رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - الفصل الثامن

178 8 2
                                    

كان يزيد يقف بصحبة أمين المخازن والعمال بينما يقول:"أود أن أفهم..كيف تضيع كمية من الخشب بقيمة مئة ألف جنيه دون أن يعلم أيكم أين ذهبت؟!"
ابتلع الجميع ريقه ولم يتجرأ أيًا منهم على الرد فجميعهم يعرفون ما سيلاقونه إن لم يجدوا تفسيرًا مقنعًا لم حدث ولسوء حظهم أيًا منهم لم يكن يملك واحدًا..لذا تقبلوا قدرهم وصمتوا جميعًا داعين الله أن يكون عقابهم من يزيد القديري الموت وحسب..التفت يزيد لأمين المخازن وقال:"أريد تفسيرًا ملائمًا رمزي وإلا لن يعجبك تصرفي"
ابتلع الرجل الخمسيني لعابه بتوتر قبل أن يتنفس بعمق قائلا:"سيدي كما تعلم لقد كنت بإجازة طيلة الأيام الماضية ولولا أنك استدعيتني اليوم لم أكن لآتي.."
ضاقت عينا يزيد ففهم أنه لا يهتم بأي كلمة قالها فأكمل:"سأبدأ بمراجعة العمل مع حسان ما أن يصل"
-:"سيد يزيد.."
التفت يزيد لليان التي وقفت على باب المخزن تحتضن بعض الأوراق لصدرها بينما تنظر لهم بارتباك قبل أن تقول: "هل لي بكلمة معك من فضلك"
كان مستغرقًا بتأملها إلا أنه أشار لها أن تقترب بينما هو يتفحصها بعينيه من قمة رأسها وشعرها البني الناعم المرفوع بذيل حصان..إلى قميصها الأبيض البسيط والسترة الخفيفة القصيرة التي ترتديها فوقه بلونها اللبني الذي من الواضح أنها تفضله..ثم السروال الضيق والحذاء الرياضي..ورغم أن أي شيء ترتديه أو تفعله يثير أفكاره..إلا أن تلك العينين العسليتين بلونهما الأخاذ والشفتين الحسيتين بلونهما الكرزي سيفقدانه عقله قريبًا بسبب عبثهما بجسده بتلك الطريقة المؤلمة.
وصلت إليه وبعد أن ارتبكت لثانية من نظراته تمالكت أعصابها وسلمته رزمة من الأوراق التي جمعتهم بدبوس وقالت:"هذه فواتير الطلبيات التي خرجت في الأسبوع الماضي..لقد عثرت بينهم على فاتورة لطلبية بنفس المبلغ تقريبًا بإمضاء الأستاذ حسان.."
نظر يزيد للفاتورة التي وضعتها أعلى الرزمة ومنفصلة عنها وتأكد مما قالته قبل أن يسألها:"وما المشكلة بهذا؟"
أمسكت ليان ورقة أخرى ورفعتها أمامه وهي تقول:"المشكلة أن هذه الفاتورة لم تكتب بالكشف الذي يأتيني بنهاية كل يوم لأدخله لك بعد مراجعته مع الفواتير..واليومين الماضيين لم تأتي تلك الفاتورة إلي على الإطلاق..ولكي أتأكد بحثت بالتقارير الخاصة بكل أيام الأسبوع الماضي ولم أعثر عليها"
نظر يزيد للورقة التي بيدها قبل أن يلتفت للعمال ويسألهم:"أين حسان؟"
لم يرد أيًا منهم لكن الرد أتى من ليان التي قالت:"لم يأت"
التفت لها فأكملت:"لقد راجعت كشوف الحضور اليوم وفكرت بسؤاله أولا ربما هناك خطأ ما ل..."
لم ينتظر أن تكمل حديثها وتحرك هاتفًا:"ليعد الجميع لعمله..وغير مسموح لأي أحد بالخروج من المخزن قبل أن آذن له!"
التفتت تنظر لرمزي الذي اقترب منها ولكن قبل أن يتفوه بأي كلمة:"ليان تعالي!"
كان هذا صوت يزيد الذي جعلها تلتفت بتلقائية وتتبعه دون أي تفكير..وما أن وصلت باب مكتبه وجدته يشير لها قائلا:"أحضري لي رقم حسان من كشوف العمال"
أومأت له وهي ترد:"حاضر سيدي"
كادت تغادر لكنه قال بينما ينظر للفاتورة:"وتأكدي من كشوف العملاء من وجود اسم م.ر لصناعة الأخشاب..وإن كانت موجودة أحضري كل تعاملاتنا معهم"
هزت رأسها والتفتت لتنفذ طلباته..وما أن فعلت أخرج يزيد سيجارة وأشعلها بينما يجري مكالمة على الهاتف..وما هي إلا لحظة بعد أول رنين كان أحدهم يرد:"أوامرك سيدي"
قال بهدوء وعينيه تنذران بالأسوأ:"حسان عليوة..ذلك الذي عمل مؤخرًا معنا بالمخزن..أريد كل شيء عنه بملف موضوع فوق ساقيه المقيدتين قبل مغيب الشمس"
رد الطرف الآخر بطاعة:"اعتبره معك من الآن سيدي"
*******
-:"لم لم تردي علي البارحة يا هذه؟.."
كان هذا أول سؤال تلقته من خالتها ما أن دخلت وجلست على الأريكة كالعادة فتنهدت وردت بهدوء:"كنت نائمة خالتي وعندما استيقظت كان الوقت قد تأخر.."
جلست بجوارها وهي تتفحص ثيابها الباهظة وهي تهمس بسخط:"بالطبع لم تعودي شاغرة للرد علي يا ابنة أختي.."
التفتت لها وقالت بتصنع:"بالطبع لدي وقت خالتي لكن أبي غادر البارحة وسافر للبلدة وأنا بعد توديعه استغرقت بالنوم لأني اضطررت للاستيقاظ من الصباح الباكر لانتظار حضور خالي حتى لا تفسد خطتي.."
ارتاحت خالتها بجلستها وهي تلتفت لها بكامل جسدها وحركت يداها بعصبية بينما ترد بحدة:"هذا أول شيء سأسألك عنه..كيف تفعلين بي هذا يا ابنة سوسن.."
ارتفع أحد حاجبي لولا وهي تسأل:"ماذا فعلت لك يا امرأة؟..ولا تتحدثي معي بهذه الطريقة إن لم تكوني تريدين أن أرد عليك بأسوأ منها..فأنت لن تهزميني بهذا.."
تراجعت قليلا وهي رغمًا عنها توافقها برأيها..فلا أحد يستطيع السيطرة على هذه الفتاة مهما حاول ولا أحد يتمكن من هزيمتها في الكلام..لكن كل هذا لم يقلل من حنقها منها بل إنه ازداد لذا قالت:"دعك من كل هذا وأخبريني لم طلبت مني إخبار خالك إن كنت ستقفين بصف والدك؟..هل تعلمين ما تلقيته منه بسببك؟.."
انعقد حاجبي لولا وابتسمت بسخرية واعتدلت وجلست بنفس طريقة خالتها حيث كانت إحدى ساقيها أسفل جسدها ويداها تتحركان بينما تقول:"وهل تخيلت أني أنا..لولا..قد أذهب مع ذلك الرجعي المتخلف لبلدته ليقوم بسجني ببيته الخرب مع زوجاته وبناته الحاسدات..وربما يكتمل الأمر بتزويجه لي واحد من أبنائه الحمقى!.."
نظرت لها خالتها بدهشة فأكملت بحدة:"يبدو أنك لا تعرفيني خالتي..أنا أفعل كل هذا ليرتفع شأني وأحصل على ما أستحقه وأنتقم لوالدتي..وذهابي مع ذلك الرجل معناه أني سأدفن نفسي.."
تنفست خالتها بعمق وتحدثت ببعض الرفق وهي تسألها:"إذًا أفهميني يا حبيبة خالتك..لم طلبت مني أن أخبره؟..فلا يعقل أن أنال كل هذا التوبيخ دون سبب.."
أراحت ظهرها على الأريكة وهي ترد:"أنا أردته أن يأتي فقط ليبعد والدي عن البيت لبعض الوقت فوجوده يمنعني من فعل أي شيء.."
هزت أزهار رأسها وهي تقول:"أخبرتك أن تدعيني آتي لهذا البيت وأنا سأضايقها بطريقتي.."
ردت لولا:"سنفعل هذا لكن ليس الآن فعلي فعل بعض الأشياء أولا..الآن أخبريني ما الأمر الثاني الذي أردت السؤال عنه؟.."
ابتسمت بتشفي بينما تسألها:"ماذا فعلت بإكرام وابنتها يا خبيثة؟"
افترت شفتيها عن ابتسامة جانبية وهي تقول:"كنت أعلم أنها ستأتيك راكضة لتعرف كل شيء.."
ردت أزهار:"وهو ما حدث بالضبط فقد أتت تتملقني لأخبرها عما حدث لكني لم أمنحها أي شيء.."
اتسعت ابتسامتها وهي تتذكر وجهها قبل أن تغادر خالية الوفاض ودون أي معلومة من التي كانت تطمح للحصول عليها ثم لكزت لولا بركبتها وهي تقول:"كانت تحاول إحفاء حنقها..لكن لا شيء يخفى على أزهار لقد قرأته بعينيها وشعرت بحقدها الدفين نحوك..ذكريني أن أقوم بتبخيرك لإبعاد العيون الحاسدة.."
"انظروا من تقول هذا؟!" كان هذا ما تهمسه لولا بداخلها بينما تحاول السيطرة على لسانها والحفاظ على ثبات ملامحها فهي ما أن تخرج من باب شقة خالتها تتنفس براحة داعية الله أن يوصلها لبيتها سالمة..
-:"لم تخبريني ماذا فعلت لها ولابنتها؟..فقد رفضت إخباري بأي شيء.."
عادت بتركيزها لها وردت بتشفي:"عرفتهم قيمتهم فقط.."
التفتت تنظر للساعة ثم نهضت وهي تقول:"سأغادر الآن خالتي فلدي موعد هام..أراك لاحقًا.."
وتحركت ناحية الباب لكنها توقفت ما أن رأت طارق يخرج من غرفته بعيون ذابلة وناعسة ففهمت أنه استيقظ من نومه للتو..ما أن رآها ابتسم مبرزًا أسنانه المقززة وهو يقترب منها قائلا:"كنت أتسائل من أين تأتي تلك الرائحة الطيبة.."
زمت لولا شفتيها ثم ابتسمت بسخافة وهي تقول:"كيف حالك طارق؟"
رد:"بخير وك..."
لم تسمح له بإتمام جملته وتخطته وهي تقول:"كنت أتمنى إتمام حديثي معك لكني على عجلة.."
رد سريعًا:"انتظري كنت أود سؤالك عن عمي صالح فأنا أردت التحدث معه بأمرٍ ما.."
كانت قد فتحت الباب وما أن قال تلك الجملة شدت قبضتها عليه وهي تلتفت له وبعيون قاسيوة ونبرة متعالية سألته بسخرية:"ولم تريد والدي طارق؟"
وقبل أن يرد تحركت نحوه وهي تقول:"لا داعي للرد..فأنا أعلم السبب.."
وصلت إليه وعلى الرغم من نحالة جسده بسبب تعاطيه لتلك السموم إلا أنه بقي أضخم منها ولكنه لم يرعبها فقد كانت نظرتها له دائما أنه شاب أحمق وسخيف ولا يليق بها..ولا زالت تلك النظرة لم تتكرر..لذا رفعت ذقنها وهي تكمل:"اسمع يا ابن خالتي..هناك شيء واحد يجب أن تعرفه عن لولا..وهو أن لا أحد بإمكانه إقناعها أو إرغامها بفعل شيء هي لا تريده..لا أحد له كلمة عليها ولا أحد تستمع له إلا نفسها..هذه هي لولا..لذا بشأن عرضك للزواج فقبل أن يفكر والدي حتى بطريقة ملائمة لرفضك كنت أنا أسبقه بقول لا لوالدتك.."
صمتت قليلا غير مبالية بنظرة الغضب على وجهه ثم ابتسمت وهي تردف:"لذا لا تتعب نفسك بتكرار طلبك لأني دائمًا سأقول لا.."
التفتت بعدها وتحرك لتغادر وهي تقول:"أراكم لاحقًا.."
وما أن أغلقت الباب بعنف اقتربت منه والدته وقالت بتأنيب:"ألم أخبرك أن تصبر؟..ألم أخبرك أن تلك الطريقة لن تأتي بنتيجة معها يا غبي؟..أخبرني الآن كيف سنتصرف؟.."
التفت لها ورد:"أنا لدي طريقة ستجعل ذات المقام العالي تتوسلني لأتزوجها.."
حركت والدته رأسها وهي تقلد صوته بسخرية قبل أن تقول:"الأفضل أن تكون فعالة كما تقول يا حبيب أمك..وإلا سيسبقك أحدهم إليها فابن وفاء الذي حكت لي إكرام عنه لا يبدو طيبًا ومهذبًا كوالدته..:

رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن