رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - الفصل الرابع عشر

153 10 1
                                    

أوقف السيارة أمام منزلها والتفت ينظر لرأسها الملقاة على كتفه بينما تغط بنوم عميق كانت تبدو ساحرة بالذات مع خصلاتها حالكة السواد المتناثرة على جبينها والتي تعاكس تلك البشرة العاجية التي تملكها.. كان لا يريد إيقاظها فقط ينظر لها وهو يفكر أن هذا هو المكان الذي يجب أن تحتله منذ وقت طويل.. ورغم أنه يشعر بالندم للاعتراف بهذا إلا أنه سصحح الأمور ليعود كل شيء لنصابه.. شعر بحركة طفيفة منها قبل أن تحرك رأسها وتفتح عيناها ببطء وما أن نظرت له احتلها الاستغراب لثانية قبل أن تتراجع وتنظر له بنعاس بينما تتمطأ قائلة: "عفوًا لكني متعبة للغاية.."
ابتسم ورد: "أنا لا أمانع مطلقًا.."
ابتسمت هي الأخرى بينما تنظر له بخبث وتقول: "أين ذهبت قواعد رجال الجنوب.."
ضحك بخفوت ورد: "لم تكن أول مرة تنامين بها على ذراعي يا فتاة أم أنك نسيتي.."
أنهى كلامه بغمزة من إحدى عيناه جعلتها تضحك بتلقائية ورغم أنها لم ترد تركه إلا أنها ألقت تحية المساء عليه وهبطت تتجه لمنزلها.. وما أن تأكد مازن من دخولها اختفت الابتسامة من على محياه وهو يفكر أن عليه خوض صراع طويل مع والدها وبداخله كان يعلم أنه لن ينتهي على خيرٍ أبدًا.. لكن سيؤجل القلق بشأن ردة فعله لوقت لاحق.. الآن عليه التأكد من موافقة رحمة.. فرغم مصارحته لها بكل شيء إلا أنها لم ترد بأي شيء وهو فضل الصمت حتى لا يضغط عليها بالذات مع تلك الصدمة التي علت وجهها مع معرفتها بما حدث.. والذي يعتبر الجزء الأبسط من الحقيقة.. تنفس بعمق وصدره يعتمل بالقلق والتوتر.. وبعد تفكير قصير علم أنه بحاجة لنصيحة وهو يعلم تمامًا من سيمنحها له..
**
كانت على وشك الخلود للنوم عندما سمعت صوت هاتفها..استقامت بالفراش وأضاءت الغرفة ثم التقطت الهاتف وفتحت الخط ليأتيها صوت لولا: "خاااااااااااااااااائنة يا ليان.."
ضحكت بشدة على نبرتها بينما تكمل: "إن لم أتصل أنا.. لا تتصلي أبدًا.."
زمت ليان شفتيها بينما ترد باستعطاف: "لقد كان يزيد غائبًا وكنت أنا من تتولى كل العمل وما أن أعود للبيت أسقط من فرط التعب.."
وقبل أن تمنحها فرصة للرد أكملت بعتاب: "ثم أنا من عليها أن تكون غاضبة يا فتاة.. كيف تخفين علي أمر إصابته تلك؟!.."
تنهدت لولا بصوت عالي وهي تخبرها: "كانت أوامر بدر وأنا للآن لم أفهم ما حدث الجميع يتكتم على الأمر كأنه سر عسكري.."
سألتها باستغراب: "ماذا تعنبين.."
سرحت لولا بعيناها وهي تتذكر ما حدث بتلك الليلة..
&&
كانت على وشك ان تنام لكنها سمعت جلبة تصدر من الخارج ظنت أنها تتخيل لكن بعد فترة قصيرة سمعت الجلبة مجددًا فنهضت وتحركت للخارج لتفهم ما يحدث وما أن وصلت للدرج وجدت وفاء تتحرك من الرواق المؤدي لغرفتها هي ووالدها وهي بكامل ثيابها بينما بدر ووالدها يتبعانها.. استغربت لولا ما يحدث فقد كان الوقت متأخراً بالفعل وما أن اقتربوا منها سألتهم: "إلى أين؟"
وما أن دققت النظر بوفاء وجدت آثارًا للدموع على وجهها فسألت مجددًا: "ماذا بكم هل حدث شيء.."
رد بدر: "لا شيء مهم يزيد تعرض لحادث بسيط وأمي قلقت عليه وأصرت أن تذهب لتطمئن عليه.."
اتسعت عيناها وسألت: "هل هو بخير.."
كان كلا من وفاء وصالح صامتان ولم يحاول أيا منهما أن يرد بينما بدر يقول: "أجل لا تقلقي إصابته بسيطة.."
اقتربت منها وفاء وبيد مرتجفة ربتت على ذراعها وقالت: "أنت عودي للنوم حبيبتي ولا تخافي.."
نظرت لهما بشك قبل أن توميء بصمت وما أن تحركا وهبطا الدرج أوقفت بدر وهمست تسأله: "هل هو بخير حقًا.."
رد: "أجل لا تخافي.."
نظرت بأثرهما ثم سألته: "إن أردتني أن آتي أخبرني وسأرتدي ثيابي بسرعة وأجبرهما على أخذي.."
نظر لها بدر بشك قبل أن يرد: "إن انتظرناك لترتدي ثيابك لن نتحرك أبدًا"
ضاقت عيناها بشر لكنها ردت: "أنا أتحدث بجدية يا فهيم.."
-:"وأنا أخبرتك أن الأمر بسيط يا فصيحة ولا داعي للقلق.."
ثم فرك شعرها بيده بينما يكمل:"الآن عودي للنوم.."
انتزعت يده بحنق بينما تحرك هو يهبط الدرج وهو يقول:"ولا تزعجي سميرة بأفعالك الشيطانية أفهمت.."
&&
-:"ما معنى هذا؟.. ألا تعلمين تفاصيل الحادث؟.."
أفاقت من أفكارها على صوت ليان وردت: "صدقيني لقد حاولت بكل الطرق معرفة ما حدث.. لكن حتى أبي لم يمنحني إجابة واضحة واكتفى فقط بإخباري أنه تعرض لحادث بسيط.."
كادت ليان أن تصدق على كلامه وتخبرها أنها رأته اليوم بكامل صحته لكن لولا أكملت: "لكني لا أصدق هذا.."
انعقد حاجباها بينما تسأل دون تفكير: "لماذا؟.."
ردت: "ببساطة لأن تلك لم تكن ردة الفعل على حادث بسيط.. قد أصدق أن تخاف الخالة وفاء باليوم الأول بهذا الشكل.. لكن فيما بعد بقيت خائفة وتصر على بدر إخبارها بكل شيء.. رغم أني بكل مرة أسأل عما حدث كانوا يخبروني أنه حادث بسيط أسفر عن كسر ذراعه لا أكثر.. وعندما أصر يزيد على أن يعودوا للبيت وألا تبقى خالتي بجواره خوفًا على صحتها كانت غاضبة ولا تتوقف عن البكاء وبالكاد كانت تأكل.."
كانت التساؤلات تكثر برأسها مع انتهاء كل جملة تخرج من لولا.. بينما ذاك الصوت الذي بقيت طيلة الفترة السابقة تحاول كتمه وإبعاده عن رأسها يعلو تلقائيًا مخبرًا إياها أن تتخذ حذرها.. أن تتوقف عن الاندفاع نحوه كالبلهاء متجاهلة كل الغموض الذي يحيط به.. لكنها لم تكن تملك سببًا واضحًا للاستماع له.. فقد كان تفسير يزيد يوضح أنه لا يرغب بإثارة قلق من حوله بالتفاصيل.. وربما لأنه لم يرد سماع تأنيب من أحد على قيادته المتهورة..
-:"ليان أين ذهبت؟.."
هزت رأسها وفركت عيناها وهي ترد بضياع: "معك لولا.."
سمعت همهمة منها قبل أن تقول بخبث: "أنا ألاحظ أن يزيد يأخذ حيزًا كبيرًا من حياتك هذه الأيام حتى أنك تهملينني وتهملين ابن العقربة لأجله.."
ضحكت ليان بشدة بينما لولا تكمل: "أنا لا أعارض الثانية مطلقًا بصراحة.. بل أتمنى أن يتمكن يزيد من إبعاده كليًا عنك.. لكن أحب أن أفهم ما يحدث معك.."
شعرت ببعض الحرج وهي لا تعلم ما عليها قوله فأكملت لولا بنبرة مؤنبة: "أرأيت أنك خائنة وتخفين الكثير عن صديقتك المقربة.."
تنحنحت وردت بخفوت: "سأخبرك بكل شيء لكن ليس على الهاتف دعينا نلتقي.."
تنهدت لولا بينما تقول بسعادة: "سيكون عليك أن تنتظري لأسبوع فأنا ذاهبة لعطلة قصيرة.."
همهمت ليان وردت بمزاح: "البعض لديه عطلة والبعض الآخر لديهم أعمال لا تنتهي.. أنا لا أحسدك طبعًا.."
ضحكت بينما صمتت ليان لبرهة قبل أن تكمل: "لم تخبريني كيف عرفت أني أتجاهل اتصالات عبدالله.."
قالت بحنق: "لقد قابلت أبناء العقربة اليوم بحفلة حبيبة شقيقهم مدلل والدته ذو الأنف العالي.. وقد أوقفني الأبله ليسألني عنك.."
تنهدت ليان بتعب بينما تفكر أن عليها بالفعل الحديث مع عبدالله لعله يفهم هذه المرة ويقدر رغبتها.. لكنها قررت ألا تؤلم رأس لولا بهذا الحديث وقالت تبدل الموضوع: "هل استمتعت بالحفلة؟.."
ابتسمت لولا بينما تنام على بطنها فوق الوسائد الناعمة الوثيرة وترفع ساقيها لتضرب بهم الهواء بسعادة وهي تنظر للفراغ بينما تتذكر نظرة سالي وأميرة ثم تذكرت وقفة عبدالرحمن بجوار سالي التي لاحظتها بطرف عيناها كانت تعلم أنه لن يمرر لها ما فعلته وما كانت تنتوي فعله.. وعندها ابتسمت بتشفي وهي ترد: "رغم أني لم أبقى سوى لوقت قصير.. لكنها كانت أروع حفلة حضرتها بحياتي.."
***
كانت وفاء تنظر له بترقب بينما يشرب كوب الأعشاب الذي أعدته له وسألته: "لم تخبرني ما رأيك؟.."
التفت لها وتلك الملامح الشاحبة البادي عليها صراع دفين يتضح من عيناه جعلها تفهم ما يدور بخلده وعندما طال الصمت وجدته يضع الكوب على الطاولة الصغيرة أمامه ثم نظر لها وبعد تنهيدة حارة قال: "وفاء.. ليان بغلاوة لولا عندي وأنا أعرفها جيدًا.."
ضاقت عيناها بينما تسأله: "ماذا تعني؟.."
تردد قليلاً قبل أن يرد: "أعني أنها فتاة رقيقة وهشة لأقصى درجة ولا يغرنك تلك الصلابة التي تدعيها.. لقد واجهت الكثير.. ولأني كنت شاهدًا على الكثير مما عانته يمكنني فهم سر انجذابها له.. والذي سرعان ما سيتحطم ما أن تعلم الحقيقة.. يزيد..."
صمت يحاول انتقاء الجملة المناسبة حتى لا يحزنها ثم فكر أن عليه أن يكون صادقًا بأمر كهذا أيًا كانت العواقب لذا تنهد مكملاً: "بمواصفات وقواعد عائلته هو شاب جيد وأنا أراه كذلك لأني أعلم الظروف التي نشئوا بها.. لكن ليان لن تتقبل هذا.. كما أنها لن تتحمل شخصيته العنيفة التي لم تظهر لها للآن.. أضيفي على كل هذا أن عائلة يزيد لن ترضى بها بسبب ظروف حياتها.."
تركت الكوب من يدها ولم تستطع إخفاء حنقها منه وهي ترد: "لقد أخبرني أنه سيقنعها وأنه سيتولى أمر العائلة .. ثم ما عيب يزيد صالح؟.."

رهان بلا رابح - الجزء الأول من سلسلة غرباء جمعتهم الأقدار - ريم الحسينيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن