اقتباس

1.8K 23 4
                                    

نــــور

وضعت وجهها بين كفيها وأجهشت بالبكاء المصحوب بصرخات مقهورة كنت تتألم بشدة نفسيًا وجسديًا
وهو بجانبها يشاركها حزنها كما اعتادا علي مشاركة كل شئِِ معًا
نظرت إليه وهي لا تكاد تراه بسبب الدموع التي شوشت رؤيتها وقالت بانكسار:
يعني ايه شالوا الرحم! يعني انا مش هقدر أخلف تاني؟
مش هقدر أجيبلك الولد اللي بتتمناه!

بكت مرة أخري وابتعدت عنه فعاد هو يقترب منها وتلك المرة عانقها بقوة وقبل جبهتها قائلاً بحب ومشاعر صادقة:
سلامتك عندي بالدنيا وما فيها أهم من مية ولد، بل أهم من كنوز الدنيا كلها، عارفة ليه؟
لانك بنتي وأمي وأختي وصاحبتي وكل حاجة في حياتي
الرحم كان متضرر جدا وولادتك كانت صعبة
كان لازم يشيلوه وإلا كان هيبقي في خطر علي حياتك،
وأنا مستعد أضحي بالدنيا كلها بس انتِ لأ
أهم حاجة عندي انتِ وبعدين تيجي أي حاجة تانية،
والحمد لله ربنا كرمنا ببنوتة زي القمر،
هي تخرج بس من الحضانة وتيجي تصدعنا عياط وتنسينا الزعل ده كله، هو في أحلي من البنات ولد ايه بس اللي انا كان نفسي فيه ده انا صحيح غبي و مبفهمش.

قال جملته الأخير بنبرة مرحة ليخفف عنها قليلاً،
بالفعل كانت لكلماته مفعول السحر فلقد هدأت واستكانت بين ذراعيه وساد الصمت لدقائق  حتي ظن أنها غفت بين ذراعيه

ولكنها خرجت عن صمتها أخيرًا وقالت بصوت خفيض:
عايزه اشوف بنتنا

ابتعد عنها ورسم ابتسامة حنونة علي وجهه -تلك الابتسامة التي عشقتها- وقال بهدوء:
حاضر هروح اجيبهالك دقيقتين بس تشوفيها عشان لازم تفضل في الحضانة تحت الملاحظة لحد ما يتطمنوا عليها

تركها ورحل وعاد بعد دقائق وهو يحمل طفلتهما بين يديه،
يحملها بحرص شديد وكأنها كنز ثمين.
اقترب منها فحملتها هي وظلت تتأمل وجهها الصغير الملائكي
تجمعت الدموع في عينيها وقالت:
دي جميلة اوي.

ابتسم وهو ينظر لكلتاهما بعشق قائلاً:
عشان شبهك يا حبيبتي

ابتسمت بحب وسألته:
هنسميها ايه

ابتسم وقال وهو يداعب وجنتي الصغيرة:
نــور هسميها نور لإني متأكد إنها هتكون النور اللي هينورلنا حياتنا.
*******
"انا بحبك يا نور ولا يمكن أسيبك او ابعد عنك انا ما صدقت لقيتك"
*******

"انا بحب سليم يا ماما"
*******
تقف أمامه وتبكي بشدة ثم قالت من بين دموعها:
أنا بحبك يا سليم...بحبك أوي...بس أنا أسفة انا مش هقدر أكمل...ارجوك سامحني
نزعت تلك الخاتم الذي يزين بنصرها ووضعته أمامه علي الطاولة قائلة بحزن:
أنت تستاهل واحدة أحسن مني تليق بيك وبأهلك،
بس افتكر إني بحبك، أشوف وشك بخير.

لملمت شتات نفسها وركضت من أمامه بسرعة قبل أن تنهار أمامه مجددًا

أما هو فالصدمة ألجمت لسانه، يبدو أن اليوم هو يوم المفاجآت ولكن لم تكن تلك المفاجأة سارة أبدًا،
كيف تخلت عنه بسهولة وهو الذي يعشقها حد الجنون؟!
لا لن يسمح لها بالابتعاد.
أفاق من شروده لينهض مسرعًا تاركًا مكتبه وعمله بل تاركًا العالم بأكمله ليذهب إلى الجحيم المهم أن يلحق بها
رآها تبتعد وتتجه ناحية الطريق العام فصرخ مناديا باسمها:
نووووور
*******

تبكي بشدة وتقول من بين شهقاتها
"يعني انا اتخدعت كل العمر ده...طول عمري عايشة وفي الاخر اكتشف ان كل ده سراب...كل ده مش حقيقة...انا حاسة إني في حلم...لا ده مش حلم ده كابوس وأنا أكيد هفوق منه انا لازم افوق منه"
*******
تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا ونظراتها مليئة بنيران الحقد والكره والغيرة
قالت بعصبية:
يعني ايه ببساطة كده كل اللي عملته السنين اللي فاتت دي راح هدر...تجي الست هانم "نور"وتضيع كل ده في لحظة.

سألها قائلاً:
يعني ايه يعني كل اللي خططناله من زمان هيروح في غمضة عين كده؟

هدرت بغضب شديد:
علي جثتي إن ده يحصل.

قال بغيظ:
هو لسه هيحصل مهو حصل خلاص ها اتصرفي هتعملي اي...خلاص كل حاجة بتضيع من ايدينا.

قالت تلك الأفعي بحقد:
هخلي حياتهم جحيم أكتر من الأول...مش هيسيب الحلم اللي خططتله سنين من عمري يضيع كده بالساهل،
صمتت قليلاً ثم قالت بشر:
نور لازم تموت.

رواية نور
أسماء كمال


نـــورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن