فتح الباب ابتسم وهو يجيب النظر في دروب القرية وكأن تلك الكلمة التي باح بها للتو قد نجحت في إنعاش قلبه، التفت مرة أخرى نحوها كانت عيناه تنبضان أكثر من أي وقت سابق أجابها عن سؤالها قائلا :
– غني لي يا جومانا.. غني و سيحضر طيفي ليراقصك!!.
طبع قبلة مطولة على راحة يده وأرسلها لزوجته عبر الهواء، ابتسم للمرة الثانية ثم غادر…
أما الطفل فأنه وثب قائما وأخذ يلكم الهواء بيديه كيفما اتفق حتى يشتت القبلة الهوائية تلك ويمنعها من الوصول إلى والدته… بينما نظرت هي إلى الأرض لتخفي خجلها بعد أن شعرت بحرارة تلك القبلة وهي تهبط بسلام لمعانقة شفتيها…
* * *حين حل الظلام و جاء وقت النوم خرج الطفل كعادته مرتديا الثوب الذي يصل طوله إلى منتصف ساقه يحمل في يده السراج المتآكل ليستعين بضوئه الخافت على الرؤية… طاف أرجاء البيت ليتأكد من إغلاق النوافذ والأبواب ومن إطفاء قناديل الحوائط… انتهى من تفقد جولته السريعة ثم عاد لوالدته حشر نفسه معها تحت اللحاف بسالها:
– ما قصة اليوم؟!
كانت جومانا في تلك الليلة مشغولة البال تفكر في أمر ما وليست في مزاج جيد يتيح لها الكلام ابدا ، غير أنها في الوقت ذاته كانت تعلم أيضا بأن ابنها لن يغلق عينيه وينام قبل أن تحكي له قصة فقالت:– منذ وقت طويل… طويل جدا… كان هناك جيش كبير من البشر والجن والطير والرياح. كانو جميعهم يسيرون خلف رجل واحد اسمه النبي سليمان…
متخيلا ذلك الجيش الكبير وهو يسير تحت قيادة رجل واحد ردد الطفل اسم النبي مندهشا: سليمان!!
قلت: كان ذلك الجيش الكبير يعبر من خلال واد ضخم، اسمه وادي النمل فصاحت آنذاك نمله صغيرة اسمها جرسا!!
– جرسا؟!
– نعم جرسا – أكدت والدته، ثم تابعت: صاحت جرسا بصوته كله تخاطب بقية أفراد النمل:" ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمٰن وجنوده وهم لا يشعرون" حين سمح النبي سليمان كلام النملة ابتسم وشـ…
– ولكن يا أمي– قال متسائلا – كيف سمعها النبي سليمان وهي نملة صغيرة لها صوت صغير!!!
– الرياح – أجابت – الرياح هي من وضعت الكلام في أذنه ..
– الرياح!! – نعم انها أحد جنود النبي
– ردد متعجبا: الرياح
– حين سمع النبي سليمان كلام النملة ابتسم وشكر الرب على هذه القدرة التي خصه بها،وأمر الجنود بالتوقف… فتوقف كامل الجيش، ريثما يدخل النمل مساكنهم…
ثم ولأنها كانت تريد الانتهاء من القصة بأسرع وقت ممكن فإنها صمتت قليلا قبل أن تقول الجملة الختامية والتي يفهم ابنها من خلالها أن القصة انتهت وأن موعد النوم قد حان:
– تذكر طوال عمرك يا بني أن الرب يجيـ…
– أهذا كل شئ – اعترض – هل انتهت قصة النوم؟!
– يجب على أن تنام الان لقد تأخر الوقت كثيرا!!
– ولكني اريد ان اعرف مالذي حصل بعد ذلك!
– سأخرك غدا.
– ولكن…
قاطعته قبل أن يكمل:
– يجب عليك أن تنام الان وغدا اكمل لك القصة…
استسلم اخيرا وهو يغطي نفسه باللحاف… بينما قالت أمه:
– تذكر طوال عمرك يا بني أن الرب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه… ثم أضافت: اتفقنا؟!
صحيح أنه لم يكن راضيا عن مدة القصة ونهايتها السريعة، إلا أنه تفاعل مع جملة والدته الختامية، فأغلق عينيه وجعل يحلل كل كلمة من تلك الجملة في عقله تحليلا دقيقا وحين استوعب وفهم كل معانيها سأل كعادته:
– أي دعوة يا امي؟!
– نعم أي دعوة
– اتفقنا؟!
في تلك الليلة بالذات لم تتمكن جومانا من الخلود للنوم فقد كانت مشغولة البال تفكر في أمر ما:" في الحقيقة التي يخبئها زوجها بحر عنها " لقد شعرت اليوم وهي تنظر إليه أنه متورط بشئ كبير جدا فقد كان ذلك واضحا من خلال تعابير وجهه المرهق وعينيه اللتين يقطنهما الخوف…
كانت تائهة لا تعرف مالذي يجب عليها فعله، ضائعة مثل فتاة صغيرة افلتت يد والدتها وسط الزحام… ورغم ذلك التيه والشتات إلا أنها كانت تعلم جيدا الا من يجب عليها تلجأ في مثل هذه الحالات. ( تتوقعون الى مين راح تلجأ؟! ) .
تسحبت من جوار ابنها برشاقة لبؤة ثم سارت على أطراف أصابعها نحو باب البيت، فتحته بحذر حتى لا تصدر مفاصله صوتا يفضح خططتها التفتت يمينا وشمالا لتتحقق من خلو الطريق، وعندما تيقنت من أن لا أحداً يراها سارت بعيدا… لقد ذهبت شرقا نحو المكان الذي لم يكن عليها أبداً أن تفكر بالذهاب إليه…يتبع....
فوت وكومنت
أنت تقرأ
ابابيل
Fantasy#بقلم احمد آل حمدان وفي يوم رحل زوجها، فقالت: وأنا ماذا أفعل عندما أشتاق إليك؟!، لم يُجبها زوجها "بحر" عن سؤالها، و اتجه نحو الباب مغادرًا، أدار قبضة الباب، و أجال النظر في دروب قرية "الجساسة" المتشابكة، ثم قال قبل أن ينصرف: غني لي يا جومانا، غني و...