جلست بأحد المطاعم الشعبية تنتظره وأحيا هذا ببالها ذكرى قديمة.. ذكرى تتمنى محوها للأبد.. كانت تجلس بنفس المكان وبانتظار نفس الشخص منذ ثمانية وعشرين عاما.. تنهدت وفاء بينما تنظر للشارع وفجأة تبدل المشهد ليتحول الشارع الممتلئ بالناس الى شارع قديم مليء بالعمارات البسيطة والأرصفة القديمة.. ورائحة الورود من المحل المجاور للورود تصل إليها بينما تشاهد مجموعة فتيات بعمرها تقريبا يتحركن بفساتينهم الزاهية الجميلة أمام المحل.. ابتسمت بأسى وحسرة إلى أن رأته يدخل المطعم.. كان كما هو لم يتغير به شيء إلا تبدل لون شعره للون الفضي.. بينما لازال كما هو بابتسامته ونظرته الدافئتان.. اقترب وجلس أمامها وقال "آسف جعلتك تنتظرين وفاء.. لكن كان علي مراجعة العمل مع المحاسب الجديد قبل أن آتي إليك"
هزت رأسها وردت "لا داعي للاعتذار.. أنا اتصلت دون موعد سابق"
قال "لا تقولي هذا.. لكن طمئنيني فقد أقلقتني"
ردت "بدر يريد أن يقابلك"
بدا عليه القلق إلا أنه أبقى على ابتسامته بينما يقول "هل انزعج منك؟"
رغما عنها ابتسمت بينما هو يكمل "أنا سأوضح له كل شيء وهو بالتأكيد سيتفهم.. فهو شاب ناضج وصالح"
استندت على المنضدة لثوان تتأمله ثم همست "لا تزال كما أنت.. حنونا وطيبا"
ابتسم لها وتنحنح ببعض الحرج ثم رد "وأنت لا تزالين كما أنت.. تحرجيني بكلماتك"
ضحكت بخفوت ثم نظرت له وقالت "لا أريدك أن تقلق من بدر علي أو عليك.. بدر ابني ليس كأي أحد من العائلة.. صحيح إنه تفاجأ.. إلا أنه كان حريصا علي وحسب.. ولم يحاول التفكير بأي شيء آخر"
اتسعت ابتسامته عندها ورد "إذا أخبريني متى آتي لمقابلته.. لكن دعيني أطلب لك شيئا أولا"
*************
كان يجلس في المكتب الصغير بمحله الخاص لعمل الأغراض المنزلية الخشبية.. كان يراجع بعض الطلبيات قبل تسليمها عندما سمع عامله يقول "عم إبراهيم.. هناك رجل يريد رؤيتك"
التفت له وقبل أن يسأل رأى شابا يقف بخارج المحل.. ورغم إنه يضع نظاراته الشمسية إلا أنه عرفه فورا.. فنهض سريعا واتجه إليه قائلا بحفاوة "أهلا.. أنرت المحل سيد بدر"
ابتسم بدر برسمية بينما ينظر له ورد "شكرا لك يا عم.. ورجاء نادني بدر فقط"
اتسعت ابتسامة إبراهيم وقال "هل تحب أن نجلس هنا.. أم نذهب لمكان آخر؟"
رد "لا داعي للمغادرة.. فأنا لن أبقى كثيرا"
أومأ له واتجها للداخل.. وما أن جلسا نظر له بدر بتقييم لثانية ثم ابتسم قائلا "أنا آسف لأني أعطلك عن عملك يا عمي"
ابتسم وهدأ توتره قليلا بينما يرد "لا بأس يا بني.. أخبرني أولا ماذا تريد أن تشرب.. ما رأيك بكوب عصير قصب بحجم كبير"
أومأ وقال "سأحب هذا"
نادى أحد العاملين وطلب منه إحضار كوبين من عصير القصب وما أن ابتعد قال بدر "دعنا ندخل في الموضوع مباشرة حتى لا أعطلك عن عملك"
أومأ له إبراهيم ثم ابتلع ريقه بتوتر قبل أن يقول "أنا يا بني كنت سآتي لك لأتقدم لطلب يد والدتك السيدة وفاء"
ابقى بدر على ملامحه الجامدة بابتسامته الرسمية بينما يرد "ألا ترى أن الطلب غريب قليلا يا عم.. أعني سامحني..أنا عندما سألت فهمت أنك أعزب منذ خمسة عشر عاما كذلك كانت والدتي.. فهي منذ أكثر من عشرين عاما أرملة فما الذي تغير"
تنهد إبراهيم ورد "بالتأكيد والدتك أخبرتك بقصتنا القديمة.. أنا من بعد زوجتي قررت أن أعيش لتربية لولا الصغيرة.. وقررت تكريس حياتي كلها لأجلها.. لكن..."
أنت تقرأ
رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسيني
Actionمقدمة السلسلة *** تجمعنا الأقدار وتفرقنا.. تتلاعب بنا كبيادق الشطرنج برقعة كبيرة اسمها الحياة بعضها تسعدنا.. بعضها تحزننا.. وبعضها يصيبنا بالحيرة فلا هي سعيدة.. ولا هي حزينة . بل تتخبط بين السعادة والحزن.. بلحظات السعادة تتناسى كل الحزن.. وبلحظات...