لقاء المخبولين

23 2 0
                                    

استقلت سيارة أجرة ،  فوجدت الأجواء مكهربة ، وجدت الإيديولوجيات بمختلف أصنافها تضارب بعضها ، و استفسارات لا متناهية تطرح بلا هوادة ،

وجدت السائق  يستفسر عجوزا زبونا لديه ،أيها الكهل المتهدم  تبدوا لي كشخص ركب أهوال الدهر و جال في خضام الزمان فنال من المهجة  خبياها وأسرارها ،   فهل الحياة لقمة خبز ، قبلة شفاه أم رشفة نبيذ لادع

أجاب العجوز رافقها بابتسامة خبيثة تبلور في  عيناي من خلالها لمعان ضرسه النحاسي : بل هي كبائعة هوى تدعي العفاف والوقار  ، وخزتك بخنجر أثناء مداعبتك لها  حتى   لقيت مصرعك

عقلي لا زال لم يدرك خبايا السؤال و  الشيفرة التي تربط القبلة بالخمر و و الخبز ،  حتى زاده جواب المسن حيرة و رجحان مرغما تروس تفكيري على التوقف

قهقه رجل ٱخر من ورائي بصوت مستفز  ولم ترمقه عيناي بسبب عبثية الحوار السابق وجراء ضعف حضوره : ما رأيك أيها العجوز المنحرف في الخير و الشر ؟

لا أعلم لم  يطرحون هكذا أسئلة أ أنا حقا في سيارة أجرة أم في حضزة أفلاطون ، سقراط و أرسطوا وسط مجمع فلسفي ؛

لكن سؤاله كان ورما خبيثا ضربني على الوتر الحساس جعلني أشتعل حماسا و فضولا لسماع رد الأشيب
فأجاب العجوز الوغد
الحثالة أولئك  من أوهموننا بأن الخير أقوى ، الشر دائما أكثر نبلا و فخامة

حينها أدركت أن الأقدار جمعتني بشخص يفوقني جنونا , كبش يمشي وحيدا  خارج القطيع الأخرق  ، بلبل يغرد حرا طليقا بعيدا عن السرب التابع المعتوه
فقررت أن أستغطأه السؤال المفصلي الذي أرقني حتى اسود جفني  ، وأرهق روحي حتى أعدمني ، و عذب جسدي حتى صرت كتمثيل اليسوع على صليب الثالوث

حان دوري لأسأل أيها الجد : ما كنه وماهية الإنسان التي جعله الرب من أجلها يخلفه فيها على  الأرض ؟

صمت العجوز كثيرا حتى ظننت أنه لن يجيب ، فجأة قال بصوت محبوك برنات حزينة و تعبة  ، الأكيد ليس تكوين عائلة ، ولا الحصول على وظيفة،  بعيدا كل البعد عن الماديات ، ولا في الجري خلف الشهوات ، ما ماهية كل ذلك وأنت تعلم أن النهاية حتمية و الخلود محال

إذا أجابتك أن تعبد الله فلن يقتنع لا اليهودي و لا المسيحي بذلك ،  و سيظن الملحد بأنك مجرد أبله

ماهية الإنسان في تحقيق تضارع بين الروح والجسد من خلال نسيج شائك بين خيوط أفكاره ، مشاعره و تمثلاته

للأسف لم أقتنع ، لكني أدركت أنه سؤال نسبي متعدد الأوجه والزوايا مرتبط بقناعات الفرد و ما وصلت إليه مسارح تفكيره من إدراكات

ح أ


خواطر مجنونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن