" لن أجدها أبداً... "تنهّدتُ بيأسٍ بعدما ألقيتُ جسدي على كرسي خشبي وسط حديقة الكلّية، كانت الساعةُ في معصمي تشيرُ إلى الحادية عشر صباحاً، لقد أمضيتُ ساعتين تقريباً و أنا أمشّط الجامعة بجميع كلّياتها لكن... لا جدوى.
وسط هذا العدد الهائل من الطلبة،احتمالُ لقائها مجددا ضعيف جدا، ابتسمتُ بسخريةٍ حين أدركتُ الأمر و لم يزد من تمدّد فمي سوى تذكّري لمنظر جون المتحمّس صباحاً، و الذي أخبرني أنني سأجدها حتماً و ما عليّ سوى أن أتبعَ قلبي!
أما عن كيفية إكتشافه للقصة فالأمرُ بسيطٌ جدا، أمسكَ بي أجهّز نفسي على الثامنة و النصف صباحاً لأقصد الكلية، و الجميعُ يعلمُ أنني لا أرتادُ الكلية باكراً إلا في فترة الإمتحانات حين يكون الأمر إجبارياً و لا مفرّ منه.
لم تكن لديّ نيةٌ للإنكار أو خلقِ أسبابٍ وهمية لم تكن لتقنعه على كلّ حال، لذلك اعترفتُ له بالأمر مباشرة، اعترفتُ أنني سأذهب للبحث عنها، تلك الفتاةُ التي حرّكت داخلي مشاعراً فريدة من نظرةٍ وحيدة!
مضى شهران بالتمامِ و أناَ أرتادُ الكلية يومياً للبحث عنها، متظاهراً بعدم الإنتباه لتلك الأعراض التي كانت شدّتها تتزايد أكثر فأكثر، أصبحتُ شاحباً على الدوام،مسكوناً بدوارٍ لا ينفصلُ عنّي، ليضحي جلّ ما أنشدهُ في النهاية هو العودة لغرفتي و الخلود للنوم على سريري متعريّا من كلّ الهواجس التي كانت تنخرُ عقلي و تؤرّق كاهلي... هاجسُ ألّا أقدرَ على رؤيتها مجددا في المقامِ الأوّل ثم هاجسُ الموت في المرتبة الثانية، لأن الموتَ المؤلمَ بالنسبة لي كان إضمحلالَ عينيها من ذاكرتي.
جاهدتُ شهرينِ آخرين في الكلية قبل أن أقرّر التوقّف نهائيا، هزُلت حوافزي و أحلامي بهزول جسدي، حتى يمكنني القولُ أنّ ملامحها بدأت حقّاً في الإختفاء. لم أصارح أحداً آخر بموضوع مرضي، و لا حتّى زملائي المقربين، رغم فضولهم و تساؤلاتهم الملحّة لكنّي فضّلتُ الإنسحاب بهدوءٍ و سلاسة ثمّ الإختفاء للأبد.
" كو ما الذي تفعلهُ؟ "
نبرةُ صوتهِ المرتعدةُ سمحت لعقلي بتخيّل تعابير وجهه الحالية بينما هو خلفي و لا أستطيع رؤيته.لم أكن أفعلُ شيئاً في الحقيقة، كنتُ جالساً على الأرضية في غرفة المعيشة المظلمة، مُحاطاً بعددٍ ضخمٍ من الأوراق المجعّدة التي تحوي خربشاتٍ لا ملامح لها، بعضُ الفراشي الملوّنة تلطّخ الأرضية الملساء، بعضُ بِرك الألوان المائية و بعضُ... السجائر.
اقترب نحوي بخطواتٍ استشعرتُ ثِقلها لينزعَ السيجارة من فمي بعنف! رفعتُ نظراتي المتعبة إليه و قد لمعت بعينيّ سخريةٌ واضحة بينما لا يزالُ القلمُ يتراقصُ بين أناملي و ورقةٌ عذراء أخرى تنامُ في حُضني.
أنت تقرأ
مقهى السعادة(مكتملة)
Fanfiction✨أُراقبُ خلفَ البابِ شروقَ ابتسامتك و تغيبُ عنيّ مِن كُثر الشوقِ أحاسيسي يتدَلى الليلُ في جبروتهِ باهتاً و يُطفئُ الإنتظارُ فوانيسي✨ " يمنع الإقتباس أو السرقة "