لم يكن القمر حاضراً في تلك الليلة المرعبة لذلك انتشرت النجوم في السماء على مد البصر، والقرية التي كان سكانها نائمين بدت في ذلك الوقت… المتأخر جداً من الليلة كما لو أنه مكان قديم قد هجره البشر.
اتجهت شرقنا نحو الغابة التي لم يسبق لبشري من قبل أن دخلها وخرج منها حيا ”الغابة المظلمة“ وهي أرض فسيحة تغطيها الأشجار العالية المتشابكة تقع في منتصفها قلعة حجرية كبيرة ذات طابقين سكنتا قديماً عائلة ملكية من الجن اسمها "عائلة الأباطرة"…
دخلت الغابة من ممرها الواسع والذي يشبه مدخل كهف كبير، غير مبالية بالاخطار التي تحفها أو ربما تحدث لها بالداخل… كانت تسير بخطوات ثابتة وسط الظلام وحفيف اصطكاك الرياح بأوراق الاشجار، والأصوات الصاخبة لنقيق الضفادع، والهسيس المنخفض لأجنحة الخفافيش… كانت جومانا تعرف أن هناك من يراقبها بعينين باردتين من وراء الاشياء، لكنها لم تبالي.* * *
ما إن اقتربت من تلك القلعة الصخرية ذات الطابقين حتى سمعت صوتا يشبه زمجرة اسدٍ غاضب، رفعت بصرها نحو مصدر الصوت بقلق فرأت طائراً ضخماً يجلس على قمة القلعة وينظر نحوها بغضب كما لو أنه يحاول تحذيرها من مغبة الاقتراب أكثر…
ولكن لأنها تريد التحدث مع صاحبة تلك القلعة بأي ثمن فإنها أكملت سيرها غير مكترثة بالتحذير… فما كان من ذلك الطائر حين شاهدها تقترب، إلا أن قفز من مكانه ضارباً الهواء بجناحيه الطويلين، منطلقا نحوها شاهرا في وجهها مخالب سوداء معقوقة ذات نهايات قاتلة:
– إكليل – صاح أحدهم، من داخل القلعة – عد إلى مكانك!!
وقبل أن يغرس الطائر مخالبه في جسدها استجاب لذلك النداء فصفق الهواء مرة أخرى بجناحيه الطويلين، ليرتفع بضعة أمتار إلى الاعلى ويستدير في الجو عائدا إلى مكانه… ثم ولأن أحدا لم يظهر في الارجاء فإن جومانا تكلمت بصوت مرتفع:
– أين انتِ؟!
وعندما لم تتلق جوابا غير الصرير الخافت الذي تبعثه حشرة الليل، فإنها اقتربت بخطوات حذرة نحو بوابة القلعة، وقالت بهمس يملؤه الرجاء:
– أرجوكِ أريد التحدث معك
فتحت ذات الطائر الاحمر البوابة وقالت بقلق:
– ما هو الأمر الخطير جداً الذي دفعك للمجئ إلى هنا؟!
– أليس مرحبا بي هنا؟! – سألت بي حياء.
– ابتسمت لها ذات الطائر الاحمر بحنان بالغ وقالت:
– انت تعلمين بأن امك سترحب بك دائما ايتها الحمقاء!…
الشئ الذي كانت تحاول جومانا إخفاءه عن الجميع، هو أن ذات الطائر الاحمر في الحقيقة تكون والدتها، أما السبب الذي كان يدفعها لصدها دائماً عنها فهو لأنها تخاف من أن يقوم بحر بهجرها في أحد الأيام لو عرف بحقيقة كونها جنية…
لقد تخلت في الماضي عن كونها فرداً من أفراد عائلة الاباطير الملكية من أجل الزواج به، وهي ليست الآن مستعدة لخسارته مهما كانت الأسباب، قالت متوسلة:
– لم يعد في استطاعة قلبي أن يحتمل المزيد!!
– أظنك تتحدثين بشأن بحر
هزت رأسها بضعف فبصقت ذات الطائر الاحمر على الأرض:
– تبا للرجال !!
تجاهلت نصيحة والدتها الثمينة تلك وقالت:
– أحتاج إليك يا تاج أنقذيني إن الوساوس تأكلني ابتسمت ذات الطائر الاحمر وهي تقول:
– مضى زمن طويل لم ينطق فيه احد اسمي الحقيقي – ثم أفسحت مجالا واضافت: ادخلي وأخبريني مالذي حدث معك…
– لا أستطيع الدخول لا املك الكثير من الوقت، فقد يستيقظ ابني في أي لحظة ولن تجري الأمور بخير إذا استيقظ من نومه ولم يجدني!!
ابتسمت تاج ساخرة:
– ذاك الاحمق الصغير ماذا كان يظن عندما حاول مهاجمتي !؟
– اعتذر لك بالنيابة عن الطفل
– لقد أصبح في عامه الرابعة عشر وأنت لا تزالين تنادينه بالطفل!!
– لقد قررت أن لا يسميه أحد غير والده!
– إختاري له اسما مؤقتا على الأقل، ما رأيك بأساطير كأسم اخوك؟!
– البشر لا يسمون بهذه الاسامي
– حسنا ما رأيك بـ…
قاطعتها:
– لم آتي لأناقش معك اختيار اسمه!!
معك حق… حسنا مالذي تريدين مني أن أفعله به
– بالطفل؟!
– تبا لك وللطفل يا جومانا اقصد زوجك… مالذي فعله بحقك والذي تريدين مني أن أفعله به؟؟!
– لا لم يفعل شيئا، كل مافي الامر هو أن قلبي غير مطمئن
ضحكت تاج ساخرة:
– هذا ما يحدث لقلب الانثى عندما يسكنه رجل – ثم أردفت متسائلة: ولماذا الآن؟!
– ماذا تقصدين؟!
– لقد صبرتي عليه كثيرا لماذا الآن بدأ قلبك غير مطمئن؟!
– عندما جاء بحر لزيارتنا اليوم…
قاطعت حديث ابنتها والدهشة واضحة في سؤالها:
– بحر جاء لزيارتكم اليوم؟!
– نعم وقال شيئا لم اتمكن من فهمه، وهذا ما دفعني للقدوم إليك قالت ذلك ثم اخفضت رأسها دليلا على تأثرها
– ارفعي رأسك وأخبريني مالذي قاله؟!
رفعت جومانا رأسها ثم حركت شفتيها سانحة للكلام بالخروج:
– قالت عيناه لنا « عندما تعرفان الحقيقة، ستغفران لي كل شئ »
– وانتي مالذي تريدين من أن أفعله؟!
– اريد منك أن تخبريني بالحقيقة
بعد تردد قصير همسات تاج بحزم:
– احضري لي شيئا فيه من رائحة بحر
– شيئا فيه من رائحة بحر؟! – تسائلت بغرابة – مثل ماذا؟
– لا اعلم… اي شئ فقط من ثيابه القديمة مثلا..
كانت جومانا قد قامت منذ وقت طويل بغسل جميع الثياب القليلة التي يمتلكها زوجها، فلذلك أنها لم تكن تمتلك شيئا فيه من رائحة زوجها :
– اعتقد اني لا املك طلبك هذا
– فكري بحل فمن غير رائحته لن اتمكن من العثور عليه
تذكرت شيئا:
– لقد نام على وسادتي البارحة استطيع ان أجابها لك لو اردت.
– هذا جيد… بقليل من الحظ قد يفي هذا الغرض
– لن أتأخر – قالت وهي تستعد للعودة لبيتها، ثم أضافت: سأحضر لك الوسادة واعود بأسرع وقت ممكن
وقبل أن تذهب اوقفتها تاج:
– مالذي ستقدمينه لي مقابل الخدمة ؟! فأنت كما تعلمين انا لا اقدم خدماتي بدون مقابل!!
التفتت إليها جومانا وقد بدأ وجهها جادا وهي تقول:
– مالذي تريدينه ؟!
ظلت تاج صامتة لبعض الوقت كأنها تفكر في الثمن الذي ستطلبه وعندما طال صمتها ذلك كثيرا قالت جومانا بنفاذ صبر :
– اطلبي..
– اريد منك أن تتوقفي عن مناداتي بي تاج أو ذات الطائر الاحمر
– وكيف تريدين مني أن اناديك ؟!
همسات بي خجل: امي – واضافت: هذا هو الثمن…
ابتسم شئ ما بداخل جومانا كان طلب تاج لطيفا هذا ما فكرت به
– سأجلب لك الوسادة واعود بسرعة يا أمي!!
شعرت تاج عند سماع تلك الكلمة بشئ لا يمكن للكلمات وصفه لقد سمعت للتو الكلمة التي كانت كل يوم تستيقظ من نومها وهي تحلم بسماعها ولكن جومانا قالت وكأنها تضع خطا تحت شرط مهم:
– ولكن سأقولها لك فقط عندما نكون وحدنا اتفقنا؟!
– وانا سأحرص دائما على أن نكون وحدنا…
أرادت أن تعود للبيت من أجل أن تجلب وسادة التي نام عليها زوجها البارحة ولكن والدتها اقترحت عليها أن لا تذهب مشيا على الاقدام فقد يستغرق ذلك وقتا طويلا:
– دعي حصاني سابح يوصلك…
– لا فليس من الحكمة أن يشاهدني أحد من القرية وانا بداخل عربتك
– لا تقلقي لن يراك أحد – قالت بثقة ثم صاحت: ساابح!!
سمعت جومانا صوت عجلات عربة تقترب يجرها حصان ابيض ضخم يهز الارض بحوافره الأربعة، فتحت تاج باب العربة بيد ومدت يدها الأخرى لتساعد ابنتها في الصعود إلى الداخل، ثم همست في اذن الحصان: لا تدع أحداً يراك…يتبع…
فوت وكومنت رجاء
أنت تقرأ
ابابيل
Fantasy#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبضة الباب، و أجال النظر في دروب قرية "الجساسة" المتشابكة، ثم قال قبل أن ينصرف: غني لي يا جومانا، غني و...