Part 7

9K 253 10
                                    

    كان بحر في الماضي يعد أحد أكبر القيادات في منظمة كبيرة اسمها الجاثوم تقوم بممارسة الجريمة في جميع مدن وقرى مملكة أبابيل، من غير أن تتمكن أجهزة الدولة – رغم الجهود المبذولة – من إلقاء القبض عليها أو على أحد أفرادها نظراً البراعة والخفة التي يتمتعون بها… ولكن بعد أن التقى بجومانا وأصابها الحب بسهامه اختلف كل شئ، فقد أقلع عن العمل مع منظمة الجاثوم نهائياً، وقطع لها وعدا بأن لا يعود لهم… لذلك أصاب الإحباط قلبها وهي تسمع الخبر:
– هل أنتِ واثقة من ذلك؟!
– ما كنت لأنقل لك خبرا مثل هذا لو لم أكن واثقة!
– ولكن وعدني بأن لا يعود للعمل معهم…
– أخبرتك من قبل أن لا تصدقي وعدا يقطعه لكِ رجل!!
    صمتت جومانا لبعض الوقت ثم سألت:
– مالذي يجب علي أن أفعله؟!
– عليكِ أن تحزني حقائبك وتأتي للعيش معي في القلعة – قالت تاج وأضافت: فهناك في الغابة ومع وجودي أنا وإكليل لن يستطيع أحد الاقتراب منكِ أو من ابنك.
    عندما سألت جومانا قبل قليل:” مالذي يجب علي أن افعله“ كانت تقصد أن تقول مالذي يجب عليها أن تفعله مع زوجها وماهي الطريقة الأنسب للتصرف معه ولم تكن تقصد الشئ الذي فهمته تاج، قالت:
– سأبقى حتى يعود زوجي وأتحدث معه بخصوص هذا الأمر …
الحب بالنسبة للمرأة هو أهم معركة في حياتها، والمرأة بطبعها العنيد لا تنسحب أبدأ من معاركها، حتى وإن كانت خسارتها مؤكدة “ … كانت تلك إحدى أكثر معادلات الحب التي لم تتمكن تاج من استيعابها لذلك فإنها قالت بغضب:
– تبا لك ولزوجك يا جومانا ولهذا القلب الذي تمتلكينه أقول لك أن زوجك عاد للعمل مع منظمة الجاثوم، وبأنك وابنك في خطر مميت وأنت تقولين بأنك سوف تنتظرينه حتى يعود، لو كنت مكانك لهربت!!
– تقولين ذلك لأنك لم تجربي أن يتعلق قلبك بأحدهم !!!
– هل أبدو لك غبية للحد الذي يجعل قلبي يتعلق بأحدهم؟!
    تجاهلت النقاش مع والدتها في ذلك الأمر وسألت:
– فقط قولي لي أين أستطيع العثور على بحر
– لن أخبرك …
– لماذا؟! – قالت معترضة – هذا ما جئتم البارحة من أجله!!
– لأنك سوف تموتين لو حاولت اكتشاف الحقيقة…
   رغم الكلام الخطير الذي نقلته إليها تاج إلا أنها لم تكن تفكر فقط في أمر عودة زوجها للعمل مع المنظمة، بل كان ثمة شئ آخر يشغل بالها وهو. تلك الفتاة التي اسمها أيار والتي يعيش معها زوجها في بيت واحد، وعن الأشياء التي قد يفعلانها خلف الأبواب المغلقة عندما يحل الليل عليهما وتفرغ الشهوة طبولها… لقد اشتعلت الغيرة في قلبها ولا شئ يصبح أكثر جنونا وغباء من امرأة تغار:
– حديثني عن تلك التي تسكن مع زوجي
   انفجرت عليها تاج:
– هل هذا وقت الغيرة أيتها الحمقاء؟!
    العم بأن والدتها على حق ولكن من يقنع قلبها بذلك، فقد كانت الغيرة تحرقها مثل عصر ليمونة فوق جرح نازف… ورغم هذا إلا أنها لا تستطيع أن تكف عقلها عن التفكير بهذا الأمر…

    كان ثمة شعور داخلي يقول لها بأن هناك شيئاً ما أجبر زوجها حتى يعود للعمل مع منظمة الجاثوم، ورغم أن ذلك لم يكن يتعدى كونه مجرد إحساس فقط إلا أنها كانت واثقة من صدق إحساسها، قالت:
– أريدك أن ترتبي لي موعداً لمقابلة ابي!!
– لماذا تريدين مقابلته ؟!
– أريده في أمر … أتوسل إليك أن ترتبي لي موعداً معه
– أنت تعلمين بأن الشخص الوحيد الذي يستطيع فعل ذلك هي الوزيرة خيزران …
– وأين هي خيزران كيف أستطيع العثور عليها ؟!
   انزعجت تاج من ذلك الطلب فقالت:
– أخبريني بصراحة مالذي تريدينه من والدك؟!
– أريده أن يحارب الجاثوم فهذه الطريقة الوحيدة التي قد تعيد لي بحر
– لن يوافقوا – قالت قاطعة عليها الأمل – فأنت لم تعودي واحدة من العائلة حتى يوافقوا على مساعدتك، كما أنك تعرفين بالأمر الفظيعة التي حدثت قديما بين الأباطرة والجاثوم، وهم ليسوا مستعدين لتكرار تلك التجربة مرة أخرى…
  
     أحست بخوف ابنتها التي صمتت ول تقل شيئا:
– ليس ضرورياً أن تأتيان للقلعة أستطيع البقاء هنا لحمايتكما إن أردت
– لا… فقد يأتي بحر في أي وقت ولن يكون مسرورا لو جاء ورآك هنا
– لن يراني، سأغادر في اللحظة التي يدخل فيها من الباب
– والطفلة ماذا سأقول له حين يسألني عنك؟!
– أنا أمك يا جومانا، وأنا جدته أيضاً…
– هو لا يعرف ولا أريده أن بعرف بأنك جدته – قالت جومانا ذلك ثم وضعت يدها على فمها، نظرت نحو والدتها وكأنها انتبهت للخطأ الفظيع الذي وقعت فيه – أقصد أن أقول بـ…
– لا تقولي شيئا – قاطعتها .
– لا تسيئي فهمي كل ما في الأمر هو أني لا أريده أن يعرفك انك …
– جنية – قالت تاج ثم همست بوجع: لقد حفظت الدرس جيدا لا داعي لأن تكرريه كل كلما التقينا.
– أرجوك لا تغضبي مني يا أمي
     تجاهلت تاج الأمر ثم قالت في محاولة أخيرة لمساعدة ابنتها:
– خذيه واهربي به بعيداً…
    لم تكن الفكرة مناسبة بالنسبة لها فهي ليست من النوع الذي يعالج مشاكله بالهرب، وفي الوقت ذاته تعلم بأنها مهما ابتعدت كثيراً فإن جميع الطرق في النهاية ستعيدها نحو الذي يسكن قلبها… همسات بخيبة:
– الأمور لا تسير بهذه البساطة يا أمي
    أيقنت تاج أخيرا بأن لا فائدة تُرجى من الحديث مع ابنتها لذلك فإنها سارت نحو الباب الخشبي لتغادر … ولكنها قبل أن تذهب توقفت مباشرة أمام الطفل الذي لا يزال متصلبا في مكانه مثل تمثال شمع ، وقالت:
– إنه جميل جدآ يا جومانا بالرغم من كونه ذكر إلا أنه يشبهك كثيرا
– ماذا اقول له حين يستيقظ من غفوته هذه؟!
– لا تقلقي لن يكون من السهل عليه أن يتذكر
  وقبل أن تزيل عن حفيدها مفعول تعويذتها قالت:
– هل أنت متأكدة من أنك لا تريدين إخباره الحقيقة؟
– لقد انتهينا من هذا الحديث يا امي !!
– إنه يستحق أن يعرف بأنه مختلف يا ابنتي
– إنه ابن بحر ابن الطين هل نسيت ؟!
   ابتسمت تاج بمكر وهي تقول:
– يبدو أن هناك خللا يصيب عقول الذين يقعون في الحب
– ماذا تقصدين ؟!
– أنت التي انطفأت عيناك وزالت قوة النار خاصتك نهائيا بعد ارتباطك ببحر – ثم وضعت يدها فوق قلب حفيدها وتابعت : ولكن هذا الولد يمتلكها.
– وما أدراك انت ؟! سألت بشك
– لأنني سمعتها في صدره عندما قمت بحمله بين يدي لأول مرة!!
    وهنا فهمت جومانا الأمر وعرفت لماذا جاءت والدتها لزيارتها في ذلك اليوم… لقد جاءت فقط لكي تتحقق مما إذا كان حفيدها يمتلك القوة بداخله أم لا، لهذا طلبت أن تتمنى له حياة سعيدة بينما الحقيقة لم تفعل ذلك بل ألقت في أذنه التعويذة التي اكتشفت من خلالها بأنه مخلوق مختلف يملك بداخله الطين والنار !!

ابابيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن