كان المطر في تلك الليلة يصب بقوة كما لو أن أحدا فتح جميع صنابير السماء دفعة واحدة، وكان الليل الذي أصاب جسد الطفل قد ضاعف من قسوة البرد عليه، ورغم الشائعات التي يرددها جميع نساء ورجال القرية في تلك الفترة، والتي تقول بأن الوحوش تفضل ليالي المطر في اصطياد فرائسها، إلا أنه لم يفكر بالاختبار في البيت حتى يهدأ الطقس قليلا، يا راح يركض بكل سرعته في أرجاء القرية مفتشا عن بيت الحكيم...
وبينما هو يركض إذ أطلق الرعد صوتاً مرتفعا أدخل الرعب إلى قلبه فأغمض عينيه من شدة الخول لكنه لم يتوقف بل واصل الركض تحت المطر ، ثم وبسبب انعدام الرؤية لديه تعثرت قدمه بحجارة بارزة لم ينتبه إليها، فسقط أرضا… استعان بيديه لينهض إلا أنهما كانتا أضعف بكثير من أن تحملا جسده في تلك اللحظة، وربما بسبب البرد والجوع والمطر استسلم وسقط مغشياً عليه…
بعد وقت قصير:
– استيقظ من نومه خائفا بسبب مدافع الرعد التي توالت بشكل مرعب في السماء، واحتاج لبعض الوقت حتى يتذكر السبب الذي من أجله وجد نفسه خارج البيت ممدا فوق بركة من الوحل والطين مستلقيا تحت وطأة المطر الغزير: الحكيم!! – هتف متذكرا
بمزيد من الجهد استماع أن يسند نفسه على يديه ويسب منتصبا ليكمل رحلة البحث عن حكيم القرية، ولكنهما كاد يخطو خطوتين نحو الأمام حتى سمع أصوات أقدام تقترب منه:
– من هناك؟! – صاح متسائلاكان المطر لا يزال يضرب بقوة وكأنه يريد أن يلقن الأرض درسا لا تنساه، وكان الليل شديد الظلمة وكأنه هناك من أطفأ جميع أضواء الكواكب…
وحدها رياح الشتاء الباردة كانت تغني قصيدة الخوف، والحجارة والصخور والأشجارء يرددون خلفها آخر بيت في تلك القصيدة… كرر سؤاله تحت المطر بصوت أعلى:
– من هناك؟!
لم يجب عليه أحد هذه المرة أيضا ولكن وقع الأقدام ظل يقترب منه أكثر… وعندما لمعت عروق البرق في السماء وأضاءت حوله المكان استطاع مشاهدة الحقيقة، حيث كانت تقف أمامه أربعة ذئاب تنظر إليه سعيدة بوجبتها السهلة، راح أكبرهم يتقدم نحوه:
– لا يبدو أن جرو البشر هذا فيه الكثير من اللحم يا رفاق – قال الذئب الأكبر لرفاقه – ولكنه سيفي بالغرض على كل حال أليس كذلك؟!
– بل سيفي بالغرض – كررت الكلام كلام زعيمها بحماس .أما الغريب في الأمر فهو أن الطفل خُيل إليه أنه استطاع فهم ما تقوله تلك الحيوانات المفترسة كلمة كلمة حرفا حرفا، ولكنه لم يصدق ذلك الأمر بالطبع وفسره على أنه تخيلات…
ورغم أن الطفل يعلم بأنه سيكون وجبتهم القادمة، إلا أنه لم يشعر بالخوف بل كان يشعر بالغضب…كان غاضبا لأنه يعتقد أن الوقت ليس مناسبا للموت، لقد شعر بأنه سيقوم بخيانة والدته لو أنه مات قبل أن يقدم لها المساعدة يجب عليه أن يواصل البحث عن بيت الحكيم مهما كلفه الثمن… انحنى ليأخذ فردة حذائه وعندما رفع رأسه كانت عينه اليسرى قد تحولت للون الأحمر القاتم، ثم راح يهجم قافزا في الهواء بكل قوة نحو الذئب، وبالتالي قفز الذئب الأكبر باتجاهه ولكن وقبل أن يصطدم الاثنان في الهواء حدث شئ ما كان من شأنه أن يقلب الموازين رأسا على عقب…
أنت تقرأ
ابابيل
Fantasy#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبضة الباب، و أجال النظر في دروب قرية "الجساسة" المتشابكة، ثم قال قبل أن ينصرف: غني لي يا جومانا، غني و...