[5]

1.1K 132 52
                                    


بعدما انتظرا مطوّلا هدوء السماء التي لم تكفّ عن النحيب، سارَ الإثنان عائدينِ إلى المقهى و قد تلبّسهما خجلٌ ظاهر، كان جليّا أكثر في عينيّ ايمي التي لا تزال آثارُ الدمع منقوشة عليهما.

كان تشعر بالإحراج لفقدانها السيطرة على مشاعرها أمام هذا الشابّ الذي بالكاد تعرفه، لم تكن في قرارة نفسها تدري حتّى كيف آلت الأمور لذلك الحد، بالنظر إليه، كان على الأقل يبدو أكثر ارتياحا منها، كان يقلّب نظره في الأرجاء و كالعادة بدى و كأنه يبحثُ عن شيء ما قد أضاعه...

دخلا زقاقاً مُناراً بالكاد بمصباح دائري مرتعش لأحد المتاجر الجانبية الصغيرة، عند نهايته لاحت واجهة المقهى الكئيبة، تقدّم الإثنان يحاولان قدر الإمكان تجنب صفق برك الوحل كي لا تتسخ أحذيتهما أكثر، ابتسامة متزامنة لاحت من كليهما حين أدركا أنهما بالفعلِ كانا يبدوان كمشردَين بلا مأوى.

" شكرا لك على كل شيء"

سمحت لنفسها بالتعبير أخيرا بعدما استدارت نحوه و قد وقفت بجانب الباب.ربّت على رأسه بحرج قبل أن يومئ.

" طابت ليلتك إذن "

استدارت لتضع يدها على المقبض قبل أن يفاجئها بإقترابه فجأة، شعرت به خلفها مباشرة، الأمر الذي بعث رجفةً في سائر بدنها.

" لقد نسيتُ شيئا"

تناهى صوته القريب إلى أذنيها و قد بدى نوعاً ما مبحوحا. جفلت لحظاتٍ قبل أن تستدير لتقابله و قد أبدت عيناها توسّعا مشدوهاً.

" صحيح القبعة... أنا آسفة"

رفعت يدها بسرعة نحو رأسها لتنتزعها لكن يدهُ الباردة أمسكتها فجأة، انتقلت البرودة إلى جسدها مباشرة و انفجرت بها القشعريرة مجددا، تعالت أصوات دقّات قلبها، كأنها أول مرةٍ يدقّ بها، كأنه لم يكن قبلاً سوى مذياعاً قديما لا تصدرُ عنه سوى ذبذباتٌ خفيفة مرتعشة.

تلك الإبتسامة التي بَسطت سيطرتها على ثغره، وميضُ عينيه المتلألئتين،شحوبُ وجهه و مساماتُ جلده، تأسّفَت للحظة لكونه الفنّان لا اللوحة، لكونهِ لا يستطيعُ رؤية نفسهِ بعينٍ أخرى ليفيَها حقّها من كل لون، رغم أن الألوان في قداستها قد تبهتُ حينَ تُبعثُ رسولاً لتبليغِ تفاصيله النادرة إلى قماشةٍ مُلحدة، فتُؤمن، و تتشرّبُ جُزئياته حدّ التقوى، ستُعلن حربُ الأنامل و يراقُ الأحمرُ مُرَكّزا أملاً في نجاحِ أحدها في نسخِ تلك العقيدة، قد يتنافسُ النبلاءُ لكسبِ اللوحة و تثبيتها على جدارٍ زيتي مخصّص لعجائب الدنيا السبع و يتفجّر خبرُ ولادة الثامنة مُدوّيا، بهيجاً، تاريخياً....

مقهى السعادة(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن