عندما أراك..
أرى أحلامي الضائعة..ونفسي الغائبة..
أرى المرأة التي أريد أكثر من أي شيء..
والمرأة الأبعد عني أكثر من أي شخص..
فغاليتي أخبريني..
لما مذاقك يأخذني للنعيم وعيناك تنذراني بالجحيم؟..
ورغم الخطر المحدق الذي أشعر به..لا يمكنني التفكير إلا بإبقائك معي..
فلا شيء بعشقك يستحق النسيان!!..
***********
نظرت له بحنق لم تستطع كتمانه..هذا الرجل لا يتوقف عن إحباطها وإصابتها بخيبة الأمل مرة بعد مرة..فمهما فعلت ومهما حاولت لا يمكنها الوصول لشيء معين يفكر به أو يحبه ويفضله..فأحيانا يمزح ويضحك وأحيانا يعاملها برسمية وبرود وأحيانا يصبح شاردًا كأن رأسه بعالم موازي تمامًا كالآن..تنهدت سالي للمرة العاشرة لكن هذه المرة كانت بصوتٍ عالٍ عله يلتفت لها لكن دون أي فائدة..لم يرمش عيناه حتى..فلم تجد بدًا من مناداته
-:"بدر.."
أفاق من أفكاره والتفت لها وهو يهمس لنفسه:"ألا تزال تلك المزعجة هنا.."
تنفس بعمق محاولا تذكر النقطة الأخيرة التي رآها بها كل ما يتذكره أنه وصل المكتب ووجدها تنتظره كالعادة منذاستلمت العمل من رحمة..وما أن دخلت معه للمكتب طلبت منه أن..
انعقد حاجباه وهو يقول لنفسه:"حسنًا أنا لا أذكر حتى ما كانت تتحدث به.."
ابتسم بعدها وعيناه تسرحان متذكرًا فتاته بشعرها اللامع الساحر وهي تنتفض أمامه من الغضب ثم همس:"كله بسبب هرتي المتوحشة الصغيرة.."
-:"ماذا؟!"
لاحظ وجودها مجددًا وقرر أن عليه صرفها ليهتم بشئونه لذا سألها:"هل كنت تقولين شيئا سالي.."
ارتفع حاجباها بدهشة وردت بحنق لم تتمكن من إخفائه:"ألم تستمع حتى لما قلته.."
هز رأسه بلا مبالاة دون رد فابتلعت ريقها محاولة ألا تصرخ بوجهه فهي لم تتخيل أن يتجاهلها أحد بهذا الشكل..من المفترض الآن أن تطلب منه مراجعة طبيب لعلاج عيناه ليرى جيدًا من تجلس أمامه..لكنها فضلت الهدوء وردت:"كنت أسألك عن ملف القضية المنتظرة لمصنع تجميع السيارات الخاص بوالدي.."
أومأ لها بتفهم وعقد يداه أمامه وهو يقول بعملية:"كما أخبرتك من قبل أنا رفضت استلام تلك القضية وقد أرجعت الملف فورًا لرحمة بعد أن راجعناه بدقة وارتأينا أنه لا فائدة وأن القضية خاسرة من جهة والدك وقد نصحتها أن تقنعه بالتفاهم مع السيد سراج الدين.."
جعدت جبينها بانزعاج وردت:"هل تريد من أبي أن يتفاوض مع أحد عماله.."
ابتسم بسخرية وقال:"نظرتك للأمور ضيقة للغاية سالي ومتعالية ولا أعتقد أنك ستنجحي بعملك إن استمررت بهذا الشكل.." ارتاح بجلسته وهو ينظر لها بعد أن إحمرت وجنتاها من الحرج ثم أكمل:"وأجل أتوقع..هذا إن أراد تجنب ابتعاد هذا المصنع عن سلطته والذي يعد واحدًا إن لم يكن أهم ركيزة من ركائز مؤسسته..كما أن السيد سراج كان شريكه لتسع سنوات سالي..ولأربع سنوات والدك تهرب من دفع أي شيء من مرتبات الموظفين أو الضرائب مكتفيًا فقط بتلقي نصيبه من الأرباح واعدًا الرجل بأن يعوضه ولأجل هذا الأمر الذي ذكرتيه سالي هو تحمله..فالرجل للآن لا يتوقف عن ذكر والدتك وجدك بالخير وأن كلاهما وقفا معه وهو وجميع العمال مدينين لهما بالكثير..لكن للحقيقة هو ليس مضطرًا لحمل هذا العبء وحده أضيفي على هذا هو لم يصبح شريكًا لوالدك دون مقابل.."
كانت تستمع له وهي لا تملك ما ترد به أو تقوله مع هذا استمرت بالمكابرة بقولها:"أنا أعلم أن أبي لن يوافق وأنا لن أسمح له..مع هذا فإن المحامي عرض عليه أن يترك هو المصنع مقابل مبلغ مالي لكنه رفض.."
ابتسم بدر وضاقت عيناه وهو ينظر لها وكل ما جال بباله عندها أن نهاية ثروة عزام وغروره سيكون على يدا تلك المدللة التي لا يرفض لها أي طلب ويفضلها على العالم بأسره..لكن هذا أمر لا يخصه فقد طلب والدها بضع استشارات قانونية وقد منحها له وهذا كل شيء..لذا رد بهدوء:"عزيزتي أنت تساومي تعب الرجل ومجهوده لسنوات ليبقى هذا المصنع يعمل دون توقف وحده ودون أي مساندة..بمبلغ من المال لا يساوي حتى قيمة جهده وحده دون المال الذي دفعه..فكيف تتوقعين أن يوافق.."
بدا الانزعاج على وجهها فلم يلتفت ونهض يكمل:"أنا أخبرتكم رأيي وأنتم أحرار باختياركم لكن لن أتولى تلك القضية.."
نهضت هي الأخرى فأردف:"الآن أعذريني فعلي العودة للبيت الآن.."
ردت بارتباك:"ظننت أننا سنتناول الغداء معًا.."
ابتسم وقال:"أنا آسف عزيزتي فقد سبق ودعوت أحدًا آخر وعلي الذهاب الآن لأقلها.."
***********
تحركت ببطء ناحية غرفة والدها وهي تشعر بالارتباك وصلت للباب ووقفت تنظر له وهي تفكر..لابد لها أن تدخل في النهاية فقد مرض البارحة وهي بقيت طيلة الليل قلقة بسبب هذا..فتح الباب فجأة بينما تقف ووجدت وفاء تخرج من الغرفة وما أن نظرت لها ابتسمت وأغلقت الباب واقتربت منها تقول:"كيف حالك الآن عزيزتي؟.."
ابتلعت ريقها وهي تشعر بالحرج واكتفت بإيماءة خفيفة فربتت وفاء على كتفها وأكملت:"لا تقلقي والدك لم يعني ما قاله هو فقط كان غاضبًا منك.."
تنهدت وهي تنظر للباب المغلق بحزن وردت:"أعلم هذا.."
ابتسمت لها وقالت:"يمكنك الدخول فهو مستيقظ وسألني عنك.."
أومأت لها لولا وراقبتها تتحرك ناحية الدرج ثم تنزله فعاودت النظر للباب ثم تحركت تطرق الباب وبعدها فتحت الباب فتحة صغيرة أدخلت منها رأسها ونظرت له بينما يستلقي على الفراش وما أن التفت لها سألته:"هل يمكنني الدخول.."
حرك رأسه بنعم وتحرك يعتدل في الفراش بينما تدخل وتقترب منه بسرفة لتساعده وما أن استقر بمقامه جلست بجواره وابتسمت تقول:"كنت قلقة عليك..في العادة عندما كنت تمرض كنت أنا من تهتم بك.."
ابتسم لها وربت على يدها فاستلقت بجواره وهي تواجهه بجسدها وتستند على ذراعها نظرت له قليلا قبل أن تهمس باختناق:"أنا لا أعتذر لأحد على وجه الأرض عداك..لكن حتى الاعتذار أشعر أنه لا شيء مقابل ما فعلته.."
ابتسم لها بتعب ومسح على شعرها وهو يقول:"إنه يكفيني أنا.." تنهد بعدها وأكمل:"كنت مخطئا أيضًا كان علي أن أخبرك كل شيء.."
ردت:"لقد فعلت هذا لصالحي.." عاود النظر لها فأكملت والدموع تملأ عيناها:"كنت تعلم كم أحبها وكم سأصدم بها.."
تنفست بعمق وقالت:"لكن أبي أنا أريد أن أعرف..أريد أن أسمع كل شيء منك أنت لأني لن أصدق أحدًا غيرك.."
ابتسم لها وأمسك يدها الحرة وهو ينظر أمامه ويقول:"سوسن كانت هي وعائلتها جيراننا تماما كوفاء والخالة فريال..جميعنا كنا نسكن بمنزل الخالة فريال كمستئجرين..أبي كان يملك محلا للبقالة خاص به وأخي الأكبر كان يساعده..وكان معروفًا للجميع أني سأخطب وفاء ما أن أنهي سنتي الأخيرة بالجامعة..ورغم هذا كانت سوسن معجبة بي وأنا الوحيد الذي لاحظها ولم أهتم كثيرا إلى أن تفاجئت أن والدتي ذهبت لخطبتها لأخي والأغرب أنها وافقت.."
التفت لها وجدها تنظر له بانتباه فأكمل:"تناسيت الأمر وتجاهلته تماما ولم أخبر أي أحد بم شعرت به وافترضت أني بالتأكيد أخطأت بشعوري ذاك..لكن فجأة وبعد زواجهما ببضعة أشهر فقط حدث لأخي حادث وتوفي بعدها.."
طرف بعيناه عدة مرات ليبعد تلك العبرات عن عيناه وبباله تلوح صورة قديمة له هو ومعتمد شقيقه يجلسان بين والده ووالدته..كانت والدته تضعها في صالة البيت بحيث يراها أي أحد يدخل البيت..وبعد كل ما أصابهم أزالتها وهي تقول ببكاء أنها السبب لأنها لم تحاول الحفاظ على بهجة وضحكة عائلتها بعيدًا عن أعين الحاسدين..عاود النظر للولا وجدها على وشك البكاء وكأنها قرأت كل الألم الساكن بعيناه..فابتسم رغمًا عنه ثم أردف:"عائلتي بقيت حزينة لأشهر إلى أن أتت والدة سوسن وأخبرت والدتي بصراحة أنها تريد مني الزواج من سوسن..فرفضت أمي وأخبرتها أني أنتوي الزواج من وفاء وبعدها بشهر بنفس اليوم الذي كنت أتفق فيه مع الخالة فريال على موعد الزواج أتى والد وفاء ورجاله..أخذوها عنوة وعندما حاولت منعهم ضربوني حتى أغشى علي وعندما استيقظت بعدها وجدت والدتي تخبرني أنهم أحرقوا المحل ودمروا البيت الذي كنا نسكن به..وبعد عودة الخالة فريال من محاولتها للحاق بابنتها وجدت محضر من المحكمة يخبرها أن المنزل ستتم إزالته..وفيما بعد تلقينا خبر زواجها من ذلك الرجل والد بدر..وبعدها أجبرتني والدتي على الزواج من سوسن ظنا منها أن هذا ما سيمنعني من اللحاق بوفاء.."
لم تستطع منع دموعها بينما تسأله:"وهل منعك؟"
هطلت دموعه هو الآخر بينما يرد:"مرض والدي هو ما منعني فقد كنت ولازلت أحمل ذنب ضياع كل ما تعب لأجله طيلة عمره وخفت أن أكون سببا بموته فرضخت للظروف وبدأت محاولة ترميم المحل وقد كنت بالفعل قبلها أعمل أثناء الدراسة مع نجار بوقت فراغي فغيرت نشاط المحل وحولته لورشة ونسيت أمر الدراسة أخذ هذا مني عامان أو أكثر لأننا اضطررنا أيضًا لترك البيت..وبعدها تزوجت والدتك وبعد عامين عندما بدأت أحوالنا تتحسن..أنرتِ أنتِ حياتي.."
مد يده يمسح الدموع عن وجهها وهو يكمل:"عندما رأيتك شعرت أن الله أراد أن يعوضني عن كل ما قاسيته..شعرت أني أسعد مخلوق على وجه الأرض وأن تلك السعادة التي تسكن قلبي ما أن أراك أو أسمعك تناديني أو عندما أفتح ذراعاي لك وأنت تندفعين نحوي ما أن أعود للبيت..لن أستبدلها بأي شيء لأن لا أحد مكانته قد توازي مكانتك.."
عضت شفتها السفلى محاولة إيقاف دموعها ثم سألته:"هل كانت هي حقا السبب؟!.."
تنهد وهو ينظر لها بتفكير وإشفاق فعلمت أنه لن يخبرها الحقيقة كاملة وهو ما حدث بعد ثوانٍ عندما رد:"كان لنا جارة اسمها حميدة قبل أن تموت استدعت والدتي وأخبرتها أن فريال كانت تحكي لها كل شيء وبإحدى المرات أتتها والدة سوسن وبقيت تتحدث معها إلى أن عرفت بأمر والد وفاء وأن فريال قد هربت منه منذ سنين وأنه لازال للآن يبحث عنهما..بقيت جدتك تتردد على زيارتها إلى أن عرفت كل ما تحتاجه..بعدها أرسلت له خطابًا تخبره بالعنوان الذي تسكن به وتخبره أنها ستتزوج وهو بالفعل كان يبحث عنها لذا حضر فورا وأخذها.."
ربتت على يده وقالت باختناق:"أنت لا ذنب لك.."
ابتسم وهو يعاود مسح دموعها بينما يرد:"وأنت أيضًا لا ذنب لك..أنت أغلى شيء عندي بهذه الحياة ومن بعد والداي أصبحت أنت من تمنحيني سببا لأتحمل كل ما أصابني..لا تبكي حبيبتي.."
ابتسمت واحتضنته وهي ترد:"أعدك أني لن أزعجكما مجددًا.."
ضحك وقال:"أشك في هذا لكن لا بأس.." صمت قليلا وهو يربت على ظهرها وشعرها ثم طبعة قبلة على قمة رأسها وأبعدها قليلا قبل أن يكمل:"لم تخبريني ماذا حدث البارحة؟"
تجمدت الابتسامة على وجهها بينما تبحث عما تقوله لكن قبل أن ترد سمعت طرقًا على الباب وما أن التفتت وجدت بدر يدخل وما أن رآهما قال:"آسف عمي ظننتك وحيدًا.."
كان من المفترض أن تغضب لرؤيته لكن هذا لم يحدث بل على العكس كانت سعيدة أنه أنقذها بل إن شيئا بداخلها أخبرها أنه بطريقة ما أراد رفع الحرج عنها فهي لن تجازف بإخبار والدها ما حدث وهو بهذه الحالة لذا انتهزت الفرصة ونهضت تقول:"سأتركك لترتاح.."
رد:"جسنا لكن تناولي شيئا فوفاء أخبرتني أنك لم تتناولي أي شيء منذ البارحة.."
ابتسمت وانحنت تطبع قبلة على وجنته ثم استقامت وخرجت فورا دون أن تلتفت لبدر أو تنظر له مرة أخرى..وما أن خرجت أغلق بدر الباب والتفت لصالح قائلا:"عمي أريد التحدث معك بأمرِ ما.."
*********
نظر لها يزيد بعد أن جلسا وطلبا الطعام وقال:"لم اخترت هذا المطعم كان بإمكاننا الذهاب لمكان آخر.."
ردت بابتسامة:"أعلم..لكني أحببت المكان.."
أومأ لها بتفهم ثم ارتاح بمقعده وهو يعقد ذراعيه ويقول:"إذًا أخبريني ما المشكلة مع عائلتك لأتمكن من حلها.."
اتسعت عينها دون تصديق لما قاله..ظنت أنه يمزح لكن تلك النظرة بعيناه بدت جدية..ورغمًا عنها عاود قلبها للقرع كالطبول بينما تبتسم لكنها حاولت مداراة الأمر بالرد:"إنه ليس شيئا يمكن حله.."
تنهدت بعدها وأكملت:"ذلك المنزل الذي وجدتني به كان ملكًا لأمي.." ابتسمت بأسى وأردفت:"كانت رقيقة وجميلة وأطيب مخلوق قد تراه بحياتك.."
ابتسم ورد:"لا عجب من هذا فأنت هكذا لابد أن تكون مثلك.."
ضحكت بخفوت وقالت بخجل:"الجميع يقولون هذا لكن أنا لا أصدق.."
رفعت الخصلة التي انفلتت من شعرها ونظرت له تكمل:"عندما توفت والدتها كانت وحيدة ولا تملك إلا خالة..تلك الخالة كان لها ابن وبطريقة ما أقنعتها أن تتزوجه" نتفست بعمق وأكملت:"كانت هادئة ولا تحاول أن تعترض على أي شيء وبريئة للغاية وهو كان..."
زمت شفتيها بينما تردف:"كان العكس من كل هذا..واستغل ضعفها بأن يستغلها بكل الوسائل فأموالها كان يأخذها ويجعلها تخدمه وتخدم والدته حتى تسقط من التعب وعلى الرغم من هذا هي لم تشتكي لأنهم كانوا كل من تملك بهذه الحياة وقد أجادوا عزلها عن كل شيء حولها..وفوق كل هذا كان لا يتوقف عن ضربها بسبب ودون سبب..وانتهى به الأمر أن أدمن على نوع من المخدرات.."
نظر لها وهو يفكر بما قالته بينما عقدت ذراعيها وأكملت:"بقيت معه على هذا الحال إلى أن سمعته بأحد الأيام يخبر والدته أنه سيتزوج لينجب ولدًا..هي كانت أنجبت له بالفعل لكن أنجبت فتاتًا وهو كان يريد ولد..لم تحاول أن تعترض أو تتحدث واعتبرت أنها لم تسمع أي شيء وهو لم يحاول إخبارها بعدها تزوج بالفعل..فأصبح هناك شخص آخر تخدمه بالإضافة لزوجها وحماتها.."
تنفست بعمق بينما تقول بخفوت:"إلى أن أتى يوم واكتشفت أنها مريضة للغاية وبدلا من الاهتمام بها بدأوا يستغلونها وانتهى الأمر أن جعلوها توقع تنازلا عن المنزل.."
فركت عيناها في محاولة ألا تبكي ثم نظرت له وأكملت:"أمي لم تعش طويلا بعدها..لا أتذكر المدة..أتذكر أني بيوم استيقظت وجدت المنزل يعج بالنساء المتشحات بالسواد بجميع المنزل وعندما دخلت غرفة أمي وجدتها ملتفة برداء أبيض..منذ ذلك اليوم رحلت مأساة كنت أراها بعيناي وبدأت مأساة أنا بطلتها..فما فعله أبي بأمي فعله بي وزوجته كذلك وابنه..لدرجة أني عندما أحاول تذكر ذكرى واحدة سعيدة لا أتذكر إلا تلك الأيام التي كانوا يغادرون البيت ويتركوني مع أمي لقضاء عطلة أو غيرها.."
اتكأ على الطاولة وسألها:"كم كان عمرك عندما ماتت؟"
ردت:"كنت في الثالثة عشر وعشت بعدها سبع سنوات كخادمة ببيتهم بالإضافة للعمل طبعًا.."
فكر قليلا قبل أن يقول:"إنها شجاعة كبيرة منك أن تأخذي تلك الخطوة..فبظروفك أي فتاة ستفكر بالزواج فورا وحسب.."
ابتسمت واتكأت على الطاولة مثله وهي ترد:"فكرت بالأمر لكن لم يكن شيئا سيتغير وكنت سأكرر مأساة والدتي فالعينات التي كانت تتقدم لي كانوا جميعا يشبهون والدي وأخي..لذا قررت اتخاذ المجازفة عندما سنحت الفرصة.."
سألها دون تردد:"وهل ندمت؟"
نظرت له قليلا قبل أن تطرق وتتنهد وهي ترد:"ببعض الأحيان كنت فقط أتمنى لو أن هناك طريق أخرى لأني حتى بعد خروجي من المنزل لم يكفوا عن ازعاجي وما رأيته البارحة كان نموذجًا بسيطًا مما فعلوه لكن أضف على كل هذا نظرة الناس لي فعدا لولا والعم صالح لا أحد يضع بباله عني صورة غير أني فتاة بلا أخلاق..وربما العم صالح يثق بي فقط لأني سكنت بغرفة ببيتهم لفترة من الزمن؟؟"
كان لازال يطالعها بينما تتحدث وقال:"انسي أمرهم ولا تشغلي بالك.."
تنفست بتعب وردت:"لا يمكنني..اتعلم من فرط يأسي فكرت باحدى المرات ان اوافق على عبدالله"
ارتفع حاجباه بصدمة وهو ينظر لها ثم سألها بعصبية:"ولم. لم توافقي"
لم تلحظ غضبه وردت ببساطة:"لقد أخبرتك أني أعامله كأخ لي كما أن والدته لن ترضى أبدًا وإن رضيت فبعدها ستحيل حياتنا جحيمًا..كما أنه أضعف من مواجهتها أو مواجهة والدي وأخي.."
كان على وشك تكسير الطاولة وتكسير كل شيء بالمكان فوق رأسها..كيف تخبره هذه الفتاة ببساطة هكذا أنهافكرت من ذلك المعتوه الأحمق..تنفس بعمق ثم سألها:"إذًا لو كانت والدته متفهمة لوضعك..هل كنت ستوافقين ايضا؟"
التفتت تنظر له وعندها لاحظت فقط انزعاجه ولم تستطع منع خيالاتها الوردية من الرفرفة بعقلها كمئات الفراشات التي تجعلها تبتسم بلا توقف بينما شعرت بحرارة تغزو وجنتاها ورغم رغبتها بالبقاء جالسة على هذا الوضع تطالعه وحسب دون اكتراث لما سيعتقده إلا أنها ردت:"لا بالطبع أخبرتك إني لا أفكر به بهذا الشكل..وقد رفضت الأمر تمامًا.."
نظر لها قليلا ثم قال بغموض:"هذا من مصلحته.."
عقدت حاجبيها وفجأة تطايرت كل الفراشات واحتلها الغضب وهي تسأله بانزعاج:"هل أنا سيئة لهذه الدرجة يزيد.."
ابتسم ورد:"بل أنت رائعة للدرجة التي لا يستحقك بها.."
فغرت فمها وهي تحدق به بينما نفسها تتسائل بانشداه:"هل قال للتو ما أظن أني سمعته يقوله.."
بقيت تحدق به بصدمة بينما هو يبتسم بتلك الطريقة التي تزيد ذلك الشعور الرائع بقلبها بل بكل كيانها..ولكنها ابتسمت في النهاية وهي تشعر أن كل شيء اختفى من حولها..
-:"شيخنا الطعام جاهز.."
سمعت هذا الصوت لكنها لم تتجرأ على الالتفات حتى عندما فعل هو والتفت للعامل ثم عاود النظر لها وسألها:"هل سمعت شيئا؟!.."
ضحكت بينما ضحك هو الآخر فاستغرب العامل وهو ينظر لهما بعدم فهم لكنه فضل ألا يتدخل ورغمًا عنه ابتسم وهو يشعر بالبهجة من رؤيتهما يضحكان بهذه الطريقة..
********
كانت تجلس بغرفتها تفكر بما سمعته عندما سمعت طرقًا على الباب فتنفست بعمق وقالت دون التفات:"ادخل"
-:"أنا بدر.."
استقامت بالفراش ونظرت للباب بتردد..ثم تنفست لتتمالك أعصابها ونهضت تتجه للباب وما أن فتحته وجدته يقف أمامها متكئا على الإطار قائلا "ماذا تفعلين؟؟"
أنت تقرأ
رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسيني
Actionمقدمة السلسلة *** تجمعنا الأقدار وتفرقنا.. تتلاعب بنا كبيادق الشطرنج برقعة كبيرة اسمها الحياة بعضها تسعدنا.. بعضها تحزننا.. وبعضها يصيبنا بالحيرة فلا هي سعيدة.. ولا هي حزينة . بل تتخبط بين السعادة والحزن.. بلحظات السعادة تتناسى كل الحزن.. وبلحظات...