الفصل الثالث

1.4K 79 22
                                    

في الحانة..جلست هزان قبالة فولكان يحتسيان شرابهما..كانا يتحدثان بأريحية تامة..صادف هو بعض أصدقاءه و صديقاته الذين سلموا على هزان ثم ذهبوا ليجلسوا على طاولة أخرى..قالت هزان" أصدقاءك لطيفون لكن يبدو أن أحدهم لم يرتح لرؤيتي معك" ابتسم فولكان و قال" انها ليلي..لقد كانت بيننا علاقة و انتهت منذ مدة..و كانت تحاول اصلاح الأمور لكنني لا أريد ذلك..و يبدو انها ظنت بأنك حبيبتي الجديدة" ابتسمت هزان و قالت" لا تحزنها..تبدو فتاة لطيفة..اذا كنت تحبها فلا تتخلى عنها" احتسى فولكان كأسه و قال" لا مزاج لي للعلاقات الآن..لا أفكر سوى في أمي..و أريد أن أراها تمشي و أن تعود الى طبيعتها..أن تتذكر أنني ابنها و انها امي..بعدها عني يوجع قلبي" صمت قليلا ثم أضاف و هو يقف و يمد لها يده" هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟" وقفت هزان و وضعت يدها في يده..اصطحبها الى الحلبة و اخذا يرقصان معا..همست له هزان" ليلي تراقبنا..مسكينة..لقد أشفقت عليها" رد" انسي أمرها" ..بعد ساعة..عادا الى المنزل..اوقف فولكان سيارته في الباحة ..و فور ترجلهما..اقترب منهما ياغيز و قال بصوت عالي" هل انتهت سهرتكما أخيرا؟" اجاب فولكان" خالي..انا من.." قاطعه بعصبية" فولكان..اصعد الى غرفتك..و احرص على ألا تخالف قوانيني مرة أخرى" نظر اليه فولكان و قال" خالي..لو سمحت..توقف عن اعتباري طفلا صغيرا..أنا رجل و لي رأيي..إنا من طلب من هزان مرافقتي..لا ذنب لها فيما حصل..ثم لا تنسى بأنها لم تخرج منذ اتت..اردت فقط اصطحابها في جولة في الجزيرة" ابتسم ياغيز و قال" تمام..فهمت..اذهب الى غرفتك الآن..يجب أن أتحدث مع هزان" انسحب فولكان و بقي ياغيز يتأمل هزان بنظرات باردة و غاضبة..

قالت هزان مباشرة" سيد ياغيز..لا داعي لغضبك هذا..فولكان كان يريد فقط أن.." لم يسمح لها ياغيز بمواصلة كلامها..سحبها من ذراعها بقوة الى زاوية من زوايا الحديقة المظلمة..ألصقها الى الحائط و حاصرها بجسده و بيديه..تكلم من بين أسنانه بنبرة مخيفة قائلا" اسمعي ايتها الموظفة الجديدة..لا أعلم مالذي تحاولين فعله..لكنني أحذرك من تجاوز حدودك..أنت هنا لسبب محدد..اهتمي بعملك فقط..و لا تحاولي أن تصنعي لنفسك مكانا ثابتا في هذا القصر..لأنني لن أسمح لك بذلك..هل فهمت؟" وضعت هزان يديها على صدره و أجبرته على التراجع قليلا الى الخلف ثم صاحت به" ماذا تهذي يا هذا؟ عن اي مكان تتحدث؟ أنا أعرف جيدا لماذا أنا هنا..و لا داعي لإهانتي بكلامك الجارح..لأنني لن أسمح لك بأن تتجاوز حدودك معي" انفجر ياغيز ضاحكا بطريقة استفزازية و قال" و ماذا ستفعلين؟ هل ستضربينني مثلا؟ " ردت" أتمنى ألا تضطرني لذلك..لا اريد منك سوى ان تحترمني و ألا تخطئ في حقي..فولكان عرض علي الخروج معه للتعرف على الجزيرة..و انا عندها خارج اوقات عملي..و أستطيع فعل ما يحلو لي..و لا يحق لك بأن تتدخل..هل فهمت؟" و همت بالابتعاد لكنه امسكها من ذراعها بقوة و منعها من التحرك و هو يزمجر بعصبية" أنت هنا في قصري..و ستلتزمين بقوانيني..يمنع منعا باتا خروج النساء ليلا..و يمنع لأي عامل او عاملة بأن يتقرب من أصحاب المنزل بطريقة شخصية..و انا شخصيا لا استطيع منح أي إمرأة حرية او ثقة..يجب ان تبقى المرأة تحت سيطرة الرجل و حكمه دائما..هذا ما يجب ان يكون" حاولت هزان التملص من قبضته لكن دون جدوى..كانت نظراته تلتهمها التهاما و أنفاسه الحارقة تلهب وجهها..تجاهلت اقترابه منها و قالت" غريب..امازال هناك من يفكر بهذه الطريقة الرجعية و نحن في القرن الحادي و العشرين؟ المراة لها كيان و شخصية مستقلة عن الرجل..لا تقل لي بانك مازلت تؤمن بحق السيد في هذه الأيام ايضا؟" ابتسم بسخرية و رد" حق السيد يحتفظ به للعذارى في ليلة زفافهن..و لا اعلم صراحة ان كنت معنية بالأمر ام لا..هل أنت عذراء يا آنسة؟"

رفعت هزان يدها وصفعت ياغيز على وجهه بقوة و هي تقول" وقح..بلا حياء" تحسس ياغيز آثار صفعة هزان على خده و قد ارتسمت علامات الغضب على وجهه..حملق فيها بعيون تتطاير شررا..تحركت في محاولة للإبتعاد عنه لكنه منعها..وضع يده على خصرها و سحبها نحوه ..حاولت دفعه عنها بيديها لكنه قيد يديها خلف ظهره بيد و قربها منه اكثر باليد الأخرى..صارت تفصل وجهيهما انشات قليلة فقط..تمتمت هزان بصوت مرتعش" اتركني..أنت تؤلمني" ضغط اكثر على جسدها المرتعش بين أحضانه و قال" لن افعل حتى تعتذري عما فعلته قبل قليل..اعتذري و سأسمح لك بالذهاب" حاولت التملص منه لكن دون جدوى..نظرت اليه و همست" لن افعل..انت من أخطئ في حقي و أنت من يجب أن يعتذر" هزها بعنف و رد" أنت صفعتني و قللت من احترامي..و انت من سيعتذر قبل أن أفقد صوابي..و الا عاقبتك بطريقتي" قالت و هي تحاول الهرب بعيونها من نظراته المخيفة" لن أفعل..دعني أذهب و إلا صرخت" ابتسم بسخرية و قال" افعلي..و سنرى من سيأتي لإنقاذك مني..اعتذري ..و إلا" و أخذ يقرب فمه من فمها..ارتعدت هزان بشدة و جنت دقات قلبها و هي ترى اقترابه منها..صارت بين شفاههما الآن مسافة نفس و قبلة..تمتمت بصوت مخنوق" آسفة" مرر ياغيز لسانه على شفتيه و قال" لم أسمعك..قوليها بصوت عالي" وضعت يدها على صدره لتجعله يتراجع قليلا الى الخلف و صاحت به" آسفة..اعتذر..دعني أذهب" ابعد ياغيز يديه عنها و اطلق سراحها فانطلقت تجري بسرعة دون ان تلتفت وراءها..في مكانه..بقي ياغيز واقفا للحظات يراقب ابتعادها..

وصلت هزان الى غرفتها ..دخلت و اغلقت الباب خلفها و هي تلهث..كانت تجري كالمجنونة و كأن كل شياطين الدنيا تركض خلفها..اتكأت بجسدها على الباب و هي تحاول السيطرة على نفسها السريع و على دقات قلبها الذي يكاد يغادر صدرها ..ما يحدث معها ضرب من الجنون..تحقد على ذلك المتعجرف الذي يفكر بطريقة رجعية مقرفة..يستفزها و يثير أعصابها ..يوترها و يضغط على عرق الجنون لديها..و الأسوأ أنه يؤثر فيها عندما يقترب منها..يثير فيها مشاعر لم تعرفها من قبل..يجعل الدماء تغلي في عروقها..و يدفع قلبها الى النبض بطريقة جنونية..و هذا ما يخيفها..لا تريد أن تتورط في أية علاقة شخصية هنا..لقد أتت لكي تعمل فقط..و هذا ما ستفعله..اما هو..فظل يمشي في الحديقة و هو يمرر أصابعه على خده..لقد صفعته..لقد فعلت ما لم يفعله شخص آخر غيرها..لقد أهانته و تجاوزت حدها معه..لقد استفزته و أغضبته..لقد جعلت توازنه يختل..و تمردت عليه و على قوانينه..انها خطر عليه..هذه المرأة لا تشبه النساء اللواتي عرفهن و يعرفهن..انها قادرة على التأثير فيه دون أن تفعل أي شيء..يجد نفسه بالقرب منها ..يريد أن يكون قريبا منها..قبل قليل..تمنى للحظة أن تتمرد عليه و أن ترفض الاعتذار لكي يقبلها..نعم..جنون ما أراده و ما تمناه..لكنه اراده و من كل قلبه..مرر أصابعه خلال شعره الكثيف و تأفف بضيق..رفع رأسه و نظر الى نافذة غرفتها..كانت ما تزال مستيقظة لأنه رأى النور مضاءا..يومان فقط احدثا كل هذه البلبلة في حياته و في نمط العيش المتعود عليه..لمح ظلها يلوح خلف الستائر..وقف في مكانه و بقي يتأمله للحظات..ثم انتبه لنفسه..أغمض عينيه بشدة ثم فتحهما و تحرك مبتعدا بسرعة..

سيّد اليونان المتغطرسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن