ما أن دخلت للبيت وجدته يقف أمامها عاقدًا ذراعيه بينما ينظر ناحيتها بغضب.. فابتسمت وهي تتحرك نحوه وما أن وقفت أمامه وجدته يقترب منها وهو يمسح ذقنه.. وما أن أصبح على بعد خطوة منها قال:"قبل إحالة ليلتك لجحيم.. أود أن أعرف كيف واتتك الجراءة لتتصفحي شيئًا مخلًا كهذا"
انعقد حاجباها بينما ترد مدعية الجهل:"أنا لا أعلم عما تتحدث"
اقترب منها أكثر وقال بسخرية: "حقًا لا تعرفين"
ابتسمت وردت بخفوت: "لا أعرف إلا أني أخبرتك بأنك ستحصل على التسلية التي طلبتها لكن بطريقتي أنا"
لم يعلم كيف لكنها أجبرته على الابتسام.. تلك الفتاة تثير غضبه وتشعل حماسه بنفس الوقت.. وتشعل أمور أخرى.. فمثلا الآن رغم حنقه وغضبه الذي لا يمكن وصفهما إلا أنه يتمنى فقط احتواء هاتين الوجنتين الخمريتين بين كفيه وإشباع صاحبتهما تقبيلا.. لكن لا يمكنه هذا وعليه الاعتراف أنه آسف لأنه لا يمكنه تنفيذ تلك الرغبة الحارقة.. ورغم كل هذا فلا يجب أن يسكت عما فعلته فقد تسببت بفضيحة أجبرته على إغلاق كل حساباته على مواقع التواصل ليتمكن من السيطرة على الموقف والادعاء أن حسابه تم اختراقه.. لكن لِم يواجه صعوبة بالصراخ عليها أو حتى تأنيبها.. لِم يشعر أنه نوعًا ما يتعاطف معها رغم كل ما تفعله.
-:"لولا لم تأخرت؟"
التفتا معا ينظران لوالدته التي خرجت من باب المطبخ واتجهت لها تقول: "لقد قلقت عليك واتصلت على هاتفك عدة مرات"
ردت ببساطة: "هاتفي لم يعد صالحًا للاستعمال.. لا يستقبل أو يرسل أي مكالمات.."
نظرت لها وفاء باستغراب وهي تستشعر غرابة الموقف فقد كان بدر يقف وإمارات الغضب واضحة على وجهه بينما لولا تقف بلا مبالاة وبابتسامة غريبة فسألتهم: "هل من مشكلة.. لم تقفان هكذا؟"
كاد أن يرد لكن لولا سبقته بالقول:"كان بدر يسألني إن كنت عبثت بحاسبه"
التفتت له والدته وردت: "لا عزيزي.. أنا طلبت منها أن تغلقه عندما وجدته في الصالون مفتوح وأنت تعرف أني جاهلة بهذه الأمور فأخبرت لولا أن تغلقه وتتركه بمكانه لحين عودتك"
كان مذهولا مما قالته.. ودون أن يشعر وجد نفسه يسألها: "لم أترك حاسبي في الصالون أمي من وضعه هناك؟"
نظرت له وفاء باستغراب ثم التفتت للولا التي تحول وجهها من الهرة الشرسة لأخرى وديعة ولطيفة وهي تقول: "أنا خفت من إخبارك عما رأيته على الحاسب حتى لا تغضبي وأيضا لأني خجلت"
انعقد حاجبي وفاء وهي تقترب منها بسرعة وتسألها:"ماذا رأيت على الحاسوب؟"
لم يكن يصدق ما يحدث.. فبثانية انعكست الأدوار وبدلا من أن يؤنبها هو من سيتلقى التأنيب.. بقي على هذا الحال بينما تنظر لولا له سريعًا قبل أن تميل عليها وتهمس ببعض الكلمات قرب أذنها وعندها أدرك ما يحدث وقبل أن يتحدث وجد عينا والدته تتسعان بصدمة قبل أن تهتف به: "يا عديم الحياء.. كيف تجرؤ؟!"
وقبل أن يتمكن من الرد وجدها تندفع نحوه وتشد أذنه بشدة وهي تكمل:"هل هذه نهاية تربيتي لك يا بدر؟!"
كان مصدومًا مما يحدث ورغمًا عنه رد: "أمي هذا شيء طبيعي لشاب بعمري!"
شهقت بعنف بينما كانت لولا تراقب الموقف باستمتاع قبل ان تسمع صوتًا يأتي من غرفة الصالون القريبة: "لا.. لا.. لا.. ماذا فعلت لإزعاج والدتك يا فتى؟!"
التفتت تنظر ناحيته فوجدت ابنا عمه يقفان على باب الغرفة وهما ينظران له بسخرية بينما كان ذلك الشاب الذي لم تره إلا مرة واحدة ليلة زواج والدها يكمل: "اتركيه خالتي وأنا أتصرف معه بطريقتي"
ردت وفاء بعصبية بينما تشد أذنه أكثر:"تعاليا لتريا ما يفعله ابن عمكم!"
رد يزيد بسخرية: "إنه بحاجة لتأديب منذ فترة خالتي.. لكن لم أخبرك حتى لا تحزني"
نظر لهما بدر بانزعاج ثم قال بغضب: "انظروا من يتحدث.. إنهما مثلي وربما أسوأ"
شهقت وفاء بعنف والتفتت تنظر لهما بصدمة فرد يزيد سريعًا: "لا تصدقيه إنه يحاول التملص من العقاب!"
قال بدر: "أمي تعلم أنه ليس من طباعي التملص وأني لا أكذب أبدا"
التفت لها عندها وقال بتوسل: "أمي اتركي أذني أتوسل إليك.."
نظرت له قليلا قبل أن تترك أذنه فكاد يتحدث محاولا تخفيف غضبها لكنها هتفت فجأة: "سميرة احضري لي المكنسة"
تحرك عندها يقف بجوار يزيد محاولا الاحتماء به.. لكن يزيد منعه ووقف خلفه بينما جناد يقول:"لم خالتي؟"
حضرت سميرة عندها وناولتها المكنسة ووقفت تنظر للموقف باستمتاع بينما لولا مذهولة ولا تصدق ما توقعت أنه سيحدث.. نظرت لوفاء التي أمسكت عصا المكنسىة القديمة وضربت بها على يدها وهي تقول بابتسامة وحاجب مرفوع: "سميرة متى كانت آخر مرة منحتهم درس تقوية في الأدب؟!"
كتمت سميرة ضحكتها بينما تحاول الرد بجدية: "في الثانوية العامة سيدتي"
ضربت على يدها مجددا بينما تنظر لهم بابتسامة وتقول:"لهذا نسوه"
ابتلع بدر ريقه وهو يتراجع بتوتر بينما لم يكن جناد ويزيد أفضل حالا منه.. وما أن استطاع التحدث قال: "أمي بالتأكيد لن تفعلي هذا ليس ونحن بهذا العمر!"
ابتسمت والدته بثانية وبالأخرى رفعت المكنسة واندفعت ناحيتهم فالتفت بدر يبتعد وهو يهتف: "أركض يزيد!!"
كان يزيد قد سبقه بالفعل وابتعد قافزا خلف الأريكة.. وقبل أن يلحق به جناد وجد عصا المكنسة تهبط على ظهره فالتفت بصدمة وهو يتأوه قائلا: "خالتي ما دخلي أنا.. ثم لا يمكنك فعل هذا بي أنا الكبير!"
ردت وفاء وهي لا تتوقف عن ضربه: "هذا يجعلني أضاعف عقابك يا كبير يا عاقل!!"
وقف بدر بجوار يزيد بينما جناد يرد: "ليس عدلا أن أتلقى كل العقاب لوحدي خالتي"
التفتت وفاء عندها تنظر ناحيتهما وقبل أن يتمكنا من الركض كانت تندفع نحوهما وهبطت بالعصا على أجسادهم دون حساب بينما تقف على الأريكة وهي تقول بعصبية: "ألا تخجلون من أنفسكم أنتم الثلاثة ينادونكم بالشيوخ.. شيوخ يا عديمي الأدب!!"
وبقرب الباب كانت لولا تقف مذهولة مما تراه.. فبعيدا عن ابنها كان يزيد ذاك الضخم يقف أمامها كطفل وهو يتوسلها أن تهدأ حتى لا يرتفع ضغطها.. بينما جناد يحاول هو الآخر تهدئتها لكنها لم تكن تتوقف عن توجيه ضربات العصا لهم.. ورغمًا عنها أعجبها هذا وبقيت تراقب باستمتاع وهي تتحسر لأنها لا تملك هاتفًا ذكيًا لتصوير ما يحدث.. وفي النهاية أجبرت ساقيها على التحرك وصعدت لغرفتها.. وما أن وصلت ودخلت همست بشماتة: "يستحق هذا الطاووس المت.."
توقفت عن الحديث وهي تنظر لحاسبها المحطم كليًا بصدمة.. ولثوانٍ لم تستطع الإتيان بأي حركة محاولة إقناع نفسها أنها تحلم بالتأكيد.. اقتربت تنظر له وهي لا تصدق ما أصبح عليه.. وما أن لمست لوحة المفاتيح منزوعة المفاتيح والأسلاك تنفست بعمق وقد تأكدت أنها لا تحلم.. فقفزت من مكانها بغضب وهي تصرخ.. ثم تحركت تخرج من الغرفة وتهبط الدرج واندفعت للغرفة التي كانوا يقفون بها وصرخت: "اضربيه أكثر خالتي اضربيه!!"
التفتت لها وفاء واقتربت منها تسألها: "لولا.. لم تبكين حبيبتي؟!!"
أخذت تضرب ساقيها بالأرض وهي تصرخ باكية: "لقد حطم حاسبي خالتي.. حطم حاسبي الغالي!!"
ثم التفتت لبدر وهتفت ببكاء: "أيها الهمجي الأحمق.. كيف تجرأت على فعلها.. إنه يحتوي كل ذكرياتي وأفلامي ومسلسلاتي.. والأغاني.. يا إلهي.. أنا أجمعها منذ أكثر من ثمانية سنوات أيها الطاووس المتعجرف.. أقسم أن أنتقم منك على هذا.."
شهقت وفاء بينما تلتفت لبدر الذي كان يضع يده على كتفه وهو يرد بعصبية: "هذا أقل ما تستحقينه أيتها الشيطانة الصغيرة.. أنت السبب بكل هذا!!"
اندفعت وفاء عندها تضربه وهي تقول: "وتتجرأ على اتهامها بعد أن اعترفت بنفسك يا قليل الحياء!!"
عادت لولا تصرخ بعصبية: "اضربيه خالتي اضربيه.."
-:"ماذا يحدث هنا؟"
التفتوا جميعًا لصالح الذي وقف على الباب ينظر لهم بصدمة بينما يسأل:"وفاء ماذا حدث؟"
كانت هذه هي الفرصة التي تنتظرها ودون أن تفكر مرتين اندفعت نحو والدها وهي تجهش بالبكاء وتقول: "أبي أرأيت كنت محقة.. لقد أهانني وكسر حاسبي دون أن أفعل أي شيء أو أحادثه حتى!!"
اتسعت عينا بدر وهو ينظر لها بعدم تصديق.. بينما يرى الفتاة التي تحدته منذ دقائق تبكي كفتاة مقهورة لا حيلة لها.. كان يريد الصراخ عليها أو نفي ما قالته حتى لكنه لم يقدر.. وللمرة الثانية تلجمه فقط لأنها تعجبه.. ولم يكن هذا بشير خير له..
*****
كانت تجلس بغرفتها بعد أن غادرت لولا من المنزل.. ورغم صدمتها بما فعلته إلا أنها على غير العادة لم تستطع التفكير كثيرا بأمرها.. ففي العادة مشاكل لولا تأخذ حيزًا من بالها أكبر من مشاكلها هي.. وهذا لأنها لا تستطيع التوقف عن القلق عليها بسبب طيشها.. لكن هذه المرة كان عقلها مشغولا بالتفكير بسيد الظلام خاصتها.. ضحكت بخفوت رغمًا عنها وهي تتذكر ذلك اللقب الذي أطلقته عليه إنه يلائمه حقيقة.. فثيابه كلها باللون الأسود.. وسياراته كلها سوداء.. حتى ديكور غرفة مكتبه كله بالأسود.. ما يحيرها شعورها نحوه.. الأمر ليس أنها تتبعه بلا حساب فقط.. بل إنها منجذبة له لدرجة خطيرة ولا يمكنها التوقف عن التفكير به وبكم التساؤلات التي تدور ببالها عنه.. رن هاتفها عندها فالتقطته ظنًا منها أنها لولا.. لكنها تأففت بضيق وهي ترى اسم المتصل التي كانت زوجة والدها ورغم عدم رغبتها بالرد إلا أنها كانت تعلم أنها لن تتوقف عن الاتصال إلا عندما ترد.. لذا تنفست بعمق ثم فتحت الخط وهي تقول: "نعم خالة حسنية"
-:"كيف حالك يا حبيبة خالتك.. هل يجب أن اتصل بك أنا.. ألا تنوين أن تتنازلي وتتصلي أنت لمرة؟"
رغم السخرية الصادرة من حديثها.. إلا أن الغضب الذي كانت تشعر به كان يصل ليان بوضوح.. وكعادتها ردت ببرود: "لقد غيرت عملي ولهذا تأخرت بإرسال المال لكن تيمور أخذه مني.. ألم يصلك؟"
-:"وصلني عزيزتي.. لكني لا أحادثك بشأن هذا"
لم تكن تبالي بأيا مما تقوله عدا عن كون المال وصلها فعلا.. فتيمور دائما ما يأخذ المال ويستحوذ عليه وتتلقى هي التأنيب.. توقعت أن يكون السبب وراء مكالمتها أن تشتكي من قلة المال وتخبرها أنها بحاجة لبعض المال الإضافي.. فحمدت الله أنها تملك بالفعل تلك المكافأة فيمكنها إرسال جزء منها إليهم لينسوها لبعض الوقت.
-:"ليان ألا زلت معي؟"
كانت قد توقفت عن التفكير لثانية وتركت الشعور بالغضب يتحكم بها لثوان.. ثوان فقط ليتردد نفس السؤال ببالها.. لم تفعل كل هذا لهؤلاء الناس.. هي لا تعتبرهم عائلتها.. بل ابتلاء لا مفر منه.. لكن لِم لا مفر منه.. لِم لا تغادر وتنساهم وحسب.. ولِم تغادر أساسا.. ما الذي يملكونه ضدها لتخاف منهم.. أيا منهم لا يهتم سوى بالمال الذي تتحصل عليه وحتى الوسيلة لإحضاره لا تهمهم.. إلا أنها سرعان ما ألقت كل هذا بعيدًا عن رأسها وردت: "أجل معك.. أخبريني بالمبلغ وسأرسله لك"
-:"لا أريد المال"
تنهدت بحنق وسألتها:"إذًا ماذا تريدين؟!"
-:"والدك مريض ويريد رؤيتك"
كانت تعلم أنها وسيلة ليحصلوا منها على المال لذا قالت:"حسنا سأمر عليكم غدًا بعد العمل"
-:"لا هو يريدك الليلة.. وطلب حضورك على الفور"
****
كانت لولا قد صعدت لغرفتها بعد أن أخبرت والدها بكل ما حدث.. وما أن فعلت طلب بدر أن يجلس مع والدها على انفراد.. ورغم اعتراض وفاء إلا أن أيًا منهما لم يستمع لها.. بنفس الوقت جلس يزيد بجوار جناد بغرفة الصالون وهو يمسد ذراعه من أثر ضربات خالته قائلا: "ظننت أني كبرت على هذا العقاب!"
التفت له جناد ورد: "هل تعلم ماذا سأفعل بك إن أخبرت أي أحد عما حدث؟"
ابتسم بسخرية وقال: "لا تقلق يا شيخنا.. لن أتسبب بزعزعة صورتك.. لكنك ستكون مدينًا لي!"
نظر له جناد باستخفاف ثم التفت ينظر أمامه وهو يرد: "لست مدينًا لك بأي شيء.. فأنا أيضا لن أخبر أحدًا أن الشيخ المرعب ثعلب عائلة القديري ضُرب بمكنسة"
ضحك يزيد بخفوت وهمس: "يا لك من وغد!"
دخلت سميرة عندها تحمل بعض المشروبات الباردة واتجهت نحوهم وهي تحاول كتم ضحكاتها.. ثم وضعتها أمامهم فقال يزيد: "كان من الأفضل أن تحضري الثلج لنضعه على أماكن الإصابات!"
رد جناد: "ولم قد تفعل لطالما أحبت أن ترانا نعاقب.. كأنها تنتقم من عائلتنا برؤيتنا بهذا الشكل"
إدعت الجهل وهي ترد ببراءة: "أنا.. سامحك الله يا شيخ جناد!"
ضحك بخفوت ثم ارتاح بجلسته وهو يسألها: "هل خرجوا؟"
ردت: "لا.. ليس بعد.. كم أتمنى أن يخبر السيد بدر والدها عن كل ما فعلته لعله يعاقبها"
زمت شفتيها وأكملت بحنق: "لكن حتى والدها لن يقدر عليها.. فهي جامحة وجريئة تماما كوالدتها وجدتها.. كانتا هما أيضَا بوجه مكشوف ولا تخجلان من أفعالهما!!"
نظر جناد للفراغ وهو يقول بوجوم:"ربما علينا إرسالها لجدتي"
فكر يزيد قليلا قبل أن يرد بنفس الطريقة: "ستقتلها في اليوم التالي لرؤيتها"
التفت له جناد وانعقد حاجباه بتفكير قبل أن يقول: "على الأرجح ستقتلها بعد ربع ساعة بالضبط من رؤيتها"
ابتسم يزيد وهو يصدق على كلامه بينما أكمل جناد: "إذًا لنخفف عقوبتها ونكتفي بتزويجها من بدر"
شهقت سميرة بعنف بينما التفت يزيد ينظر لجناد وقال: "بعدها نرسلها لجدتي"
ابتسم جناد بخبث ورد: "أرأيت سميرة.. لهذا يزيد هو ذراعي الأيمن فهو يفهمني دون أن أتكلم حتى"
كانت سميرة تطالعهما بعدم تصديق ورغمًا عنها قالت بذهول: "هل تتحدثان بجدية؟!!"
التفت لها يزيد ورد: "إما هذا أو سنرسلك أنت إلى جدتي عقابا على ما فعلته معنا"
اتسعت عيناها بصدمة وهي تتخيل أنهما يمزحان.. لكن رغم الابتسامة الساخرة التي تعلو ثغرهما لكن عيناهما كانتا تنضخان بالجدية وقد أفزعها هذا.. فلا مزاح مع هذان الاثنان إلا إن أرادا هذا وهما لا يبدوان بمزاج يسمح بهذا الآن.. لذا تراجعت تنوي الابتعاد عنهما.. لكن قبل أن تصل للباب وجدت يزيد يسبقها بثانية ويغلق الباب ويقف متكئا عليه بينما يشعل إحدى سجائره.. وما أن نفث أول نفس منها نظر لها بتلك العيون المرعبة وهو يقول بخفوت خطير: "يبدو أن طول فترة إقامتك في العاصمة أنساك أنه من العيب أن تغادري دون أن تستأذني كبير قبيلتك سميرة!"
ابتلعت ريقها بتوجس وقد بدأت يداها ترتجفان بالفعل.. فعلى ما يبدو هي قد تجاوزت حدودها وهو على حق في النهاية.. لذا التفتت وقالت بخوف: "أنا أعتذر لك شيخنا.. لكلاكما أقدم اعتذاري!"
نظر لها جناد قليلا قبل أن ينهض ويقترب منها وهو يرد: "سأتناسى ما حدث.. لكن عليك تنفيذ ما سأطلبه دون أي كلمة أو سؤال"
أومأت له فابتسم ليزيد الذي بادله نفس الابتسامة.. وبينما يراقب الموقف بصمت سمع رنين هاتفه فأخرجه ورد بسرعة ما أن رأى اسم المتصل.. وما أن فتح الخط أتاه الصوت الرجولي الخشن قائلا: "سيدي الآنسة ليان خرجت من بيتها منذ حوالي نصف ساعة وهي الآن بمنزل قديم يوجد بزقاق بمنطقة شعبية"
نظر يزيد لساعة يده وجدها تقارب الحادية عشر فاشتعلت عيناه بغضب وقال دون تفكير:"أعطني العنوان!"
*****
وقف بدر أمام صالح وهو ينظر له بجدية دون أن يحاول الالتفات لنظرات والدته المحذرة بينما يقول: "اسمع عمي.. منذ تقدمت لطلب يد والدتي أخبرتك أني لا يهمني إلا سعادتها وراحتها.. وأخبرتك أيضًا أن كلانا سيتفق لأن كلانا يحرص على هذا أليس كذلك."
رد صالح: "أجل بني"
اقترب منه بدر وسأله: "هل أسأت لك أو عاملتك بقلة احترام؟"
هز رأسه نفيًا ورد: "لا أبدًا بني"
قال بعصبية: "إذًا لم لا تتوقف ابنتك عن معاملة والدتي بتلك الطريقة؟!"
تدخلت وفاء عندها وقالت بحدة: "بدر هل جننت.. كيف تحادث عمك بهذه اللهجة؟!"
التفت لها صالح وقال: "اتركيه وفاء فإن لم يخبرني هو لن تفعلي أنت"
أنت تقرأ
رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسيني
Actionمقدمة السلسلة *** تجمعنا الأقدار وتفرقنا.. تتلاعب بنا كبيادق الشطرنج برقعة كبيرة اسمها الحياة بعضها تسعدنا.. بعضها تحزننا.. وبعضها يصيبنا بالحيرة فلا هي سعيدة.. ولا هي حزينة . بل تتخبط بين السعادة والحزن.. بلحظات السعادة تتناسى كل الحزن.. وبلحظات...