[22]

661 95 15
                                    


"إن كانت هذه إحدى مزحاتكَ فالأمرُ لم يعد مضحكا البتّة.. "

انبجسَ صوتُ بيسان محتضراً و هي تثبّت أحداقها المتوسُعة بوجهي، بدى لي في تلك اللحظةِ أنّ كل المستحضرات التي كانت تدهن بها وجهها قد انصهرت ليستحيل ورقةً بالية لكتاب قديم.

استطعتُ بوضوحٍ قراءة الصدمة على تقاسيم كيفن هو الآخر، لا بدّ أنّه كان من النوع الذي تطبق الدهشة شفاهه تماماً دون القدرة على النبس بحرفٍ وحيد.

" هو يمزحُ حتماً! "

ضحكةٌ مرتعشةٌ انزلقت متشبثة بآخر جملتها و هي تستدير نحوه أملاً في أن يصرّح بشيءٍ من شأنهِ دحضُ مخاوفها ربّما.. لكنّه ظلّ على صمته المفجوع طويلاً....

" الأمرُ حقيقي، أنا بالفعل أعاني قصوراً في قلبي و سأموت قريبا... "

" اصمُت... هذا مستحيل... "

ضربت الطاولة بقبضتها مزلزلةً كلّ الأكواب على سطحها الصقيل قبل أن تتجمّد لثوانٍ استوعبت خلالها إنفعالها الهستيري لتسحب يدها بعد ذلك و قد كسرت نظراتها المبهوتة أرضاً بشكلٍ تدريجي.

" لكن... لكن... أ ليس هنالك علاج؟.... "

ابتسامتي اليائسةُ كانت خيرَ جوابٍ لسؤالهِ المتزعزع الأركان الذي صاغهُ أخيراً بصعوبة بالغة كأنّ حلقهُ قامت بولادته.التفت كيفن إثر ذلك ليتبادل مع بيسان النظراتِ المرعوبة التي نجحت في حقني بجزعٍ مضاعف.

" لا بأس، أنا راضٍ تماما و متقبّل للأمر..."

حاولتُ قدرَ الإمكانِ إبتلاعَ غصّتي و رسم إبتسامةٍ مصطنعة على شفتاي لكن عبثاً، بدى أمري مكشوفا تماما أمامهما كأنهما يعرفانني منذ أمد بعيد.

" هل... هل ايمي تعلم بشأن ذلك؟ "

طأطأتُ رأسي و قد شعرتُ بثقلٍ رهيب يسحبني للأسفل،أخذتُ بعدها وقتاً طويلاً لأستجمع من الجسارةِ ما يمكنّني من تحريكِهِ نافياً، دون أن أقرأ تعابيرهما، شعرتُ بأكتافهما تهوي، لكأنّ ثقلها جميعاً هوى على أكتافي....

" يمكِنُكَ الإنسحابُ قبل فواتِ الأوان... "

ارتجفت كلّ خلايا جسدي عقبَ جملته، كانت من القساوة أن جعلت الدموع تتجمعُ في مقلتيّ بشكلٍ حارقٍ و مباغت

ابتلعتها دفعةً واحدة،لا أدري كيف حتّى، ثمّ رفعتُ عيناي تدريجيا نحوه، غمامةٌ سوداءٌ أضحت تطمس جلّ ملامحه و شردتُ بهِ كأنها أوّل مرّة أراهُ بها...

مقهى السعادة(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن