بسم الله نبدأ..
لم تكن طفلة عادية أبدًا فهي لم تخرج من رحم والدتها باكية مثل بقية المواليد، بل خرجت صامتة تُقلب بصرها في الأشياء مدهوشة، كما لو أنها تفاجأت بوجود كوكب آخر غير الكوكب المظلم الضيق الذي كانت
تعيش فيه...
حملها عاصف بين يديه برفق ولم يكن بعد قد لاحظ فيها شيئًا يثير الدهشة أو الغرابة، ولكنه عندما ضمها إليه ليضع قبلته عليها أكتشف المفاجأة.. حيث كانت رائحة الياسمين هناك في انتظاره عالقة على جسد طفلته الملطخ بدماء الولادة، وعندما قرب وجهها أكثر من مجال أشعة الشمس كانت دهشته أعظم وأعظم عندما شاهد بريق عينيها البندقيتي
اللون..
- ما بك ؟! - سألت سرابي المتعبة. لا ، لا شيء، لا شيء..
هذا ما قاله شاردًا وهو يدقق النظر بعمق في تفاصيل وجه الطفلة كما لو أنه جواهرجي عتيق يتفحص بالعدسة المكبرة حجرا ثمينا عثر عليه... تمتم بينه وبين نفسه وهو لا يزال يحدق فيها بعدم تصديق :
- لا يمكن أن تكون هذه مجرد مصادفة.
هل ابنتنا بها شيء ؟! - تساءلت سرابي بخوف - لقد بدأت تقلقني.
لقد استجاب الرب دعائي - تمتم - لقد أعاد لي أمي حية.عندما استنشق رائحة ابنته العابقة برائحة الياسمين، وشاهد لون بريق عينيها البندقيتي اللون، شعر بأنه يحمل أمه جومانا بين يديه وفهم أخيرًا درسه الأخير وهو أن الرب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه مثل ما كانت
والدته تقول، ولكن في التوقيت الصحيح
- إنه الحقيقة الوحيدة وكل شي زائف - همس.
لقد آمن للتو بأن الرب كان هناك منذ البداية، وبأنه الذي كان طوال مغامرته يحميه ويصد عنه الأخطار ويكتب له الحياة في كل لحظة موت وشيكة، من أجل أن يخبره في النهاية عن أصدق قصة عرفها التاريخ: منذ وقت طويل.. طويل جدا .. كانت السماء وما زالت وستظل دائما تجيب ثم وبينما كانت الطفلة لا تزال ساكنة بين يدي والدها إذ وقعت عيناها على والدتها المستلقية فوق السرير الملكي، والغارقة في عرقها اللانهائي فانتفض جسدها الصغير اللزج مثل سمكة زينة صغيرة أخرجوها للتو من حوضها المائي.. زحفت سرابي على مؤخرتها بصعوبة بالغة حتى أسندت
ظهرها على رأس السرير غطت بطرف اللحاف عري ثدييها الممتلئين
بالحليب، رفعت يديها المرتجفتين في الهواء وقالت:
دعني أراها - ثم تساءلت: هل هي بصحة جيدة يا عاصف ؟!
- إنها بخير - قال وهو ينحني ليضعها برفق بين يديها.
عندما أصبحت بين يدي والدتها مدت أصابعها الصغيرة نحو خصلة نافرة من شعرها البني الناعم، وألقت عليه القبض بقوة لا تتوافر لدى طفلة في مثل عمرها، ثم وبينما هي تمسك بخصلة شعرها النافرة تلك إذ جعلت تتدبر بصمت و خشوع راهبة في عينيها السوداوين كما لو أنها في تلك اللحظة كانت تقرأ فيهما البداية والنهاية...**
وعندما فرش الليل عباءته على سماء مملكة أبابيل، واختبأ القمر خلف
سحب الليل الرمادية المتراكمة ليأخذ غفوته هناك من غير أن يزعجه تطفل
أحد.. أغلق الملك عاصف بوابة جناحه الملكي، أطفأ الشموع والقناديل
المعلقة على الحائط ثم اقترب من زوجته وطفلته الصغيرة جومانا»...
تمدد بجوارهما فوق السرير وجعل يحكي لهما قصة من تلك القصص التي كانت والدته قديما ترويها له .. وحين انتهت الحكاية اقترب من ابنته بلطف وقال لها في أذنها الشيء الذي من خلاله ستعرف في السنين القادمة
أن قصة ما قبل النوم انتهت وأن موعد النوم قد حان
تذكري طوال عمرك يا بنيتي أن الرب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ثم صمت قليلا كما لو أنه يتخيلها تسأله قائلة: «أي دعوة يا أبي ؟!» فأجاب هو وسرابي في اللحظة ذاتها، ومن غير تخطيط مسبق:
- نعم أي دعوة!!
انتهى البارت لا الجزء الاول انتهى بحمد الله.«كل شيء سيمضي أنت فقط عليك أن تصمد لبعض الوقت أن تقاتل من أجل الوقوف مهما اهتزت الأرض من تحت أقدامك»
أنت تقرأ
ابابيل
Fantasy#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبضة الباب، و أجال النظر في دروب قرية "الجساسة" المتشابكة، ثم قال قبل أن ينصرف: غني لي يا جومانا، غني و...