" أنتِ بالنسبة لي... نجمةٌ بعيدةُ المنال يبتغي قطفها عابرُ ليلٍ مبتور الأنامل... "
طالعت ايمي سماءَ تلك الليلة الصافية بأعينٍ ذابلة، مكوّرةٍ بالأسى و خاليةٍ من اللمعان، كانت تتكئُ على كتف النافذة غير آبهةٍ بما ينفثهُ الجوّ من نسائمَ متجمدة، ربّما لأنها كانت قد اعتادت القشعريرة الداخلية الباردة التي تخسفُ بجسدها كلّما تذكّرت عبارته تلك.
رؤيتهُ على تلك الحالِ من الضعفِ جعلتها تتساؤلُ بحدّة و لوم، كيف لم تلحظ قبل هذا اليوم مقدارَ التعاسة الذي كان يستوطن عينيه؟ و الأمرّ من ذلك كيف لم تجرُؤ على سؤاله.هل كانت مجرّد أنانيةٍ ترغبُ في نسجِ قصّة حبّ خيالية ليست على مقاسها؟ بل و دونَ أن تلحظَ أن إبرَها كانت تُدمي أناملاً أخرى هي أناملُه...أو ربما تبتُرها...
لم تعُد تعلمُ كيف ينبغي عليها الشعور، هل هو حقّا يمتلكُ مشاعراً تجاهها؟ إجابته تلكَ لم تُطفئ نيران تساؤلاتها، و بطريقة ساخرة، هي لم تفهمها حقّا بل و أضحت تشكّ أنه تعمّد تغليفها بذلك الغموض كي يتهرّب من الأمر،إلاّ إذا كان يعتبرها أذكى من ألّا تستوعبها فستكون حينها الطرف الأبله في القصّة.
لكن... كلماته، نظراته، مواقفهُ و كلّ ما يتعلّق به، كلّ شيءٍ يشي بإمتلاكه شعوراً جميلاً خصّصهُ لها فقط! نعم فقط هي دون غيرها، لكن هل كان ذلك الشعور يرقى لدرجة الحبّ؟ بالتفكير في الأمر هي لا تعرفهُ بما فيه الكفاية لتلقي الحُكم السابق، ربّما هو يعامل جميعَ النسوة كما يعاملها و بالتالي فإن تاجَ التميّز الذي توّجت به نفسها سيهويِ أرضاً و يتهشّم بقوة.
هو تارةً يهيمُ بها حبّاً و تارةً أخرى يُضحي بارداً كجثة! ذلك الإنفصام المربك، الإمتزاجُ بين الشكّ و اليقين أتلفَ خلايا مخّها و جعلها تغتصبُ كمياتٍ أكبر من الأكسجين لتتشكل ذراتُ الماءِ في عينيها بكثافة و تسمحَ أخيراً لدموعها بالترقرق حتّى تبلل ذقنها.
" ربّما يمكننا خياطتها.... "
" أخبرتكِ أنها مبتورة و ليست مجروحة... "
ضحكَ بسخرية حينها و هو يمرر كمّ قميصه على عينيه مجففاً أهدابه.
" يمكننا زرعها إذن...سأمنحكَ أناملي...."
ذلك الخفقان الذي اجتاح عينيه الشاخصتين لحظتها، إرتجافُ شفتيهِ نحو البكاءِ مجددا ثمّ تحوّلها الإعجازي لإبتسامةٍ كاملة، جعلَها تدركُ أن ما قالتهُ أصابَ قلبهُ مباشرة، كعزاءٍ منتظر، شيءٍ أراد سماعه منذ وقت طويل، لكنهُ في ذاتِ الوقتِ سبّب حالة إستنفارٍ قصوى في كامل جسدها مكمنُها ذلك الخافقُ أيسر صدرها، كان ذلك إعلانا مفاجئاً- حتى بالنسبة إليه-بالتضحية و الحب! هل انتهى الأمرُ بإعترافها هي في حينِ أنها من كانت تتطلّعُ لإعترافٍ منه؟

أنت تقرأ
مقهى السعادة(مكتملة)
ספרות חובביםأُراقبُ خلفَ البابِ شروقَ ابتسامتك و تغيبُ عنيّ مِن كُثر الشوقِ أحاسيسي يتدَلى الليلُ في جبروتهِ باهتاً و يُطفئُ الإنتظارُ فوانيسي " يمنع الإقتباس أو السرقة "