون أسهل.. وأنت تعرفينه قادر على فعل أي شيء مادام يصب بمصلحته.."
أغمضت لولا عينيها وهي لا تصدق كم المصائب التي انفجرت بوجهها فجأة وسرحت عينيها بالفراغ قبل أن تتوقف عن التنفس لثانية وتلتفت لها تسألها: "من المشتري؟.."
ردت: "لا أعرفه لم يخبرني.."
طرق الباب عندها فنهضت خالتها تتجه نحوه بينما بقيت لولا جالسة تحدق بالفراغ كان عقلها مشتتًا لكن شيئًا ما جذبها لنقطة معينة نقطة تحتوي اسمًا واحدًا لشخصٍ واحد قد يدفع ثمنًا باهظًا كهذا وقبل أن تعارض عقلها سمعت صوت فتح الباب يتبعه شهقة عالية من خالتها أجبرتها على رفع عينيها لترى النقطة بصاحبها تتجسدان أمامها..
لم ينتظر الإذن فقد دفع الباب ودخل بعنجهية وابتسامة سخرية تعلو شفتيه بينما ينظر للوجهان الممتقعان من الصدمة.. تحرك بعدها ناحية طاولة السفرة ودفع أحد مقاعدها للجلوس عليه بينما يتنهد قائلا: "أتعلمان كلتاكما تتشابهان بشيء واحد.."
نظر لهما بينما يكمل: "كلاً منكما ترى نفسها أذكى ممن حولها.. وستحصل على كل ما تشائه بسبب سذاجة وحماقة من يحيطون بها.."
هز رأسه وأردف: "وبسبب هذا من السهل خداعكم.. فكلاكما تحرص على هدفها وتنسى حماية نفسها فتصبح صيدًا سائغًا.."
تسارع تنفس لولا منذ اللحظة التي رأته بها وتجمدت بمكانها دون قدرة على الإتيان بحركة أو صوت قبل أن تلتفت لخالتها التي لاحظت شحوبها وعلمت أنها لن تفعل أي شيء لذا حاولت تمالك ما تستطيع من أعصابها قبل أن تنظر له وترد: "ماذا.. ماذا تفعل هنا؟.. وكيف.. كيف تتهجم علينا بهذا الشكل؟.."
مط شفتيه تزامنًا مع رفع حاجبيه بينما يقول بهدوء مستفز: "أنا لم أتهجم عليكم لأنه أولاً أنتِ فتحتِ لي الباب.."
التفت ينظر للولا قبل أن يكمل: "ثانيًا فهو بيتي أنا أيضًا.."
ابتلعت أزهار لعابها قبل أن تسأله: "ماذا تريد؟.."
رد ببساطة: "أريد صالحك أزهار.."
أخرج بعدها ورقة مطوية فتحها ووضعها على الطاولة قائلا: "أنت ستتنازلين عن نصيبك بالمنزل أيضًا وإلا.."
دخل بذات اللحظة مجموعة رجال وألقوا طارق أمامها فشهقت بعنف وهي ترى الكدمات التي تملأ وجهه والدماء التي تنزف من فمه وجانب جبهته قبل أن تنظر لبدر بصدمة تزامنًا مع التفات لولا له بعد أن صعقت من رؤية منظر طارق وهو غير قادر على فتح عيناه حتى ويصدر عنه أنين مكتوم متألم..
نظر لهما بدر ببساطة قبل أن يقول: "لا تفهماني بشكل خاطيء هذا.." وأشار لطارق قبل أن يكمل: "لا علاقة له بصفقتنا.."
نظر لطارق الذي انكمش على نفسه بينما يردف: "لقد حذرته من الاقتراب منها أو النظر لها حتى وأخبرته أنه سيلاقي أضعاف ما تلقاه قبلاً.."
هتفت أزهار عندها: "وما ذنبنا هي من أتت لنا تستجدينا أن نساعدها ونخلصها منكم.."
لم تكد لولا تلتفت لها وجدت بدر يرد: "كنت لأخبرك أنها ستدفع ثمن هذا لكن الأمر لا يخصك.. أضيفي لهذا أن ابنك تآمر علي ولم يستمع لتحذيري لكن بما أنه ليس المخطئ الوحيد فأنا اكتفيت بتأديبه فقط.."
كانت أزهار لا تملك كلمة لقولها قبل أن يكمل: "الآن لنعد لصفقتنا ما رأيك أن تنظري للمبلغ المكتوب بالعقد.."
أشار لمكانه بالورقة فترددت قليلا قبل أن تتحرك نحوها بفضول وما أن وقفت أمامه ونظرت لموضع يده اتسعت عيناها وهي ترى المكتوب.. لم تصدق لثوانٍ وبقيت تعيد الرقم عشرات المرات إلى أن صدقت عيناها لكن لم يصدق عقلها وافترضت أنه سيخدعها.. لكن قبل أن تلتفت برأسها له حتى وجدت أحد رجاله يضع حقيبة جلدية أمامها ويفتحها لتتسع عيناها برؤية رزم الأوراق النقدية أمامها بقيت تنظر نحوهم بصدمة وفم مفتوح قبل أن يمد لها يده بقلم قائلا: "لا أحب التعامل بالأوراق المصرفية فهي مملة وتفقد الصفقات متعتها.."
التفتت تنظر له فابتسم مكملا: "ستنجين أنت وابنك من قبضتي إن بعتي نصيبك وغادرتي دون عودة أزهار لكن إن عاندت.." اختفت الابتسامة من على وجهه لثانية قبل أن يضحك بسخرية ويكمل: "لن أخبرك ما سيحدث فأنت ستبيعين بكل تأكيد.."
ولم يكد يتم جملته كانت تختطف القلم من يده وتخط بتوقيعها على الورقة بينما التفت هو ينظر للولا المذهولة بنظرة شامتة جعلتها تدرك أن ما يجري من حولها حقيقي بالفعل..
قدمت له أزهار الورقة ونظرت للحقيبة بتردد فعادت تنظر له كأنها تطلب إذنه فقال: "بإمكانك أخذها طبعًا.." ثم التفت للواقفين مكملاً: "أوصلوا السيدة وابنها لمحطة القطار واقطعوا لها التذاكر إلى مدينة والدتها حيث يعيش شقيقها.."
نظرت له بعدم فهم فأردف مفسرًا: "كان هذا هو الاتفاق فبمقابل المبلغ الكبير جميعكم ستبتعدون عن طريقنا للأبد لذا تطوع شقيقك شاكرًا باستضافتكم عنده وبعدها يمكنكم التفاهم.. الأهم ألا أسمع أو أرى أيًا منكما مفهوم.."
لم تجد بدًا من الإيماء له قبل أن تتحرك برفقة رجاله الذين رفعوا ابنها عن الأرض كالخرقة البالية وغادروا الشقة بعد أن أغلقوا الباب.. ولفترة لم تعلمها شعرت لولا بأضلعها تكتم على رئتيها وتمنعها من التنفس تزامنًا مع تسارع ضربات قلبها بينما تشعر به ينهض ويتحرك ببطء نحوها جعلها تشعر بخطواته تضرب برأسها لا على الأرض وما أن وصل إليها انحنى بجوار رأسها قائلا: "ظننتك أذكى من هذا فريال.."
تمالكت نفسها عندها والتفتت له فأكمل: "ظننتك ستستمعين لنصيحتي بتجنب إغضابي والعبث معي.."
اقترب منها أكثر وهي لم تستطع الرمش حتى بينما يهمس: "لكنك اخترت هذا فتحملي العواقب.."
استطاعت التقاط أنفاسها أخيرًا وقررت ألا تصمت على ما يحدث أكثر وقالت بحدة: "أنت لا تملك حقًا بمعاقبتي.."
نهضت بعدها تتجاوزه لتغادر لكن يده أمسكت معصمها وشدت عليه بقبضة حديدية قبل أن يسحبها للخلف لتصطدم به وما أن طالعت عيناه ولمست الغضب المتقد خلف أمواجها العاتية علمت مبلغ الخطأ الذي ارتكبته وتذكرت كلمة قالتها لنفسها وسمعتها من ليان عندما صارحتها بعلاقتها بيزيد
-:"أشعر أحيانًا أني لست ندًا له كأني قطعة من الورق بين عاصفة مهلكة.."
سحبها من يدها لتلتصق به بينما يهمس بخطورة: "لا أحد يملك حقًا بمعاقبتك.."
صمت قليلاً قبل أن ينحني أكثر ويكمل: "بالأصح لا أحد يملك حقًا بك بقدري أنا.."
وقبل أن تتمكن من أن تشهق حتى وجدته يضع شيئًا ما على أنفها وبعدها غابت عن الوعي..
***
دخلت سالي إلى مكتب والدها وجدته يجلس واضعًا رأسه بين كفيه ويبدو عليه التفكير والغضب فجلست أمامه بينما تتنهد وتقول: "ما الأمر أبي؟.."
نظر لها وبدا كأنه لم يلاحظ دخولها من قبل.. لكنه أغمض عيناه ورد بهدوء: "صباح الخير حبيبتي كيف حالك اليوم.."
نظرت له بلوم فابتلع لعابه قائلا: "لا أريد لما حدث البارحة أن يؤثر عليك أنت لا شأن لك.."
ردت بحدة: "وما الذي يضمن لي أنك لن تضربني كما ضربتها؟.."
رفع يدها يطبع قبلة عليها وقال: "سأموت إن فعلتها أميرتي.. وهل أملك غيرك؟.."
نظر لها بحنو أبوي يختلف تمامًا عن نظراته لرحمة البارحة بل طيلة عمرها لم تره ينظر لها بتلك الطريقة..
-:"لا أريدك أن تقارني نفسك حتى بتلك اللقيطة ابنة فريدة.."
عادت من أفكارها ونظرت له قليلا قبل أن ترد: "دعنا مما حدث البارحة.. وأخبرني ماذا بك؟.."
حرك رأسه بينما يعقد كفيه قائلا: "تلك العائلة الغبية ستفسد كل شيء.."
انعقد حاجباها وسألت: "أي عائلة.."
رد بحدة: "أبناء سلطان وهل هناك غيرهم.."
ازدادت دهشتها وسألته: "لا أفهم أين قابلتهم؟.."
ارتاح بجلسته ورد: "زرت شركتهم اليوم لأقابل ذاك المدعو مولانا لأخبره الحقيقة ليجبر ابن عمه على العدول عن قرار زواجه من تلك الغبية.."
كانت مصدومة مما يقوله ولثوانٍ لم تتمكن من تحريك شفتيها قبل أن تهمس: "أنت لم تفعل ما أخالك فعلته.."
تنهد ورد: "لم يكن أمامي حلا غيره لأبعدها عنهم لكن حتى هذا بات مستحيلاً.."
تنفس بعمق قبل أن يخبرها بما حدث صباح اليوم..
&&&
كان يحدق بالأوراق التي منحها له ورغم ثبات ملامحه إلا أن الصدمة كانت واضحة ولا يمكن إخفائها ولفترة قصيرة تخيل أن هذا لصالحه وكاد يبتسم بنصر لكن ما هي إلا ثوانٍ وجده يرفع عيناه له ويسأله: "عفوًا أنا لم أفهم؟.."
وضع فنجان القهوة أمامه ورد: "الأمر واضح أمامك في الأوراق سيد فداء.."
نظر فداء للأوراق أمامه بينما يطرق عليها بإصبعه قبل أن ينظر له ويقول مستفهمًا: "هل تخبرني أنك أتيت إلى هنا فقط لتعلمني أن الفتاة التي تربت ببيتك واسمك يتبع اسمها ليست ابنتك وأحضرت أوراقًا لتثبت لي هذا.. هل فهمتك بشكلٍ صحيح؟.."
رغم توجسه من طريقة حديثه إلا أنه رد: "لقد اضطررت لفعل هذا منذ زمن وأنا ارتأيت أنكم عائلة عريقة واختلاط دمكم بفتاة أصلها غير معروف قد يهمك.."
بقي فداء يحدق به لثوانٍ بنظرة جعلته يتمنى التراجع عما قاله إلا أنه أكمل بارتباك يسأله: "تبدو مصدومًا لذا يمكنني توضيح الأمر لك.."
قاطعه فداء: "أنا لست مصدومًا.."
توقف عن الكلام بينما يراه يرتاح بمقعده مكملاً: "لست مصدومًا من تصرفك فقد قابلت رجلين بحياتي فعلا أمرًا مشابهًا.."
لم يفهم معنى كلامه لكنه لم يمهله فرصة للسؤال فقد رفع السماعة وطلب من مساعده استدعاء مازن ومرت بعدها دقائق ببطء قاتل وهو غير قادر على النطق حتى باعتذار والاستئذان بينما هو بقي ينظر له لثوانٍ قبل أن يمسك بالأوراق ويبدأ بفحصها وقبل أن يحاول الحديث وجد مازن يدخل فقال فداء: "ها أنت ذا تعال.."
ظن أن تلك النبرة الصارمة الجافة مبشرة لكنه رآه يستند على المكتب ويلتفت نحوه ليقول بهدوء خطير: "أنا مصدوم فقط لأن هذا ليس ما أخبرني به مازن.."
استغرب مازن ما يحدث واقترب وقبل أن يلقي التحية أو يقول أي كلمة قدم له فداء الأوراق قائلاً: "انظر لهذا.."
وأخيرًا انفكت عقدة لسانه أخيرًا وسأله: "بم أخبرك مازن؟.."
ابتسم فداء ورد: "أخبرني أن والدة رحمة رحمها الله تعرضت لحادث مروع وفقدت كل ما تملك خلاله عدا ثروتها وبعض النفوذ الذي تركوه لها.."
اتسعت عينا عزام بينما اتسعت ابتسامة فداء الهازئة وهو يكمل: "والبقية أنت أدرى بها.."
-:"ما هذا؟!.."
التفت لمازن الذي كان يحدق بالأوراق ثم رفع عيناه له وسأله: "هل أريت هذا لرحمة.."
لم يستطع الرد وهو لم ينتظر واندفع نحوه هاتفًا: "يا لك من رجل مريض مجنون كيف تتجرأ.."
-:"مازن.."
كان هذا النداء الصارم من فداء الذي أوقفه بينما يكمل: "احترم وجودي على الأقل.. ولا تنسى كبر سنه.."
كز مازن على أسنانه ورفع ذقنه قائلاً: "لقد كان بيننا اتفاق وهو أخل به.."
رد فداء: "أنت المخطئ بمنح الثقة لمن ليس أهلا لها.."
كان عزام بين كل هذا يحاول الخروج من دوامات الصدمة والإحباط والحرج وما أن استطاع نزع القليل منها من عقله نهض بصعوبة قائلاً: "أنا أردت إيضاح الأمور لا أكثر.. لكن القرار لكم بالنهاية.."
تحرك بعدها ليغادر لكن مازن وقف بطريقه وسأله: "أين رحمة؟.. أنا أتصل بها منذ الصباح دون أن أتلقى ردًا.."
ابتلع لعابه ولكن عقله وسوس له بفكرة أسرع بقولها: "لقد استيقظنا في الصباح ولم نجدها على الأغلب ذهبت كعادتها إلى المزرعة.."
ودون أن يمنحه فرصة للرد التفت لفداء يقول سريعًا: "شكرًا لوقتك مولانا.."
ثم تحرك بعدها ليغادر لكن قبل أن يصل للباب سمع مازن يقول: "إنه يكذب.."
ورد فداء: "بالتأكيد هو يكذب.."
&&&
عاد للواقع ونظر لسالي التي بدت مذهولة ومنزعجة لثانية فابتسم لها ومد يده يربت على كفها قائلا: "لا أريدك أن تنزعجي أو تفكري بالأمر سأجد طريقة لإبعادهم عن طريقنا.."
ابتلعت لعابها قبل أن تتنفس بعمق وترد: "أعلم أنك ستفعل.. لكنك للآن لم تفهمني سر رفضك لمازن.."
هزت كتفيها وأكملت باستغراب: "أنا لا أرى فارقًا بين ارتباط رحمة به أو بغيره.."
بدى عليه الارتباك قبل أن يحتله الغضب وهو يقول: "كله بسبب فريدة وغرورها وكبريائها الذي لم أتمكن من كسره.."
فضلت الصمت بينما تراه ينهض ويقف أمام النافذة الكبيرة وهو يكمل: "لقد كتبت كل شيء باسمها قبل أن تموت كل المصانع والشركة والمنازل والمزرعة حتى القصر والمجوهرات كتبت كل شيء باسمها دون أن تسمح بوجود أي ثغرة لننفذ منها للطعن على الوصية.."
انعقد حاجبي سالي وسألته: "لكن رحمة لا تعرف هذا.."
تنهد والتفت ينظر لها وهو يرد: "كان هذا هو الاتفاق فقد أقنعت مازن أن معرفة رحمة بالأمر سيسبب لها صدمة وربما يعود المرض للظهور عليها وعندها قد نفقدها وكذلك أخبرته أننا بحاجة ل..."
-:"انتظر أبي.."
نظر لها وجدها تحدق به بصدمة وخوف قبل أن تكمل: "أي مرض؟.. رحمة سليمة ولا تملك أي مرض.."
لم ينتبه للمغزى خلف كلماتها ورد: "عندما كانت صغيرة أصابها التهاب رئوي كالذي أصاب فريدة في آخر أيامها وأدى إلى تدهور حالتها وتضاعف فيما بعد ليؤثر على قلبها.. هذا المرض كان مع فريدة منذ ولدت ولمرات عدة كانت ستموت بسببه وعندما أصاب رحمة كانت حريصة ألا يتطور معها ولكنها لم ترد أن تدمر طفولتها بسبب المرض وأخفت الأمر عنها تمامًا حتى العلاج الذي كانت تتلقاه لفترة تعدت الخمس سنوات أخبرتها أنها مجرد فيتامينات لتقوية مناعتها والفحوصات التي كانت تجريها بشكل دوري كانت تخبرها أنها طبيعية وللاطمئنان على صحتها لا أكثر.."
ابتلعت سالي لعابها بينما أكمل هو: "مازن خاف عليها وأنا ظننت أنه لا يملك تفسيرًا واضحًا لما حدث لتقوم فريدة بكتابة كل شيء باسم رحمة لذا فضل ألا يخبر رحمة حتى لا يسبب مشاكل لكن مما فهمته من لقاء هذا الصباح أنه يعرف كل شيء.. وهو ما لا يمكنني استيعابه أو فهمه.."
كانت قد اكتفت من التحديق به بصدمة وتحركت بهدوء لتستند على المكتب وترد: "أنا أرى أن نستغل كل هذا.."
نظر لها فأكملت: "ما الذي يضمن لك أن رمزي لن يفعل ما تتوقع أن يفعله مازن بانتزاع حق رحمة كاملا منا.."
ادعت التفكير ومطت شفتيها تردف: "أنا أرى أن احتمال أن يفعلها مازن عشرة بالمئة بينما رمزي مليون بالمئة لن يفوت فرصة الاستيلاء على كل شيء ومعهم رحمة.."
اتسعت عيناه بينما يجلس بتعب على المقعد وهو يحدق غير مستوعب أن شيئًا كهذا فاته قبل أن تنهض سالي وتجلس على المكتب أمامه وهي تبتسم بخبث وتقول: "أنا لدي خطة نحصل بها على كل المال ونتخلص من رحمة وآل سلطان وبنفس الوقت نحصل على دعم وسطوة ونفوذ رمزي للأبد.."
انعقد حاجبيه بينما يستمع لخطتها الجهنمية التي رسمتها بدقة وإحكام قبل أن يبتسم بسعادة وينهض محيطًا وجنتيها بكفيه وهو يقول: "أنتي فعلاً ابنتي المدللة.."
ثم تحرك يحمل هاتفه ليتصل بمحاميه بينما ابتسمت سالي بسخرية وهمست: "أجل أنا كذلك.."
***
كانت تحاول فتح عيناها لكن الأمر كان صعبًا للغاية كما كانت تشعر بخدر شديد بجسدها لكنها تمكنت بعد صراع طويل من فتحهما ليطالعها ضباب كثيف انقشع شيئًا فشيئًا لترى ناموسية بستارة حمراء تمتد من بين عمدان من الخشب البني الداكن الذي يتصل بفراش وثير تستلقي فوقه استقامت بتعب وصعوبة تنظر حولها كان كل شيء بلون أحمر من الفراش للحوائط والسقف وكذلك المقعد الوثير الموجود أمام الفراش.. تحركت من مكانها وهي تمسد رأسها محاولة تذكر ما حدث عندما ضربتها الذكرى دفعة واحدة ما أن نهضت وواجهت النافذة الضخمة ليطالعها منظر البحر ولا شيء آخر ومع ذلك الصمت الذي لاح حولها لاحظت أنه ليس بسبب صمتها بل إن الصمت يحتل ما هو أبعد من عقلها..
-:"ها قد استيقظت فريال.."
التفتت تنظر للواقف على باب الغرفة المؤدي لما توقعت أنه الملحق والذي يحتوي على باب الغرفة للخروج والذي لم تره عندما تفحصت المكان حولها.. لم تكترث لأيٍ من هذا ونظرت له بانزعاج وسألت: "ماذا فعلت بي؟.. أين أنا؟.."
رد ببساطة: "أنت بأحد منازلي وهذه غرفة نومي.."
اتسعت عيناها وانحبست أنفاسها داخل صدرها وهي تنظر للفراش بصدمة ثم تتفقد نفسها وقبل أن تنفي ما جال ببالها للعديد من الأسباب اكتشفت أن هذه ليست ثيابها التي ارتدتها بالصباح فقد اختفى البنطال والقميص وأصبحت ترتدي منامة قطنية قصيرة.. فعادت تنظر له وهي تقترب منه وسألته: "ماذا فعلت بي؟.. هل اختطفتني؟.."
رد بنفس البساطة والهدوء: "أجل.."
نظر لها من رأسها إلى أخمص قدميها بهدوء قاتل قبل أن يبتسم بسخرية ويكمل: "لكني لم ألمسك وأنت نائمة لا تقلقي هذه ليست طريقتي بممارسة الجنس!.."
شهقت بعنف واندفعت نحوه ترفع يدها تنتوي ضربه وهي تقول بغضب: "يا لك من وقح حقير.."
ولكن قبل أن تصل له كان قد أمسك معصمها وسحبها لتلتصق به ونظر لها لثانية قبل أن يتنهد قائلاً: "أنا أخبرتك عن قواعد والدتي أثناء تربيتها لي وكيف علمتني أنه لا يجب علي رفع يدي على النساء لكني لم أخبرك عن أبي وحكمته بخصوص هذا الأمر.."
انحنى قليلا وأكمل بخفوت: "أبي كان يخبرني أن المثل الذي ينص أنه إن كسرت للفتاة ضلع ينمو لها أربعًا وعشرين صحيح.." ابتسم ابتسامة جمدتها بمكانها وازداد الرعب بقلبها وهي تشعر أنها مقيدة ليس بسبب يديها بل الأمر أسوأ.. لقد كانت لا تستطيع التفكير حتى بينما يردف: "لكن ما الضرر من كسرهم كلهم وما أن يخرج المزيد نكسرهم ونكسرها هي أيضًا بالكثير من الطرق حتى لا تتمكن من رفع عينيها حتى مجددًا.."
وقبل أن تتمكن من استيعاب ما قاله وجدته يصفعها ويترك يدها لتندفع من قوة الصفعة لتسقط أرضًا فاستندت على الأرض بكفيها تنظر له وهو يقول: "لنقل أن كلاهما كان محقًا فريال فما علمتني إياه أمي كان لاعتقادها أني سأرتبط بامرأة تشبهها.. وما أخبرني به أبي لاعتقاده أني سأرتبط بفتاة تشبهك أنتِ.."
وضعت يدها على مكان صفعته وكزت على أسنانها بغضب رغم الرعب الذي تملكها قبل أن ترد: "لا حق لك بضربي أو محاسبتي وأنا لن أرتبط بك إلا بأحلامك.."
مط شفتيه وصمت قليلا يدعي التفكير قبل أن يقول: "هل تعلمين أني قادر على إرغام والدك على الانفصال عن والدتي؟!.."
لوح بيده وابتسم بينما يكمل: "نسيت أن الأمر لا يعنيك وأن سعادة والدك لا تمثل لك أي شيء.. لكن ما رأيك بإنهاء الشراكة بينه وبين ابن عمي ومعها ضياع كل أمواله وأيضًا سأحصل على حصتك بمنزل جدتك دون عناء.."
تحرك ببطء ليجلس على المقعد المواجه لها بعنجهية بينما يهمهم بتفكير قبل أن يقول: "عندها لن تعود فريال لحياتها القديمة الممقوتة وحسب.. لكن حتى تلك الحياة التي كانت تكرهها وتحلم بالتخلص منها بأي طريقة لن تجدها فلا يوجد منزل ولا ورشة ولا نصيب بمنزل جدتها تستند عليه وقت الحاجة.."
كانت عيناها تتسعان بينما تتنفس بطريقة مؤلمة فحتى أضلعها كانت تأبى الحركة وقلبها يضرب صدرها بعنف من هول ما سمعته بينما عقلها يصور لها كل هذا وهو يكمل: "ولا يوجد والدك فلا أعتقد أنه سيتخطى صدمة كتلك بظروفه الصحية وإن تخطاها فهو لن يسامحك.."
حرك رأسه ليردف بمنطقية باردة أثلجت روحها: "وبالتأكيد لا توجد ليان التي كانت تساندك والتي عثرت لك على عملك القديم وتقبلت حمل عبئه لوحدها بسبب كسلك.. ولم تشتكي لأنها كانت تعاملك كأخت لها وتقبلت أن تستغليها لحبها لك وحسب.. لكن بالتأكيد هي أيضًا لن تسامحك ما أن تعلم إخفائك الحقيقة التي تسببت بشجار كبير بينها وبين يزيد.. وإن فعلت هي لطيبة قلبها وحبها لك.. فيزيد ما أن يكتشف فعلتك ويتمكن من التفاهم معها سيمنعها من الحديث معك فهو ابن عمي وأنا أعلم كم يكره أن يتلاعب أحد آخر بحياته وممتلكاته.."
صمت قليلاً قبل أن يتجهم ليكمل بقسوة: "لا أظن أنه حتى فريال ستكون موجودة بعد كل هذا فأنت لا شيء دون كل هذا.. أنت لا تملكين أي شيء أو صفة تؤهلك للارتقاء والتواجد حتى بذاك الشارع الضيق الذي تكرهينه لا شيء أوجدك عدا هذين الشخصين بحياتك.. ورغم هذا لم ينل غيرهما الضرر منك.. فخالتك باعتك وتلقت الثمن وكذلك خالك ما أن طلبت منه ألا يحاول الاتصال أو السؤال عنك أخبرني أنه لم يحبك قط ولطالما خاف من اختلاطك ببناته حتى لا تفسديهم بتصرفاتك.."
امتلئت عيناها بالدموع ولكنها كبحتها بينما تقول من بين أنفاسها الحادة: "أنت لا يمكنك فعل هذا؟.."
ابتسم بخبث وانحنى يستند بمرفقه على ساقه وهو يرد بثقة: "أنا بدر عبدالجبار القديري بإمكاني فعل ما يحلو لي وإن اعتمدتي على أن هذا يعارض تصرفاتي معك في الفترة الماضية فراجعي الاسم وتذكري ما حكته لك والدتي عن والدي.."
هز رأسه وأكمل: "أنا لا أحمل دمائها وصفاتها وحدها.."
أرادت العثور على كلمة أو أي شيء تفعله لكن الشيء الوحيد الذي كانت متأكدة منه عندها أنه بالفعل قادر على فعل كل هذا وما يتجاوزه أيضًا وقبل أن تحاول إخفاء يقينها هذا كان هو يبتسم بنصر وينهض ليتحرك حولها وهو يقول: "أنا أحضرتك إلى هنا لأعرفك على مقامك ومكانك الجديد فريال.. أنت لن تفعلي شيئًا من الآن وصاعدًا سوى تنفيذ ما سآمرك به.."
التفتت له بحدة وهتفت: "هل تتوقع مني أن أكون عاهرتك؟!.. سيكون عليك قتلي أولاً.."
توقف أمامها وانحنى على جذعه ورد: "أو إرضائك لنيل موافقة جسدك فلا عقلك يهمني ولا ما ستشعرين به بعدها يخصني أنت هنا لإرضائي أنا.."
اتسعت عيناها بينما يمد هو إصبعه ليلف إحدى خصلاتها على إصبعه ويكمل بخفوت: "وهو أمر أنا قادر على فعله صدقيني.."
نظر لذهولها بابتسامة شامتة قبل أن يتنهد وينهض قائلا: "لكني للأسف إن فعلت هذا سأفقد احترام والدتي لي للأبد لكن إن تزوجتك فهي لن تملك ما تعارضني به فهي بالفعل كانت تخطط وتتمنى هذا فللأسف كانت تحبك.."
ترددت الكلمة بعقلها لعدة مرات قبل أن تهمسها بتساؤل: "كانت؟!.."
رد: "أجل فقد تبدل كل شيء ما أن علما بم كنت تخططين له سرًا رغم وعدك لوالدك ألا تعترضي طريق سعادته وأن تريحي قلبه بالابتعاد عن خالتك وابنها.."
شعرت فجأة بجفاف حلقها مع امتلاء عيناها بالدموع حتى لم تعد قادرة على كبحها فهطلت على وجنتيها وكلماته تتردد ببالها لم يهنها أحد بهذا الشكل قبلاً فرغم تلقيها الكثير من الإهانات طيلة عمرها لكنها كانت دائمًا تملك ما ترد به حتى لو كانت مخطئة أما الآن فهي غير قادرة على التفكير حتى سوى بردة فعل والدها وليان بعد كل ما فعلاه لأجلها وهي استغلت طيبتهما لتضرهما لأجل الحصول على ما تريده.. فلم تملك سوى الإطراق لتعلن استسلامها بينما أكد هو ما ببالها بقوله: "أنت لا تملكين حق التفاوض أو الانتفاع كما فعل الجميع أنت ستتعايشين مع الواقع وتتقبلي أيًا كان ما سأفعله.. مفهوم فريال؟!.."
عضت شفتها السفلى وأومأت برأسها دون أي كلمة فلا توجد أي كلمة قد تصف شعورها بهذه اللحظة..
***
كانت مستلقية بالفراش وقد نضبت دموع عيناها ولم تعد قادرة على البكاء أكثر نظرت لصورة والدتها التي كانت تضعها دائمًا بجوارها وهمست: "لا يمكنني كرهك أمي.."
أغمضت عيناها بشدة لتطالعها صورتها وهي تقف أمامها بطولها وظهرها المنتصب دائمًا وأنفها وذقنها المرتفعان بشموخ فطري مع شعرها الأسود الفاحم المرفوع خلف رأسها بتسريحة ارستقراطية والذي يتخلله بضع خصلات بيضاء لم تكن تحاول إخفائها معللة أنها لن تعاند الزمن وأنها اكتسبتهم مقابل العديد من الأمور..
-:"وأروعها كانت أنتِ يا رحمة السماء بي.."
عادت الدموع تملأ عينيها مجددًا بينما تزيد من ضغط جفنيها لتبقى بذلك الحلم وهي تتخيل أن تندفع نحوها وتحتضنها كما كانت تفعل ما أن تنطق تلك الجملة بينما هي تحتضنها وتربت على رأسها بحنو وحب.. فشهقت بينما تشعر بالدموع تتسرب من عينيها وهي تهمس: "لو كنت أنت من أخبرني ما كنت لأحزن.. كنت ستخبريني كم أنا ابنة جيدة وكم أنا جميلة ومهذبة وطيبة.. ما كنت لتسمحي لأي أحد بإيذائي أو جرح كرامتي وكبريائي حتى أنا ما كنت لتتركيني أؤذي نفسي بكلمة أو شعور دفين حتى.."
فتحت عيناها عندها واستقامت بالفراش تحمل الصورة وتمرر إصبعها عليها بينما تكمل: "لقد كنتِ تحميني من الكثير دون أن أشعر.."
عضت شفتها السفلى بقوة ثم وضعت الصورة بحضنها علها تهدأ قلبها الموجوع لكنها سمعت صوت فتح الباب فانتفضت بمكانها بخوف أن يكون هو وقد أتى لضربها مجددًا ليرغمها على الزواج.. لكنها اطمئنت ما أن رأت سالي التي دخلت حاملة أكياس الطعام مع زجاجات عصير وأغلقت الباب بالمفتاح.. نظرت لها نظرة طويلة قبل أن تتحرك نحوها وتضع الأكياس على الفراش قبل أن تجلس أمامها وتبدأ بمسح دموعها وهي تقول: "لم لا تنضب دموعك كنت تبكين طوال الليل والنهار دون أن تجف عيناك.."
لم تكن قادرة على التوقف عن البكاء لذا التفتت تنظر للأكياس وهي ترد: "لست جائعة سالي.."
قالت بصرامة: "ستأكلين لتتمكني من فهم ما سأقوله.."
نظرت لها باستغراب فأكملت: "إن بقيتِ تبكين فلن تفهمي ما سأطلبه منك.."
سألتها: "ماذا تريدين؟.."
ابتسمت سالي ووضعت الأكياس أمامها بينما ترد: "تتناولين الطعام أولاً وبعدها أخبرك.."
بينما بداخلها كانت تردد الأمرين اللذان تفكر بهما.. أمران ستحققهما وليحترق كل شيء بعدها!..
***
طرق الباب للمرة السابعة لكن هذه المرة بقوة أكبر لكن كما الحال في المرات السابقة ما من رد أو مجيب ابتعد عن الباب وهو يتنهد بتعب وهو يتذكر أنه لم يتمكن من الوصول لحل ولا لطريقة يشر بها موقفه لكنه لم يتمكن من الجلوس ببيته وقرر أن عليه رؤيتها حتى لو تشاجرا.. هو لا يهتم سوى برؤيتها.. تنفس بعمق وهو يفكر أين يمكن أن تكون ذهبت لاعنًا غبائه لاستماعه لها بإبعاد الحارس الذي كان يقف أسفل منزلها بعد أن لاحظت وجوده وطلبت منه إبعاده لأنها لا تشعر بالارتياح بوجوده.. فجأة أتت بباله فكرة أرعبته بأن تكون قد آذت نفسها.. ألقى باللوم جانبًا قبل أن يبدأ عقله بإلقاء اتهاماته.. واندفع يتحرك نحو الباب لكن قبل أن يقوم بكسره سمع صوت فتح الباب خلفه فالتفت ليرى سيدة بمنتصف الأربعينات تقريبًا تخرج وتنظر له بتوجس قبل أن تسأله: "من تريد بني؟.."
التفت لها بكامل جسده وحاول تهدئة حديثه بقدر الإمكان بينما يقول: "أنا أسأل عن الآنسة ليان التي تسكن هذه الشقة.."
انعقد حاجبا المرأة فأسرع يفسر: "أنا مديرها وهي تملك أوراقًا هامة تخص العمل وقد كنت أتصل بها منذ البارحة لكنها لم ترد.."
أومأت بتفهم وردت: "ليان ليست بالداخل لقد غادرت البارحة مساءًا.."
كاد أن يتنهد براحة قبل أن تكمل: "ولن تعود فقد مرت علي مع أخوها وتركت لي مفتاح المنزل بعد أن أخبرتني أنها ستترك المنزل وتسافر.."
تجهم وجهه بشكل أرعب السيدة التي تراجعت خطوة بينما هو يسأل بهمس خطير: "ماذا قلت توًا؟.."
ابتلعت لعابها بينما ترد: "لقد أخبرتني أنها ستسافر ودفعت لي الشهر الأخير حتى أنها لم تأخذ سوى ثيابها وأخبرتني أن أتصرف بالمتاع أو احتفظ به لأنها ستهاجر ولن تعود أبدًا!.."
*****

رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن