الفصل الرابع

1.3K 73 8
                                    

بعد ليلة مؤرقة و متعبة..استيقظت هزان متأخرة و وجدت أنها فوتت موعد فطور الصباح..لم تهتم كثيرا للأمر..استحمت و ارتدت سروال جينز ممزق و قميصا بلون بنفسجي و حذاءا رياضيا ..رفعت شعرها الى الأعلى و زينت عنقها بعقد فضي جميل..رشت من عطرها المفضل ثم فتحت الباب و خرجت..اتجهت مباشرة الى غرفة الطعام و ابتسمت بسعادة و هي تجدها خالية..قدمت لها الخادمة القهوة و ما ان رفعت الفنجان الى شفتيها حتى سمعت صوت ياغيز الواقف خلفها يقول"صباح الخير يا آنسة" وضعت هزان الفنجان و ردت" صباح الخير سيد ياغيز" سحب الكرسي و جلس قبالتها و قال و هو يتأملها" هذا آخر تحذير لك..يجب أن تحترمي مواعيد الاستيقاظ و الأكل..لو سمحت..لن اكرر هذا الكلام مرة أخرى" قالت" لم أقصد ذلك..كانت ليلتي طويلة و مؤرقة..لم أستطع أن أنام..لن يتكرر هذا مرة أخرى" هم بقول شيء ما عندما دخلت عليهما ميلانيا..انحنت على ياغيز..قبلت خده و قالت" صباح النور حياتي..لقد أتيت لاصطحاب يلدز الى معرض الرسم" ابتسم و رد" خير ما تفعلين.. هي تحتاج هذا كثيرا" قالت هزان" و أنا سأرافقكما..سأحاول أن أتقرب منها و أن اكون صديقتها لعلي انجح في اقناعها بالعلاج" قطع حديثهم دخول يلدز التي كانت تحمل كتبا في يدها و الغضب باد على ملامحها..صاحت و هي تلقي بالكتب على هزان" ماذا تظنين نفسك فاعلة يا هذه؟ ما معنى هذا؟ من أخبرك بأنني احب الطبخ و الرسم و مراقبة جني الزيتون و غيره..لا أريد هذه الكتب و الصور و الفيديوهات ..لا أريد منك شيئا..هل فهمت؟ أنا لن أتعالج..لا أريد ذلك..اذهبي من هنا" وقفت هزان و قالت" ستفعلين..ستتعالجين و ستعودين كما كنت..امرأة مفعمة بالحياة..يجب أن تواجهي ماضيك و ما حدث يومها..انت فقدت ابنك..و لست انت السبب ..توقفي عن معاقبة نفسك على جرم لم ترتكبيه..كان يمكن أن تموتي انت مكانه..فكري بمنطق و كوني.." اخذت يلدز تصيح بطريقة هستيرية" اصمتي..اخرسي ..انا من قتله..انا المذنبة..يجب ان أتلقى عقابي طوال ما تبقى من حياتي..اذهبي من هنا..لا أريد أن أراك..ياغيز..اطردها..لا اريد رؤيتها هنا" نظر ياغيز الى هزان و صاح بها" هزان..اخرجي من هنا..اذهبي..احزمي حقائبك و غادري..هيا..بسرعة" ثم التفت الى اخته و راح يحاول تهدأتها لكن دون جدوى..

كانت حالة يلدز سيئة جدا..كانت تصيح و ترتعد بطريقة هستيرية..و لم تكن تلك المرة الأولى التي تعيش فيها تلك الحالة..و ذلك ما كان يخيف ياغيز عليها و يجعله ينفذ كل ما تطلبه و يغلق الحديث في موضوع تلقيها للعلاج لكي يضايقها..أما هذه المرة فكان هناك سبب اضافي لجعله يمتثل لكلامها و هو رغبته في الهروب من هزان..و من تأثيرها الخطر عليه..لذلك طردها كما طلبت أخته..نظرت هزان إلى يلدز ثم الى ياغيز و قالت" سيد ياغيز..أنت تخطئ في التعامل مع أختك..لا يجب أن تمتثل لكلامها و ان تجعلها تجبرك على نسيان موضوع العلاج..يجب أن تواجه ألمها و أن تتقبل موت ابنها..هذا ما.." صاح بها" هزان..اصمتي و اذهبي من هنا بسرعة..لو سمحت" رمقته بنظرة باردة ثم صعدت مسرعة الى غرفتها..أخذت تحزم حقائبها بيدين مرتعشتين..كانت تعلم جيدا بأنها على حق..و أنه لو سمح لها بمواصلة طريقتها لنجحت في اقناعها بالعلاج..أنهت حزم حقيبتيها و خرجت من الغرفة و هي تجرهما خلفها..اعترضتها ميلانيا و استوقفتها و هي تهمس" هزان..لا تحزني..و لا تغضبي من ياغيز..هو يحب أخته كثيرا و يحاول حمايتها بكل الطرق الممكنة ..هي تمر كثيرا بهذه الحالة العصبية و ذلك يثير قلق و خوف ياغيز..و هذا ما يدفعه لتنفيذ كلامها..لماذا لا تنتظرين قليلا الى أن يهدأ و أعتقد بانه س..." قاطعتها" كلا..لن أفعل..لقد طردني صاحب المنزل بكل وضوح..لن انتظر و لن أبقى لحظة واحدة هنا..سررت بمعرفتك آنسة ميلانيا..الى اللقاء" ربتت ميلانيا على كتفها و رافقتها الى الباب..ركبت هزان سيارة كانت مجهزة لاصطحابها الى المطار..و قبل ان تنطلق السيارة..اقترب منها هاكان و قال" آنسة هزان..هذا ظرف ارسله لك السيد..سررت بمعرفتك..و اتمنى لك الأفضل دائما" فتحت هزان الظرف لتجد فيه مبلغا من المال..ابتسمت بسخرية و اعادته الى هاكان و هي تقول" أعده الى سيدك و قل له بأن هزان لا تقبل صدقة من أحد..أنا لم اقم بعملي و هذا المال ليس من حقي..شكرا لك سيد هاكان ..الى اللقاء" تحركت السيارة مبتعدة تحت انظار ياغيز الذي كان يقف في الشرفة العلوية للقصر..

تجاوزت السيارة البوابة الحديدية الرئيسية دون أن تلتفت هزان وراءها..لم تكن تريد أن تنظر الى الخلف..الى حيث فشلت من جديد..الى حيث خيبتها الجديدة..الى حيث تركت مهمة لم تكتمل ..مسحت دمعة جديدة تنضاف الى دفتر دموعها القديمة..و خبأت خيبة و انكسارا و هزيمة انضافوا الى لائحة خيباتها و انكساراتها و هزائمها القديمة..ضغطت بأصابعها على كف يدها و أغمضت عينيها بقوة..خاطبها السائق قائلا" سيدة هزان..سأصطحبك الى نزل تقضين فيه ليلتك لأنه لا توجد رحلات الى تركيا اليوم..هناك مشاكل و اضطرابات في المطار..لا داعي للقلق..سيكون كل شيء على ما يرام بحلول يوم الغد" اكتفت بهز رأسها دون أن تنطق بحرف واحد..بعد دقائق ..توقفت السيارة أمام نزل فخم اسمه نزل أبوليوس..ساعد السائق هزان في انزال حقائبها من السيارة و حاول تولي مهمة الحجز لكنها رفضت..انتظرت ذهابه لكي تحجز و تصعد الى غرفتها..نظرت الى الخارج عبر النافذة..المكان ساحر و جميل..اخذت هاتفها و نزلت..تجولت هنا و هناك و هي تلتقط الصور التذكارية..فهذا هو الشيء الجيد الوحيد الذي ستصطحبه معها من هنا..احتست كأسا من الشاي في مقهى جبلي و هي تحاول الاستمتاع بكل لحظة تقضيها قبل ان تغادر اليونان..في القصر..حقن الطبيب اونور يلدز بحقنة مهدئة جعلتها تنام ثم خرج للحديث مع ياغيز الذي أخبره بما حدث ..صمت اونور قليلا ثم قال" سيد ياغيز..اعلم ان تكرر الحالة العصبية يخيفك و يقلقك..لكن ما حدث هو ما يجب ان يحدث منذ زمن..يجب ان تواجه يلدز الحقيقة..و ان تتقبل حقيقة موت توران..هروبها من المواجهة ليس حلا..و لن يساهم في تحسن حالتها أبدا..أعتقد بأن هذه الطبيبة هي الوحيدة التي ستنجح في اقناعها بالعلاج"..
نظر ياغيز الى أونور و سأل" أحقا ما تقوله؟ هل تعتقد هذا حقا؟ و ماذا ان ساءت حالة يلدز أكثر؟ أنت تعلم بأنني أخاف عليها أكثر من نفسي و لا أريد لها أن تتأذى" اجابه" اسمعني أيها السيد..يلدز تحاول الهرب دائما..و أنت تساعدها على ذلك..هي تحاول كسب تعاطفك معها و استغلال حبك لها لكي تتجاوز موضوع العلاج و تغلقه نهائيا..لا تسمح لها بذلك..و افرض قوانينك عليها كما تعودت أن تفعل" ربت الطبيب على كتف ياغيز و انصرف..
مشت هزان على شاطئ البحر و هي تفكر ..انتشلها صوت رنين هاتفها من شرودها..نظرت الى الشاشة و ابتسمت..أجابت قائلة" مرحبا فولكان" رد" هزان..أين انت؟" قالت" على شاطئ البحر" قال" أنا آسف من أجل ما حدث..لقد علمت للتو..و لن أسمح لأحد بأن يطردك..انتظريني..أنا قادم اليك" قالت" فولكان لا تفتعل مشكلة مع خالك..لا.." أبعدت الهاتف عن أذنيها و هي تبتسم..لقد أقفل الخط في وجهها..جلست على الرمال و بقيت تنتظر وصوله..في النزل..وقف ياغيز أمام موظفة الاستقبال و سأل" أريد أن أقابل الآنسة هزان شامكران لو سمحت" ردت الموظفة" أهلا بك سيد ياغيز..لقد خرجت ..تستطيع انتظارها اذا أردت" هز برأسه ثم اتجه الى غرفة الانتظار و جلس..على الشاطئ..صافح فولكان هزان و هو يقول" هيا لنذهب" سألت" الى أين؟ أجاب" الى النزل لكي نأخذ حقائبك و نعود الى القصر" ردت" لا..لن أعود..خالك السيد هو من طردني..و لن اعود الى هناك الا اذا طلب هو مني ذلك" ابتسم فولكان و قال" معك حق..لكن الا تلاحظين بأنك تستنقصين من قيمتي..أنا أيضا اعد مالكا للقصر و لي قيمتي..هيا..لنذهب" قالت" أعتذر..لم أقصد ذلك..لكن حاول أن تتفهمني لو سمحت..هو من .." قاطعها و هو يسحبها من يدها و لم يقل شيئا..دخلا الى الفندق و اتجها الى الاستقبال..اخذت هزان مفاتيح غرفتها و التفتت الى فولكان و قبل ان تتكلم رات ياغيز يتقدم نحوهما و الانزعاج باد على وجهه..

سيّد اليونان المتغطرسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن