[4]

1.3K 168 26
                                    


انقباضة مؤلمة كانت تعتصر أيسر صدره و هو يراقب بعينين واسعتين إرتجاف كوب الماء بين يديها الصغيرتين كلما حاولت رفعه لتلثمه بشفاه مرتعدة و تسمح للماء بالولوج داخلها.

كانت والدتها جالسة بجانبها بعدما سحبت أحد الكراسي، انهمكت في التربيت على شعرها بلطف و عيناها تبثان نظرات حسرة مرّة.

" لا تخافي، لقد غادر"

اعتذار مبطّن لفّ عبارتها.لم تكن ايمي قد هدأت من نوبة ذعرها تماما إلا أنها قد خفّت بشكل واضح، بدى و كأن الظهور المفاجئ لذلك الشخص فجّر خلايا مخاوفها مجددا لكن بتركيز أقل بقليل.

" فلتصعدي للمنزل، سأكمل العمل "

لم تنبس ايمي بشيء، بدت شاردة في أصابع يديها بعينين منتفختين.أخذت وقتاً طويلا قبل أن تصيغ شعورها بصوتٍ منهك و متقطع.

" إنه السبب في كل هذا"

أحنت والدتها رأسها و قد لمع بريق الدموع في مقلتيها، لم تضف شيئا، لأنها ربما لم تكن تملك شيئا لتضيفه.

في تلك اللحظات رفعت نظراتها لتتفحص الشاب الجالس أمامهما كأنها لم تستشعر وجوده إلا حينها، انكسرت عدساتها أرضا على وقع الإحراج الذي زلزل جسدها، هذا الغريب كان على مرأى من كل حدث لكنه لم ينبس بحرف، اكتفى بإرتداء الصمت كتمثال حجري، رغم ذلك بدى و كأن عينيه تحلّلان كل شيء في الهواء.

بطريقة ما، شعرت بالإرتياح تجاهه، صورته و هو يمسك يدي ايمي بتلك القوة كانت تخز ذاكرتها بشكل متكرر، منحها ذلك شعورا بالدفئ و الألفة.

" سأخرج لأتجوّل خارجًا"

ركنت الكأس على الطاولة بغتة قبل أن تقف و قد عصف الجمود بملامحها بينما طُمست تضاريس وجه والدتها تحت فيضانٍ من الخوف.

" أنتِ لستِ على ما يرام، فلتصعدي للمنزل أرجوكِ"

انبثق صوتها متوشّحا رنة هستيريا خفيفة و قد ارتجفت شفتها السفلى. حثت ايمي الخطى مدّعية عدم نفاذ أي حرف إلى سمعها.ظلّت تراقب ابتعادها بأهدابٍ مرتعشة كأنها مشلولة الأطراف لا حول لها و لا قوة و لسانُ حالها يقول أن لا جدوى للمحاولة.

صُفقت الباب،رنّت الأجراس و أجشهت هي بالبكاء، دفنت رأسها بين كفّيها كأنها بذلك تحاول تجميع تلك القطرات علّها تقمعُ قليلا من ألسنة اللهب التي كانت تستعر داخلها...

" لا تقلقي سأحرصُ على عودتها سالمة"

سكن رأسها المرتعش عن الإهتزاز، لم تعلم لمَ التمست الصدق في كل كلمة قالها، ربما لأنها لم تمتلك خياراً آخر عدى ذلك. شكرتهُ هامسة بحروف لفظتها ساخنةً لتصطدم بباطن يديها، لم تعلم حتى إن كان قد التقطها، صوت خطواته و و هو يهرع خلفها كان آخر ما سمعته قبل أن تهمّ برفع رأسها و تتلقى عيناها الدامعتان هالات ضوء مؤلمة.

مقهى السعادة(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن