Part 2

28.3K 580 16
                                    

شاهدت أمامها أقدم جنية عرفها أهالي قرية الجساسة كانت امرأة يطلقون عليها لقب ذات الطائر الاحمر، أسمها الحقيقي « تاج » وكان جميع من في القرية يخافون منها ويحاولون قدر الإمكان اجتناب غضبها، ورغم تقدمها في العمر إلا أنها لا تزال تحتفظ بقدر كبير من الجمال يخبرنا بأنها كانت شديدة الفتنة عندما كانت أصغر سناً، لها شعر غجري أسود اللون يتخلله بعض خصل الشيب الرمادية،وبشرو بيضاء مشدودة مثل جلد حصان سباق، وملامح هادئة تشبه وقت غروب الشمس..

كانت تاج تمتلك طائراً نادراً أحمر اللون مرقشاً بحبات ريش برتقالية، كان ذلك الطائر من فصيلة العنقاء اسمه « إكليل » وقد قامت لسرقته من عش والدته عندما كان لا يزال داخل البيضة، لذلك استطاعت ترويضه وجعله خادماً له‍ا.. ثم ولأن ذلك الطائر الأحمر لم يكن يفارق تاج، وكان مثل ظلها تماماً يذهب معها أينما تذهب فإن أهالي قرية الجساسة مع الوقت نسوا اسمها الحقيقي نهائياًّ، وأصبحوا يطلقون عليها لقب ذات الطائر الأحمر... قالت القابلة ماريا بخوف شديد:
- مالذي جاء بكِ إلى هنا؟!
- تعلمي أن لا تحشري أنفكِ في الأمور التي لا تخصكِ يا ماريا، فلو أنكِ قبل قليل لم تأتي بذكر زوجها بحر لما قامت جومانا بطردك.
لم تتفاجأ القابلة كثيراً لمعرفة ذات الطائر الأحمر الأمر، فقد كان من الطبيعي جداًّ أن تعرف تلك الحمية بأكثر الأشياء السرية التي تدور خلف الأبواب المغلقة.
حاولت ماريا الدفاع عن كرامتها:
- السيدة جومانا لم تقم بطردي لقد صرفتني فقط لأنها تشعر بالتعب
- نعم بالتأكيد - قالت ذات الطائر الأحمر ساخرة - لا بد أنها تشعر بالتعب من ثرثراتك التي لا تنتهي!!
لم تحاول القابلة أن تجادل في الأمر أكثر:
- م م.. معك. حق أنا ثرثارة وكلامي لا ينتهي!!
قالت ذلك ماريا بتوتر واضح ثم هرولت مبتعدة وقد أنساها الخوف أن تحمل كيس القماش من على الأرض.
- إكليل - قالت الجنية تحادث طائرها الأحمر - ابقى هنا ريثما أعود زعق إكليل وهو يرفرف بجناحيه الطويان في الهواء فقالت:
- لا لن أتأخر سأنجز ما جئت من أجله ثم نرحل سريعاً.

* * *

سارت بخفة في ساحة. البيت الداخلية متجهة نحو الغرفة التي ينبعث من نافذتها إضاءة خافتة والتي تجلس فيها جومانا وحيدة مع ابنها الرضيع، وكانت ذات الطائر الأحمر في كل مرة تمشي فيها بجوار قنديل مطفأ معلق على الحائط. تعود النار للإشتعال فيه فوراً وبهذه الطريقة ما كادت تصل تلك الغرفة حتى أصبح جميع البيت مضاء من جديد.

فتحت باب الغرفة نظرت نحو الطفل وقالت:
- يبدو أنه في صحة جيدة يا جومانا!!
التفتت جومانا نحو مصدر الصوت بدهشة:
- أنتِ بالذاتِ ليس مرحباًّ بكِ هنا - همسا بنبرة حادة
تساءلت ذات الطائر الأحمر ببرود لا يلائم حساسة الموقف :
- ألا أستطيع الاطمئنان عليكِ حتى في مثل هذا اليوم ؟!
- لا أريدك أن تطمئن علي - ثم أضافت بتوتر: لقد حذرتك أكثر من مرة بأن لا تحاولي الأقارب مني!!
- متى تفهمين أيتها الحمقاء أنني لن أقوم بأذيتك!!
- ولكنك قد تؤذينني بقدومك إلى هنا، فلن تسير ألامور على ما يرام لو عرف زوجي بالحقيقة!!
- أين هو زوجكِ هاه - تساءلت بحنق - لقد مضت شهور كثيرة على اختفائه!!
بخيبة أمل سحيقة نظرت جومانا نحو الأرض وهمست :
- ولكنه قد يأتي في أي لحظة!!
- وماذا سيحدث لو أنه عرف بالحقيقة ألا تقولين بأنه يحبك؟!
- نعم يحبني ولكنني لا أريده أن يكتشف بعد كل هذه السنين الطويلة التي قضيتها معه أنني.. أقصد أننا.. أعني أنكِ - لم تعمل تعلم ماذا يجب عليها أن تقول لذلك فإنها أخذت نفساً عميقاً، ثم أكملت جملتها قائلة: أنت تعملين مالذي أريد قوله بالضبط!!
- لماذا تخجلين؟! لا أحد يخجل من حقيقة أصله قولي له بأنكِ. . . .
قاطعتها جومانا قبل أن تكمل جملتها :
- لماذا لا تقولين لي أنتِ عن سبب مجيئك لهنا في هذه الليلة ؟!
- من أجله - قالت الجنية العجوز وهي تشير بإصبعها ذي الظفر الطويل نحو الطفل النائم، ثم أردفت: هل أستطيع إلقاء نظرة عليه أم أنك ستحرميتتي من ذلك أيضاً؟!
ولأنها تعلم بأن ذات الطائر الأحمر لن تؤذي طفلها ولأنها لن ترحل قبل أن تحقق ما جاءت من أجله، فإنها مدته نحوها وهي تقول لها باستسلان ومن غير أن يساور قلبها الشك بحقيقة ما هو قادم:
- حسنا - وأردفت بحزم: ولكن بسرعة!!
حملته بين يديها وهي تبتسم تأملت فيه قليلاً ثم همسات متسائلة:
- هل ستقولين له عندنا يكبر بأنه مختلف عن البقية وبأنه . . . .
صرخت عليها مقاطعة حديثها قبل أن تكمل:
- هذا يكفي يا ذات الطائر الأحمر!!
أدركت أنها أغضبت جومانا كثيراً فقالت لتغير الموضوع:
- هل أستطيع أن أتمنى له في أذنه أن يعيش حياة سعيدة ؟!
كانت تلك إحدى عادات الولادة في قرية الجساسة حيث تقوم الأم بإختيار الصديقة الأقرب لقلبها وتطلب منها أن أتمنى في أذن مولودها أن يعيش حياة سعيدة ، وكانت الأم تحرص كثيراً في انتقاء تلك الصديقة لأنهم كانوا يعتقدون بأن شقاء المولود وسعادته مربوطان بصلاح قلب الشخص الذي سوف يتمنى له . . .
- وسترحلين بعدها؟؛
- نعم سأرحل
رفعت ذات الطائر الأحمر الطفل إلى مستوى فمها ثم بدأت تتمتم في أذنه بصوت منخفض متظاهرة بأنها تتمنى أن أن يعيش حياة سعيدة، ولكن في الواقع لا أحد يعلم غير الرب ماذا كانت تلك الحمية العجوز تقول في أذنه بالضبط . . وحين انتهت من وشوشته ألصقت أذنها على صدره وأصاخت السمع لصوت دقات قلبه . . .
في الحقيقة لم يكن أحد في العادة يستمع لصوت دقات قلوب المواليد بعد الانتهاء من التمني لهم في آذانهم، لهذا ربما تساءلت جومانا بشك:
- ماذا تفعلين ؟!
أجابت بتوتر :
- ششش، لصمتي قليلاً!!

وبعد فترة من الوقت ابتسمت ذات الطائر الأحمر أخيراً وتنفست الصعداء إذ إنها تحققت مما جاءت من أجله، أعادته إليها ثم غادرت دون أن تتكلم . . . ولو أن الطفل فقط استيقظ في تلك اللحظة من نومه وفتح عينيه، لكانت أمه سوف تشاهد في عينه اليسرى وهجاً احمر اللون غريب .

"ثم وبعد عشرة أعوام"

يتبع...

لا تنسو الفوت لنشر الفصل الثالث

ابابيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن