[24]

674 107 12
                                    

ظلّ الشابانِ يرمقانِ بعضهما البعض بصمت للحظاتٍ طويلة قبل أن يقرر جيون المبادرة بالحديث، رغم أنه لم يكُن هنالكَ شيءٌ خاصّ ليتحدّثا حوله، لكنّه وجدهُ من المُعيب أن يتجاهله بتلك الطريقة.

" هل أنتَ ذاهبٌ لرؤية ايمي في مثل هذا الوقت؟ "

باغته الآخرُ بسؤاله قبل أن يهمّ بقول حرف واحد ليحدّق به بإستغراب و قد رأى كمشة تساؤلاتٍ تجلّت في عينيه الضيّقتين على شكل ومضاتٍ خافتة

لم يأخذ وقتاً كبيراً للتفكير و أخبرهُ مباشرة أنها في الحقيقة نسيت قرطها عنده و أنهُ ذاهبٌ لإعادته لها و حسب، داحضاً بذاك كلّ الإحتمالات التي يمكن لعقل مقابله أن ينسجها.

ابتسم الطبيبُ على غير المتوقّع و أخبرهُ أنهُ إن كان يتساؤلُ أين يذهبُ هو الآخر فهو في مهمة ليلية إنسانية عاجلة

ابتسم جيون لعبارته الطريفة رغم أنه لم يكن مهتمّا البتّة بمكان توجّهه. بدى له أنهُ يحاول تمديد عمر الحديث بينهما لسبب قد جهله.لكن فرضيتهُ سقطت حين رفع الآخرُ يده مودّعا و قد أخبره أنه لن يعطّله أكثر.

استحثّ جيون الخُطى ببطئ و قد أصبح كلّ نفسٍ يأخذهُ مصحوباً بالألم ليتوقّف فجأة و يضع يدهُ على الجدار بجانبه بوهن.

استشعر الطبيب أنفاسهُ الصاخبة على بُعد خطواتٍ ليلتفت نحوه.ظلّ محدّقا بظهره المنحني و رأسه المُطرق نحو الأرض، كادَ يلتفتُ مجددا ليكمل طريقه لكنّ شيئاً ما دفعه للتوجّه نحوه، لم يعلم إن كان ذلك ضميرهُ كطبيب أم شيئاً آخر،حيثُ أنه غالباً ما كان يفصِلُ وظيفتهُ عن حياته الشخصية و يفضّل أن يكون خارج المشفى مجرّد إنسانٍ عادي دون مسؤوليات

رغمَ أن العديد ممّن يعرفونهُ قد رأوا في ذلك قلّة إحترافية و أخلاقٍ في ذاتِ الوقت لكنّه لم يكن يهتمّ مطلقا بالأمر طالما يريحهُ شخصياً و لا يخرق أي قانون.

" هل تعاني خطباً ما؟ أراكَ لستَ بخير.... "

خاطبهُ بنبرة أقرب للهادئةِ و قد ركن ساقيه خلفه ليسحب الآخر يدهُ عن الجدارِ محاولاً إدّعاء التوازن. أومأ برأسهِ قبل أن يخبره أنه فقط يعاني بعض الصداع.

" ربّما يمكنُ لشخصٍ عاديّ الإقتناعُ بكلامك، لكنّه لن ينطلي على شخصٍ شابَ شعرُ إبطهِ بين الكُتب الطبيّة... "

مسح جيون العرقَ المُتكاثف على جبهتهِ و لاحت على ثغره ابتسامةُ سخرية.ربّما لم يعُد ينبغي عليه إخفاءُ الأمرِ بعد الآن.

" مرضٌ قلبيّ... "

توسّعت نظراتُهُ و هو لا يزال يقابلهُ بظهره. ذلك الطبيب، لقد شخّص حالته بالفعل دونما حاجةٍ لأن يعترف بذلك بنفسه، في الحقيقة وفّر ذلك عليهِ عناء أن يبدو بشكل مثير للشفقة.

مقهى السعادة(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن